حكاية الصحافة البحرينية من 1939 إلى ثورة 14 فبراير

2012-05-03 - 6:39 ص


مرآة البحرين (خاص): لصحافة أسوة بالتعليم بدأت في هذا البلد بداية أهلية وليس من قبل الدولة، وعلى غير وفاق معها. ومنذ بدايتها في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي (جريدة البحرين 1939م) خضعت الصحافة البحرينية للحصار من قبل السلطة مدعوما بطبيعة الحال حينذاك بالسلطة الاستعمارية ممثلة في رمزها تشارلز بلغريف ورقابته الشديدة.

وقد حوكم عبد الله الزائد رئيس تحريرها بعد صدورها بسنة لأنه نشر تحقيقا عن تدني الخدمات الطبية في مستشفى الحكومة حينذاك. ولم تمض خمسة أعوام على صدورها حتى أجبرت السلطات الزائد على إغلاق الجريدة لأنه لم يرتهن لسياستها فتوقفت نهائيا في سنة 1944 بذريعة شكلية هي أزمة الورق. في حين أن السبب الحقيقي كما يشير المؤرخ مبارك الخاطر، هو نشر الجريدة لمقال يطالب بضرورة الوحدة لإمارات الساحل المتصالح (الإمارات العربية حاليا) مما اعتبر متنافيا مع سياسة النظام والاستعمار على حد سواء، أو سياسة فرق تسد الامبريالية.

ويبدو أن العلاقة الصدامية بين الصحافة والنظام استمرت على هذا المنوال حتى بعد إغلاق جريدة البحرين، وصدور جرائد ومجلات أخرى ابتداء من منتصف الاربعينات وحتى منتصف الخمسينات، حيث ظهرت خلال هذه الفترة جرائد من قبيل: صوت البحرين 1949، وكانت منبرا سياسيا وثقافيا ضد السياسات الاستعمارية والحكومية، واستقطبت مجموعة من الأقلام والكتاب والمثقفين المتميزين والمناضلين، حتى أنه يمكن القول إن قادة الحركة الوطنية في الخمسينات كانت من مدرسة هذه الجريدة. إلا أنها أغلقت بشكل تعسفي من قبل السلطة في العام 1954 بسبب مواقفها الوطنية المساندة لقضايا الشعب، فحلت مكانها جرائد عدة، مثل، القافلة 1952- 1954 وما لبثت أن اغلقتها السلطات أيضا بسبب مواقفها، فصدرت في أعقابها جريدة الوطن 1955 وهي الوجه الآخر للقافلة ولكنها أغلقت أيضا بقرار حكومي مع جريدتين أخريين هما الميزان والشعلة بعد ضرب هيئة الاتحاد الوطني في سنة 1956 ومحاكمة ونفي قيادتها.

 البحرين ابتداء من منتصف الخمسينات حتى منتصف الستينات دخلت في مرحلة قمع واستبداد شديدين، وهي مرحلة أشبه بما يعرف بالمكارثية في الولايات المتحدة، فقد تمت ملاحقة الصحافة المحلية ومنع الصحافة العربية الثورية التي تسلط الاضواء على الوضع الاستبدادي والاستعماري في البحرين من الدخول الى البلاد.

تصدت الصحافة البحرينية منذ نشأتها للمخططات الاستعمارية من جهة، وللسياسة الاستبدادية المحلية من جهة أخرى. بمعنى أن الصحافة كانت تحارب على جبهتين، ضد جبهة الاستعمار، وضد جبهة النظام الحاكم المستبد، وهي كانت لصيقة بتطلعات هذا الشعب في الحرية والديمقراطية والاستقلال. لذلك كان لا بد أن تواجه بالمنع والإلغاء، كما يواجه الصحافيون والكتاب بالقمع ومصادرة حق التعبير. لا لشيء سوى ان الصحافة كانت منذ البدء ملتزمة الدفاع عن مصالح الشعب وعدالة قضاياه ضد مستعمريه في الخارج، ومستغليه في الداخل، كانت مرآة تعكس قضاياه وتطلعاته.

جريدة الأضواء

استمرت محنة الصحافة من جراء حملة المكارثية زهاء عشر سنوات عجاف حتى انتفاضة مارس 1965 التي مثلت فاتحة مرحلة جديدة من الصحافة البحرينية، حيث صدرت بعد الانتفاضة بستة شهور جريدة (الأضواء) لصاحبها محمود المردي. ومثلت الأضواء أحد المنابر الثقافية الهامة لكثير من الكتاب والأدباء والمثقفين، لكنها لم تكن كذلك على صعيد الشأن العام خاصة في الجانب السياسي. تلتها في الصدور مجلة (صدى الأسبوع) في سنة 1969 لصاحبها على سيار، وبفعل خطها الوطني فقد تعرضت للمنع والتعطيل بسبب ما تنشره من مقالات متنوعة تنتقد الوضع القائم، وقد عرف عن هذه المجلة تعاطفها مع الحركة القومية واليسارية والقضايا الوطنية.

 أوقفت (صدى الاسبوع) في منتصف السبعينات من قبل الحكومة لأنها نشرت بيان كتلة الشعب في المجلس الوطني الذي يندد بمشروع قانون أمن الدولة الذي طرحته الحكومة على المجلس الوطني إلا أنه باء بالفشل، ولم ينل الثقة، كما حمّلت المجلة الحكومة حينذاك مسئولية الأزمة السياسية المستحكمة في البلاد، وعدم تعاون الحكومة مع المجلس الوطني.

جاءت مرحلة الاستقلال في 14 اغسطس 1971 وكانت حافلة بالآمال والتطلعات الكبيرة فيما يتعلق بالصحافة. ولكن هذه الآمال والتطلعات سرعان ما تبخرت وذهبت أدراج الرياح. فعدا عن الانفراجة القصيرة التي استمرت خلال فترة المجلس الوطني 1973- 1975 والتي ازدهرت فيها الصحافة على الرغم من عدم وجود صحافة يومية، فإن هذه الصحافة قد وقعت في قبضة قانون أمن الدولة بعد حل المجلس الوطني، وباتت مخترقة سواء في ذلك صحافة ما قبل الاستقلال أو ما بعده في أحسن الأحوال، أو ممنوعة ومراقبة وملاحقة في أسوأ الأحوال.

مجلة المواقف

في العام 1973 صدرت مجلة المواقف الى جانب الأضواء وصدى الاسبوع، لكن الصحافة البحرينية لم تزدد نوعيا، ولم يطرأ عليها تغير نوعي اللهم إلا في الشأن الثقافي والأدبي. وبعدها وارتباطاً بحل المجلس الوطني وسريان قانون أمن الدولة جاء إصدار الجريدة اليومية الأولى (أخبار الخليج 1976) لتمثل هي أيضا إضافة كمية للصحافة، إضافة الى ما هو موجود، أكثر مما هي إضافة نوعية، ومنذ البداية أخذت أخبار الخليج خطا صحافيا رسميا محسوبا على أحد أجنحة السلطة.

ومنذ الانقضاض على تجربة المجلس الوطني في منتصف السبعينات من القرن الماضي، باتت الصحافة البحرينية تسير وفقا لهوى السلطة، ومخترقة من قبل السلطة بأشكال وألوان مختلفة، وقد كُبلت من قبل السلطات التي أحكمت سيطرتها تماما على الشأن الصحافي، هذا مع العلم أن هذه الصحافة هي أهلية/ خاصة وليست حكومية. لذلك فإن صحافة السبعينات مثلت وجهة النظر الحكومية في الغالب الأعم، ولم تكن مهتمة بالشأن الوطني أو معّبرة عن التطلعات الشعبية كما حصل في صحافة الأربعينات والخمسينات، حتى أن كثيرا من الكتاب والصحافيين من ذوي المواقف المعلنة والصريحة من النظام لم يستطيعوا ان يكتبوا في هذه الصحافة، وكان الرقيب لهم بالمرصاد، هذا فضلا عن تحفظات رؤساء التحرير على ما يكتبون.

ولأن الصحافة الحقيقية مهمة جدا في تعرية الفساد والمفسدين، استمر الوضع الصحافي المتردي في البحرين خلال عقدي السبعينات والثمانينات معتمدا على جريدة يومية فقط أخدت تشيخ إضافة إلى عدد من المجلات الأسبوعية المتهالكة والتي توقف بعضها، والموجودة والتي لا يعرفها أحد.

جريدة الأيام

حتى صدرت جريدة الايام مع بداية 1989 لتمثل تجربة جديدة وواعدة، حيث استقطبت العديد من الأقلام في الصحافة والأدب والثقافة والرأي لدرجة أن وزارة الداخلية ضاقت بها ذرعا في السنتين الأوليين من صدورها واعتبرتها منبرا خطرا بسبب كتابها وخلفياتهم الايديولوجية، معتبرة إياها أنها تميل لافكار اليسار، أو اللبرالية المتنورة.

وبالفعل كانت الأيام تجربة متميزة لحظة صدورها، خصوصا فيما يتعلق بالشأن العام، إلا أنه تم احتواؤها من قبل السلطة، ولأن القائمين عليها ليسوا بعيدين عن السلطة، بل من الموالين، فأصبحت مثل سابقاتها إحدى منابر السلطة والمدافعين عنها بقوة، هذا على الرغم من محاولة تطعيم طاقمها بكتاب وشخصيات صحافية ذات هوى يساري أو ليبرالي إلى ما هنالك، إلا أن ذلك لم يمنعها من تبني والدفاع عن الموقف الحكومي، وهو ما تجلى في موقفها من انتفاضة التسعينات سواء من حيث تغطيتها للأحداث أو من خلال مواقف كتابها وصحافييها في التطبيل لمواقف واجراءات النظام، وشجب واستنكار الحركة الاحتجاجية، لا بل والشماتة فيها وفي قياداتها.

ينطبق الشيء نفسه على أخبار الخليج، فهي ملكية أكثر من الملك كما يقال بمحرريها وكتابها. حتى أولئك الذين يدعون الإنتماء إلى اليسار من كتابها، أصبحوا بقدرتهم، لا بقدرة قادر، يدافعون عن السلفية، ويدافعون عن الرجعية والاستبداد وقمع الشعب البحريني، وجمدوا تقدميتهم وعلمانيتهم اللتين طالما تغنوا بها. التقدمية والعلمانية في ذمة التاريخ بالنسبة لهم، والمهم هو بقاء النظام والمغانم التي يغدقها عليهم.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus