فشل البحرين الملحمي

2012-04-28 - 10:14 ص




مارك لينتش، فورن بوليسي

ترجمة: مرآة البحرين


منذ تسعة أيام كتبت الناشطة البحرينية الجريئة آلاء الشهابي في الفورين بوليسي عن إضراب عبدالهادي الخواجة الذي دخل يومه الرابع والستين حينذاك، محذرة من أن موته: "قد يؤدي إلى انهيار المسعي الحكومي لإصلاح السمعة السيئة التي لحقت بها"، وقد يسرع من السعي المقلق للمعارضة باتجاه التطرف ذي الصبغة العسكرية". ويبقى الخواجة بحمدالله حيا يرزق إلى الآن، ولكن خطوة إقامة سباق الفورميولا ون غير المدروسة قد سلطت الأضواء الدولية على القمع المتواصل من قبل النظام، ولكن تم اعتقال الشهابي الأكاديمية والتي تمتلك الجنسية المزدوجة البحرينية-البريطانية بعد ان اعتقل زوجها لمدة تسعة أشهر ولم يطلق سراحه  إلا مؤخرا.

قد يبدو اعتقال الشهابي أحد التفاصيل الصغيرة مقارنة بالاحتجاجات اليومية المتواصلة، وأعداد الصحفيين والناشطين الذين يتم اعتقالهم والضغط عليهم، وإضراب الخواجة عن الطعام، ناهيك عن الجدل الثائر بخصوص الفورميولا ون. وهنا آمل ان يطلق سراحها سريعا، ولكن اعتقالها أثناء مساعدتها لصحفيين يبدو رمزيا بصورة لافتة، إذ أتى في الوقت الذي يسعى فيه النظام إلى تلميع صورته الدولية وإخراس الأصوات الناقدة له في الصحافة الدولية من دون أن يقوم بأي إصلاحات حقيقة في البلاد.

التحقيقات المستفيضة التي قامت بها الصحافة الدولية في هذا الأسبوع تزامنا مع حدث الفورميولا ون قد أسقط المظهر الخادع التي جهدت السلطة لإبرازه. وسلطت هذه التحقيقات الضوء على فشل السلطة في اقتناص الفرصة  التي أعطيت لها أثناء القمع العام الماضي أو في التمسك بطوق النجاة الذي ألقي لها من قبل لجنة تقصي الحقائق. لاشك أن الفشل في الإصلاح سيؤدي بالنتيجة إلى زيادة تطرف خصومها وسيقوض الآمال المعقودة على استقرار مستقبلها السياسي.

إن قمع السلطة العنيف والخانق لحركة إصلاحية مسالمة في منتصف شهر آذار/مارس 2011 مثل نقطة تحول مفصلية في انتفاضات المنطقة العربية. وفي الأشهر التي سبقته انضم عدد هائل من البحرينين للاحتجاجات المطالبة بالإصلاحات الدستورية والسياسية، ومؤكدين على هويتهم كجزء لا يتجزأ من الانتفاضة العربية الأشمل. بدأت حركة الاحتجاج في البحرين كحركة إصلاحية ولم تكن في بداياتها حركة ثورية، بالإضافة إلى تاكيد لجنة تقصي الحقائق بعدم ارتباطها بإيران، أو أن تكون الأخيرة قد شكلت مصدر إلهام لها.

قرار الحكومة الذي اتخذته في منتصف آذار/مارس القاضي بإنهاء الاحتجاجات بالقوة، وبهدم دوار اللؤلؤة بمساعدة السعودية ودول مجلس التعاون الأخرى، كان له تداعيات إقليمية. لقد أدت حملة القمع إلى تفجير الاتفاق السياسي الذي بدا قريب المنال بين الإصلاحيين في النظام من ناحية وبين المعارضة المعتدلة من ناحية أخرى.  وإقليميا، أضعف هذا التدخل ما بدا أنه حراك إقليمي لايمكن مقاومته. أضف إلى ذلك، أن استخدام النظام للغة طائفية من أجل تقويض حركة إصلاحية عريضة أشعل استقطابا طائفيا داخل البحرين ولم يقف عند حدوده بل امتد إلى باقي المنطقة. وأدى إذعان إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولو كان على مضض للأمر الواقع الذي فرضته السعودية، في الوقت الذي بدات فيه التدخل العسكري في ليبيا والعنف المتصاعد في سوريا، أدى ذلك إلى جرح عميق في المصداقية الأمريكية.

وفي الشهور التي تلت حملة القمع، كانت هناك نار مستعرة لفهم وتفسير ماحدث في البحرين. لقد كان ذلك واضحا لكل شخص حاول أن يكتب أو يناقش الأحداث التي جرت في البحرين. فمن ناحية، يجادل الموالون للنظام بأنهم فعلوا مافعلوا لانهم كانوا يجابهون حركة شيعية طائفية رديكالية مسنودة من إيران، وينفون في الوقت نفسه أي إساءة قام بها النظام. وبالفعل، كان للمعارضة أخطاؤها أثناء الاحتجاجات التي انتهت بحملة القمع وبعده. ولكن ولحسن الحظ فإن الحقائق عن الحركة الاحتجاجية و حملة القمع التي تلتها قد تم توثيقها مفصلا في تقرير لجنة تقصي الحقائق البحرينية المستقلة.

فقد أوضح هذا التقرير وبشكل مفصل بأن النظام البحريني قد ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء محاولته لسحق الحركة الاحتجاجية. فالمئات من المعتقلين اشتكوا من سوء المعاملة، وممارسات متعددة من التعذيب الذي شمل تقييد الأيدي بشدة بالغة، والوقوف القسري، والضرب المبرح، والصعق الكهربي، والحرق بأعقاب السجائر، والضرب على باطن القدم، والإساءة اللفظية، والحرمان من النوم، والتهديد بالاغتصاب، وشمل التعذيب أيضا الإساءة الجنسية كإدخال أشياء في الدبر، والتعري القسري، وشد الأعضاء الجنسية، بالإضافة إلى تعليق السجناء، وتعريضهم لدرجات حرارة عالية، وممارسات أخرى كلعق أحذية الحراس، والتخويف بالكلاب، والإعدام الوهمي، وأكل فضلات الانسان (تقرير لجنة تقصي الحقائق من 287 – 289).

وفي التقرير أيضا، فإن المعتقلين ظلوا لأسابيع طويلة من غير اتصال مع العالم الخارجي أو مع محاميهم. ويختتم التقرير قائلا بأن ذلك يمثل"ممارسة ممنهجة للإساءة النفسية والجسدية التي ترقى في كثيرا من الحالات إلى التعذيب لكثير من المعتقلين الذين كانوا في عهدة السلطة. إضافة إلى هذه الانتهاكات، كان هناك هدم المساجد الشيعية، والفصل التعسفي الواسع النطاق من القطاعين العام والخاص وحتى من الجامعات، وكذلك إثارة النعرات الطائفية في وسائل الإعلام وغيرها كثير. وبالتأكيد لايوجد خطأ سياسي ارتكب من قبل المعارضة قد يكون مبررا لمثل هذه الانتهاكات.

لقد مثل تقديم التقرير إلى الملك وإلى أعضاء العائلة البارزين فرصة للنظام لأن يعي أخطاءه السابقة وأن يبدأ ببذل جهود حثيثة لفتح صفحة سياسية جديدة. بدا بعض أعضاء النظام كولي العهد وكأنهم يريدون ذلك بشكل جدي. ولكن الفرصة أضيعت. وبالرغم من بعض الإصلاحات الشكلية، فإن النظام استمر في خنق الاحتجاجات وعجز عن الدفع بالمساءلة الحقة والتغيير السياسي الحقيقي. وكانت منظمة العفو الدولية قد أشارت في تقرير لها مؤخرا إلى أن النظام قد فشل في تطبيق توصيات لجنة تقصي الحقائق على الرغم من انقضاء مايقارب خمسة أشهر منذ نشر التقرير، وبأن التغيير الحقيقي لم يرَ النور بعد. وبصورة أكثر عمقا أشار التقرير إلى"ثقافة الإفلات من العقاب داخل المؤسسة الأمنية والتي نص عليها تقرير لجنة تقصي الحقائق لم تتحول بعد إلى نظام للمساءلة الحقيقية".

وعندما التقيت الشهابي في واشنطن في فبراير الماضي، كانت تحذر من التطرف المتنامي داخل الحركة الاحتجاجية كردة فعل على الحملة الطائفية والقمع المستمر.

وبالفعل فإن المحتجين البحرينيين قد أصبحوا أكثر تطرفا نتيجة لهذه الإساءات، والجمود السياسي. ويزداد الأمر صعوبة على قادة المعارضة المطالبين بالإصلاح والتوافق نتيجة لتنامي الاستياء وتصلب المواقف. فقد أصبح المحتجون أكثر تشددا وباتت أخبار العنف أكثر شيوعا. فالقبضة الحديدة والقمع الطائفي الذي انتهجه النظام، قد أسفر عن تصلب مواقف كل من المعارضة والموالاة على حد سواء في الوقت الذي تم فيه تهميش الإصلاحيين من الجانبين. وحتى إذا لم يكن الوقت قد فات لعكس هذا الحراك الخطير، فإن ذروة الخطر تقترب أكثر فأكثر. وإذا استمرت البحرين في هذا الطريق فإنها مرشحة بأن تكون على رأس ثلاثة أنظمة في المنطقة تواجه تحدياً وجودياً في المستقبل القريب والمتوسط.

آمل أن يؤدي رد الفعل الدولي العنيف هذا الأسبوع، والإشارات المتزايدة من عدم ديمومة سياستهم المحلية، أن تدفع القادة البحرينين إلى التفكير مليا في طريقة تعاملهم مع الأزمة. عليهم وفي الحال أن يقوموا ببناء نظام مساءلة حقيقي للانتهاكات التي تمارس، ووضع حد للتحريض، وإطلاق سراح ضحايا القمع السياسي وإعادة المفصولين والعمل على إحداث انفراجة سياسية حقيقية. ولكن لسوء الحظ، فان تصرفاتهم وتصريحاتهم الحالية لا تشي بأنهم سيقومون بذلك. أو حتى أنهم يعلمون بعمق الهاوية التي تنتظرهم، وهذا بالتأكيد سيكون بمثابة فشل ملحمي ليس للبحرين وحسب وإنما للمنطقة بأسرها.

22-4-2012





التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus