شاهد على اتفاضة 14 فبراير: بروز الحقيقة القبيحة للبحرين 6

2012-04-06 - 10:40 ص



توني ميتشيل، مدونة توني متشل
ترجمة : مرآة البحرين

بعد الإطاحة الناجحة بالقيادات المستبدة في تونس ومصر، تنبهت إلى أن نظام آل خليفة قد عرض على كل عائلة في البحرين 1000 دينار (حوالي 2500 دولار أمريكي) لـ "يعكس حرص جلالته على تحسين حياة المواطنين". يمكنك قراءة مقال عن ذلك هنا. إن توقيت هذه البادرة الاستثنائية لا يترك شكا عند إنسان عاقل على أنها كانت، بشكل واضح تماما، رشوة تهدف إلى منع أي اضطرابات، أو كما يطلق عليه البعض "أموال لشراء سكوت الناس". كما أنها خلقت فرصة أخرى لدق إسفين محتمل آخر بين النظام والشعب المضطهد الذي ينبغي عليه رفض مثل هكذا "عرض سخي"، وهذا ما فعلوه بحق. أتذكر أنني كنت منذهلا عندما اطلعت على هذه المعلومات واستغربت قبل كل شيء كيف أنهم حاولوا عمل هذه الرشوة الواضحة. ولنفترض أن الأسر المضطهدة لم تدرك من فورها الدوافع من هكذا عرض مسيئ  على أنه إهانة لذكائهم، ذلك أوضح لي تماما كيف أن الحكومة تنظر إلى الأغلبية من مواطنيها:على أنهم مجموعة من قليلي العقل الذين يمكن ببساطة دفع الأموال لهم لإسكاتهم.

إن الإخلاء الوحشي لدوار اللؤلؤة في 17 شباط/فبراير يؤكد تماما موقف النظام الخليفي تجاه "المعارضة". وكنت قد ذقت طعم  ذلك بشكل مصغر قبل ذلك بثلاثة أيام، في 14 شباط/فبراير،عندما رأيت مجموعة صغيرة بالقرب من مجمع الدانة وقد تم إطلاق مسيلات الدموع عليهم وتم تفريقهم ولكن في ذلك الوقت لم أعرف تماما ما حدث. بعد إعادة النظر، يتضح تماما  كيف يشعر رؤساء الشرطة تجاه أي شكل من أشكال الاحتجاج: يجب القضاء عليها في أسرع وقت ممكن، وبالتالي فإن أي شكل من أشكال الانتقاد (على شكل حرية في التعبير) للنظام لا يمكن التسامح معه. وسمعت أيضا، و للمرة الأولى، نماذج من "خطاب الكراهية" الموجه إلى المتظاهرين من خلال إناس يسكنون في أبراج اللؤلؤة، والتي أشعرتني بالاشمئزاز نوعا ما.  تعليقات مثل "إنها اللغة الوحيدة التي يفهمونها" (رميهم بمسيلات الدموع وتعريضهم للضرب)، و"لا يمكنك التحدث مع هؤلاء الناس" (هؤلاء الناس!) تركتني في حيرة  كيف يشعر الموالون للنظام تجاه المتظاهرين. لم يسبق لي أن شهدت ذلك خلال فترة وجودي في البحرين ولكن الآن عرفت أن هناك مجموعتين مختلفتين من الناس.

على المرء فقط أن يلقي نظرة على الأحداث المشينة التي وقعت في مركز السلمانية الطبي  ليفهم حقيقة مستوى الكراهية الذي طفح على السطح خلال الأيام التي تلت إخلاء الدوار وكيف تشعر مجموعة من البحرينيين تجاه الطرف الآخر. كان مركز السلمانية الطبي أقرب مستشفى كبير من دوار اللؤلؤة ولذلك تم نقل الأعداد الكبيرة من الجرحى إلى هناك في17 شباط/فبراير. لقد كان هناك مجيء أعداد لا تصدق ولا نهاية لها من المتظاهرين المصابين بشدة والذين تمت مهاجمتهم بعنف وتم نقلهم إلى هناك وقد امتلأ المسشفى بهم في حين أن أسرهم القلقة بدأت بالوصول وبالتجمع في الساحة الخارجية. وسرعان ما ازدحم مدخل الطوارئ بالأقرباء وذلك بسبب الأعداد الضخمة من المحتجين الجرحى، ومعظم الأقرباء بقي هناك  بغية الحصول على الأخبار، ومحاولة زيارة ذويهم الجرحى. في الأيام التالية أصبح مركز السلمانية الطبي مكانا للاجتماع ومركزا حيث  يمكن للأقارب والمتظاهرين التجمع، وأما الآن فلقد تمت السيطرة على دوار اللؤلؤة من قبل الشرطة والجيش.


 
[وبالمناسبة، أحد الأسباب التي قدمتها الحكومة لإخلاء الدوار كانت أن تجمع الناس، ونصب الخيام هناك  قد عرقلت حركة المرور، مما تسبب في تعطيل الأعمال في المنطقة. ولقد أثار انتباهي جدا وأنا في موقع المراقبة الأفضل في أبراج اللؤلؤة أنه بمجرد أن غادر المتظاهرون حلت قوات الأمن مكانهم وقامت أيضا بإغلاق الشوارع تماما، ولم يسمحوا بوصول  السيارات إلى المنطقة. في الظاهر، أن هكذا خطوة شجاعة  قد استعادت بطريقة سحرية مستوى الأعمال في المنطقة. لا بد وأن إعاقة حركة المرور من قبل قوات الأمن كانت فعالة للغاية لأن المنطقة كلها لا تزال اليوم مغلقة في وجه حركة المرور.]

كان من الواضح أن الحكومة غير راضية بأن يصبح المستشفى مركزا جديدا للاحتجاجات (حيث تلقى الخطابات خارج قسم الحوادث والطوارئ، وكذلك الهتافات، الخ) لذلك تم إخلاء المستشفى من قبل رجال الأمن في نهاية المطاف بنفس الطريقة الخرقاء. لم يكن هناك أي شك في أن الحكومة كانت تريد أن تجعل من موظفي المستشفى نماذج (أ) لتقول للملأ بأن الحكومة لا تتسامح بأي تجمع للمتظاهرين في أي مكان، خصوصا في مستشفى و (ب) من الواضح أيضا لمنع أي تجمعات أخرى في أي مكان آخر. ولهذا دفع الطاقم الطبي ثمنا باهظا وجائرا تماما. ومن أجل معاقبة أولئك الذين صادف أنهم يقومون بواجباتهم في ذلك الوقت (محاولتهم لعلاج المصابين البحرينيين  وإنقاذ حياتهم) تم على الفور اتهامهم بالوقوف إلى جانب المتظاهرين، وبالتالي (بطريقة غير منطقية تماما) الدعوة لسقوط نظام آل خليفة. وبالإضافة إلى ذلك، تم اتهام الطاقم الطبي بتفضيل  المحتجين من خلال علاجهم وترك المرضى الموالين للحكومة في المستشفى دون مراقبة، وعلى أنها اتهامات مهينة حول الالتزام بمهنيتهم. وأنه لا يوجد شخص حتى لا من قريب ولا من بعيد يعتقد أن طبيبا أدى القسم الأبقراطي يمكنه أن يتجاهل عن عمد أي مريض على حساب مريض آخر، إن ذلك صعب التصديق. وحتى الآن هذا ما استندت عليه اتهامات الحكومة، بل وحتى أكثر من ذلك وبشكل لا يصدق، مدعومة بالكامل من قبل أتباعها الموالين.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. فهي لم تكتف بالاتهامات المتعلقة بعملهم، بل ادعت أيضا أن الأطباء كانوا يقومون بتنظيم  تخزين الأسلحة في المستشفى (وأبرزها البنادق والسكاكين والسيوف) لاستخدامها لقتال أي مهاجمين موالين للحكومة. الصورة الذهنية  للأطباء وهم يصلون كل يوم إلى المستشفى حاملين الحقيبة الطبية في يد، و AK-47  في اليد الأخرى هو مجرد شيء مضحك جدا - ولكن الاتهامات قد فبركت، ومرة ​​أخرى تم تصديقها ودعمها من قبل الموالين. ووسط كل هذه السخافات، قام الموالون بعرض شريط فيديو والذي، وفقا لهم، يثبت وللجميع أن مركز السلمانية الطبي هو قاعدة جديدة  للمتظاهرين الإرهابيين، وذلك دعما للاتهامات التي صدرت في وقت سابق. الشريط يظهر لقطات ضبابية جدا لعدد من الرجال ذوي ملامح من شبة القارة الهندية وكما بدا أنهم كانوا يساقون إلى داخل المجمع وأيديهم مقيدة إلى الخلف.

المعاينة الأولى تظهر أن هؤلاء الرجال والذين على ما يبدو عمالا وافدين أبرياء كانوا يقادون إلى المجمع رغما عنهم ولكن مرة أخرى الحكومة ومعها، كما هو الحال دائما، فرقة الموالين يحرفون الحقائق لتتناسب مع احتياجاتهم الخاصة.  واتضح في وقت لاحق بأن هؤلاء الرجال المقيدين كانوا رجال أمن بملابس مدنية وهم متورطون بالهجوم على إحدى القرى. وأنه قد تمت السيطرة عليهم وتقييدهم من قبل مجموعة من المتظاهرين. وقد أصيبوا بجروح في الصراع (من الواضح أنها كانت جروحا طفيفة لأنهم كانوا قادرين على المشي إلى المستشفى دون أية مساعدة)،  وبعد ذلك أخذوا إلى هناك لتلقي العلاج. وتم عرض فيديو آخر، ولكن هذه المرة من قبل مجموعة من المحتجين، يظهر بطاقات الهوية للرجال الأسرى، والذين في الواقع يعملون لدى وزارة الداخلية. فإذا كان المتظاهرون  حريصين كل الحرص على خطف هؤلاء الرجال، لماذا نقلوهم إلى إحدى المستشفيات العامة؟ ولماذا لم يحتفظوا بهم في مسكن خاص  حيث "خاطفوهم الإرهابيون الأشرار" يمكنهم فعل ما يشاؤون بهم؟ إن الحكومة استغلت هذه المعلومات وكل ما فيها، واستخدمتها كبند رئيسي في مقاضاة الطاقم الطبي.

 قمت مع زوجتي فعلا بزيارة مركز السلمانية الطبي خلال الأيام التي تلت إخلاء الدوار. وكنت قدعرفت من خلال فايسبوك أن هناك نقصا في بنك الدم التابع للمستشفى وقد كنت في أستراليا  واحدا من المتبرعين بالدم بانتظام لذلك لم يكن لدي أي تردد في التبرع. كنت مسرورا جدا عندما وافقت زوجتي بسهولة على الانضمام لي ولكن عندما وجدنا المكان الصحيح للتبرع في المستشفى  قيل لنا إن الآن لديهم ما يكفي. ولقد كان حدثا آخر رائعا لكل منا في زيارتنا للمستشفى في ذلك اليوم. شاهدنا بأم العين عدد الناس الذين كانوا يتواجدون هناك، عدد كبير من النساء، والشعور الواضح بالاستياء من تعرض أحبائهم لإصابات بالغة ولكن كان لا يزال هناك شعورغامر لمجموعة متمدنة وقورة وهادئة من الناس. نعم، كانوا غير راضين ولكن كنت أنا وزوجتي نمشي بينهم بسهولة ولم نشعر بأي خوف. ولم نرى أي دليل على وجود أسلحة هناك.

وفي الأيام والأشهر التي تلت زيارتنا لمركز السلمانية الطبي ظهرت اتهامات خيالية إضافية حول المتظاهرين.والأن أصبح التمييز بين المتظاهرين والموالين واضحا لنا أكثر فأكثر.

28 كانون الثاني/ديسمبر 2011

وصلة النص الأصلي

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus