في البحرين.. الكلمة تساوي الاستهداف

2012-05-03 - 8:04 ص


مرآة البحرين (خاص): الكلمة التي تُساوي الموتَ في البحرين تُساوي ما دُونَه من ألم، لا مكان لمن يقول خلافَ ما تُريده السُلطة. المكانُ الوحيد هو دائرة الاستهداف الأمني أو الوظيفي بما يتّسع من أدوات التنكيل والمحاربة.

أكثرُ من 123 صحافيًا وإعلاميًا تمَّ استهدافُهم في الجزيرة الصغيرة، وكانت إحدى أدوات الاستهداف هي الفصل من مواقع العمل الصحافي أو الإعلامي، وهي المواقع الأَولى بمواد حرية التعبير التي نصَّ عليها الدستور المنحة.

حرية التعبير التي يكفلُها ذلك الدستور، لم تكفل حرية الصحافي في التعبير. إذن حريةَ من ستكفل؟ لقد تمَّ فصل وإيقاف نحو 90 صحافيًا وإعلاميًا، لاعتباراتٍ تتصل بعملهم أو مسؤوليتهم الوطنية في تغطية أحداث ثورة 14 فبراير المجيدة.

كانت مبررات الفصل التي ساقتْها الجهات الحكومية والخاصة بفصل الموظفين والعمال، هي ذاتُها التي ساقتها الصحف. أُقيل الصحافيون والمُحرّرون والمُنتجون لتغطيتهم الأحداث ومراسلةِ وسائل إعلامٍ أجنبية أو اهتمامِهم بالتدوين والتعبير عن أفكارِهم على حساباتِهم الشخصية في تويتر أو صفحاتِهم في الفيسبوك.

دفع كثير من هؤلاء أمنَهم الاجتماعي الذي تُمثلُه مهنتهم، ورفضوا أن يدفعوا شرفهم. لقد قامت الصحف البحرينية بفصل 35 صحافيًا ومحررًا، هذا دون العاملين في وظائف الإنتاج والإخراج.

35 صحافيا من صُحف: الأيام، والوطن، والبلاد. غلّف رؤساء التحرير جريرةَ فصلِ الصحافيين بكذبة أنَّهم تخلّفوا عن العمل، لكنَّ السبب الحقيقي، هو ممارستُهم مهنتَهم في تغطية الأحداث وحريتِهم في التعبير.

 
 صحافيون بلا نقابة

رفض رؤساء التحرير عودة الصحافيين رفضًا قاطعًا. كشف أحدُ الصحافيين المفصولين من "الأيام" لـ "مرآة البحرين" أنَّ رئيس جمعية الصحافيين عيسى الشايجي - وهو رئيس تحرير صحيفة الأيام – قد أبلغه أن "ينسى الصحافيون فكرة عودتهم لمواقعهم، وإذا أرادوا فليأخذوا تعويضا ماليًا عن فصلهم".

الاتحاد العام لنقابات عُمّال البحرين يرى في ملف المفصولين الصحافيين"تعقيدًا كبيرًا"، لكون نقابة الصحافيين غير معنية بمصالحهم أساسًا، ويُهيمن على تشكيلتها رؤساء التحرير والتنفيذيون في الصحف المحلية.

وهذا ما تعكسه الردود الانفعالية لجمعية الصحافيين بشأن أي موقفٍ متعاطفٍ مع مفصولي الصحافة، في تأكيدٍ واضح على أنَّها تُمثل مجالس إدارات الصحف ورؤساء تحريرها، ولا تعكس أيَّ تمثيلٍ ولو جزئي لمصالح الجسم الصحافي.

وفي إشارة غير مباشرة، حثَّ رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين في مقابلة صحافية، على أن "لا يتصرف من يُدير المؤسسات النقابية الصحافية كموظفين للحكومات". متابعًا "وينبغي الأخذ في الاعتبار هنا الحاجة إلى تطوير النقابات في هذه المنطقة باتجاه طريق الديمقراطية السريع وتحويلِها إلى منظمات يقودها أعضاؤها بأنفسهم". (1)

 
اتحاد الصحافيين يُدين

لكن آخر ما هو متوقع أن تستجيب جمعية رؤساء التحرير وأصحاب المصالح إلى دعوات مساندة الصحافيين وإعادة مفصوليهم لمكاتبهم، خصوصًا وأنَّ قرار الجمعية يتحكّم به مُستشار الملك نبيل الحمر المعروف بتشدُّدِه الطائفي، الذي يبني عليه مواقفَه السياسية والمهنية. فقد أدان الاتحاد الدولي للصحفيين في بيانه الأول ما وصفه بـ"حملةٍ" تستهدف الصحافيين الذين يعملون في الصحف التي تنتقد الحكومة البحرينية، وفصلَهم من أعمالهم.

وأشار في بيانٍ سابق إلى وجود "مُضايقات" لصحافيين في أعقاب الاحتجاجات المُناهضة للحكومة، مؤكّدًا وجود حالات تسريح كثيرة عن العمل في صفوف الصحافيين في عددٍ من الصحف، بعد أن تم توقيفُهم، في حين اضطُر آخرون للخروج من البلاد لتفادي الاعتقال.

وذكر الاتحاد أنَّ "هناك حملةً لإسكات المعارضة والصحافيين في البحرين". وأنَّ "هناك ما لا يقل عن 68 صحفيا يعملون في جريدتين يوميتين هُما الوسط والبلاد قد تم فصلُهم من عملِهم، أو اعتقالِهم". كما عبّر في بيانه الصادر "مايو" العام الماضي عن" قلقه العميق لحالة الصحافيين في البحرين الذين تأثّروا بالحملة الماضية، سواء كانوا قيد التوقيف، أو في انتظار المحكمة".

واختتم الاتحاد بالمطالبة بـ "إعادة جميع الصحفيين الذين فُصلوا دون حق إلى عملهم"، هذا إلى جانب دعوتِه إلى بناء مُناخ حرية الصحافة عبر تحرير جميع الصحفيين المعتقلين، وإلغاء كل مذكرات الاعتقال بحق الصحفيين، وغيرها من الدعوات (2).

 
 بيان الشايجي والمردي

وبدلًا من التعاون مع الاتحاد الدولي بالعمل على إعادة المفصولين، ردت جمعية الصحافيين برئاسة الشايجي بنفي كل ما أورده بيان الاتحاد من حقائق. وأبدت "بالغ استغرابها من البيان الذي أكّد فيه الاتحاد "وجود حملةٍ لترهيب الصحافيين في البحرين".

وفرّقت جمعية الشايجي الصحافيين إلى "صحافي حقيقي يُحاول نقل الأخبار والمعلومات بكل دقّة وحِرَفية ومهنية"، وآخر "يستخدم المهنة كغطاءٍ لتنفيذ أجنداتٍ خاصّة لا علاقة لها بمهنة الصحافة النبيلة". وادّعى الشايجي "أنَّهُ لم يتم فصل أي صحافي بالطريقة التي ذكرها الاتحاد الدولي للصحافيين"، وقال "كلُّ ما في الموضوع هو ارتكاب البعض لمخالفات نصَّ عليها قانون العمل، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية الاعتيادية في حقهم".

أما رئيس تحرير صحيفة البلاد مؤنس المردي فقد تبِعَه بالقول "إن استغناء صحيفتِه عن خدمات بعض موظفيها جاء وفقًا للمادة 113 "البند الرابع" من قانون العمل التي تنصُّ على حق صاحب العمل بالاستغناء عن الموظف "إذا تغيّب عن العمـل بدون سببٍ مشروع أكثرَ من عشرين يومًا مُتقطعة خلال السنة الواحدة أو أكثر من عشرة أيامٍ مُتوالية، على أن يَسبق الفصل إنذارٌ كتابي من صاحب العمل بعد غيابِه عشرة أيام في الحالة الأولى وانقطاعِه خمسة أيام في الحالة الثانية".(3)

بادر الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سلمان المحفوظ إلى دعوة جمعية الصحافيين إلى إرجاع المفصولين مع وجود رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين في البحرين يناير الماضي لحضور حفل توقيع "ميثاق شرف صحافي" دعا له الشايجي.

ودعا المحفوظ الصحف إلى أن تكون في مُقدمة من يُعيد مفصوليها (...) ليقدموا رسالةً لجميع المؤسسات وأصحاب العمل عن طليعية الجسم الصحفي ورياديته في اتباع خطوات الإصلاح. وأضاف "الجسم الصحفي اليوم وفي ظل توقيع ميثاق الشرف عليه أن يكون قدوةً ونموذجاً بأن تقوم الصحف بإرجاع من فُصلوا من العاملين فهذه هي اللحظة المناسبة لهذه المبادرة". وعوّل المحفوظ على"السلطة الرابعة والرقيب الشعبي على السلطات الثلاث أن تُبادر لإرجاع مفصوليها إرجاعًا متميزًا"، إلا أنَّ أُمنياتِه اصطدمت بحائط نبيل الحمر في جمعية الصحافيين (4).

 
شرف غير شريف

أعقَبَ تصريح المحفوظ تجديد رئيس الاتحاد الدولي بوملحة لجمعية الصحافيين للتحرك لمتابعة القضايا التي أوردها تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة، وقال "إن على جمعية الصحفيين أن تكون ممثلًا للجسم الصحافي في البحرين وتُمثل جميع الصحافيين بغض النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم الدينية".

وأضاف خلال كلمته في تدشين ميثاق شرف الصحافيين 20 يناير الماضي "إنَّ الانتهاكات ضد صحافيين بحرينيين لم تكُن خفية، وعلى جمعية الصحفيين التحرُّك للدفاع عن أي صحافي".

وطالب بوملحة في كلمته أمام رؤساء تحرير الصحف بضرورة إسقاط التُهم ضدَّ الصحافيين المُتعلّقة قضاياهم بطبيعة عملِهم وتعبيرِهم عن رأيهم، وبتسوية أوضاع الصحافيين الذين فُصلوا من أعمالهم بإرجاعهم.

بوملحة كان واعيًا لما يُريده الحمر وتلامذتُه في جمعية الصحافيين من وراء تدشين ميثاق شرفهم، لذلك خاطبهم "فكرة تدشين ميثاق شرف من حيث المبدأ جيدة ولكنَّ الأهم من كلِّ ذلك التطبيقُ الفعلي لحماية الصحافيين وضمانِ حقوقِهم والدفاعِ عنهم" (5).

 
خطاب 70 إعلاميًا

ومع كل ما أغفلهُ الشايجي من دعوات، فلن يُفلح أيضًا خطاب أكثر من 70 إعلاميًا وصحافيًا للجمعية بإعادتهم إلى مكاتبهم التي غادروها، وإن كان هذا الخطاب بمناسبة إعلان البحرين "عاصمة الصحافة العربية"، فهي في النهاية مجرد ألقابٍ فارغة تنفيها شواهدُ قبور الصحافيين والناشرين وشواهدُ قتلِ الحريات.

لقد صمَّ الشايجي وجمعيتُه آذانهم عن تقريرِ لجنة تقصّي الحقائق ودعواتِ الاتحاد الدولي للصحافيين وأُمنياتِ الاتحاد العام لنقابات عُمّال البحرين وخطابات الصحافيين المفصولين، لتبقى قضيتُهم وصمةَ عارٍ على جبين جمعية "بعض الصحافيين" (6).

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus