» رأي
قراءة في سوسيولوجيا 14 فبراير في البحرين
يوسف مكي - 2012-04-15 - 11:03 ص
يوسف مكي*
لا شك أن ما حدث في البحرين ابتداء من 14 فبراير 2011 حتى الآن، هو حدث اجتماعي سياسي بامتياز. ولكن ما هو التوصيف السوسيولوجي (الاجتماعي) لهذا الحدث الاجتماعي الكبير؟ هل هي ثورة، ام انتفاضة، أم لا هذه ولا تلك.
عندما نتعامل مع الحركة الشعبية البحرينية المستمرة منذ أكثر من سنة، من منظور علم اجتماع الثورة بشكل عام، فإن هذه الحركة وهذا الحراك الجماهيري - المعروف بحركة 14 فبراير – تنتمي إلى حيز الثورات بالمعنى الكلاسيكي، خاصة أن هذا الحدث الاجتماعي/ السياسي الشامل يحتوي على أهم مقومات الثورة، فهو أكبر وأشمل من الانتفاضة بنوعية مطالبه السياسية وبشمولية وتنظيمية الحراك الجماهيري والقدرة على التعبئة لمختلف قطاعات/ فعاليات المجتمع، والسقف المرتفع للمطالب، المتمثل في شعار إسقاط النظام، كما هتفت الجماهير، وكذلك الشعار الاستراتيجي الجامع "أخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه" أي الوحدة الوطنية.
طبعا لن ندخل في اسباب الثورة. فقط نشير الى ان من بين اسباب الثورة هو وصول الوعي الشعبي الى قناعة بأن هذا الشعب لا يعامل من قبل نظامه السياسي بكرامة وعدالة، في حين ان الأصل هو التساوي بين الناس، و أنْ لا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين مواطن ومواطن آخر، بينما يعيش المواطن خلاف ذلك.
اما المقومات الثورية فتتمثل في: جذرية المطالب الشعبية وارتفاع سقفها الى درجة المطالبة باسقاط النظام وتسقيط رموزه، خروج النخبة الحليفة للنظام عن صمتها على سياسة النظام واجراءاته القمعية تجاه الثائرين، وموقف الجيش سلبا، او ايجابا من الحركة الشعبية.
بالنسبة للمقوم الأول، من الملاحظ ان الحركة بدأت بمطالب اصلاح النظام، لكن عندما قام النظام بقمع المتظاهرين بشكل دموي من قبل قوى الأمن والجيش، ولم يتفهم مطالبهم، سرعان ما اتخذت الحركة موقفا جذريا من هذا النظام، وهو اسقاطه بدلا من اصلاحه، فظهر شعار الشعب يريد اسقاط النظام.
يضاف الى ذلك ان هذه الحركة ذات طابع جماهيري/ شعبي، أي ليس للاحزاب فيها دور تنظيمي، او كانت هذه الأخيرة تسير خلف الحركة وليس امامها. هي حركة شعبية شبابية وليست حزبية/ نخبوية، هي حركة عامة ليس لها قادة معروفون، خاصة لأجهزة القمع والأمن، لكن مع ذلك فلها قادتها الميدانيون المنظمون للحراك والبعيدون عن انظار السلطة، لها قادة ثوريون.
وفيما يتعلق بالمقوّم الثاني لثورة 14 فبراير فيتمثل في تململ النخبة الحاكمة والقريبة منها في اعلان مواقفها المناوئة للحكم، وهذا ما حدث بالفعل من استقالات لبعض الوزراء وعدد لا بأس به من القضاة، واعضاء في مجلس الشورى وفي العديد من مؤسسات الحكم التي تم التعتيم عليها، هذا فضلا عن استقالات نواب الوفاق.
هذه الاستقالات والمواقف تعني امورا عدة، اهمها تفكك النخبة الحاكمة – وهذه علامة من علامات انهيار النظام - واحساس هذه النخبة بعد وزنها للأمور بشكل دقيق وعقلاني ان سفينة النظام غارقة لا محالة، وبالتالي لا بد من القفز من هذه السفينة الغارقة طلبا للنجاة، وليس حبا في الثورة، واذا كان لا بد من الغرق، فليغرق النظام لوحده. فالموقف هنا بالنسبة للنخبة قائم على اساس عقلاني يوازن بين الخسائر والارباح، وليس قناعة في الثورة.
اما فيما يخص المقوّم الثالث وهو الجيش، فغني عن البيان ان هذا الجيش كان منذ البداية ضد الثورة، لا بل ضد أي حراك سياسي، وقد جرب امكانياته اللوجستية والقمعية في ضرب الثورة في الدوّار بعد يومين من اندلاعها. ثم في العملية الثانية في 17 مارس بالاتكاء على قوات درع الجزيرة.
وبهذا اثبت الجيش بما لايدع مجالا للشك انه ليس جيشا وطنيا وانما جيشا للنظام والقبيلة وحماية مصالحها، ودوره كان بطبيعة الحال سلبيا من الثورة. وبالتالي كان دوره هاما في ضرب الثورة وتحجيمها، لكن دون القدرة على انهائها، لسبب بسيط وهو انها ثورة، أي تتسم بالشمولية من حيث المشاركين فيها والدعوة لتغيير النظام.
تدخل الجيش يعني ان الحركة الشعبية من السعة والزخم الثوري بمكان لدرجة اضطرت رجالات النظام المقررين فيه بأن النظام بات يترنح ولا بد من خطوة اجرائية تتمثل في تدخل الجيش مدعوما من الشقيقة الكبرى وقبل فوات الأوان، لكي لا تتدحرج بقية قطع الدومينو الخليجية، وغطاء امريكي، لأن تدخل قوات درع الجزيرة في حدث داخلي بين نظام وشعبه يعتبر سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، وبالتالي بحاجة الى تغطية دولية خارج نطاق القانون الدولي، تمثلت في الموقف الامريكي المؤيد لتدخل درع الجزيرة لسحق الثورة ودعم النظام، وذلك بخلاف الجيش التونسي الذي وقف الى جانب الثورة، او المصري الذي بدأ في الحياد في بداية الأمر، ثم الوقوف الى جانب الثورة في مرحلة ثانية ثم انتصار الثورة.
هذه العوامل الثلاثة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن ماحدث في البحرين هو ثورة بكل المقاييس، وليست انتفاضة. وإذا كان لا بد من المقارنة فيمكن القول ان ما حدث في منتصف التسعينات من القرن الماضي هو انتفاضة، اما ما حدث في 14 فبراير حتى 15 مارس 2011 فهي ثورة، وهي الفترة التي يمكن ان نطلق عليها وفقا لـ"لينين" مرحلة الوضع الثوري، حيث مقومات الثورة بالمعنى السوسيولوجي والسياسي والاقتصادي والحس العام الفكري كلها قائمة، وامكانيات الانتصار على النظام قاب قوسين او ادنى.
واذا كان الأمر كذلك، بمعنى ان ما حدث في البحرين هو ثورة. فإي نوع من الثورات هذا؟ يمكن القول ان الثورة هي بنت ظروفها وسياقها وبيئتها، لكن مع ذلك فإن الثورات تتشابه في بعض الاشياء وتتخالف في بعض الاشياء، واذا جاز لنا ان نصنف الثورة البحرينية سوسيولوجيا وسياسيا مقارنة مع التجارب الثورية فهي اقرب الى الثورة الفرنسية والى حد ما الثورة الايرانية منها الى الثورة الروسية او الصينية او الكوبية مثلا. لماذا؟
لأنها ثورة لم تخرج من النخبة ولم يقدها النخبة، بل خرجت من الفضاء الخاص أي التذمر والشكوى والامتعاض مما هو حاصل من مظالم واقصاء من قبل النظام، الى الفضاء العام، الى العمل السياسي الجماهيري الشعبي التعبوي، ودون ان تعتمد على قيادات نخبوية/ ثورية، كما ان المشاركة الجماهيرية الكاسحة في الحركة يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الحركات السياسية في البحرين، حيث يخرج شعب بغالبيته ضد اقلية حاكمة مستأثرة بالقوة والثروة والسلطة. قيادة الثورة اذا قيادة شعبية وليست نخبوية/ احزاب او جمعيات، وهو ما اعترفت به الجمعيات.
وكما مثلت الثورة الفرنسية حالة عامة للشعب الفرنسي شارك فيها مختلف الطبقات والفئات، فإن ثورة 14 فبراير في البحرين مثلت هي الأخرى حالة عامة من الحراك الشعبي العابر للطبقات والفئات الاجتماعية، يهدف الى تغيير الواقع تغييرا نوعيا وبشكل ثوري، لا تدريجي اصلاحي، على الرغم من ان الثورة تتضمن الاصلاح، وليس العكس صحيحاً.
نخلص الى القول من كل ما سبق ان ما حدث في البحرين هو ثورة متكاملة الأركان، خصوصا من حيث توافر حالة ثورية ممثلة في عدم قدرة النظام الحاكم ان يحكم بالاساليب القديمة من جهة، ورفض الشعب لأن يُحكم بتلك الطرق القديمة من جهة اخرى.
وايضا لا يقلل من اهميتها ولا ينفي عنها صفتها الثورية انها لم تستطع ان تحقق اهدافها حتى الآن بسبب القمع الشديد، والتواطؤ الاقليمي والدولي، فهذا موضوع آخر.
اما فيما يتعلق بتجمع الفاتح وموقعه من الثورة البحرينية ودوره سلبا او ايجابا فلنا معه وقفة تحليلية في وقت لاحق.
*باحث بحريني في علم الاجتماع.