’غرفة خاصة’ لهندسة ’الفتن’ ومتطوّعون لكن ’قَبَضة’ وكر الدسائس والمؤمرات... هكذا تأسست صحيفة الديوان (الوطن)

2012-05-03 - 11:34 ص




مرآة البحرين (خاص):
تساؤلات كثيرة عن الهوية والهدف حملها الصحفييون مع الإعلان عن ولادة "الوطن". أمشروع سلفي أخواني سياسي، هو! أم مشروع سلطوي تحت مظلة المشروع الاصلاحي للملك! أم نتيجة طبيعية للزواج بين السلطة وكيانات الإسلام السياسي السنية، مقابل زواج العلمانيين المعارضيين بالإسلام السياسي الشيعي المعارض؟

صحيفة سلفية على غرار "الوطن" الكويتية، هكذا بدأ صيت صحيفة "الوطن" البحرينية. ولكن في مرحلة التأسيس لم يكن الحديث عن هوية الصحيفة سوى هواجس تؤكده مصادر وتنفيه أخرى. وبفضل العروض المالية المغرية، استطاعت "الوطن" استقطاب الكثير من الكوادر الصحفية. كان أبرزها غسان الشهابي وهناء بوحجي، إضافة إلى عدد كبير من الكوادر الشابة الواعدة في ذلك الوقت.

استقالة غسان و"بوحجي"

كان أول حائط تصطدم به إدارة تحرير "الوطن"، غسان وهناء اللذان رفضا توظيف الصحفيين على أسس المحاصصة والحسابات الطائفية. إضافة إلى علامة استفهام كبرى أبت أن تجيب عليهما بشأنها إدارة التحرير، وكانت باختصار: ما موقع صلاح البندر من الصحيفة كمستشار يتنقل من مكتب وزير شئون مجلس الوزراء أحمد بن عطية الله إلى مقر الصحيفة، بإدارة المرحوم محمد البنكي!

قدم غسان وهناء استقالتهما سريعا قبل أن تخطو الصحيفة خطوات الإصدار الأولى. انتقلا سريعا للعمل في صحيفة "الوقت"، وكانت في مرحلة تأسيسها. كان أول مسمار في نعش مهنية ومصداقية الصحيفة ولكنه لم يكن الأخير.

كان صلاح البندر الذي كشف أكبر فضحية سياسية في تاريخ البحرين، صاحب فكرة تأسيس الوطن" والمشرف عليه. كان في صاحب القرار الأول والأخير في الصحفية، وهلة تأسيسها، ولكن سرعان ما دب الخلاف بينه وبين رئيس التحرير. خير البنكي مهندس مشروع البندر أحمد بن عطية الله: إما أنا أو هو، أيي صلاح! خشية من مسمار آخر يضرب في نعش الصحيفة، فقد ضحى عطية الله بالنبدر، واكتفى بإبقاء الأخير مستشاراً في مكتب شئون مجلس الوزراء.

وعود بالمهنية سرعان ما تلاشت مع أول اختبار

يتذكر العاملون   الأوائل في الصحيفة جيداَ، الاجتماعات التي عقدت في قاعة الصحيفة، والتي كانت تستغرق ساعات. كانت إدارة التحرير تؤكد على أهمية الالتزم بمعايير المهنة، وتلح عليها إلحاحاً شديداً، لكن الصدمة سرعان ما حلت مع بدء توالي صدور الأعداد الصفرية. وقد بان جلياً، اتخاذها "الوفاق" وجهة للاستهداف، واستعين لأجل ذلك بعشرات التصريحات على ألسنة شخصيات نافذة من السلف والإخوان. وقد تعزز هذا المنحى، مع بدء الصدور الفعلي للصحيفة؛ حيث حملت خطابات شديدة اللهجة تعدت "الوفاق" إلى استهداف مباشر لأي حراك تقوم به المعارضة.

مثل "محرر الشئون المحلية" إحدى الثيمات التي عرفت بها صحيفة "الوطن". تقارير لا يكتبها صحافيون يُرون، بل محررون في المكاتب الخلفية لوزير شئون مجلس الوزراء آنذاك. وهي تقارير نالت من المعتقدات الدينية للشيعة والرمزيات المذهبية، ووصلت إلى حد الازدراء السياسي. تطور الأمر مع أخبار من الكواليس تتعلق بالجمعيات السياسية، مصدرها الوحيد مكتب عطية الله، وكانت أقرب إلى تقارير المخبرين الذين يمتلكون خاصية التلصص على هواتف المعارضين. كان المحررون في الصحيفة، يتساءلون بينهم وأنفسهم عن من يكون مصدر هذا التقارير، وكثيراً، بل دائماً ما كان السؤال يظل معلقاً. عدا طبعاً، أولئك الذين منحوا معرفة بعض من "التكتكات" التي تتم داخل غرفة الاجتماعات الخاصة.

لا مصادر أو أصدقاء

احتدمت الانتخابات البرلمانية والبلدية لعام 2006، واتخذت المنافسة صبغة وجودية، خصوصاً مع إعلان "الوفاق" نيتها المشاركة في الانتخابات. كانت "الوطن" جزءاً لا يتجزأ من اللعبة الانتخابية. لعبت دور المعبيء عبر فتح مساحاتها، مجاناً، لنشر إعلانات مرشحي السلف والإخوان وبعض المتسلقين. لم يكن لافتاً أن حملة "الوطن" كانت موجهة إلى "الوفاق"، إنما إلى مرشحي "وعد" تحديداً، وبأكثر ما تكون شراسة، في عراد حيث ترشح عبدالرحمن النعيمي، وفي رابعة الوسطى حيث ترشحت منيرة فخرو. لم تتوقف الصحيفة عند هذا الحد، بل قامت بتوزيع أعدادها مجانا في الليالي الأخيرة للانتخابات، في المحرق كما في الدوائر الانتخابية الساخنة. ولم يكن ذلك غير فصل من الحملة الإعلامية التي قامت بها السلطة من أجل رسم الخارطة النهائية لنتائج الانتخابات.

عام كامل خسرت فيه "الوطن" الكثير من المصادر والكثير من الجهات بسبب سياستها المنحازة الطائفية. المعارضة بكافة أطيافها امتنعت عن التصريح لها، في حين كثيراً ما ترددت الشخصيات العامة، بخص صحفييها بتصريحات. وكان التوجس من التلاعب بمضمون التصريحات، ونشرها في سياقات تجعلها تحمل أكبر مما تتحمله، هو الدافع لذلك.

أقلام كثيرة تقول كلاماً واحداً

إن المتصفح لأقسام الرأي في الصحيفة يستطيع أن يخرج بنتيجة واضحة، عن حجم الانسجان بين جميع كتّاب الأعمدة وأصحاب الرأي مع سياسة "الوطن". وسواء كانوا من الاتجاهات الإسلامية أو العلمانية، إلا أنهم يمثلون جميعاً صوتاً واحداً، الواحد منهما يعكس الآخر، كما في المرايا المعشقة. اللافت هنا أن التوجيهات التي كانت تصل إلى الكتّاب لم يكن مصدرها جهة واحدة. منهم من كان يتلقى التعليمات من وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد، ومنهم من أحمد بن عطية الله، ومنهم من كان يكتب بوحي من جهاز الإعلام الخارجي، في وزارة الإعلام، والذي كان يبعث بعناوين الموضوعات المطلوب تناولها لرئيس التحرير، وهذا بدوره من يقوم بتكليف بعض الكتاب بطريقته.

لكن في المجمل، يمكن القول إن إدارة التحرير كانت حريصة على مجيء الأعمدة والمقالات متوافقة مع مقاس الديوان الملكي، فلم يكن يسمح بنسج كلمات الإطراء إلا للملك وولي العهد. وفي حالة نادرة، مثلها مدير تحرير صحيفة "العهد" آنذاك سمح لإبراهيم المبيضين أن يمتدح رئيس الوزراء تحت ابتزاز متكرر من قبله بأنه سيقوم برفع شكواه إلى خليفة بن سلمان في حال عدم نشر مقالاته. وقد احتارت الصحيفة في كيفية التعامل معه، لكن لم يطل الوقت به، حتى وجد نفسه مطروداً من قائمة الكتاب.

عرّابون.. و"قَبَضة"!

لم تكن إدارة "الوطن" شفافة ومكشوفة كأي صحيفة عادية، بل كانت الملفات والتكتيكات تدور في حلقة مغلقة من عرابين يهندسون سياستها خارج اجتماعات التحرير في غرفة "الاجتماعات الخاصة". أبرز عرّابي هذه الغرفة، هو يوسف البنخليل الذي كان رئيس قسم المحليات والشئون السياسية. ومع انتقاله للعمل في الجهاز المركزي للمعلومات، ظل مهندساً لسياساتها من الأبواب الخلفية. عرّاب آخر، كان جمال العسيري، المستشار الإعلامي في الديوان الملكي. وقد جاء في البداية، كمستشار للصحيفة. وكان وليد الشيخ الخارج من رحم السلفية، المسئول عن كتابة التقارير ذات النفس الطائفي المقيت، هو وزميله وليد القاسمي، الآتي من رحم الإخوان. كان هذا الأخير من أبرز كتاب أخبار الشئون المحلية الكاذبة، إضافة إلى التحليلات التي تخون المعارضة، والتي لم يكن يجروء على وضع اسمه عليها.
أما أحمد المدوب الذي بدا كمتملق صغير خلع ثوب جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" لينضم إلى خلية البندر في صحيفة "الوطن". وقد تبرع بحمل دور المسرّب لأخبار الجمعية الداخلية، ونشرها مشوهة. وكان المسئول عن كتابة بعض التقارير التي تتعرض لأمين عام "وعد" إبراهيم شريف، وقد نال جائزته على هذه الخدمات على هيئة "إكراميات" مكنته من إكمال الدراسة على حساب الصحيفة ومرتب مجز جدا، إضافة إلى شقة خاصة فاخرة في إحدى الجزر المردومة.

غير أنها تدور!

مع حلول العام 2009، حل عبدالله سلمان رئيساً للتحرير وفيصل الشيخ نائباً له. لكن كيف؟ في البدء، اختير الأخير لشغل منصب مستشار أحمد بن عطية الله، وكان يتولى من مكتبه، إصدار الأوامر إلى الصحيفة، كما يساهم في إبراز ورسم سياسيتها. ولكن طموح فيصل الشيخ لم يكن يكتفي بالعمل كجندي مجهول دون وجاهة أو دور البطولة. لذا فقد عمل على استبعاد المرحوم محمد البنكي الذي كان يصارع المرض آنذاك، إلى أن نجح في مساعيه. إذ اتخذ عطية الله قرارا بعزل البنكي الذي ما لبث ان انتقل كمستشار لوزيرة الثقافة مي آل خليفة، كما قام بتعيين عبدالله سلمان رئيسا للتحرير وفيصل الشيخ نائباً له.

على أنه، وعلى ما يقول المثل الدارج "ما شافوهم يبوقون.. شافوهم يتحاسبون"، فقد دب الخلاف سريعاً بين الاثنين. واصل الشيخ الحفر إلى سلمان، الإسلوب الذي استعمله مع سلفه، وهو المسعى الذي خسر فيه. دارت آلة الحرب دورة كاملة، وتوجت نتائجها باستبعاده من الصحيفة، مع الاكتفاء به ككاتب عمود يومي.

هكذا، ابتداءاً من العدد الصفري، وحتى اليوم، "الوطن" هي صوت وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد ويده التي يصفع بها المعارضة أو أي خصم آخر، ويكفي لأي قارئ عادي وبسيط أن يفهم ما يريد قوله جناح الخوالد عبر صوتهم العالي في صحيفة "الوطن". تابعوا ماذا يدور في هذه الصحيفة، تعرفوا الذي يدير في القصر. إن كان يهمكم طبعاً!
 

 


 
   

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus