مطلوبين للعدالة.. قادة الحكم العسكري في البحرين 1-3

2012-04-12 - 8:26 ص




مرآة البحرين (خاص): إنها الحاجة للحسم العسكري وبالتعبير الملطف "الأولوية للأمن" بتعبير وزير الخارجية البحريني. هكذا دشنت أسوأ وأقبح مرحلة في تاريخ البحرين الحديث. فبعد ثلاثة ايام من بداية قمع العسكر للمحتجين السلميين في دوار اللؤلؤة وهدمه، صرح وزير الخارجية البحريني في 18 مارس 2011 "أن المنامة ملتزمة بالحوار لكن استعادة الأمن والنظام هي الأولوية الآن. وأن البحرين ليست على الطريق الخطأ" كما قالت واشنطن وأنها ستوضح ذلك. كما أعلن أن مزيدا من قوات درع الجزيرة ستصل إلى البحرين وأنها ستبقى ما دامت هناك حاجة إليها. واتهم الوزير إيران بالتدخل في شؤون البحرين من خلال تصريحات مسؤوليها.

أولوية العسكرة (الأمن) كانت سببا مباشرا لأن: تبدأ مرحلة تطهير سياسي وتطهير طائفي ولأن يتم الاعتقال والسجن والتعذيب على الهوية. مرحلة رغم استمرارها إلا أنها كانت حقبة سوداء وتاريخا يصعب محوه من ذاكراة الناس جمعيا، حيث يذكر التاريخ أن شعبا خرج للمطالبة بحقوقه واسس ديمقراطية فتية إلا أن رغبة العسكري الجامح في تثبيت نفسه سيدا مطاعا كانت من وراء اشتراك جيشين نظاميين وعدة أجهزة أمنية للقضاء على الثورة أو خنقها.
 

أولوية العسكرة كانت سببا مباشرا لأن يفصل أكثر من 3 آلاف عامل من عمله بقرار عسكري ومباركة سياسية وتنفيذ إداري وان تكون حصيلة المعتقلين أكثر من خمسة آلاف متعقل منهم خمسة شهداء تحت التعذيب في حين أن قافلة الشهداء لم تتوقف لتحصد أوراحا وأجسادا لا تتمايز في عمرها أمام لذة العسكري في لبس بذلته. وأن تعلو بيانات الإدانة والاستنكار من كافة منظمات حقوق الإنسان وتصبح سمعة نظام البحرين كسمعة أشد الدكتاتوريين قمعا وجهلا.

أولوية العسكرة كانت سببا لأن يظهر النظام على حقيقة طالما حاول إخفاءها وبدلا من تدارك الأوضاع والبحث عن مخارج سياسية، حيث ظهر ملك البحرين في 21 مارس ليعلن "أن مملكة البحرين أفشلت مخططا خارجيا تم الإعداد له لمدة لا تقل عن عشرين أو ثلاثين عاماً استهدف البحرين حتى تكون الأرضية جاهزة لذلك، فلتهنأ البحرين بما أنجزته وليحفظ الله البلاد" وأن يصدر مرسوما جديدا بعد هذا الإعلان الضخم يعزل فيه من نصبهم وزراء وقت ما كان يحتاج لبعض الوقت كي يجهز آليات الجنود ودباباتهم. ففي 23 مارس صدر قرارا بتعيين باسم بن يعقوب الحمر وزيرا للإسكان وعهد إلى فاطمة بنت محمد البلوشي وزيرة التنمية الاجتماعية بالإضافة إلى عملها القيام بأعمال وزير الصحة بدلا من وزير الصحة نزار البحارنة.

جلباب القانون

لم يكن باستطاعة النظام السيطرة على الاوضاع والقضاء على الديمقراطية دون أن يلجأ لاستخدام قوات الجيش والحرس الوطني، ليس لأن الأجهزة الامنية غير مدربة أو مهئية لاستخدام مقدار القوة نفسها التي يمكن قوات الجيش أن تستخدمها. فالمطلوب لم يكن إخلاء دوار اللؤلؤة من المعتصمين والقيام باعتقال النشطاء والقادة السياسين بقدر ما كان الهدف متجذرا في تحقيق نجاح أكبر لنظرية الجيش الحاكم أمام فشلها في تونس ومصر واليمن، فكان اللجوء لقوات الدفاع هو لاثبات فاعلية تلك النظرية وإمكانية تفعليها وفق اصول عجزت عن توفيرها خبرات النظام المصري والتونسي. ومن جهة ثانية ترسيخ مقولة بقاء دول الخليج خارج الخيار الديمقراطي واستحالة زوال الأنظمة الملكية فيها أو حتى تحولها لملكيات ديمقراطية، وهذا ما يفسر اشتراك قوات الحرس الوطني السعودي وقوات درع الجزيرة في اتمام عملية القضاء على الديمقراطية في البحرين.

فمن ناحية أمنية كان يمكن مواجهة الثورة بالأجهزة الأمنية المتمرسة في هذا الشأن ويمكن لهذه الأجهزة أن تلجأ لحزمة القوانين المدخرة سلفا وأن تفرض جبروتها كما كانت تفعل سابقا ولهذا قامت الثورة أساسا. فالثورة كانت تستهدف تعطيل وإلغاء بطش وجبروت العقيدة الأمنية ومن خلفها ترسانة القوانين المقيدة للحرايات والمصاردة لسلطة الشعب. إلا أن تفعيل دور قوات الجيش وعسكرة البلاد بقي عالقا قي ذهنية النظام أمام الهزيمة التي مني بها في 17 فبراير من قبل متظاهرين عزل فتحوا صدورهم لرصاص الرشاشات المحمولة على مدرعات ودبابات قوات الجيش، حيث لم تصمد هذه القوات كثيرا واختارت الانسحاب بعد أقل من 48 ساعة من لحظة تمركزها.

انسحاب قوات الجيش من أرض الدوار في 19 فبراير 2011 كان نتيجة للفراغ القانوني الذي يجب أن يحمي وجوده على الأرض، لذا كانت أولى الخطوات هي البحث عن سند قانوني يبيح لقوات الجيش أن تستعيد هيبتها مرة أخرى وان يكون قائدها مشيرا بالفعل على أرض الواقع عبر بطولات وهيمة يستطيع اختلاقها على اشلاء جثث المدنيين وإرهابهم بمفرزات التفتيش والاعتقالات العشوائية لفئة واحدة من المجتمع فقط. عملية سد ذاك الفراغ اتخذت مسارين متزامنين والمدهش هنا أن كلا المسارين غير قانونيين كما سنرى.

المسار الاول: استدعاء قوات درع الجزيرة العربية وقوات الحرس الوطني السعودي.
المسار الثاني: فرض حالة السلامة الوطنية.

 
اعتبر دخول قوات درع الجزيرة العربية إلى البحرين حادثة فريدة من نوعها ليس ضمن نطاق ثورات الربيع العربي وحسب بل حتى ضمن الاضطرابات الداخلية لبلدان العالم العربي، فهي المرة الاولى التي تتدخل فيها قوات أجنبية بصورة رسمية للمشاركة في قمع احتجاجات داخلية وفي أقل التقادير فهي تؤمن المواقع التي تتركها قوات الجيش النظامي المستهدفة الحركة المدنية. ولعل السؤال الذي يطرح بشكل دائم هل كانت البحرين محتاجة فعلا لقوات خليجية كي تنجح في قمع الثورة والقضاء عليها وهي التي تمتلك 30 ألف عسكري متدرب ضمن أجهزة أمنية وعسكرية مختلفة؟




دبلوماسية الأذرع المتقطعة

من ناحية واقعية فالبحرين لم تكن بحاجة لأكثر من 4 آلاف عسكري سعودي لقمع الثورة والقضاء على الحركة الشعبية، خصوصا أن قوات درع الجزيرة غير مؤهلة لمواجهة اضطرابات داخلية مدنية، إلا أن الأمر من الناحية السياسية يختلف تماما. إنها الرغبة السعودية في تثبيت استراتيجاتها الدبلوماسية التي يمكن تسميتها بدبلوماسية الأذرع المتقطعة. فبعد سقوط النظامين المصري والتونسي فقدت السعودية أبرز ذراعين لها في الشرق الاوسط وباتت الدول المناوئة لها في شبه مأمن ونحن نتحدث هنا عن ليبيا وسوريا، لذا كانت السعودية تعتبر نجاح أي تحرك في خاصرتها القريبة كالبحرين واليمن بمثابة انتهاء لدورها ونفوذها. فباشرت العمل على تحطيم الدول المناوئة لها كليبيا وسوريا والتدخل المباشر في شئون اليمن عبر المبادرة الخليجية وفي شئون البحرين من خلال التدخل العسكري تحت عنوان قوات درع الجزيرة العربية.

إن دخول القوات السعودية إلى البحرين لم يكن يحدث دون الموافقة الأمريكية على ذلك وهو ما عكسته زيارة وزير الدفاع الأمريكي البحرين في 11 مارس ولقائه مع ملك البحرين وسرعة الموافقة الخليجية على قرار مجلس الأمن في فرض الحرب على ليبيا بعد اسبوع واحد من دخول القوات السعودية البحرين. يضاف لذلك الصراع بين أجنحة الحكم في البحرين وتحالف الأعداء (الديوان الملكي/ رئاسة الوزراء) ضد ولي العهد الذي كان يمضى في مشروع حوار سياسي معقد لكنه يوشك على النجاح، حيث وافقت قوى المعارضة في 13 مارس على قبول مبادرة ولي العهد ذات المبادئ السبعة بصورة أولية مع وضع بعض الشروط والضمانات وقبل أن تتبلور صيغة التوافق على الحوار كانت القوات السعودية قد باشرت دخولها البحرين بدفعة أولى قدرت بألف عسكري من الحرس الوطني السعودي.

كان مشهد دخولهم مريبا جدا وهم يلوحون بعلامات النصر في سرب طويل من الاليات العسكرية وناقلات الجنود فوق جسر البحرين والسعودية. ورغم ما جاء في تقرير لجنة تقصى الحقائق من أن هذه القوات لم تشارك في أعمال قمع ضد المحتجين إلا ان شهادات أهالي منطقة سترة التي شهدت أولى المواجهات العسكرية في 15 مارس تؤكد على وجود عناصر تتحدث بلهجة قبلية غير مستخدمة في البحرين، كما أن شهادات أخرى لمواطنين تعرضوا للضرب والإهانة وأحيانا الاعتقال في نقاط تفتيش في بعض المواقع تفيد بوجود عناصر سعودية، وقد نشر شريط فيديو نشرته إحدى القنوات الكويتية عرض فيه مقابلة مع أحد أفراد قوات درع الجزيرة العربية ضمن منطقة دوار اللؤلؤة في 16 مارس بعد إتمام عملية الإخلاء الثانية وكان يتحدث بلهجة طائفية مقيتة ويدعو فيها لإبادة طائفية ضد الشيعة.


دفعات جديدة

 
وقد أعرب وزير الخارجية البحريني في 18 مارس عن أن دفعات جديدة من قوات درع الجزيرة العربية سوف تصل البحرين لدعم النظام في البحرين. ويعتبر هذا التصريح بمثابة دليل واضح على أن دخول القوات السعودية لم يكن بغرض حماية البحرين من محاولة تدخل إيراني الذي لو كان يحدث حسب الرواية الرسمية لحدث قبل وصول تلك التعزيزات الإضافية خصوصا وأن خطة إخلاء الدوار الثانية قد وضعت هذا الاحتمال في توزيعها العسكري على الأرض. من جهة ثانية فإن إحجام دول الخليج الأخرى عن إرسال جنود عسكريين إلى البحرين يؤكد أن قوات درع الجزيرة كانت غطاء لتدخل سعودي. وبالفعل فقد تواجدت فرق من قوات درع الجزيرة العربية في البحرين ولم تخرج هذه القوات من محيط مراكزها العسكرية في منطقة الصخير، حيث أقامت لها معسكرا خاصا.

من ناحية أخرى كان دخول القوات السعودية وسيلة ضمن وسائل عدة لتحويل الصراع السياسي بين النظام وقوى المعارضة لصراع أقليمي ذا طابع طائفي وهو ما يجعل من أي صيغة للحل تخضع لبعض الشروط السعودية والمكونات الطائفية في المنطقة.

وزيرة الخارجية الأمريكية

باسثناء إيران التي أدانت دخول القوات السعودية إلى البحرين فإن أغلب الدول رأت أنه من حق البحرين طلب هذه القوات. فعلى سبيل المثال أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون في 20 مارس على حق البحرين في طلب المساعدة من جيرانها رغم حثها السلطات البحرينية على تنفيذ عروض الحوار. وفي أول رد سوري رسمي على دخول قوات درع الجزيرة أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن وجود درع الجزيرة في البحرين، أساسه قانوني وليس احتلالا للبلاد، وأن الاتفاقيات التي أسست لدرع الجزيرة والاتفاق المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي تشكل الأساس القانوني لذلك، معتبرا أن موافقة مملكة البحرين على دخول هذه القوات تشكل الأساس الشرعي له.

وردا على سؤال عن تأثير الموقف السوري على العلاقة مع إيران التي تعارض دخول هذه القوات، قال المعلم "نحن جزء من الأمة العربية، ونعمل من أجل علاقات أفضل بين إيران والعالم العربي الأمر الذي يتطلب التعبير بوضوح عن الموقف السوري، وفي الوقت ذاته احترام الموقف الإيراني". أما مجلس الجامعة العربية فقد أصدر بيانا في 22 مارس عقب اجتماعه التشاوري الطارئ أن دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين شرعي وأنه جاء بناء على الاتفاقيات الأمنية والدفاعية الموقعة بين دول مجلس التعاون الخليجي لحماية المنشآت الحيوية في المملكة. وشدد المجلس على رفضه التام لأي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للبحرين، وعلى التمسك بهويتها العربية الإسلامية.

بالرجوع لنصوص الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لا نجد ما يشير صراحة لدعوة قوات درع الجزيرة العربية لمواجهة اضطرابات داخلية، فهذه القوات مبنية على عقيدة الدفاع الخارجي لا الدفاع الداخلي الأمر الذي يسقط معه شرعية دخول السعودية التي بعد تزايد الضغوط الدولية عليها أعادت تموضعها في بداية يوليو إثر الحديث عن بدء الحوار الوطني وتشكيل لجنة تقصى الحقائق المستقلة.



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus