عبد الهادي الخواجة كما عرفته

أنور الرشيد - 2012-04-13 - 3:03 م


 أنور الرشيد*

في ذلك المساء الملبّد بالغيوم والأحداث التي كأنَّ أحدًا قرع بها أجراس التغيير بالمنطقة قبل موعدها، تناهى إلى مسمعي بأنَّ الزميل المعتقل، والمحكوم بالسجن مدى الحياة، عبد الهادي الخواجة قد مُنع من دخول الكويت وأنَّ الزميل المحامي محمد الجاسم تدخّل بالموضوع وأَدخل عبد الهادي، فقلتُ في نفسي: أيعقل أنَّ عبد الهادي هنا بالكويت، ولم يتصل أو أتواصل معه للتباحث بآخر الأحداث والمستجدات على الساحة الخليجية التي كانت تعجُّ بأخبار الاعتقالات نتيجةً لعددٍ من المعطيات التي فرضتها طبيعة التطور الذي حصل للمجتمعات الخليجية.

سارعتُ بالاتصال بالزميل محمد الجاسم لمعرفة إنْ كان عبد الهادي قد سُمح له بالدخول للكويت أم لا؟ فقال لي إنّه قد اتصل بأحد المسؤولين واستفسر منه عن سبب منع عبد الهادي من دخول الكويت، فما كان من المسؤول إلا أن أصدر تعليماتِه للأجهزة المعنية بالسماح لعبدالهادي بدخول الكويت، وهنا التقتطتُ الموضوع و بادرت بالاتصال على رقم الهاتف الذي لديّ فردّ عبد الهادي وقلت له: هل يُعقل بأن تكون بالكويت ولا ألتقي بك؟ فقال: كنتُ في زيارة قصيرة لرؤية بعض الأقارب و سأسافر غدًا؟ وطلبتُ منه أن نلتقي بأيّ زمان أو مكان حيثُ كنت أرغب بشدّة بمعرفة آخر التطورات على الساحة الحقوقية سواءً في مملكة البحرين أو على المستوى الخليجي، لأنّه كان لديّ إحساسٌ قويّ بأنّ هناكَ انفجارا سيحدث بالمنطقة على إثر العديد من التقارير التي تتحدث عن قرب مرحلةٍ جديدة على مستوى المنطقة خصوصًا مع تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس التي صرحت تصريحًا خطيرًا جدًا يخص الأنظمة الحاكمة في المنطقة حيث قالت: "بأننا مقبلون على المنطقة للتغيير والأنظمة التي لن تتغير سنغيرها حتى الأنظمة الحليفة والموالية".

 صعقتُ في حقيقة  الأمر وعرفتُ بأنّ التغيير قادمٌ لامحالة وأن المنطقة ستدخل بمرحلة في غاية الخطورة خصوصًا الأنظمة الحليفة والموالية والتي تعني بها أنظمة دول الخليج بلا شك ومصر والأردن وتونس حيث كان هذا التصريح بمثابة الإنذار الذي لم تُحسن أنظمتُنا العربية ولا حتى الخليجية قراءته بشكلٍ صحيح فوقع بعضها بهوس الإمعان في استخدام العنف والبعضُ الآخر لا زال يقاوم التغيير فهرب من هرب، خُلع من خُلع، قُتل من قُتل، وحُوكِم من يُحاكَم اليوم بتهم أقلُّها تهمة قتل متظاهرين.

 التقيتُ عبد الهادي في إحدى المقاهي وتبادلنا أطراف الحديث الذي كان بمثابة لحظةٍ تاريخية يصعب علينا أن لا تُسجَّلَ أو تُرصد، وعندما انتهينا من ذلك الحديث قلت له: اسمع، أنا سوف أصرح للصحافة بأننا التقينا وتباحثنا في آخر المستجدات على الساحة الخليجية فما هو رأيك؟ فوافق على ذلك وكتبتُ تصريحًا صحفيًا بما دار في هذا اللقاء وأرسلتُه للصحافة، ونُشر وكان له أثرٌ جيّد من ردود الأفعال التي حيّت هذا اللقاء وما تمخّضَ عنه من تبادُل وجهات نظر. لذلك بعد أن نُشر التصريح اتصل بي عبد الهادي يستفسر عن ردود الفعل التي وصلتني فقلت له: إنها جيّدة ولكنّنا بحاجة لمزيد من اللقاءات وتفعيل دور النشطاء الحقوقيين الخليجيين واتفقنا على أن نلتقي في مراتٍ أخرى في أقرب فرصة ممكنة.

 إلا أنَّ انفجار الغضب العربي على الذل والمهانة والاستبداد والفساد الذي أشعله المرحوم محمد البوعزيزي شهيد الحرية العربية حال دون أن نكمل مسيرتنا الحقوقية واعتُقل بعد ذلك عبدالهادي وصدرَ بحقّه حكمٌ مدى الحياة. وعندما سمعتُ عن إضرابه عن الطعام كنتُ على ثقة بأنّهُ سيواصل إضرابَه، مهما كانت الظروف، حتى يتحقق له ما يريد، لمعرفتي بشخصيته العنيدة والتي تُلهمك وتُمدك بالقوة والعزيمة. فهل يُعقل أن يُسجن ناشطٌ حقوقيّ مدى الحياة لا لسبب إلا مطالبته بحقوقه وحقوق الآخرين التي كرّس نفسهُ للدفاع عنها؟ واليوم يا عبدالهادي أنتَ الذي تَعتقِلُ الحكومةَ البحرينية لأنَكَ جعلتها عاجزة أمام إصرار صاحب ذلك الجسد النحيل الضعيف، القويّ بعزيمته التي هزمت كل آلة القتل والقمع، مما ورط الحكومة البحرينية وأوقعها في مطبٍّ قد يتغيّر به تاريخ المنطقة كلِّها، ابتدأَ من البحرين وسيشمل المنطقة برُمّتها. ها أنت يازميلي تكتب لنا تاريخًا سيُخلِّد اسمك ضمن عظماء الشخصيات الخليجية التي هزمت طغاة.

أخيرًا أتمنى من كل قلبي أن يخرج زميلي وصديقي من معتقله في أقرب فرصة ممكنة ليعود لأبنائه وبناته وأهل البحرين المناضلين الشرفاء الذين لاشك لدي بأنهم سيفرحون بخبر إطلاق سراحه. الحرية لعبدالهادي الخواجة، رجلٌ عرفتُه و خبرتُه.

zwayd2007@gmail.com

*الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني
**ينشر بالتزامن مع مرآة البحرين

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus