اللواء إبراهيم حبيب مفتش السجون في قفص الصحافيين

2012-03-29 - 8:22 ص


مرآة البحرين (خاص): لم يتوقع اللواء (إبراهيم حبيب) المفتش العام بوزارة الداخلية، سيل الأسئلة المحرجة التي تلقاها من الصحافيين الأجانب. لم يعرف كيف يجيب عليها وبدا محرجاً أمامها ومرتبكاً. حدث ذلك أثناء الاجتماع الذي عقده بقاعة الاجتماعات بسجن جو جنوب العاصمة المنامة صباح يوم الثلاثاء 20 مارس/ آذار الجاري، وهو السجن المركزي في البلاد.

بدأت القصة عندما وصل وفد الصحافيين لسجن جو، بينهم مراسلي بعض وكالات الأنباء والبي بي سي الإنجلينزية والجزيرة وتلفزيون الجديد اللبناني ومراسلة ديرشيبغل الألمانية.

استقبال المفتش العام للصحافيين الأجانب كان جافاً للغاية، اقتصر على تقديم نفسه باللغة الانجليزية: أنا إبراهيم حبيب المفتش العام. ما دفع للامتعاض من طريقة الإستقبال الجافة والمتكبرة وفق ما وصف أحدهم. ووفقا لمصادر فإن وزارة الداخلية رفضت أن يكون بين الوفد الصحافي مندوبون عن الصحافة المحلية.
زيارة وفد الصحافيين للسجن، جاء بطلب من وزارة الداخلية التي تريد تحسين صورتها، وإظهار التزامها بتنفذ توصيات تقرير بسيوني، محاولة منها لكسب ثقة الرأي العام عبر وسائل الإعلام العالمية.

كل شيء عال العال

جلس المفتش العام مع الصحافيين في غرفة الاجتماعات، بدأ يعرض عليهم عبر شاشة على الحائط، وبلغة انجليزية متواضعة السيرة التاريخية لسجن جو. تناول المراحل التي مر عليها السجن متضمناً التطور في المباني والقوانين المتبعة مع السجناء. وصفها بالإنجازات التي حققتها وزارة الداخلية في تطوير العلاقة مع السجناء وتوفير سبل الراحة لهم داخل الزنازين والعنابر وتوفير القنوات الفضائية المطلوبة لهم سواء الرياضية وغيرها عدا الإخبارية.

ووفق سياسة النظام البحريني التي تقوم على أن كل شيء بخير وكل شيء عال العال، راح المفتش العام يتلو على الصحافيين الأجانب ما يُخبر عن هذا العال العال في طقس رومانسي في الغرفة المظلمة، فقال إنهم يوفرون بطاقات هاتف لمدة نصف ساعة في الإسبوع لكل سجين يمكن أن يستخدمها خلال يوم أو أسبوع، وأنهم قاموا مؤخرا بعمل (سوبر ماركت) لتسوق المساجين داخل سجن جو، ظهرت صورة السوبر ماركت كأنها داخل مخزن قديم، كما أخبر عن توفير (حلاّق) داخل السجن وبعض الملاعب والمرافق الترفيهية للمساجين، بالإضافة إلى افتتاح كافيتيرا، بدت في الصورة وكأنها كشك صغير متواضع داخله شرطي.
 
كما ذكر المفتش العام للصحافيين إنهم يقومون بكتابة تقارير مستمرة عن السجناء، في محاولة من إدارة السجن لتوفير طلباتهم، وأن هناك مندوبا من المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان يزور السجناء أسبوعيا لفتح صندوق يضعون فيه ملاحظاتهم على معاملة السجنانين وإدارة السجن، وأكد أن إدارة السجن لا تستطيع فتح هذا الصندوق، إلى جانب أنه يتم توفير صنادق لمقتنيات السجناء لاحد يستطيع فتحها سوى السجناء أنفسهم.

بدأ التململ يظهر على الصحافيين بسبب السرد الإنشائي الذي يلقيه المفتش العام في القاعة المظلمة، استمر في عرض  Presentation  غير واضح المعالم سواء للإشخاص أو المرافق، وحاول تضييع الوقت في معلومات غير مهمة للصحافيين الذين منعوا حتى من إدخال كاميراتهم. بدأت التناقضات تنفلت من حديث (حبيب)، ففي الوقت الذي يؤكد فيه استقلالية عمله، يدافع بشراسة عن وزارة الداخلية والأمن الوطني ضد السجناء.

حبيب، دافع بقوة عن إدارة السجون، وقال إنها عززت علاقتها مع المساجين بفضل المعاملة الحسنة التي يتلقونها، والمتابعة المستمرة من قبل وزير الداخلية وكبار المسئولين في وزارة الداخلية، وهذا بفضل توجيهات القيادة العليا في البلاد.

 وسقط فيما فرّ منه

بعد قرابة ساعة إلا ربع من تململ الصحافيين، وجدوا أنهم من اللازم أن يقطعوا الحديث على المفتش العام والبدء بتوجيه الأسئلة. كانت هذه الصدمة لإبراهيم حبيب الذي لم يكن جاهزا لأسئلة الصحفيين، كان يعتقد أن أسئلتهم ستكون موجهة ومتواضعة مثل مندوبي الصحف المحلية التابعة للحكومة، لكن ليس هذا ما حصل، فقط سقط المفتش العام فيما حاول الفرار منه طوال الوقت.

 
بدأ أحد الصحافيين بالسؤال عن عدد المساجين، فرد عليه المفتش العام: يتواجد في السجن 1236 سجينا. أكمل آخر بالسؤال عن عدد المساجين السياسيين من بين المجموع الكلي، أجاب إبراهيم حبيب بانزعاج: لا يوجد سجناء سياسيين، العدد هو صفر.

سأل صحافي ثالث: ماذا عن إبراهيم شريف، أليس هذا سجيننا سياسيا؟
أجاب اللواء: لا لا لا قلت لايوجد سجين سياسي بعد المشروع الإصلاحي للملك العام 2001.
جادل صحافي آخر: لكن تقرير بسيوني اعترف أن هناك سجناء رآي في البحرين بينهم إبراهيم شريف رئيس جمعية وعد، والناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة، وحسن مشيمع رئيس حركة حق، والمنظمات الدولية أيضا اعترفت بهذا الموضوع وطالبت بالإفراج عنهم؟
أجاب حبيب بامتعاض: قلت لكم صدقوني وأنا صادق معكم أنه لايوجد سجناء رأي في هذا السجن، نحن نعترف بأحكام المحاكم الجنائية، فهي من تقرر أنهم سجناء جنايات وليسوا سجناء رأي، هنا كل السجناء محكومون من المحاكم الجنائية. اذهبوا للمحاكم واسألوهم..

تابع صحافي آخر: هل هناك سجناء رأي في سجون أخرى في البحرين؟ أجاب المفتش العام: "لا أعرف إذا كان هناك سجناء رأي في مكان آخر، أنا معني بهذا السجن" . يبدو أنه نسى أنه يتحدث بوصفه المفتش العام في البحرين.

لم يعلم حبيب أن هذه العبارة ستجر عليه ما لا يحمد، أمسك صحافي آخر الخيط وسأل: بصفتك معني بهذا السجن كما تقول، هل قيادات المعارضة والناشطين في هذا السجن؟ حاول حبيب التظاهر بعدم الانتباه له وشغل نفسه بالتحدث مع صحافي آخر بقربه. الصحافي أعاد السؤال مرة أخرى وهو ما دفعه إلى القول: "أي معارضين؟ لا أعرف، هناك سجناء عليهم أحكام جنائية قد يكون من بينهم من ذكرت". كان واضحاً أن المفتش العام لا يريد أن يذكر حتى أسماء السجناء طوال الاجتماع مع الصحفيين.

حاصره صحافي آخر: أنت تقول إنك المفتش العام، وهؤلاء شخصيات معروفة على مستوى العالم، هل يعقل لا تعرف مكانهم؟ يعني هل هم في سجن سري لا أحد يعرفه مثلا؟ هل يمكن تأكيد هذه المعلومة لنا يا لواء إبراهيم حبيب؟
وجد إبراهيم حبيب نفسه محاصراً ومحرجاً وفي موقف لا يُحسد عليه، ما اضطره أن يسأل، بارتباك واضح، الرائد محمد الحسيني مدير السجن الذي كان واقفا طوال الاجتماع: هل مشيمع وعبدالهادي هنا؟ أجاب الأخير: نعم هنا.

تصاعد الإحراج

بسؤال سريع ومباغت، أكمل صحافي آخر: كيف حال الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة؟ هل يتلقى علاجا جيدا وهل لازال مضرباً عن الطعام؟
حاول إبراهيم حبيب التهرب من الإجابة بتوجيه سؤال معاكس: هل تصدقون أن شخص يستطيع أن يصمد أكثر من شهر من دون أكل؟ فسأله مباشرة صحافي آخر: ماذا تقصد لواء إبراهيم؟ هل عبدالهادي الخواجة يتناول الطعام؟ أجاب: نحن نبعث له طعاما يوميا ضمن برنامج الوجبات. عقب الصحافي: فهل يأكل عبدالهادي أم لايأكل؟ رد الأخير: لا أعلم. أحرجه الصحافي مباشرة: كيف لا تعلم؟ ماذا إذاً عن التقارير التي تكتبونها حول طلبات النزلاء والتي تحاولون توفيرها لهم كما قلت سابقا؟ كانت تلك ضربة غير متوقعة فاجأت المفتش العام واسكتته.

أعاد الصحفي السؤال: هل تشاهدون عبدالهادي يأكل أم لا؟ أجاب: من الصعب جداً أن أضع شرطياً طوال الوقت يراقب السجين يأكل أو لا يأكل، هذا انتهاك لحقوق السجين ومخالف للقوانين الدولية.
أضاف صحافي آخر: هل عبدالهادي يتلقى رعاية طبية؟ أجاب: نعم هناك طبيب يأتي يوميا للكشف عنه وعن بقية السجناء.

باغتة آخر: هل هناك طلبات طالب بها المعارضون وقمتم بتوفيرها لهم وفق ما تقول إنكم توفرون للمساجين طلباتهم؟ أجاب: هذا يحتاج لأن نعرف من السجلات.

أكمل آخر: لماذا لا تفرجون عنه وخصوصا بعد مطالبات الكثير من المنظمات والشارع في البحرين وحتى تقرير بسيوني؟ وهنا، وقبل أن يكمل الصحافي سؤاله، جاء شخص يهمس في أذن إبراهيم حبيب الذي تنفس الصعداء قبل أن يرفع رأسه قائلاً: يبدو أن الوقت انتهى لأن لديكم موعدا آخر لزيارة ورش السجناء. وأضاف: تمنيت أن أجلس معكم أكثر لأرد على استفسارتكم لكن ربما لديكم موعد أخر.

 شكرا لحضوركم السجن. فهم الصحافيون الأجانب أن دخول هذا الشخص المدني على الخط، هو انقاذ للواء ابراهيم حبيب المفتش العام الذي لم يعد قادراً على احتواء أسئلتهم التي لم يعتد على مثلها من الصحافة الرسمية التي لا تسأل إلا بما يراد لها أن تسأل وفي حدود ما يُسمح لها من سقف . شعر الصحافيون أن حبيب تنفس الصعداء.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus