» تقارير
فتيات الفورمولا يروين مغامرتَهُن في اقتحام البُرجِ الشاهق والمحظور
2012-04-27 - 2:10 م
مرآة البحرين (خاص): في شوارِع المنامة، بين دُخان الغاز والطلق، بين الهروبِ والعودةِ للهُتاف، عندما اقتربنَ من بعضِهِنْ عندَ دوّار القلعة، لَمَعت فكرةٌ مجنونة، لكنَّها جليَّة وواضحة للجميع: "ويش فيكم روحة للفورمولا؟"
كُنَّ يتهامسن: "نعم نحنُ بِضْعُ فتيات، لكنَّ وجودنا في المنامة لهُ أثرٌ آخر. الاحتجاجات في القُرى لم تعُد تكفي، هذه الحُكومة تُمعِن في إخماد أيٍّ من وجوه الاحتجاج في الأماكن المُهمّة في البلد، وتُحاول تحجِيمَها وجعلَها محصورةً داخِلَ القُرى.
تكرّرت الاحتجاجات داخلَ المنامة، كان تأثيرُها قويًّا، كُنَّ يُطالِبن بحُريّة الخواجة وعددُهُن في تزايُد. وكان الفرُّ والكَر بينهُن وبين مرتزقةِ الأمن مستمرًّا، "لم نحمل مولوتوفًا ولا حجرًا، اليافطات والهُتافات تكفي وحدَها لتُحرِجَهم ولتُقوّي جانبَنا" تقولُ إحداهُن.
اعتصمنَ أمامَ السفارة الأميركية مرّات، اعتصمنَ عند بابِ البحرين، واعتصمنَ عند إشارة الخارطة، وبعدها قرّرن اقتحام الفورمولا. يعلمنَ جيدًا أنَّهُن سيُقابَلن بالقمع كما هي كلُّ مرّةٍ يخرُجنَ فيها، فكيف بالفورمولا، " كُنَّا نعرف أنه لا مَهْرَب من الاعتقال متى ما مارسنا احتجاجَنا في الفورمولا، إذْ لا مجالَ لتَفريقِنا أو التعامُلِ معنا في العَلَن".
*عبرَ نُقاطِ التفتيش
جاءَ يومُ السباق الختامي في الفورمولا، الأحد 22 أبريل، خبّأنَ أكفانّهُن ويافطاتٍ صغيرة تحتَ طيّات ثيابِهِنْ، لَعَلَّ اللحظةَ الأصعب كانت لحظةَ الدُخول، توزَّعنَ على مجموعتين لتجنُّب إثارة الشكوك، توقفن عند نقطة التفتيش، يتمُّ تمريرُ الشنط على أجهزة، ثُمَّ تُفتَح لتفتيش داخلِها، ثُم عبرَ حاجزٍ معدني، ثُم تمرير آلةٍ حول أجسامِهن كلٌّ على حدة. مرّت المجموعتان بسلام. كانت المجموعة الأولى قد سَبَقت الثانية ووصلت المنصّة.
قريبًا من المنصّة تفاجأت المجموعة الثانية بنقطةِ تفتيشٍ أُخرى، أوقفتهُن للتفتيش رغم وضع شريطة على أيديهِن تُفيد بأنَّه قد تمَّ الانتهاء من تفتيشِهن. تقول إيمان على صفحتها في تويتر: "مرّت رملة ومنى بسلام، اعتقدتُ أنني وزينب مررنا بسلام أيضًا، لكنَّ نداءً من إحدى الشرطيات طلب منّا الدخول إلى غرفةٍ مهيّئة للتفتيش الشخصي! تخلّصت زينب من الكفن بسُرعة بينما لم أتمكن من ذلك، دخلنا غُرفة التفتيش وشعرتُ بخوفٍ حقيقي من أن يتم كشفُنا قبلَ نجاحِ الفعالية، كانت الشرطيةُ تقوم بتفتيش زينب قبلي. أخفيتُ الكفن، لكنَّه سقطَ بين رِجلَي. بنظرةٍ عابرة للأسفل كان يُمكن للشرطية أن تلمحه، ونُعتَقل ونُضرَب دُون أن يعلم أحدٌ عنّا، سحبتُه من الأرض بهدوء ووضعتُه بين رجلي، جاء دوري وبدأت الشرطية بتفتيشي عبر لمس كل نقطة بجسدي! مرّت لحظاتٌ كأنّها ساعات ولم أُصدّق حين قالت: تَفضلْن".
* عبر موكب ناصر..
في هذه الأثناء، كانت المجموعة الأولى، والتي بها كلٌّ من معصومة السيّد ورملة عبّاس ومنى علي وسارة الخزاز وزهرة عبد النبي، تخترِقُ موكبَ نجْل الملك الشيخ ناصر، المعروف بطُغيانه وتَجبُره.
وقفتْ معصومة أمامَ موكبِه، ترتدي كفنًا عليه صورةُ أحدِ الشهداء، ولافتةً كُتب عليها بالإنجليزية "This is your government, you kill people".
بصوتٍ جَهور نادتهُ معصومة: "ناصر"، التفت إليها بتعجُّب، واجَهَتْه: أنتُم قتلة "You are killers".
لم تُكمل معصومة عبارتَها حتَّى شُنَّ الهجومُ عليهِن من كلِّ ناحية، أُلقيَ القبضُ عليهِن مباشرةً، حاوَلتْ معصومة مقاومَتهُم، هجموا عليها بوحشية، تَمزَّق الكفنُ الذي ترتديه وقميصُها كذلِك، "كانوا يقولون لي وهم يُمزِّقون ملابسي، هذا الشيخ ناصر، تاج راسج، ويشتموني ويقتادوني وجزءٌ من ظهري كان عارٍ لتمزيقهِم ملابسي" تقولُ معصومة على صفحتها في تويتر. حاولَتْ منى سترَ معصومة بجسدِها، سحَبَها رجلٌ مدني، "كانت أظافرُهم محفورة بداخلِ جلدِنا وقد اتجهوا بنا الى جهة مكتب الأمن".
لقد جرَت الأمور بطريقةٍ ارتجالية ودارماتيكية، بعضُ الصحافيين الغربيين كانو قد التفتوا إلى ما يحدُث، وبدأوا بالتقاط الصور، كانت القُوّات الخاصة قد جُنَّت وأُربِكت، إذ لم يكن مُتَوقّعا أن يجرؤ أحدٌ على الهُتاف، أو حتى الدخول وسط كلِّ هذا الحضور الأمني والتفتيش الدقيق، سَحبوا المجموعة الأولى لمكانٍ مخبوء تحت دَرَج، وقاموا بضربهِن، تعاملوا معهُن بطريقةٍ مُهينة. تُضيف معصومة "أخذونا أنا ومنى لمكتب الأمن، وهناك انهالو علينا بالضرب والصفع على الوجه، ثم اعتقلوا بقيةَ المُعتصِمات، كُنَّ يتألمن من شدّة التنكيل".
* عبر جمهور الفورمولا
في الأثناء كانت المجموعةُ الثانية تُحاول الوصول إلى المنصّة، تقولُ إيمان "خرجنا من غرفة التفتيش، والتحقنا ببقية المجموعة، اختفت عن أنظارنا معصومة وبقية الأخَوات، والتقينا زينب الليث، كنتُ أنا وزينب وزينب معًا، بدأنا نشعُر بشيءٍ من الاستنفار الأمني، فاعتقدنا أنَّ المجموعةَ الأولى سبقتنا وربما اعتُقِلَت، فأخرجنا أكفاننا بسرعة ولبِسناها ورفعنا بنراتِنا".
دخلت كلٌّ من زينب الليث وإيمان الحبيشي وسطَ الحضور الأجانب بكفنيهِما، لاحظَ ذلك أحدُ المُخبِرين فيما كانت زينب المغلق واقفةً تلتقط الصور، لقد كُنَّ ست فتيات، نَجَت الثلاثُ الأُخريات من الاعتقال، كانت إيمان تركُض بينَ الجُموع فيما زينب ترفعُ يافطةً كُتِب عليها: الفورمولا مجرّد غطاء لإخفاء جرائمهم "F1 is just a mask to hide their crimes".
تقولُ إيمان "انشَغَلتْ كلُّ واحدةٍ بنفسٍها، لم أعُد أدري ببقية أخواتي، فبمجرّد لبسي لكفَني الذي طُبِعت عليه صورةُ الشهيد #صلاح_عباس وكُتِب عليه HE JUST KILLED، لمَحَني أحدُ المدنيين وبدأ يصرُخ بقوّات الشغب النسائية: "اشتنتظرون روحوا لها". كانت الشرطية أمامي مشدوهة واقفة، فوجدتُها فرصة فرفعتُ البنر. كان بنري يحمل صور الرموز كُتِب عليه FREE OUR LEADERS.
استشاطتْ الشُرطة النسائية غضبًا وبدأنَ بمُلاحَقَتي. أمسَكتني إحداهُن بقوّة، لكني تمكّنتُ من الإفلات منها. ارتفعت أصواتُ الموجودين: "صيدوها/طقوهم". بدأتُ بالركض وأنا أرفعُ البنَر عاليًا حتّى أحطنني من كلِّ جانب. بوحشيةٍ مزَّقت إحداهُن الكفن، وضربَت الأُخرى البنر فأنزلته من يدي. أمسكنني بقوّة شديدة لم أكُن أستطيع التنفُس معها".
كانت إيمان محاطةً بعددٍ من القوات الخاصة، أخذوا يلوون ذراعَها بعُنف، يقتادُونَها إلى المركز الأمني، بينما أحدُهم قام َبسحبِ شعرِ زينب، التي بدأت تهتف بكل قوَّتِها: إنَّهم يقتلوننا، لا تصمتوا، الحرية للخواجة "They are killing us.. do not be silence .. free khawaja"
كانت زينب تصرُخ والصفعات تنهالُ على وجهِها وفمِها في محاولاتٍ عقيمة لإسكاتِها. سحبُوا حجابَها واستمرّوا في ضربِها بقوّة على رأسِها حتى وصلوا إلى ممرٍ مُظلّل ومُغلَق، فأمعنوا في ضربِها أكثر. أما زينب المغلق فقد اقتِيدت خلفَهُن حين انتبهوا إليها وهي تلتقطُ الصور.
* في المركز الأمني
التقت الفتياتُ جميعًا، وجدنَ أنفُسَهُن ملقياتٍ على الأرض، مستنداتٍ على الجدار، في غرفة مليئة بقوّات خاصّة نسائية، كُنَّ يُحاولن مُداراةَ الأمرِ عن الصحافة بالوقوفِ أمامَ النوافذ صفًّا واحدًا.
تقولُ إحدى الفتيات: "لم أدرِ كيف استيقظتْ الغَضْبةُ داخلي، كانت يدي مجروحةً بأظافر إحداهن ومُتورِّمة ومُحمَرة، رفعتُها وصرختُ في وجوهِهِم: انتون أوادم تحسون؟ إحنا ما عندنا شي شخصي وياكم، هذا بلد القانون اللي تتكلمون عنه؟ إحنا شسوينا فيكم؟ راجعوا داخلكم؟ أيدينا لا تحمل إلا لافتات، ليش تخافون؟ انتو اللي عندكم السلاح مو إحنا، تخافون الصحافة ما تخافون رب العالمين؟ تشققون ثياب البنية بلا حيا ولا ورع؟ تُضيف: كانت بعضُ الوجوه بدأت تتغيّر وأدمعت عين بعضِهِن قبلَ أن تتدخّل الضابطة مي جمال التي صرخت بي: جب جب (إخرسي) ولا كلمة، انتوا اللي مو أوادم. ثم دفعتني ناحية الجدار بقسوة، أجاب آخر: إذا مو عاجبتنج الحكومة طلعي.
قلت لهم: هذه أرضي انولدت فيها وبموت فيها، كنتُ أضرِبُ الأرضَ بقوة بقبضتي وكانت بقيةُ الفتياتِ معي يُردِدن كلامًا بذات المغزى".. تُضيف : "توالت السجالات بيننا وبينَهم، كانت طائفيتُهم واضحةً في إشاراتِهم وكلامِهم وسُخريتِهم منَّا ومن مُعتَقداتِنا، استهزأوا بصلاتِنا ومآتِمنا. تمَّ التعرُّضُ لمعصومة بشكلٍ استفزازي، بدأنا نرُدُّ عليهِم الصاعَ صاعين، إذ لم يعُد مُحتَمَلًا بالنسبة لنا السكوت عن سُخريتِهم.
أدخلونا غرفةً صغيرة جدًا لإبعادِنا عن أعيُن الصحافيين. سمِعنا بعضَ الأصوات في الخارج. ردّدَ البعضُ هُتافات "يسقط حمد" بصوتٍ عالٍ. لكنَّهم طَردوا الصحافة وأحكموا إغلاق الباب، ثمَّ ضاع هُتافُنا وسطَ ضجَّة الآلات الموسيقية، الضجة التي تهزُّ القلب، حين أُفكر في جسد صلاح المسجَّى، صلاح الذي حملنا صورته THEY KILLED SALAH YASTERDAY".
* مَن صلاح؟
تسألُهُن الضابطة مريم: من هوَ صلاح؟ هل يُعقل أن لا تعرف من هوَ صلاح؟!! تقصُّ عليها الفتيات، يروينَ لها قصّةَ النخلِ حين يقعُ ويبقى أبيًّا، يحكينَ لها عن أهلِه و قريتِه وأطفالِه الخمسة، وعن طفلٍ سيجيءُ ليحملَ الإرث الثقيل، يحملَ إرثَ الأرضِ المالحة.
تقولُ إحداهُن "عندما نقلُونا على مجموعتين خارِج الحلبة، كُنتُ أُفكِّر طوال الطريق في أيامي القادمة داخل أو خارج السجن، داخل السجن كنتُ سأجهَدُ لأحصُل على ورقةٍ وقلم لأكتُب، خارجَه ما كنتُ لأتوقَّف عن الاحتجاج والتجمهُر، التُهم التي صارت تُوزَّع بالمجان"
* في المركز
أُخِذت الفتيات إلى مركز الرفاع الشرقي، كانت الساعة الثامنة والنصف مساءً تقريبًا. كان الجو هادئًا بعد صخب الفورمولا. "بعضُ الشرطيات عاملننا بلُطف، وعرفتُ من خلالهن أنه سيُفرَج عنَّا بعد التحقيق رُبما، صلينا وأُعطينا بعضَ المأكولات الخفيفة، وحين سمِعنا صوتَ بعضِ الفرقعات في الخارج ظننّا أنَّهم يتظاهرن لأجلنا، لكنَّها الرفاع، إنَّهم يتظاهرون ضدَّنا".
عندَ مُنتصف الليل، أُرجِع هاتفُ معصومة تمهيدًا للإفراج عنها، وكان أهالي المُعتقلات في الخارج. التقطت معصومة بعضَ الصور، نشرَتها على تويتر في الوقتِ نفسِه. دقائقُ ودخلت الشرطيات مُستشيطاتٍ غضبًا، انقلب المركزُ رأسًا على عَقِب، صادروا الهاتف، أوقفوا معصومة وقاموا بضربِها وقادُوها إلى غُرفةٍ مُنفصلِةٍ عن الأُخريات.
عندَ الثانية فجرًا، كان واضِحًا أنَّ اعتقال الفتيات أربَكَ الفورمولا، وأنَّ الإبقاء عليهِنَّ مُعتَقلات سوف يُحرِجُ الحكومةَ أكثر. تم الإفراجُ عن الفتيات تِبَاعًا بعد تسجيل محاضر بأقوالِهن. سُمح لمعصومة بالخُروج، لكنَّها رفضت المغادرة بلا هاتفِها. تمَّ استدعاء أهلِ معصومة لاحقًا وبسبب حالةِ والدتِها الصحية غادرت.
* في الطريق
تقولُ إحداهُن: "قَفِلتُ راجعةً إلى البيت، مررتُ على سيّارتي في مواقفِ الفورمولا، لقد كان البُرجُ شاهِقًا بقدرِ ما يبدو قبيحًا. لم أره هكذا من قبل، حتى الطريق إلى منزلي كان يُحرِّضُني كي أتجمهرَ من جديد، لأنَّنا نستحقُ الحرية، وهذا الوطنُ يستحقُ أن نموتَ ونعيشَ من أجلِه".
كُنَّ يتهامسن: "نعم نحنُ بِضْعُ فتيات، لكنَّ وجودنا في المنامة لهُ أثرٌ آخر. الاحتجاجات في القُرى لم تعُد تكفي، هذه الحُكومة تُمعِن في إخماد أيٍّ من وجوه الاحتجاج في الأماكن المُهمّة في البلد، وتُحاول تحجِيمَها وجعلَها محصورةً داخِلَ القُرى.
تكرّرت الاحتجاجات داخلَ المنامة، كان تأثيرُها قويًّا، كُنَّ يُطالِبن بحُريّة الخواجة وعددُهُن في تزايُد. وكان الفرُّ والكَر بينهُن وبين مرتزقةِ الأمن مستمرًّا، "لم نحمل مولوتوفًا ولا حجرًا، اليافطات والهُتافات تكفي وحدَها لتُحرِجَهم ولتُقوّي جانبَنا" تقولُ إحداهُن.
اعتصمنَ أمامَ السفارة الأميركية مرّات، اعتصمنَ عند بابِ البحرين، واعتصمنَ عند إشارة الخارطة، وبعدها قرّرن اقتحام الفورمولا. يعلمنَ جيدًا أنَّهُن سيُقابَلن بالقمع كما هي كلُّ مرّةٍ يخرُجنَ فيها، فكيف بالفورمولا، " كُنَّا نعرف أنه لا مَهْرَب من الاعتقال متى ما مارسنا احتجاجَنا في الفورمولا، إذْ لا مجالَ لتَفريقِنا أو التعامُلِ معنا في العَلَن".
*عبرَ نُقاطِ التفتيش
جاءَ يومُ السباق الختامي في الفورمولا، الأحد 22 أبريل، خبّأنَ أكفانّهُن ويافطاتٍ صغيرة تحتَ طيّات ثيابِهِنْ، لَعَلَّ اللحظةَ الأصعب كانت لحظةَ الدُخول، توزَّعنَ على مجموعتين لتجنُّب إثارة الشكوك، توقفن عند نقطة التفتيش، يتمُّ تمريرُ الشنط على أجهزة، ثُمَّ تُفتَح لتفتيش داخلِها، ثُم عبرَ حاجزٍ معدني، ثُم تمرير آلةٍ حول أجسامِهن كلٌّ على حدة. مرّت المجموعتان بسلام. كانت المجموعة الأولى قد سَبَقت الثانية ووصلت المنصّة.
قريبًا من المنصّة تفاجأت المجموعة الثانية بنقطةِ تفتيشٍ أُخرى، أوقفتهُن للتفتيش رغم وضع شريطة على أيديهِن تُفيد بأنَّه قد تمَّ الانتهاء من تفتيشِهن. تقول إيمان على صفحتها في تويتر: "مرّت رملة ومنى بسلام، اعتقدتُ أنني وزينب مررنا بسلام أيضًا، لكنَّ نداءً من إحدى الشرطيات طلب منّا الدخول إلى غرفةٍ مهيّئة للتفتيش الشخصي! تخلّصت زينب من الكفن بسُرعة بينما لم أتمكن من ذلك، دخلنا غُرفة التفتيش وشعرتُ بخوفٍ حقيقي من أن يتم كشفُنا قبلَ نجاحِ الفعالية، كانت الشرطيةُ تقوم بتفتيش زينب قبلي. أخفيتُ الكفن، لكنَّه سقطَ بين رِجلَي. بنظرةٍ عابرة للأسفل كان يُمكن للشرطية أن تلمحه، ونُعتَقل ونُضرَب دُون أن يعلم أحدٌ عنّا، سحبتُه من الأرض بهدوء ووضعتُه بين رجلي، جاء دوري وبدأت الشرطية بتفتيشي عبر لمس كل نقطة بجسدي! مرّت لحظاتٌ كأنّها ساعات ولم أُصدّق حين قالت: تَفضلْن".
* عبر موكب ناصر..
وقفتْ معصومة أمامَ موكبِه، ترتدي كفنًا عليه صورةُ أحدِ الشهداء، ولافتةً كُتب عليها بالإنجليزية "This is your government, you kill people".
بصوتٍ جَهور نادتهُ معصومة: "ناصر"، التفت إليها بتعجُّب، واجَهَتْه: أنتُم قتلة "You are killers".
لم تُكمل معصومة عبارتَها حتَّى شُنَّ الهجومُ عليهِن من كلِّ ناحية، أُلقيَ القبضُ عليهِن مباشرةً، حاوَلتْ معصومة مقاومَتهُم، هجموا عليها بوحشية، تَمزَّق الكفنُ الذي ترتديه وقميصُها كذلِك، "كانوا يقولون لي وهم يُمزِّقون ملابسي، هذا الشيخ ناصر، تاج راسج، ويشتموني ويقتادوني وجزءٌ من ظهري كان عارٍ لتمزيقهِم ملابسي" تقولُ معصومة على صفحتها في تويتر. حاولَتْ منى سترَ معصومة بجسدِها، سحَبَها رجلٌ مدني، "كانت أظافرُهم محفورة بداخلِ جلدِنا وقد اتجهوا بنا الى جهة مكتب الأمن".
لقد جرَت الأمور بطريقةٍ ارتجالية ودارماتيكية، بعضُ الصحافيين الغربيين كانو قد التفتوا إلى ما يحدُث، وبدأوا بالتقاط الصور، كانت القُوّات الخاصة قد جُنَّت وأُربِكت، إذ لم يكن مُتَوقّعا أن يجرؤ أحدٌ على الهُتاف، أو حتى الدخول وسط كلِّ هذا الحضور الأمني والتفتيش الدقيق، سَحبوا المجموعة الأولى لمكانٍ مخبوء تحت دَرَج، وقاموا بضربهِن، تعاملوا معهُن بطريقةٍ مُهينة. تُضيف معصومة "أخذونا أنا ومنى لمكتب الأمن، وهناك انهالو علينا بالضرب والصفع على الوجه، ثم اعتقلوا بقيةَ المُعتصِمات، كُنَّ يتألمن من شدّة التنكيل".
* عبر جمهور الفورمولا
في الأثناء كانت المجموعةُ الثانية تُحاول الوصول إلى المنصّة، تقولُ إيمان "خرجنا من غرفة التفتيش، والتحقنا ببقية المجموعة، اختفت عن أنظارنا معصومة وبقية الأخَوات، والتقينا زينب الليث، كنتُ أنا وزينب وزينب معًا، بدأنا نشعُر بشيءٍ من الاستنفار الأمني، فاعتقدنا أنَّ المجموعةَ الأولى سبقتنا وربما اعتُقِلَت، فأخرجنا أكفاننا بسرعة ولبِسناها ورفعنا بنراتِنا".
دخلت كلٌّ من زينب الليث وإيمان الحبيشي وسطَ الحضور الأجانب بكفنيهِما، لاحظَ ذلك أحدُ المُخبِرين فيما كانت زينب المغلق واقفةً تلتقط الصور، لقد كُنَّ ست فتيات، نَجَت الثلاثُ الأُخريات من الاعتقال، كانت إيمان تركُض بينَ الجُموع فيما زينب ترفعُ يافطةً كُتِب عليها: الفورمولا مجرّد غطاء لإخفاء جرائمهم "F1 is just a mask to hide their crimes".
تقولُ إيمان "انشَغَلتْ كلُّ واحدةٍ بنفسٍها، لم أعُد أدري ببقية أخواتي، فبمجرّد لبسي لكفَني الذي طُبِعت عليه صورةُ الشهيد #صلاح_عباس وكُتِب عليه HE JUST KILLED، لمَحَني أحدُ المدنيين وبدأ يصرُخ بقوّات الشغب النسائية: "اشتنتظرون روحوا لها". كانت الشرطية أمامي مشدوهة واقفة، فوجدتُها فرصة فرفعتُ البنر. كان بنري يحمل صور الرموز كُتِب عليه FREE OUR LEADERS.
استشاطتْ الشُرطة النسائية غضبًا وبدأنَ بمُلاحَقَتي. أمسَكتني إحداهُن بقوّة، لكني تمكّنتُ من الإفلات منها. ارتفعت أصواتُ الموجودين: "صيدوها/طقوهم". بدأتُ بالركض وأنا أرفعُ البنَر عاليًا حتّى أحطنني من كلِّ جانب. بوحشيةٍ مزَّقت إحداهُن الكفن، وضربَت الأُخرى البنر فأنزلته من يدي. أمسكنني بقوّة شديدة لم أكُن أستطيع التنفُس معها".
كانت إيمان محاطةً بعددٍ من القوات الخاصة، أخذوا يلوون ذراعَها بعُنف، يقتادُونَها إلى المركز الأمني، بينما أحدُهم قام َبسحبِ شعرِ زينب، التي بدأت تهتف بكل قوَّتِها: إنَّهم يقتلوننا، لا تصمتوا، الحرية للخواجة "They are killing us.. do not be silence .. free khawaja"
كانت زينب تصرُخ والصفعات تنهالُ على وجهِها وفمِها في محاولاتٍ عقيمة لإسكاتِها. سحبُوا حجابَها واستمرّوا في ضربِها بقوّة على رأسِها حتى وصلوا إلى ممرٍ مُظلّل ومُغلَق، فأمعنوا في ضربِها أكثر. أما زينب المغلق فقد اقتِيدت خلفَهُن حين انتبهوا إليها وهي تلتقطُ الصور.
* في المركز الأمني
تقولُ إحدى الفتيات: "لم أدرِ كيف استيقظتْ الغَضْبةُ داخلي، كانت يدي مجروحةً بأظافر إحداهن ومُتورِّمة ومُحمَرة، رفعتُها وصرختُ في وجوهِهِم: انتون أوادم تحسون؟ إحنا ما عندنا شي شخصي وياكم، هذا بلد القانون اللي تتكلمون عنه؟ إحنا شسوينا فيكم؟ راجعوا داخلكم؟ أيدينا لا تحمل إلا لافتات، ليش تخافون؟ انتو اللي عندكم السلاح مو إحنا، تخافون الصحافة ما تخافون رب العالمين؟ تشققون ثياب البنية بلا حيا ولا ورع؟ تُضيف: كانت بعضُ الوجوه بدأت تتغيّر وأدمعت عين بعضِهِن قبلَ أن تتدخّل الضابطة مي جمال التي صرخت بي: جب جب (إخرسي) ولا كلمة، انتوا اللي مو أوادم. ثم دفعتني ناحية الجدار بقسوة، أجاب آخر: إذا مو عاجبتنج الحكومة طلعي.
قلت لهم: هذه أرضي انولدت فيها وبموت فيها، كنتُ أضرِبُ الأرضَ بقوة بقبضتي وكانت بقيةُ الفتياتِ معي يُردِدن كلامًا بذات المغزى".. تُضيف : "توالت السجالات بيننا وبينَهم، كانت طائفيتُهم واضحةً في إشاراتِهم وكلامِهم وسُخريتِهم منَّا ومن مُعتَقداتِنا، استهزأوا بصلاتِنا ومآتِمنا. تمَّ التعرُّضُ لمعصومة بشكلٍ استفزازي، بدأنا نرُدُّ عليهِم الصاعَ صاعين، إذ لم يعُد مُحتَمَلًا بالنسبة لنا السكوت عن سُخريتِهم.
أدخلونا غرفةً صغيرة جدًا لإبعادِنا عن أعيُن الصحافيين. سمِعنا بعضَ الأصوات في الخارج. ردّدَ البعضُ هُتافات "يسقط حمد" بصوتٍ عالٍ. لكنَّهم طَردوا الصحافة وأحكموا إغلاق الباب، ثمَّ ضاع هُتافُنا وسطَ ضجَّة الآلات الموسيقية، الضجة التي تهزُّ القلب، حين أُفكر في جسد صلاح المسجَّى، صلاح الذي حملنا صورته THEY KILLED SALAH YASTERDAY".
* مَن صلاح؟
تسألُهُن الضابطة مريم: من هوَ صلاح؟ هل يُعقل أن لا تعرف من هوَ صلاح؟!! تقصُّ عليها الفتيات، يروينَ لها قصّةَ النخلِ حين يقعُ ويبقى أبيًّا، يحكينَ لها عن أهلِه و قريتِه وأطفالِه الخمسة، وعن طفلٍ سيجيءُ ليحملَ الإرث الثقيل، يحملَ إرثَ الأرضِ المالحة.
تقولُ إحداهُن "عندما نقلُونا على مجموعتين خارِج الحلبة، كُنتُ أُفكِّر طوال الطريق في أيامي القادمة داخل أو خارج السجن، داخل السجن كنتُ سأجهَدُ لأحصُل على ورقةٍ وقلم لأكتُب، خارجَه ما كنتُ لأتوقَّف عن الاحتجاج والتجمهُر، التُهم التي صارت تُوزَّع بالمجان"
* في المركز
أُخِذت الفتيات إلى مركز الرفاع الشرقي، كانت الساعة الثامنة والنصف مساءً تقريبًا. كان الجو هادئًا بعد صخب الفورمولا. "بعضُ الشرطيات عاملننا بلُطف، وعرفتُ من خلالهن أنه سيُفرَج عنَّا بعد التحقيق رُبما، صلينا وأُعطينا بعضَ المأكولات الخفيفة، وحين سمِعنا صوتَ بعضِ الفرقعات في الخارج ظننّا أنَّهم يتظاهرن لأجلنا، لكنَّها الرفاع، إنَّهم يتظاهرون ضدَّنا".
عندَ مُنتصف الليل، أُرجِع هاتفُ معصومة تمهيدًا للإفراج عنها، وكان أهالي المُعتقلات في الخارج. التقطت معصومة بعضَ الصور، نشرَتها على تويتر في الوقتِ نفسِه. دقائقُ ودخلت الشرطيات مُستشيطاتٍ غضبًا، انقلب المركزُ رأسًا على عَقِب، صادروا الهاتف، أوقفوا معصومة وقاموا بضربِها وقادُوها إلى غُرفةٍ مُنفصلِةٍ عن الأُخريات.
عندَ الثانية فجرًا، كان واضِحًا أنَّ اعتقال الفتيات أربَكَ الفورمولا، وأنَّ الإبقاء عليهِنَّ مُعتَقلات سوف يُحرِجُ الحكومةَ أكثر. تم الإفراجُ عن الفتيات تِبَاعًا بعد تسجيل محاضر بأقوالِهن. سُمح لمعصومة بالخُروج، لكنَّها رفضت المغادرة بلا هاتفِها. تمَّ استدعاء أهلِ معصومة لاحقًا وبسبب حالةِ والدتِها الصحية غادرت.
* في الطريق
تقولُ إحداهُن: "قَفِلتُ راجعةً إلى البيت، مررتُ على سيّارتي في مواقفِ الفورمولا، لقد كان البُرجُ شاهِقًا بقدرِ ما يبدو قبيحًا. لم أره هكذا من قبل، حتى الطريق إلى منزلي كان يُحرِّضُني كي أتجمهرَ من جديد، لأنَّنا نستحقُ الحرية، وهذا الوطنُ يستحقُ أن نموتَ ونعيشَ من أجلِه".