جمعة الخواجة: زلزال الحرية لا الموت

2012-04-07 - 10:59 ص


مرآة البحرين (خاص): إنها أيامه، عبد الهادي الخواجة المضرب عن الطعام منذ 58 يوماً، لا يشاركه فيها أحد. منذ أُعلن عن تدهور صحته ووصولها إلى مرحلة (شديدة الخطورة)، والبحرين تعيش غليان ساعة الصفر. إنها الساعة الفاصلة بين أمل الحرية ووجل الموت. فالرجل العنيد قال كلمته: الحرية أو الموت، وهو ماض إليها مثل رمح.

منذ يوم الثلاثاء 4 ابريل، اليوم الذي انتشر خبر انتكاسته الصحية، ومسيرات الاحتجاج لم تتوقف ولم تهدأ، يتواصل ليل معظم المناطق والقرى بنهارها. احتجاجات تتصعد إلى مواجهات مع  قوى مرتزقة أمن النظام، غير المكترث باحتضار الخواجة، ولا بمناشدات منظمات العالم، ولا بغضب الشعب طبعاً.

أمس الجمعة 6 ابريل، أطلق عليها جمعة الخواجة، كانت مزلزلة باسم الخواجة، طوال اليوم لم يهدأ الشارع من أشكال الاحتجاج، وبالطبع لم تهدأ قوات مرتزقة أمن النظام أيضاً، التي لم تهدأ منذ أيام، بل لن تهدأ ما لم يحقق هذا الشعب أهدافه.

مسيرتان حاشدتان وملتهبتان، انطلقتا عصر أمس، إحداهما من منطقة سلماباد إلى منطقة عالي تحت عنوان: "أنقذوا الخواجة، لا نهاب رصاص الغدر". والثانية من منطقة جدحفص (دوار عبد الكريم)، إلى منطقة السنابس مُطالِبة بالافراج الفوري عن الخواجة أيضاً.

■  مسيرة عالي

في مسيرة عالي التي دعت إليها الجمعيات السياسية، احتشد عشرات الآلاف من أجل حرية الخواجة، ومن أجل الشهيد أحمد اسماعيل الذي لا يزال جثمانه ينتظر الدفن بعد أسبوع من استشهاده بطلق ناري، فيما لا تزال السلطة تماطل في إصدار شهادة تثبت السبب الحقيقي لوفاته. تم عمل تشييع رمزي له خلال المسيرة. تقدم المسيرة والد الشهيد بمعية عدد من قيادات الجمعيات السياسية. الصحافة العالمية ووكالات الأنباء أحاطت به لأخذ تفاصيل قتل ابنه والتداعيات اللاحقة.
ارتدى المشاركون في المسيرة أقنعة لوجه الخواجة بابتسامته المعروفة، رفعوا صوره على امتداد خط المسيرة، نادوا عبارته الشهيرة: الحرية أو الموت، ورفعوا اللافتات. أحد المشاركين رفع لافتة معبرة، تتضمن عبارة مكتوبة بخط اليد تخاطب الخواجة: "هذا النظام يريد قتلك وتصفيتك لأنك تهدد وجوده وبقاءه، ونحن نريدك حياً كي تلهمنا الصمود والإصرار لأجل الأطفال والوطن، أوقف إضرابك يا خواجة نحن نحبك".
تنوعت أساليب التعبير التي اتخذها المشاركون في المسيرة ليوصلوا رسائلهم إلى العالم. بعض الشباب اختار أن يعبر عن رفضه لإقامة سباق الفورمولا بطريقة ملفتة، ارتدى 6 شبان لباس المشاركين في سباقات الفورمولا بألوان مختلفة، وحملوا في أيديهم أسلحة رشاش (غير حقيقية)، في تعبير رمزي بليغ للاتحاد الدولي لسباقات الفورمولا والمشاركين: أنتم تساهمون في قتلنا. تقدم هؤلاء الشباب طفل وطفلة يرتدون اللباس نفسه، ويحملون في أيديهم الورد ويرفعون علامة الصمود، في إشارة إلى ثورة الورود التي خنقها النظام وإصرار الشعب على المواصلة.

■   مسيرة دوار عبد الكريم


 
عشرات الآلاف أيضاً، احتشدوا في الوقت نفسه، في المسيرة الموازية المنطلقة من منطقة جدحفص إلى السنابس القريبة من موقع دوار اللؤلؤة المحاصر. ردد المحتجون خلالها عبارات الخواجة الشهيرة: "فلتسقط العصابة المجرمة"، و"الحرية أو الموت"، وعبروا عن استلهامهم الصمود من شخصية الخواجة التي لم تنكسر يوماً أمام محاولات التركيع والإذلال، والذي ضرب بمواقفه مثالاً للصمود والتحدي من أجل مبدأ ثابت هو: حق الإنسان في العيش بحرية وحقه في الدفاع عن حقوقه المسلوبة والمطالبة بها.

ارتدى المشاركون أقنعة عبد الهادي الخواجة أيضاً، ربطوا أيديهم ورؤوسهم بشرائط صفراء كتب عليها: الحرية أو الموت، وكانت الأعلام البيضاء التي رفرفت حاملة صورة الخواجة ملفتة. كان الخواجة وحده سيد المسيرة، بإمكانك أن تجده على كل وجه وفي كل يد وعلى كل لسان، وكانت صورته التي تشق عن ابتسامته الشامخة، هي المتصدرة. وعلى خلاف المتوقع لم ترفع صورته الأخيرة التي يرقد فيها بشكل هزيل وواهن على فراش الاحتضار، ربما أراد المحتجون أن تكون صورته المبتسمة، هي الخواجة في كل الحالات.

توقفت المسيرة عند نهاية منطقة جدحفص عند الساحة الخلفية لسوق جدحفص، وتم إلقاء مجموعة من الخطب والكلمات ورفعت الأيدي بالدعاء، قبل أن يتسرب مجموعة من الشباب باتجاه دوار اللولؤة، لم يلبث أن تبعهم العشرات، ثم المئات، ثم ما يزيد عن ألف مشارك، نساء ورجالاً يزحفون تجاه الدوار. قطع المحتجون مسافة غير قليلة، وصلوا عند الإشارات المرورية عند منطقة السنابس، تجاوزوها قريباً من المدخل المؤدي إلى مجمع الدانة القريب من الدوار، وهنا بدأ القمع العنيف والمتواصل، إطلاق هستيري للغازات الخانقة، وهجوم سيارات الداخلية ومدرعاتها من كل مكان، تراكض المحتجون للخلف هرباً من الغازات التي حولت المكان لسحابات كثيفة خانقة، بعضهم فر إلى داخل قرية السنابس، وبعضهم وصل إلى جدحفص، فيما الطلق المستمر يلاحقهم دون توقف. لم يكف تفريق المتظاهرين ليوقف الطلق الذي جاء استعراضياً وانتقامياً، لاحق المرتزقة المتظاهرين داخل الشوارع الضيقة التي فروا اليها في محاولة منهم للوصول إلى سياراتهم، ولاحقهم دخان المسيلات داخل البيوت التي احتموا بها في منطقة السنابس. بقي الكثيرون مختنقين ومحاصرين داخل البيوت لساعات طويلة قبل أن يتمكنوا من الخروج.

■  ليل الجمعة

لم ينته يوم الجمعة عند هذا، رغم إنهاك اليوم وتعبه لم يكن هذا الشارع ليتوقف عن نصرة الخواجة بما يملك من طاقة وقدرة. حتى ساعات متأخرة من الليل، أكثر من 25 قرية بحرينية لم تتوقف عن التظاهر من أجل الخواجة رغم القمع العنيف والعقاب الجماعي الذي تعرضت له.

جمعة الخواجة أوصلت رسالتها إلى السلطة العنجهية، أن سماحها بموت الخواجة سيكون مفصلياً، وحاسماً، وأنها هي من سيدفع الثمن أكثر، فالشعب قد تعود دفع الأثمان الغالية، ولم يعد يبالي، فهل السلطة المنهكة تحتمل زلزال الخواجة المدوي القادم؟

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus