إذعان واشنطن لملوك الشرق الأوسط

2012-04-11 - 12:34 م




توماس كاروثرز*، واشنطن بوست

ترجمة :مرآة البحرين


عقب الذكرى السنوية الأولى لبداية الربيع العربي، أعلنت إدارة أوباما في كانون الأول/ديسمبر صفقة بيع أسلحة ضخمة إلى المملكة العربية السعودية، بثمن يفوق الناتج المحلي الإجمالي السنوي لأكثر من نصف بلدان العالم. ورحبت الإدارة بالصفقة على أنها "إنجاز تاريخي" وأنها "تعزز العلاقة القوية والدائمة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية". التجاور القريب للذكرى والترميم الظاهري للترقيع الصعب المؤقت في العلاقات الأمريكية السعودية يسلط الضوء على الحقائق المنسية الحاسمة حول الربيع العربي واستجابة الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن روايات الربيع العربي غالبا ما تشير إلى موجة من التغيير السياسي يكتسح مختلف انحاء الشرق الأوسط،  فإن الواقع خلاف ذلك. إن الموجة قد شطرت المنطقة، فأغرقت النصف الأول وتركت الآخر بالكاد رطباً. فالحكومات في أغلبية جمهوريات المنطقة، أعني تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، قد أطيح بها أوانها قد واجهت حصاراً داخلياً خطيراً.وفي تباين مروع  فإن كل الأنظمة الملكية في المنطقة تبدو آمنة، مع الاستثناء المحتمل للبحرين. فمعظمها لديها ما يكفي من أموال النفط للحفاظ على مواطنيها ميسوري الحال، وبعضها لديها شرعية دينية خاصة.

يجب أن نضع في اعتبارنا أن الأنظمة المستبدة المختلفة في المنطقة التي سقطت من السلطة العام الماضي بدت كذلك راسخة، لكل أنواع العلل المتينة والمفصلة في كثير من الأحيان، وصولا إلى اللحظة التي لم تعد كذلك. فالرهان على الأنظمة المستبدة الموثوق بها في هذا الوقت من المفاجآت السياسية، والتي تنبع غالبا من الاحتجاجات الشعبية المفاجئة والمؤرقة، محفوف بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى.

الرئيس أوباما يقول إنه يدرك هذه الحقيقة. وأعلن في أيار/مايو  أن "بعد عقود من قبول العالم كما هو عليه في المنطقة، لدينا فرصة لمتابعة العالم كما ينبغي أن يكون" وبأنه ستكون  "سياسة الولايات المتحدة تعزيز الإصلاح في جميع أنحاء المنطقة."وأنه صحيح أن الولايات المتحدة عادة ما كانت تدعم التغير الديمقراطي في المناطق التي ضربتها الاضطرابات السياسية، بنشاط في بعض الأحيان، كما هو الحال في ليبيا؛ وبتردد أحيانا، كما هو الحال في مصر. ولكن في المناطق التي ما زال يخيم عليها الاستقرار الاستبدادي، تتمسك الإدارة بالسياسة الأمريكية المستمرة منذ عقود من الزمن  للدعم غير المحدود للديكتاتوريين الحميمين المفيدين جدا بمسائل الأمن والاقتصاد.

وعندما قامت حكومة البحرين بقمع حركة الاحتجاج الهائلة بقسوة ضمن حدود أراضيها في الربيع الأخير، انكفأت الإدارة بشكل أساسي. فالولايات المتحدة كانت غير مستعدة للمخاطرة بالمساس بالبيت الخليجي الملائم للأسطول الأمريكي الخامس من أجل التزامها بالديمقراطية العربية. فالمشاركة العسكرية للمملكة العربية السعودية في الحملة القمعية في البحرين ومعارضتها الثابتة حتى لبارقة من التحرر داخل حدودها لم يردع الإدارة عن إعادة التأكيد بحماس على حميمية العلاقات الأمريكية السعودية. وخذ بعين الاعتبار أيضا أن العاهل الأردني الملك عبد الله تلقى فقط المديح والمساعدات من واشنطن، على الرغم من أنها لم تتخذ أية خطوات جدية نحو الإصلاح الديمقراطي في الاستجابة للمطالب الشعبية من أجل التغيير.

  فالتقسيم الصارخ  يكمن وراء السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وتجري جهود جادة لدعم التحولات الديمقراطية في أجزاء من المنطقة إلى جانب الدعم الثابت لمعظم الحكومات المتبقية غير الديمقراطية. إن هذا الموقف ذا الوجهين، والذي قليلا ما علقت عليه واشنطن ولكنه واضح وضوح الشمس في المنطقة، يضعف بشدة القدرة على الإقناع بجهودنا التي نبذلها لتعزيز الديمقراطية.

إن منطق الواقعية السياسية التي تحرك الارتباط المتواصل في الممالك العربية الصديقة واضحة بما فيه الكفاية. فالمصالح التي على المحك - من النفط إلى مكافحة الإرهاب إلى احتواء إيران -  ذات وزن. ومع ذلك فإن المنطق واضح جدا لأنه وعلى وجه التحديد  مألوف جدا. إنه تماما نفس المنطق الذي  تنصلنا منه بعجالة في العام الماضي بعد أن بدا أجوف فجأة وبشكل رهيب في بلد بعد آخر.

أسفت الولايات المتحدة حينئذ ولوحظ أنها غير مستعدة أبدا للتغير التاريخي، ولم تفعل إلا القليل جدا لتمهيد الأرضية نحو شرق أوسط أكثر ديمقراطية. وأنحينا بفشلنا بالضغط أكثر على الأصدقاء المستبدين لأخذ الإصلاح على محمل الجد، وبتوسيع وتعميق دعمنا لنشطاء المجتمع المدني المؤيدين للديمقراطية، وكذلك بتوسيع معلوماتنا وحوارنا مع القوى الاجتماعية الجديدة التي لم نفهمها الا بشكل ضعيف.

إلا إذا كنا قد أخذنا على محمل الجد التحدي الصعب ولكن القابل للحل لإيجاد وسيلة للجمع بين شراكات مفيدة مع المستبدين الإقليميين مع الانتباه الحقيقي لضعفهم السياسية.

وبما أننا نتحرك إلى ما بعد الذكرى السنوية الأولى للربيع العربي، يمكننا أن نتوقف عن تبادل أنخاب التهاني لعودة العلاقات الأمريكية السعودية إلى مسارها والتفكر مليا في كيفية تجنب الندم المستقبلي المحتمل في المنطقة التي بالكاد قد شقت مرحلة تغير تاريخي.

 *توماس كاروثرز هو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومؤلف تقرير " تعزيز الديمقراطية في عهد أوباما إنعاش أم تراجع ؟ "

4 شباط/فبراير 2012





التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus