العدالة المعذبة

2012-04-24 - 2:21 م



براين دولي*، فورن بوليسي
 ترجمة: مرآة البحرين

قادة البحرين يستعرضون بالحديث عن الإصلاح، ولكن المتظاهرين في الشوارع لا يزالون يواجهون وحشية متواصلة.

المنامة، البحرين - في منزل في نهاية متاهة من الشوارع الضيقة، جلست أستمع إلى حوالي عشرة شبان وهم يصفون مواجهتهم القريبة مع القوة الكاملة للقمع الحكومي في البحرين. كنا في إحدى القرى الشيعية الفقيرة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، والتي ما زالت مرتعا للثورة على الرغم من محاولات الحكومة المستمرة قمع الانتفاضة التي بدأت العام الماضي.

ارتدى الصبيان تشكيلة من قمصان كرة القدم، ويعتقد هؤلاء الصبية المراهقون، كما غيرهم في جميع أنحاء العالم، بروعة قصة الشعر الفظيعة التي تشبه ذيل الجرذ. قالوا إنهم تعرضوا للضرب المبرح من قبل الشرطة في اليومين السابقين. وقال أحد الصبيان "لقد ضربونا حتى كلت أيديهم، ثم تولى رجال آخرون من الشرطة الأمر وضربونا أكثر".

ولكل الجهود التي تبذلها حكومة البحرين لإظهار تقدم في مجال حقوق الإنسان كرد فعل للتحقيق الذي كلفت به  العام الماضي، لا يبدو أن الكثير قد تغير في أماكن كهذه. فالنظام يروج إلى أن "شخصيات دولية بارزة في القانون، والشرطة وخبراء آخرين" الذين تم شحنهم إلى الداخل "لتقديم المشورة.... بشأن الإصلاحات العملية"، كما تقول فاطمة البلوشي وهي وزيرة لحقوق الإنسان لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان .هؤلاء الخبراء الذين يشملون جون يايتس، مفوض مساعد سابق في دائرة شرطة العاصمة لندن، وجون تيموني،  القائد السابق لشرطة ميامي وفيلادلفيا.

قد يكون البعض في الحكومة البحرينية صادقا بشأن الإصلاح، ولكن الفجوة بين القول والواقع كبيرة جدا. فهناك  قواعد سلوك جديدة للشرطة تعلن عن "سياسة عدم التسامح حول التعذيب وأي نوع آخر من سوء المعاملة" وأنه "لا يجوز استخدام القوة  إلا عند الضرورة القصوى أو عند استخدامها في الدفاع عن النفس وفقا للقانون". ولكن وفقا لشباب من القرية وآخرين التقيت بهم، هذه الإصلاحات ليست أكثر من كلمات جوفاء.

يقول نشطاء حقوق الإنسان المحليون إن المئات من الشباب قد أخذوا إلى مراكز التعذيب السرية على مدى الأشهر القليلة الماضية. فبدلا من إلقاء القبض عليهم رسميا، يتم حجزهم في مركز للشرطة وتساء معاملتهم، ويقولون إنهم معرضون كثيرا للقبض عليهم ببساطة من قبل مجموعة من رجال شرطة مكافحة الشغب وسرقة هواتفهم وأموالهم، وبعد ذلك يأخذونهم إلى إحدى المباني ليضربوهم لعدة ساعات ويتركوهم في مكان بعيد. وتورد منظمات حقوق الإنسان المحلية الموثوق بها في تقاريرها أن الهجمات بالغاز المسيل للدموع على القرى يتم تقريبا كل ليلة.

وقال لي البعض من هؤلاء الشباب إنهم كانوا في مظاهرة سلمية الأسبوع الماضي لإحياء ذكرى وفاة أحد أصدقائهم، الذي قتل في المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في العام الماضي، " كانت مظاهرة سلمية في قريتنا"، قال أحدهم، " كنا حوالي 150 رجلا و50 امرأة، نحمل لافتات فوق رؤوسنا، ولا نلقي أي شيء على الشرطة".

ووفقا للشباب، ظهرت شرطة مكافحة الشغب فجأة في الاحتجاج وأطلقت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. قال أحدهم، " لقد طاردونا حوالي 200 متر وحاصروا نحو 12 شخصا في منزل. حيث وضعونا في المطبخ"، وأضاف، "طلبوا منا أن نرفع قمصاننا جميعنا فوق رؤوسنا لنغطي أعيننا وقاموا بسرقة هواتفنا. دفعونا جميعنا إلى المطبخ وراحوا يضربوننا".

وأضاف الشباب أن نحو 25 شرطيا، ثلاثة في الوقت ذاته، يتناوبون بضرب المجموعة على مدى الـ 90 دقيقة التالية. وأخبرني آخر، " لقد ضربونا بأعقاب البنادق، وكسروا صحون المطبخ على رؤوسنا، وقالوا أشياء في أمهاتنا وأخواتنا". العديد منهم أروني الكدمات الشديدة على ظهورهم وأذرعهم والتي قالوا إنها من جراء الضرب.

في هذه الأثناء، الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع كأسلحة. فهناك تقارير ليلية عن استخدام الغاز المسيل للدموع  ضد الاحتجاجات السلمية ورميها مباشرة في بيوت الناس. ليس واضحا كيف يفترض أن تحاسب الشرطة على عدد الأسطوانات التي تأخذها في كل مناوبة أو أن تفصل العدد الذي تستخدمه وسبب الاستخدام. إن الحكومة تبرر استخدامها للغاز المسيل للدموع بالإشارة إلى مجموعة هامشية من المتظاهرين الذين يلقون قضبان الصلب، والقنابل الحارقة، وغيرها من القذائف على الشرطة. ومع ذلك، يبدو أن الشرطة تستخدم المقدار الذي تريده، وفي الوقت الذي تريده - وليس فقط ضد المتظاهرين، ولكن أيضا ضد المدنيين على نحو عشوائي.

في الليلة التالية، التقيت  ببعض العاملين الطبيين خارج العاصمة المنامة حيث  تلقوا مكالمات هاتفية بشأن إصابات من مناطق مختلفة في البحرين - نداءات للحصول على المشورة أو العلاج. وفي غضون ساعات قليلة، تلقوا مكالمات بشأن ثلاث مصابين أصيبوا بجروح بالغة في الرأس بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقتها الشرطة. "إنه إطلاق بقصد القتل"، أحد الأطباء لاحظ ذلك بوجه متجهم. الناس الذين يصابون في الاحتجاجات ما زالوا يخشون الذهاب إلى المستشفيات والعيادات – إنهم يخافون من أن يتم اعتقالهم، أو ما هو أسوأ. فالمستشفى الرئيسي، مجمع السلمانية الطبي، تحت الحراسة المشددة -  فالشرطة والجيش تقيم نقاط تفتيش لحراسة البوابات، والمسؤولون الأمنيون يدخولون حتى إلى غرف العمليات. علاج المصابين هو عمل محفوف بالمخاطر للعاملين الطبيين، الذين يواجهون المحاكمة إذا ما تم القبض عليهم وهم في واحدة من الشبكات السرية لمراكز الإسعافات الأولية.

بالنسبة للكثيرين في البحرين، الحديث عن الإصلاح والالتزام لتغيير الحكومة من الداخل يبدو شيئا سخيفا. فبالنسبة لهم، سلوك الشرطة لا يبدو أنه تغير أبدا، ما عدا أن الضباط في بعض الأحيان ينقلون التعذيب من مراكز الشرطة إلى مبان أخرى - على الرغم من ان ذلك ليس حكما صارماً ومحكماً. أخبرني أحد الصبيان الذي يبلغ من العمر 16 عاما  كيف تم القبض عليه وعلى أصدقائه في منتصف  شباط/فبراير وكيف تعرض للضرب لعدة أيام في مركز شرطة النعيم، شمال المنامة. في هذه الأثناء،  لا تزال الحكومة تدفع بقوة التهم الموجهة إلى الأشخاص المدانين كجزء من الحملة الأمنية - بما في ذلك، المحاكمة السئية الصيت، عن 20 طبيبا  قاموا بعلاج المتظاهرين المصابين.

على الرغم من الانتهاكات المستمرة في البحرين، قامت حكومة الولايات المتحدة  بتوقيف صفقة أسلحة بقيمة 53 مليون دولار إلى المملكة لفترة مؤقتة فقط -  الصفقة  التي تتضمن 44  سيارة همفي من نفس النوع الذي استخدم العام الماضي لسحق الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية. لم يتم إلغاء البيع، فقط تم تأجيله، في حين أن الإدارة تنتظر الوقت المناسب لاستئنافه. وحاليا بالكاد هو الوقت المناسب.

 فلقد فقدت حكومة البحرين السيطرة على عملية الإصلاح، مرسلة إشارات مطاطة ومتناقضة حول التقدم الذي تحرزه. فأحد المسؤولين البحرينيين أعلن الأسبوع الماضي اتفاقا يفضي إلى أنه سيتم إسقاط التهم عن 15 من أصل 20 مسعفا تتم محاكمتهم. ولكن تم رفض الاتفاق بعد أيام قليلة من جلسة محاكمتهم التالية. وفي حين أن النظام سمح للجنة الدولية للصليب الأحمر بالدخول إلى السجون، قام بتأجيل الزيارة الأخيرة المقررة لمقرر الأمم المتحدة الخاص حول التعذيب خوان منديز لعدة أشهر.

القيادة العليا في البحرين تواصل أيضا المتاجرة بنظريات المؤامرة حول مؤامرات خارجية للإطاحة بالحكومة، بدلا من إلقاء اللوم على حكمهم غير التمثيلي في الاضطرابات الداخلية. ونقلت الصحافة المحلية في 15 شباط/فبراير عن المشير الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، القائد العام لقوة دفاع البحرين قوله إن مجموعة كبيرة من البلدان قد "عبأت وسائلها الإعلامية، وسفاراتها، وعملاءها وطابورها الخامس في الخليج "ضد حكومة البحرين. ونقل عنه في التقرير أنه حدد الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والسويد، وسويسرا، وبلجيكا  كجزء من المؤامرة. ومن المفترض أن يتم تسليم ما قيمته 53 مليون دولار من الأسلحة الأميركية إلى الأيدي الآمنة لهذا المشير - - بوصفه قائدا عاما لقوة دفاع البحرين.

 الإصلاح الحقيقي يجب أن يشمل تغييرا حقيقيا في أنشطة الشرطة. فلقد أدين أكثر من 160 شرطيا من قبل المحكمة العسكرية في البحرين في العام الماضي لرفضهم الانضمام إلى حملة القمع. وقد حكم كل منهم ما بين أربع سنوات و 12 سنة في السجن. إن إسقاط التهم الموجهة إليهم - وكل الآخرين المدانين من قبل المحكمة العسكرية الزائفة - سيكون بداية لاستعادة الثقة. وهكذا فقد يجلب وقفا فوريا للتعذيب، وإنشاء آلية لتسجيل جميع استجوابات الشرطة، وهي خطوة أوصت بها لجنة التحقيق المستقلة في البحرين العام الماضي. ويبدو أن مبادرة ما قد بدأت لتركيب أجهزة تلفزيون ذات دائرة مغلقة عالية التقنية في جميع مراكز الشرطة، ولكن سوف يستغرق ذلك عدة شهور أخرى لإكماله. ولكن حتى استخدام كاميرات الفيديو العادية سترسل إشارة إيجابية للنوايا حتى ذلك الحين.

جلب المزيد من الشيعة، الذين يشكلون الغالبية السكانية في البحرين، إلى قوات الشرطة ذات الأغلبية السنية الساحقة يشكل أيضا ضرورة على المدى الطويل. ولكن على الرغم من البطالة المزمنة في القرى، ليس هناك أي حافز لدى الشباب الشيعة لتقديم طلبات إلى هذه الوظائف.
 

فلقد قوبل اقتراحي للشباب الذين التقيت بهم بأنهم ربما ينضمون يوما ما إلى الشرطة بضحك صاخب. وكما أخبرني أحدهم: "الشرطة يقتلون الناس، ولا يحمونهم"

*براين دولي هو مدير منظمة حقوق الإنسان أولا ومدافع عن برنامج حقوق الإنسان. زار البحرين الأسبوع الماضي.

22 آذار/مارس 2012

وصلة النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus