شاهد عيان على انتفاضة 14 فبراير: طردت من البحرين لمشاركتي على الفيسبوك 4

2012-03-30 - 7:49 ص

 
توني ميتشيل*، صحيفة الأتلنتيك
ترجمة: مرآة البحرين

في 2 نيسان/أبريل عدت إلى البحرين، إلى المكان الذي درست فيه اللغة الإنجليزية في جامعة بوليتكنيك في الجزيرة الصغيرة، وكانت قد انقضت ثمانية أسابيع على الاحتجاجات الشعبية والقمع الشديد والمتزايد من قبل الشرطة. وكنت أنا وزوجتي قد أخذنا استراحة بعيداً عن البحرين، التي يتم تقسيم المجتمع فيها على نحو متزايد، لقضاء عطلة في تايلاند. لكني وجدت صعوبة في الاسترخاء، فأفكاري كانت تركز على ما يمكن أن يحدث للمتظاهرين في دوار اللؤلؤة، مركز الاحتجاجات، بعد أن طلب الملك حمد آل خليفة المساعدة من دول مجلس التعاون الخليجي( شبه الجزيرة العربية التي تسيطرعليها السعودية سياسيا) لإرسال قوات للسيطرة على الوضع بالقوة. دول مجلس التعاون الخليجي، التي تم إنشاؤها أصلا للوقوف بوجه التهديدات الخارجية، تنشرالآن جنودها ضد المدنيين البحرينيين العزل. وقد تم إخلاء الدوار مرة أخرى عندما كنت بعيدا.

 وكانوا قد دمروا نصب اللؤلؤة الرائع الذي كان يقع في وسط الدوار عندما كنت خارج البلد. وجدت من الصعب جدا أن أفهم ذلك، ولكنها فقط كانت تؤكد على أن نظام آل خليفة عازم على إزالة كل آثار الاحتجاجات السلمية التي حدثت هناك.  وكان  التلفزيون الحكومي قد نقل بأن المنطقة بحاجة إلى "تطهير"  وقال وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة،  بأن الهدم كان "لإزالة ذكري سيئة".
شعرت بإحساس كبير بالخسارة وأنا أقود سيارتي باتجاه دوار أبراج اللؤلؤ السكني، وجدت أنه لا "لؤلؤة" بعد اليوم.وقد قيل  لي إنه عندما تم بناء النصب التذكاري في عام 1982 (لحضور القمة الثالثة لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد في البحرين) كان أعلى مبنى في البلاد. ولكنه بعد ذلك تضاءل أمام المباني السكنية المجاورة له - بما فيها ذلك المبنى الذي كنت أعيش فيه مجاورا للدوار – لكنه لم يكن أقل شأنا أو إثارة. والآن قد ذهب.

بدأت بوليتكنيك من جديد بعد فترة انقطاع بسبب "الاضطرابات الاجتماعية"، وكان هناك اجتماع  شامل آخر للموظفين. علمنا أن بوليتكنيك، والتي كانت سابقا تحت توجيه مجلس التنمية الاقتصادية  قد أصبحت في الوقت الحاضر جزءا من وزارة التربية والتعليم. وكانت الوزارة قد عينت "نائبا للمدير التنفيذي"وهو الدكتور محمد إبراهيم العسيري (الذي لم يكن حاضرا في الاجتماع)، والذي تمثل دوره في التواصل مع الوزير الذي يمكنه الإجابة على الأسئلة التي تتعلق بالبوليتكنيك أمام البرلمان. وفي تباين صارخ مع بيان حياديته في شباط/فبراير، أعلن الرئيس التنفيذي للجامعة جون سكوت بأن بوليتكنك هي الآن جزء من الدولة، وأنه ينبغي علينا دعم الحكومة. فقلت لنفسي " جهنم، أكون داعما للحكومة". وكان جون قد أبلغنا بأنه سيتم "التحقيق" مع جميع الموظفين والطلاب الذين شاركوا في أي من المظاهرات الأخيرة سرعان ما يتم الانتهاء من تحقيقات مماثلة في جامعة البحرين.
 
استأنفت التدريس، ضاغطا مقرر اللغة الإنجليزية إلى الوقت المتبقي من الفصل الدراسي. وقد أعطي طلابي خيار الدوام الصباحي أو دوام بعد الظهر. فاستغللت هذه الفرصة لتقسيمهم إلى مجموعتين أساسيتين : واحدة موالية للحكومة دوامها صباحا، وأخرى  مؤيدة للديمقراطية دوامها بعد الظهر. والآن الصف الصباحي كان متفائلا ومبتسما، في حين أن صف بعد ظهر كان هادئا ولكنه عاقد العزيمة.

حاولت  (كما هو الحال دائما) ان أدرس دون أي محاباة أو تمييز ولكن الغطرسة الساحقة في الصف الصباحي جعلت الأمور صعبة جدا بالنسبة لي. فالطلاب لم يبدوا أي اهتمام، فالبعض يصل في وقت متأخر جدا، والبعض الآخر لا يجلب معه حتى ورقة أو قلماً، والبعض ببساطة يلعب بهاتفه طيلة فترة الدرس. مع أني لم آتِ لهم  بذكر ما كان يحدث خارج بوليتكنيك  لكني كنت أشعر أن الكثير منهم كانوا واعين لمشاعري ولذلك نبذوني ببساطة. أشعر الآن أن البعض منهم كانوا يناضلون في صراع داخلي في دعم الحكومة، بقدر ما كنت أنا، ولكنهم سرا يسألون ما الذي حدث.

بدأت التحقيقات في شهر أيار/مايو كما وعدوا، وكان الجو في بوليتكنيك صعبا. علمنا أيضا ان الموظفين البحرينيين الذين تم تحديدهم في الصور الفوتوغرافية عند حضروهم الاحتجاجات  قد خصوا بالتحقيق. فقد ألقي القبض على واحد من الموظفين من غير المدرسين وتعرض للضرب المبرح ولكنه تمكن من استئناف العمل. وكانت صفحات فايسبوك قد عرضت صورا فوتوغرافية  تم التقاطها خلال المظاهرات، وطلب من أنصار الحكومة تحديد الوجوه التي طوقت بدوائر حتى يتمكنوا من ملاحقتهم والقبض عليهم.

 أحد طلابي السابقين أخبرني قصته المرعبة: تم استدعاؤه إلى مبنى الإدارة في بوليتكنيك  وتم نقله مع خمسة طلاب آخرين إلى المبنى العسكري المجاور حيث تم وضعهم جميعا في غرفة. حيث مكثوا هناك ليلة كاملة وفي صباح اليوم التالي تم استجوابهم. وكان تلميذي محظوظا للغاية حيث تم الخلط بينه وبين  شاب آخر يحمل اسما مماثلا وبالتالي سمح له بالمغادرة.  كان ثلاثة من الشبان (طلبة في جامعة البحرين) مقيدي الأيدي، وقد وضعت رؤوسهم في أكياس، ونقلوا على متن حافلة، ولم يرهم أحد قط مرة أخرى.

وجدت أن من الصعب جدا التأقلم مع هذا الوضع ولكنني حاولت عدم التفكير كثيرا بما قد يحدث لي. طمأنت نفسي بأنني لم أشارك في أي من الاحتجاجات، وبالتالي فأنا آمن. فأشرطة الفيديو التي كانت في شقتي قد تمت معالجتها من قبل "موظفي الأمن" من شهر شباط/فبراير وبالتالي فإنني أشعر بالأمان تجاهها. وأنا أعلم بأنني قد قمت بالإدلاء ببعض التعليقات مع  "الأصدقاء" على فايسبوك  ولكنها لم تكن ناقدة للأسرة الحاكمة أو للحكومة، ولكنها ببساطة كانت محاولة لتصحيح معلومات خاطئة أو مضللة. لم  أكن أدري كيف سيكون مستقبلي  في بوليتكنيك  وهل أني كنت أستطيع الاستمرار في العمل لصالح حكومة لجأت إلى الاعتقالات غير القانونية، والتعذيب، والآن لتحديد الهوية على شبكات التواصل الاجتماعي.

 بدأت الدولة بطرد الطلاب، بما في ذلك أحد تلاميذي الذي كان في دوام بعد الظهر. وكان الطلاب مستاءين جدا وقلقين. حاولت أن أمنحهم بقدر استطاعتي فسحة أكبر لمواجهة الموقف. وما زال طلاب بعد الظهر، الذي يأتي البعض منهم من القرى التي تداهمها الشرطة التي تلقى القبض على المشتبه بهم وتحطم الممتلكات، يأتون إلى الصف بشجاعة، يمرون عبر نقاط التفتيش، ويستمرون في العمل بجد ونشاط. لقد وجدت شجاعتهم شيئا ملهما للغاية.

وكنت مع كل يوم يمضي في البوليتكنيك كنت أنتظر استجوابي من قبل لجنة التحقيق التي أنشئت من قبل نائب المدير التنفيذي. ومع كل يوم يمضي ولم يطلب مني ذلك كنت أشعر بأنني كنت خارج المراقبة ونجوت من الاكتشاف. كانت فترة مليئة بالتوتر. وبعد برهة من الزمن، وبينما أنا في الصف وصلتني رسالة نصية على هاتفي المحمول  تطلب مني زيارة مدير قسم الموارد البشرية في مكتب الرئيس التنفيذي.

كان اللقاء مباشرا وفي الصميم. فلقد كانت وزارة التربية والتعليم  تعرف كل شيء عني، وتعرف كل شيء عن مقاطع الفيديو وتعليقاتي على فايسبوك. وتبين لي أن "أصدقائي" كانوا قد احتفظوا بنسخ من تعليقاتي، والتي تم تقديمها لهم، على الرغم من أن أيا منها لا يمكن  استخدامه بجدية لإظهار ما إذا كنت قد انتقدت الحكومة بأي شكل من الأشكال. كنت أعرف أن نهايتي اقتربت ولم يكن باستطاعتي فعل أي شيء. والحق يقال إن جون سكوت كان قد أصر على أن أمثل أمام لجنة تحقيق أخرى كوني الوحيد من غير البحرينيين قيد التحقيق. أخبرته  بأنني لا أحمله مسؤولية ما يجري  بأي شكل من الأشكال. رغم ذلك، من الواضح أن الوزارة تريد مني الخروج فورا من البلاد، ولكن جون قال إنه سيحاول تأجيل ذلك إلى وقت لاحق.  فالسنة الدراسية تنتهي بعد أربعة أسابيع.

 وفي وقت لاحق اتفقنا على أنه باستطاعتي التدريس حتى 30 حزيران/يونيو، والذي من شأنه أن يعطيني وقتا إضافيا  لبيع سيارتي وحزم أمتعتي وممتلكاتي وإرسالها إلى تايلاند. وطلبوا مني التوقف عن تقديم أي تعليق على فايسبوك، ووافقت على ذلك. لم أكن أرغب بأن يتورط أحد في بوليتكنيك بسبب أنشطتي.

مشيت إلى مكتبي وأنا مشوش الفكر. لقد أقالوني من وظيفتي، ليس بسبب قدراتي التدريسية ولا لسبب تأديبي معتاد بل لأني التقطت فيديو وأدليت بتعليقات على فايسبوك. والآن علي التفكير في مستقبلي بعد 30 حزيران/يونيو، والبحث عن وظيفة جديدة في مكان ما، وإخبار زوجتي بأنه علينا أن نترك شقتنا الجميلة والحياة  التي استمتعنا بها معا في البحرين. ولكني من ناحية أخرى، شعرت بإحساس كبير من الراحة بأنه تم إطلاق سراحي من العمل لصالح الحكومة البحرينية وأنه لم يعد يربطني بها أي ارتباط على الإطلاق.

في الأسابيع التي تلت إقالتي بقيت أرصد فايسبوك، وبشكل رئيسي في محاولة لي لتعقب الطلاب الذين تم طردهم. ذهلت عندما علمت بأن العديد من الشباب البحريني المتميز والقيادات الطلابية في بوليتكنيك طلب منهم الرحيل. وبدأت تظهر  تصريحات عديدة تنتقد جون سكوت بسبب عمليات الطرد وتراجعه عن كلامه بأن بوليتكنك ستبقى محايدة. كنت أشعر بأنني لا يمكن أن أسمح لهذا أن يحدث ولكني  كنت أعلم أن صلاحيات جون قد تقلصت بسبب تدخل الوزارة، وحقا مصلحة الطلاب كانت في قلبه ووجدانه في جميع الأوقات. لذا نشرت ما ظننته تعليقا بريئا: "سأقول لكم المزيد عن هذا بعد 30 حزيران/يونيو". ولكن اتضح أنها كانت خطوة سيئة.

في صباح اليوم التالي، 14 حزيران/يونيو، تم استدعائي إلى مكتب مدير الموارد البشرية  (جون سكوت كان في إجازة) وقيل لي أن كتابتي على فايسبوك قد أُوصلت إلى انتباه وزير التربية والتعليم (لا شك أنه من خلال أحد "أصدقائي" على فايسبوك)، الذي كان "قد هيأ العدة لذلك ". طلب مني المغادرة فورا. حزمت أمتعتي، ونسخت كافة الملفات من اللاب توب الخاص ببوليتكنيك إلى قرصي الصلب الخارجي، وأرجعت اللاب توب. وكانت بوليتكنيك في وقت سابق قد حجزت لي ولزوجتي  إلى تايلند في 1 تموز/يوليو. وسألوني إن كنت أريد تغيير التذاكر.

طلبت البقاء حتى نهاية شهر حزيران/يونيو كما كان مقررا. لم أكن أريد أن أسبب ضجة فأسبوعان إضافيان من شأنهما أن يعطيانا المزيد من الوقت لحزم الأمتعة، وبيع السيارة، والتوديع، والمغادرة. عندما شرحت هذا في اجتماع للموظفين في  قسم  الموارد البشرية في الجامعة، نظروا إلى بعضهم البعض بتوتر وقالوا لي بأن أفكر جديا في مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.

بأي حال أصبحت، فبضعة مقاطع فيديو على يوتيوب وبضع تعليقات على فايسبوك، ينظر إليها على أنها تهديد للحكومة؟ كان شيئا مخيفا، ولكنه أظهر لي مدى الخوف لدى هذه الحكومة، ومدى عزمها للقضاء على كل معارضة.

 بعد أن قمنا بحزم حاجاتنا وشحنها كلها إلى تايلاند، غادرت أنا وزوجتي البحرين وإلى الأبد في 23 حزيران/يونيو. على متن الطائرة، كان لدي وقت للتفكير في السنوات الثلاث التي قضيتها في البحرين، وما الذي عايشته وما الذي حققته. كنت أيضا أتساءل ما يمكن أن يحدث لهذا البلد المدهش والشعب الشجاع الذي تركته ورائي. الأجوبة لا تزال غير واضحة: الاحتجاجات الآن قد استمرت لمدة سنة تقريبا، مع نظام ملكي يرفض التراجع عن حكم الأقلية المستبدة.  فصلي الصغير قد انتهى، ولكن قصة الانتفاضة البحرينية كانت على العكس من ذلك.

*توني ميتشيل مدرس أسترالي في اللغة الإنجليزية كان قد درس في تايلاند، وعمان، وكان آخرها في البحرين

4 كانون الثاني/يناير 2012

وصلة النص الاصلي على صحيفة أتلاننتك

وصلة النص الأصلي على مدونة توني ميتشيل

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus