موقع لوبلوغ: إميل نخلة: واشنطن والرياض: هل خَبَت ذكرى 11 سبتمبر؟

إميل نخلة - موقع لوبلوغ - 2017-09-15 - 4:57 م

ترجمة مرآة البحرين

أصبحت هجمات الحادي عشر من أيلول ذكرى بعيدة في العلاقات الأمريكية-السعودية. صفقة الأسلحة الأمريكية الأخيرة لواشنطن، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، إلى السعودية والبحرين، وتدليلها المستمر للنّظام السّعودي، وغياب الغضب الأخلاقي الأمريكي بشأن الحرب اللاأخلاقية في اليمن، أمور تظهر أن أمريكا لم تتعلم الكثير من الهجمات وأن السّعودية وحلفاءها السنة المجاورين ما يزالون غير متأثرين بالعمل الإرهابي الغادر.

تزعم السّعودية أنّه لا علاقة لها بالأيديولوجية الإرهابية التي ولّدت أحداث 11 سبتمبر/أيلول. الدّعم الثابت لإدارة ترامب للنظامين السّعودي والبحريني، على الرّغم من سجلّيهما الفظيعَين في مجال حقوق الإنسان، وتسلّطهما على قطر وغيرها من الدول المجاورة ذات التّفكير المستقل، مكّن هذه الأنظمة من القيام بكل ما ترغب به من دون الخوف من العقاب أو التّوبيخ من قبل واشنطن. الأمر كما لو أنّ أحداث 11 سبتمبر/أيلول لم تحصل أساسًا.

رومنسية ترامب مع بعض القوى السّنية الخليجية تتجاهل خطابها [القوى الخليجية] الترويجي للأيديولوجيا السّنية العنيفة، وتمويلها للجماعات الإرهابية على مدى سنوات، ونظرة زعمائها الدينيين إلى غير المسلمين على أنّهم "كفار"، و"ملحدين" و"مناهضين للإسلام". وعلى نحو أكثر أهمية، ستقوض هذه السّياسة المصالح الطّويلة المدى للولايات المتحدة وتهدد أمن وسلامة المواطنين الأمريكيين، وكذلك المصالح الأمريكية، في منطقة الشّرق الأوسط، وغيرها من الأماكن.

في أوائل التّسعينيات، عندما بدأ أسامة بن لادن حملته الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها السّنة في منطقة الشرق الأوسط الكبير، أقنع عددًا من الشّباب السّنة السّعوديين وغيرهم أنّ "الجهاد" كان مبررًا ليس فقط ضد الولايات المتحدة ولكن أيضًا ضد الأنظمة الإسلامية السّنية، التي كان يصفها "بالعدو القريب". وعلى الرّغم من أنّه وصف أمريكا "برأس الأفعى"، إلا أنّه ندد بالأنظمة الإسلامية في المنطقة، كما لو أنها عدوة سامة، بشكل مساوٍ، للإسلام. وبصفتهم "مرتدين"، يمكن قتلهم على نحو مبرر.

وقال بن لادن أيضًا إنّه، استنادًا إلى حديث عن النبي محمد، وهو على فراش الموت، بأنّه لا يوجد سوى دين واحد في شبه الجزيرة العربية، فإنّه لا يمكن أن تبقى القوات الأمريكية "الكافرة" في السّعودية بعد طرد صدام حسين من الكويت في العام 1991. وقد بدأ بذلك حربه ضد أمريكا، وغيرها من الدول الغربية، وأصدقائها من الأنظمة الإسلامية.

أمضيت معظم حياتي المهنية في الحكومة الأمريكية وأنا أتتبع انتشار الأيديولوجية الوهابية السلفية المتطرفة في أرجاء العالم الإسلامي، وهي ممولة في الغالب من قبل ما يسمى بالمنظمات الإسلامية غير الحكومية، و[المُمَوّلة] أيضًا من قبل السّعودية. من القرى في شمال نيجيريا إلى وادي فرغانة في آسيا الوسطى، نشرت المصاحف المطبوعة في السعودية والمشاريع الممولة الأيديولوجيا السّلفية بين الشباب المسلمين. المحللون وأنا حذّرنا صناع السّياسات من تأثير هذه الظاهرة على المدى الطويل، غير أنّه لم تتم مواجهة السعوديين أبدًا بشأن ذلك.

وبغض النّظر عن صحة هذا الحديث، فإن رجال الدين الوهابيين والسلفيين في السّعودية والبحرين وأماكن أخرى دافعوا عن نظرية بن لادن، وقد موّل كثيرون من بينهم هذه العمليات العنيفة.

وقد زعم عدد من المنظمات الإسلامية غير الحكومية، الممولة من قبل السّعودية، أّن رسالة بن لادن تتفق مع التّعاليم الوهابية والسّلفية. لقد كان هذا الإسلام الرّسمي للسعودية منذ ذلك الحين، وما يزال كذلك.

 

"جهاد" الزعماء الدينيين السّعوديين الذي يُتَغاضى عنه

 

عندما زرت السّعودية في العام 1996، بعد مدة قصيرة على التفجيرات الإرهابية لأبراج الخُبَر، قال لي عدد من السّعوديين الموالين للنّظام، بأسلوب غير ملائم، إن التّفجيرات لم تقتل سعوديين، بل أجانب غير مسلمين فقط. وحلّلت ذلك بأنه من الجائز بالنّسبة للعمل "الجهادي" أن يقتل غير المسلمين، لكن ليس المسلمين. وعندما قدمت لهم دليلًا على أن عشرات السّعوديين وغيرهم من المسلمين قُتِلوا في التّفجيرات، هزّ أحد السعوديين كتفيه وردّ بلا مبالاة: "أضرار جانبية لا مفر منها". منذ ذلك الحين، قتل "الجهاديون" المسلمون أعدادًا من المسلمين -السنة والشيعة- تفوق أعداد القتلى غير المسلمين.

الحقيقة غير السّارة هي أنّه في 11 سبتمبر/أيلول 2001، هاجم الإرهابيون المدعومون من السّنة الولايات المتحدة، مستخدمين تفسيرًا مشوهًا للإسلام السّني، يبرر أفعالهم الإجرامية. ونبع التّفسير المتطرف الذي حفّزهم من السّعودية والدّول السّنية المجاورة. بالإضافة إلى ذلك، جاء الآلاف من المقاتلين "الجهاديين" المشاة من القاعدة وداعش من السّعودية والبحرين وغيرها من الدّول السّنية.

ولم ينكر عدد من الزعماء الدّينيين السّنة في السّعودية وغيرها من الدّول الخليجية الأعمال الدّامية التي قام بها أتباعهم. بل على العكس من ذلك، اعتبروا عددًا من هذه الأفعال "جهادًا" مشروعًا، وموّلوا عددًا من الحركات الجهادية. وأتى جزء كبير من تمويل هذه المجموعات، بما في ذلك تنظيم القاعدة وفصائلها الإقليمية وداعش والخلافة البغدادية من رجال أعمال خليجيين، وأفراد في بعض العوائل الحاكمة، ومنظمات ممولة من قبل الحكومات.

القمع في البحرين

استغلت بعض الأنظمة الخليجية السّنية، بما في ذلك السّعودية والبحرين، علاقتها الوثيقة مع ترامب لمحو آثار الربيع العربي، من خلال الاعتقالات غير القانونية والمحاكمات الصورية، والتّعذيب. وقد انتقلوا من تمويل المنظمات الإرهابية إلى قمع شعوبهم، لا سيما النشطاء المدافعين عن الدّيمقراطية، وكل ذلك باسم مكافحة الإرهاب. ويقبع آلاف المعارضين السّلميين في السّجون المصرية والسّعودية والبحرينية. في حين "أُخفِي" كثيرون آخرون بشكل قسري.

قضية المحامي البحريني من أجل حقوق الإنسان، إبراهيم سرحان، هي الأحدث في سلسلة إرهاب النّظام البحريني. ووفقًا لشهادته، أُمِر إبراهيم سرحان بالذهاب إلى مكتب الأمن البحريني، بسبب مقابلة مباشرة على التلفزيون، تحدث فيها عن وضع حقوق الإنسان في قرية الدّراز. وخلال أسبوعين من الاستجواب العنيف، تعرض للضرب والتّعذيب، وكل أنواع الانتهاكات الجسدية والنّفسية والجنسية.

فيما يلي نموذج من التحقيق:

الضابط: "ماذا قلت في المقابلة التلفزيونية"

سرحان: "تحدثت فقط عن الجوانب القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان من دون أن أتطرق إلى السياسة".

الضابط: "انسَ كل شيء عن القانون وحقوق الإنسان. مع الرئيس الأمريكي الجديد، تغير كل شيء. الآن يمكننا أن نفعل ما نريد".

سرحان: "أنا لا أتطرق إلى السياسة. أنا أقدم فقط رأيًا قانونيًا".

الضابط: "نعلم ذلك، لكن عند حديثك عن التّدخل الخارجي. هل كنت تعني إيران "المجوسية"؟"

سرحان: "لم أكن أقصد دولة محددة، ولكن المجتمع الدّولي بشكل عام".

سرحان: "بدأ الضابط بضربي وركلي على جسمي كله، بما في ذلك أعضائي التّناسلية، وواصل ضربي إلى أن وقعت على الأرض. عندها، رفعوني عن الأرض وظلوا يُوَجّهون الضربات إليّ. بعد ذلك، أجبروني على خلع ملابسي".

الضابط: "أنت عضو في الوفاق. ما يعني أنك معارض".

سرحان: "أعمل وفقًا للقانون، وليس ضده".

سرحان: "واصلوا توجيه الضربات إليّ، بما في ذلك ضرب رأسي بالحائط، وهدّدوا بالاعتداء عليّ جنسيًا إن لم أتعاون معهم".

سرحان: "بعد مرور أسبوع على ذلك، أمروني بالذهاب إلى مكتب الأمن في المحرق. وبعد ساعات من التّحقيق، والإهانات وشتم عائلتي وديانتي، فشلوا في جعلي أعمل لصالحهم. وفي النهاية، سمحوا لي بالمغادرة".

البحرين ليست الدولة الوحيدة في استخدام التّعذيب. السعودية تنتهك كذلك حقوق الإنسان وقد استخدمت أساليب مشابهة ضد الشّيعة في المنطقة الشرقية، خصوصًا في بلدة العوامية. الهجمات المتكررة للنّظام السّعودي هذا العام دمرت البلدة وروّعت سكانها الشّيعة.

رد ترامب

على الرّغم من سجلها المريع في مجال حقوق الإنسان، لم تُظهِر الأنظمة الخليجية أي قلق بشأن موقف واشنطن تجاهها. وفيما يتعلق بها، فقد سمحت إدارة ترامب لأحداث الحادي عشر من سبتمبر والربيع العربي بالتفاقم. وهي [الأنظمة الخليجية] ترى أن علاقاتها مع ترامب في سياق الأعمال كالمعتاد. وتعتقد عائلة آل سعود الحاكمة الآن أن علاقة إدارة ترامب، خاصة مع ولي العهد، الذي سيصبح  قريبًا ملكًا، محمد بن سلمان، مدفوعة إلى حد كبير بسعي واشنطن لتحقيق مصالح قصيرة الأمد، ومعظمها قصيرة النظر، والعداء المرضي مع إيران.

هذا الاعتقاد مكّن السّلطات السّعودية من إرهاب مواطنيها، وملاحقة وتعذيب أفراد الطائفة الشّيعية بجماح، وتهديد قطر وغيرها من الجماعات والدول ذات التفكير المستقل، ومواصلة حربها الهمجية وغير القانونية في اليمن. ويبدو أن مبيعات الأسلحة الأخيرة إلى البحرين واستخدام الأسلحة الأمريكية المتطورة ضد النّساء والأطفال في اليمن  يؤكدان للحلفاء الخليجيين أن واشنطن تدعمهم.

ويشعر النّظام السّعودي أيضًا بالارتياح بسبب التّقارير الصادرة عن واشنطن، ومفادها أن ترامب يعتزم عدم التّصديق على الاتفاق النّووي مع إيران، على الرّغم من تصريح الوكالة الدّولية للطّاقة الذّرية بأنّ إيران امتثلت للشّروط المطلوبة. وتعتقد الرّياض أن ترامب يواصل تحريك هدفه من أجل إبطال الاتفاق كلّه بشكل نهائي.  

إدارة ترامب تتذلل إلى البحرين والسعودية وغيرهما من الدول السّنية في مجلس الّتعاون الخليجي من دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية الطّويلة الأمد للولايات المتحدة وسلامة المواطنين والعناصر العسكريين الأمريكيين في الشرق الأوسط. وفي حال واصلت واشنطن تلبية احتياجات  السعودية وأصدقائها في الخليج، فإن خطر المزيد من الحروب الإقليمية، على سبيل المثال بين السعودية وإيران، أو بين إسرائيل وحزب الله، سينمو بشكل مطرد -وهو أمر لا تحتاجه الرياض ولا واشنطن، ولا تستطيعان تحمله كذلك.

 

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus