شاهد عيان على انتفاضة 14 فبراير: البحرين التي عرفتها 5

2012-04-02 - 5:51 م


توني ميتشيل*، مدونة متشل

ترجمة : مرآة البحرين


كنت أعرف القليل جدا عن البحرين قبل أن أذهب للعيش والعمل هناك. كعاشق لسباق الفورميولا 1 للسيارات كنت أعرف أن البحرين كانت تستضيف سباقاً كل عام، وكنت أعرف أن هذا البلد هو في مكان ما في الشرق الأوسط. هذا كل ما عرفته عن البحرين. حتى عندما كنت أعيش في عمان لم أسمع أو أقرأ أي شيء عنها. وعندما علمت أنه يوجد بوليتكنيك جديدة هناك والتي كانت تبحث عن مدرسين وافدين اضطررت إلى استخدام غوغل لأرى أين تقع البحرين. وأتذكر أنني تفاجأت (أ) بأنها جزيرة (ب) صغيرة. على أن قرار مغادرة عمان والاستقرار في البحرين كان واحدا من أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي.

كنت أعد نفسي محظوظا جدا أنني أصبحت جزءا من بوليتكنيك البحرين. وعندما اكتشفت البوليتكنيك أول مرة لم أعد أستمتع حقا بالتدريس في عمان. كنت منسقا لمنهاج اللغة الإنجليزية لطلاب السنة الأولى في واحدة من خمس كليات شكلتها وزارة التربية والتعليم في سلطنة عمان وكانت رئيسة المنهاج جَون بوير ( سيدة نيوزيلندية رائعة ومحبوبة للغاية)  قد قررت الاستقالة من منصبها. وفي لقائها الأخير مع جميع منسقي الكلية في مسقط أخبرتني أنها ستتوجه إلى البحرين لتصبح رئيسة منهاج اللغة الإنجليزية في البوليتكنيك الجديدة هناك، وذكرت أنهم بحاجة إلى موظفين. قدمت طلب عمل في حزيران/يونيو 2008 لمنصب مدرس لغة إنجليزية، وبعد فترة وجيزة، طلب مني السفر إلى هناك لإجراء مقابلة.

في مطار البحرين، استقبلتني مديرة إدارة الموارد البشرية، لورين وابر (ولسخرية القدر هي نفس الشخص الذي أجبر على إنهاء وظيفتي)، وأخذتني إلى مجمع السيف لتمضية بعض الوقت هناك لأن مقابلتي لم تكن مقررة إلا بعد الظهر. في عمان، كنت أعيش في مدينة ساحلية تسمى صور تبعد حوالي 300 كلم عن العاصمة مسقط، وذلك على العكس من المنامة كانت مباشرة ملفتة للنظر. كنت منبهرا بـ "حداثة" المدينة والوضع الواضح الذي كان يجاري الزمان. أعرف أن عمان محبوبة من قبل كثير من الناس لجمالها الأخاذ وتقاليدها (على سبيل المثال، هناك ارتفاع معين  للمباني)، حتى عام 1970 لم تكن هناك حتى أي مدارس أو طرق مرصوفة. أتذكر أنني كنت أفكر بحالتي بينما كانت راكبا في سيارة لورين، "أستطيع أن أكون سعيدا جدا هنا".

فمن خلال ركوبي السيارة والمقابلة علمت تفاصيل حول البوليتكنك. كان من المقرر أن تفتح أبوابها للطلاب في أيلول/سبتمبر 2008 وكانت قد أنشئت خصيصا من قبل ولي العهد، سلمان بن حمد آل خليفة، وذلك كجزء من رؤية البحرين 2030. وكانت البحرين تعاني من وجود "فجوة مهارات"حيث كان شبابها بحاجة ليكون لديهم مؤهلات محددة لشغل الوظائف المتاحة لأنه لا توجد وظائف للكثير من خريجي الجامعة تناسب التخصصات التي درسوها. كانت مقابلتي في المبنى القديم لجامعة البحرين في مدينة عيسى وكانت لورين قد أخبرتني أنه مخطط بعدئذ هدم كل البناء وتشييد مبنى رائع على أحدث طراز. فكل شيء بدا مثيرا للغاية.

أديت مقابلتي بشكل جيد للغاية، وتلقيت عرض العمل عندما كنت في إجازة في تايلاند في تموز/يوليو وبدأت حياتي في بوليتكنيك في 31 آب/أغسطس كموظف رقم (65). كان للموظفين الجدد لقاء مع الرئيس التنفيذي جون سكوت وقال كلمتين  جلبتا الابتسامة إلى وجهي، وأكدت لي أنني كنت في المكان المناسب. قال إن هدف بوليتكنك هو بأن تصبح مؤسسة من "الطراز العالمي". أعجبني ذلك، وكنت فخورا بأن أكون جزءا من ذلك.

كنت حاضرا في الافتتاح الرسمي للبوليتكنك في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 من قبل ولي العهد. أيضا من بين الحضور كان نائب رئيس الوزراء، الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة (وينبغي عدم الخلط بينه وبين نائب رئيس الوزراء لشؤون اللجان الوزارية، محمد بن حمد آل خليفة أو وزير النقل، علي بن خليفة آل خليفة، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس الوزراء). لقد كنت مهتما جدا لأنني لم أر من قبل عضواً من أي عائلة مالكة عن قرب لذلك كنت أنتظر بفارغ الصبر وصول الحاشية الكبيرة نوعا ما. كان لدينا فقط حوالي 250 طالبا في الفصل الدراسي الأول ولكنني كنت محتارا قليلا  لرؤية حوالي 50 أو نحو ذلك فقط بقوا لرؤية وصول ولي العهد. في ذلك الوقت، كنت أدرس صفين صغيرين، بعد الانتهاء من الدرس لم يبق أحد منهم لرؤيته. استنتجت بشكل خاطئ على أنهم فقط لا يرغبون في رؤية بوليتكنيك وهي تفتتح بشكل رسمي.

في الأيام الأولى في بوليتكنك كنت أعيش في ضاحية تسمى الجفير، وهي مساحة من الأراضي المستصلحة تقع قرب فندق الخليج والمسجد الكبير (الفاتح) . وكانت قريبة أيضا إلى القاعدة العسكرية الأمريكية وشارع صغير يحتوي على العديد من مطاعم الوجبات السريعة وبمحبة يعرف باسم "شارع الكوليستيرول". في ذلك الوقت، كانت زوجتي لا تزال في تايلند وكنت أعلم أنها تفضل العيش في مكان ما بالقرب من مراكز التسوق بدلا من مطاعم وقاعدة عسكرية، لذلك رافقت مجموعة من زملائي الذين كانوا يبحثون أيضا عن أماكن للسكن في مناطق أخرى. عرضت علينا شقة (ليست في أبراج اللولو) بالقرب من مجمع تجاري للتسوق والذي كنت أعتقد أنه سيكون مثاليا لذلك قررت التوقيع على عقد الإيجار. وكان اسم الضاحية التي  اخترت العيش فيها "السنابس".

لم يكن المبنى السكني في منطقة السنابس ولكن كان على الأطراف، قريبا جدا من المنامة ودوار اللؤلؤة. وكان من  الأشياء الأولى التي لاحظتها عند ذهابي وإيابي من العمل حول منطقة السنابس هو ظهور سحب منتظمة من الدخان الأسود، وآثار دائرية غريبة على الطرق. وكان كلما سألني أحد من طلابي عن مكان سكني وأجيبه بـ "السنابس" يضحك ويسألني إن كنت أحب المشاوي. استمر ذلك حتى رأيت كومة من الإطارات تم إشعال النار فيها عمدا في إحدى الطرق مما أفهمنى كل شيء. حاولت معرفة ما كان يجري.

كان أحد تلاميذي، في ذلك الفصل الدراسي الأول، شابا محبوبا جدا وذكيا يدعى أحمد. وكان يسمي نفسه "الثائر" وكان يرتدي جاكيتا أخضر على الطراز العسكري. وكان حتى بمظهره المنفتح يبدي شيئاً من الكتمان حول ثورته وأخبرني أن حرق الإطارات كان احتجاجا بسبب اعتقال بعض الشباب في المنطقة. تصورت أن ذلك كان بسبب بعض الحوادث التافهة وتركت الأمر عند هذا الحد. لم أكن أفهم لماذا يحتاج أحمد إلى أن يكون ثوريا في المقام الأول. بالنسبة لي، بدت البحرين وكأنها بلد مخطط ويدار بشكل جيد للغاية، وأنها من الواضح قد كرست الكثير من الوقت لتخطيط مستقبلها عند النفاد الحتمي لاحتياطيات الموارد الطبيعية.

أتذكر أنني كنت سعيدا للغاية في ذلك الوقت وشعرت بأنني قد اتخذت قرارا ممتازا للانتقال إلى البحرين. ذهبت إلى حلبة البحرين الدولية وشاهدت سباق السيارة الخارقة V8 (فضلا عن سباقات الفورميولا 1 في وقت لاحق من العام التالي)، شاهدت بعض أفضل لاعبي السنوكر في بطولة سنوكر البحرين في مركز المعارض، وشاهدت هزيمة البحرين أمام أستراليا في مباراة كرة القدم المؤهلة لكأس العالم في الأستاد الوطني، ولعبت الغولف في ميدان نادي الغولف الملكي، ولعبت الكريكيت على الشاطئ، وانضممت إلى النادي البريطاني. وأفضل الأشياء كانت في متناول اليد، خصوصا المطاعم الكبيرة والكحول. ففي عمان كان لا بد من ترخيص لشراء الكحول وكانت منافذ البيع موجودة فقط في مسقط، التي تنطوي على رحلة 700 كلم ذهابا وإيابا. كانت الحياة جيدة وكنت معجبا جدا بالطريقة التي كان يدار من خلالها البلد. في كل نواحيها كانت البحرين بلداً ينعم بالسلام والسعادة ولكن، بدأت تدريجيا أكتشف، أن المظاهر قد تكون مخادعة جدا في البحرين.


10 كانون الأول/ديسمبر 2011





التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus