المونيتور: اتّساع رقعة الخلافات بين قطر والبحرين يستتبع تداعيات اقتصاديّة

جورجيو كافيرو - موقع المونيتور - 2017-09-07 - 8:56 م

ترجمة موقع المونيتور

ارتفعت حدّة التوتّر بين البحرين وقطر بشكل هائل. فقد استنكر مجلس الشورى البحرينيّ الشهر الماضي "تنسيق وتعاون" الدوحة المزعوم مع المعارضة الشيعيّة في المملكة الخليجية الصغيرة وإيران من أجل "إثارة الفوضى" وسط اضطرابات 2011. وأشارت وكالة أنباء البحرين إلى أنّ قطر كانت وراء إنشاء حسابات على وسائل التواصل الاجتماعيّ و"مواقع إلكترونيّة بحرينيّة معارضة ومعادية" لـ "إشعال نيران الطائفيّة" وإسقاط نظام آل خليفة.

وكان الدليل الذي ذكرته الوكالة اتّصالاً هاتفيّاً بين رئيس الوزراء القطريّ السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني والشيخ علي سلمان، الأمين العامّ لجمعيّة الوفاق، التي هي الجمعية المعارضة الشيعيّة الأكثر شعبية في البحرين والمنحلّة منذ ذلك الوقت. وقد ردّ المسؤولون القطريّون وممثّلو الوفاق رسميّاً، مؤكّدين أنّ الدبلوماسيّ القطريّ الأرفع مستوى آنذاك أجرى ذلك الاتّصال أثناء زيارة برعاية الدولة إلى البحرين عندما كان الوسطاء القطريّون يبذلون مساعٍ من أجل حلّ الأزمة البحرينيّة. وأشارت المعارضة الشيعيّة الرئيسيّة في البحرين إلى أنّ حمد بن جاسم أتى إلى البحرين من المملكة العربيّة السعوديّة وأنّه فعل ذلك بموافقة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.

في الواقع، هناك تاريخ طويل من الاحتكاك والتوتّر بين البحرين وقطر قبل اندلاع الأزمة الخليجيّة الحاليّة. فالخلاف بين البلدين بشأن السيادة على جزر حوار والزبارة وأراض أخرى، الذي نشب في بداية حقبة ما بعد الاستقلال في هاتين الدولتين، استمرّ في النصف الثاني من القرن العشرين. وفي العام 1996، اتّهمت الدوحة المنامة بدعم انقلاب مضادّ ضدّ والد الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الذي وصل إلى العرش بعد انقلاب غير دمويّ في القصر في السنة السابقة. لكنّ العلاقات البحرينيّة القطريّة تحسّنت بشكل ملحوظ بحلول العام 1997، عندما وافقت المنامة والدوحة على إقامة علاقات دبلوماسيّة كاملة ورفع خلافاتهما بشأن السيادة على الأراضي إلى محكمة العدل الدوليّة، ما أسفر عن تسوية في العام 2001. وفي حزيران/يونيو 2006، وقّعت الحكومتان اتّفاقاً لبناء جسر على امتداد 25 ميلاً يربط بين البحرين وقطر ويسمّى "جسر المحبّة".

في الواقع، قبل ستّ سنوات، اتّهم بعض المحلّلين قطر باستغلال قناة "الجزيرة" لترويج الثورات الديمقراطيّة في مصر وليبيا وسوريا وعدم إيلاء الاضطرابات في البحرين اهتماماً كافياً. واعتبر نقّاد كثيرون في قطر أنّ الدوحة لجأت إلى سياسة الكيل بمكيالين في ما يتعلّق بانتفاضات الربيع العربيّ، مستغلة قناة "الجزيرة" لدعم الحركات الثوريّة العربيّة خارج مجلس التعاون الخليجيّ ومعارضة تلك التي طعنت في شرعيّة الملوك العرب المقرّبين من أسرة آل ثاني الحاكمة، مثل الملك حمد. وعزّزت تصاريح حمد بن جاسم في مقابلة مع قناة "الجزيرة" بعد يوم واحد من نشر مجلس التعاون الخليجيّ 1500 عسكريّ من قوّات درع الجزيرة في البحرين نظريّة "الكيل بمكيالين" في سياسة الدوحة الخارجيّة. فقد قال إنّ "المسؤوليّات والواجبات المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجيّ" تتطلّب من قطر وجميع الدول الأعضاء في المجلس "التعاون بالكامل" والالتزام بالاتّفاقات السابقة.

لكنّ العلاقات بين المنامة والدوحة سرعان ما تدهورت بعد العام 2011. وكانت المسألتان الرئيسيّتان اللتان أجّجتا الاحتكاك بين البحرين وقطر في الفترة الممتدّة من اندلاع انتفاضات الربيع العربيّ إلى شهر أيار/مايو-حزيران/يونيو من هذه السنة علاقات الدوحة الوديّة مع إيران وتغطية قناة "الجزيرة" للأحداث في البحرين ودول شرق أوسطيّة أخرى مثل مصر والمملكة العربيّة السعوديّة واليمن.

وعلى الرغم من الحجّة المذكورة آنفاً بشأن تغطية "الجزيرة" للاضطرابات في البحرين سنة 2011، قدّمت هذه الشبكة القطريّة التابعة للدولة مذّاك الحين منصّة إلى أصوات من المعارضة الشيعيّة للتعبير عن شكاويها. فعلى سبيل المثل، بثّت الشبكة سنة 2012 فيلماً وثائقيّاً بعنوان "البحرين: صراخ في الظلام" فاز بجائزة الإعلام التي تمنحها منظّمة العفو الدوليّة وكشف النقاب عن نكبة "شعب يناضل من أجل الحقوق الديمقراطيّة" و"كسر حواجز الخوف" وسط "ثورة عربيّة هجرها العرب وتخلّى عنها الغرب ونسيها العالم".

وتشدّد القيادة البحرينيّة، بالتوافق مع الدول الأربع المقاطعة لقطر، على أنّه من غير المقبول بتاتاً أن تبثّ دولة عضو في مجلس التعاون الخليجيّ عبر شبكة إعلاميّة تملكها الدولة مثل "الجزيرة"، التي يُزعم أنّها تعمل ضدّ الحكومات العربيّة السنيّة الصديقة لقطر في الخليج وفي الخارج. وبالتالي، دفعت هذه المسألة المتعلّقة بالإعلام والصحافة في مجلس التعاون الخليجيّ البحرين إلى دعم الجهود التي تقودها المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة من أجل التحرّك ضدّ قطر و"الجزيرة" سنة 2014، وأيضاً في حزيران/يونيو 2017.

وفي الأشهر الثلاثة الماضية، تبادلت البحرين وقطر الاتّهامات بشأن "التصعيد العسكريّ" و"الحرب النفسيّة" ودعم الإرهاب وانتهاك القانون الدوليّ، وغيرها من الأعمال العدائيّة. وممّا لا شكّ فيه أنّ التلفّظ بهكذا كلام يجعل تقديم البحرين أو قطر تنازلات سياسيّة ضروريّة من أجل حلّ خلافاتهما في المستقبل أكثر كلفة. لكن عوضاً عن السعي إلى إصلاح العلاقات مع الكتلة التي تقودها المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة، تصوغ الدوحة سياسة خارجيّة جديدة قائمة على توطيد العلاقات مع إيران وتركيا وروسيا.

وسيترافق انفصال قطر الاقتصاديّ والجيوسياسيّ عن دول مجلس التعاون الخليجيّ الأخرى، بما في ذلك البحرين، مع ثمن اقتصاديّ. ففي ظلّ غياب فرص بناء "جسر المحبّة" إلى حين حلّ الأزمة القطريّة، لن يحظى الاقتصاد البحرينيّ، الذي يعاني من أسعار النفط المتدنّية ويحتاج إلى النموّ في القطاعات غير النفطيّة، بفرصة للاستفادة من المنتجعات الساحليّة ودور السينما ومجمّعات الأعمال التي يمكن بناؤها لتلبية حاجات رجال الأعمال والمستثمرين والسيّاح من الدولة الأكثر ثراء في العالم الواقعة في الجهة المقابلة من الجسر.

وبالإضافة إلى ازدهار قطاع السياحة البحرينيّ، يمكن أن يعود "جسر المحبّة" بالنفع على القطاع اللوجستيّ، وأن تصبح البحرين بالتالي ممرّاً تجاريّاً متزايد الأهميّة يربط قطر بالمملكة العربيّة السعوديّة. وقد تستقطب البيئة الاستثماريّة والقوّة العاملة الحرة - الأفضل تدريباً من القوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجيّ الأخرى - في البحرين، عدداً أكبر من المؤسّسات والشركات من دول أخرى في شبه الجزيرة العربيّة.

ومن المرجّح أن يكون الثمن الناجم عن عدم توطيد قطر ودول مجلس التعاون الخليجيّ الصديقة لها علاقاتها الاقتصاديّة والاستثماريّة طويل الأمد. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يلحق التوتّر المتصاعد بين الدوحة والمنامة الضرر بفرص الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجيّ في استعادة ولو القليل من الوحدة السياسيّة والثقة والتماسك مع هويّة خليجيّة مشتركة والسعي إلى مصالح مشتركة، بما في ذلك تنويع اقتصاداتها لكي لا تبقى مقتصرة على قطاع المحروقات التقليديّة.

 

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus