صاحب التقرير الأشهر في تاريخ البحرين... في ذمة الله!

رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني
رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني

2017-09-27 - 7:45 ص

مرآة البحرين (خاص): منذ العام 2011، لم يعد هناك صغير ولا كبير في البحرين، لا يعرف بسيوني. كان في وقت من الأوقات، علامة الإدانة للنظام، وفي وقت آخر، علامة الجدل على حقيقة ما لا يزال يجري في البلاد من صراع واضطهاد سياسي للغالبية الشيعية حتى هذه اللحظة.

في أوج القمع، ظهر الأمريكي من أصل مصري في البحرين، كـ "مخلّص". لم يكن يعرفه أحد، لكن، مع شيء من البحث، تبين أن الرجل، شخص مشهور في القانون الدولي، بروفيسور، وقاض، ومحقق رفيع، اعتمدت عليه الأمم المتحدة وكلّفته بالعديد من المهام، وكان على رأس بعثاتها لتقصي الحقائق في عدد من الدول.

لجنة تقصي الحقائق في أحداث البحرين (فبراير ومارس) التي شكّلها الملك برئاسة بسيوني، ضمّت قضاة مرموقين هم أيضا، أحدهم كان الراحل نايجل رودلي، المعروف والموثوق به في أوساط المعارضة.

على الرغم من التردد في الانفتاح على عمل اللجنة، إلا أن المعارضة نظرت بإيجابية إلى فكرة وجود لجنة تتمتع بشيء من الاستقلالية. فتح مكاتبه على مصراعيها، وذهب للقاء كثيرين. تجوّل في شوارع القرى مع لجنته، بينما كانت قوات الأمن تسحق التظاهرات والاحتجاجات. الآلاف من الناس اطمأنوا له، وذهبوا لتقديم شهاداتهم إلى مقر لجنته بالعدلية.

رأى فيه البعض عاملا لتحقيق شيء من الاتزان في تصرفات النظام وأجهزته الأمنية. قبيل عمله، أنهى نظام الحكم العمل بمرسوم الطوارئ بشكل مبكّر، وحصل على وعد شفوي أعلن عنه بنفسه بإعادة المفصولين إلى أعمالهم.     

تخلل عمل اللجنة الكثير من الدراما، والكثير من المآسي. فجأة أفرج عن مئات المعتقلين السياسيين، وتغيرت معاملة السجناء الآخرين خصوص في معتقلات الجيش، كما أعيد الطلاب الجامعيون المفصولون إلى الدراسة، وخفت إلى حد ما لهجة الإعلام الرسمي ضد المعارضة. مع ذلك بقي الحراك في الشارع مشتعلا، لم يتوقف القمع حتى وهو هناك، وأمام مرآه هذه المرة سقط المزيد من الشهداء، عاين جثث بعضهم على مغتسل الموت.

لقد قال بسيوني نفسه إن "طريق عمل اللجنة لم يكن ميسرًا"، وأنه قد كان على أعضاء اللجنة ومحققيها "أن يتجاوبوا مع ما يتوقعه المواطن البحراني من تدخل حاسم لوقف أية صورة من صور الاعتداء على حقوق الإنسان وحرياته" حتى وهم هناك.

تلقت لجنة بسيوني حوالي تسعة آلاف شكوى وإفادة وشهادة وأجرت ما يتجاوز الخمسة آلاف مقابلة فردية وعشرات الاجتماعات وانتقلت لعشرات المعاينات. التقى بسيوني حتى الرموز الـ 14 المعتقلين من قادة المعارضة، والتقطت له صورة تاريخية مجتمعا بهم داخل سجن القرين العسكري.

بعد 23 نوفمبر 2011، بات بسيوني صاحب الكلمة الفصل في مزاعم الحكومة، أكاذيبها، تلفيقاتها، وجرائمها. لقد كان تقريره أشبه بمفاجأة صادمة للجميع. نبرة خطابه الحادة جدا أمام الملك، وهو يلقي لائحة الاتهامات والإدانات له ولحكومته، جعلت من ذلك اليوم، الأكثر إذلالا لهم.

لقد بدت على وجه الملك كل علامات التجهم وهو يستمع لخطاب بسيوني الذي دام أكثر من 40 دقيقة، وربما زاد من سخط الملك استخدام بسيوني للفظ "بحراني" بدلا من "بحريني" في كل خطابه. قدّم القاضي البروفيسور سرده لنتائج التحقيق بإعلانه الصريح أن "مواجهة المظاهرات التي اندلعت في البحرين يوم 14 فبراير 2011 بالقوة وباستخدام الأسلحة النارية" قد أدت إلى "موت المدنيين... وهو ما زاد من السخط الشعبي ورفع من أعداد المتظاهرين وأدى إلى رفع سقف مطالبهم".

وهكذا، قال بسيوني للملك في خطاب بث على الهواء إن حكومته ارتكبت جرائم تعذيب وقتل وترويع وانتقام استهدفت تحديدا أبناء الطائفة الشيعية، لا لشيء سوى أنهم معارضون. حطّم خطاب بسيوني كذلك خرافة التدخّل الإيراني، حين قال علنا إن لجنته لم تجد أي دليل على ذلك.

في السنوات اللاحقة، صار تقرير لجنة تقصي الحقائق يعرف بـ «تقرير بسيوني». وفي ظل عدم وجود حاكمية على النظام تلزمه بتنفيذ توصيات التقرير، أو تقيم مدى مصداقية تنفيذها، صار الجميع ينظر إلى تصريحات بسيوني نفسه على أنها هي الأكثر مصداقية وتأثيرا.

وكما كان متوقعا، حاولت الحكومة تحوير التقرير وتوظيفه لصالحها والادعاء بتنفيذ توصياته، واتّهم بسيوني مرارا بالسماح للحكومة استخدامه في الترويج لذلك، عبر تصريحاته المثيرة للجدل، والتي تأتي متناقضة من حين إلى حين، إلا أن مناوارته كانت عادة تنتهي بإصدار بيان أو تصريح يهاجم وينتقد فيه النظام بكل صراحة.

أمس الإثنين 25 سبتمبر/أيلول 2017، رحل القاضي الدولي الذي دخل اسمه بيوت البحرينيين عن عمر ناهز الـ 79 عاما.

تاريخيا، يذكّرنا الرجل، بالميجور ديلي، الذي دخل ذاكرة البحرينيين، حين أصدر تقريره الشهير العام 1921، والذي انتهى بقيام السلطات البريطانية بعزل حاكم البحرين حينها عيسى بن علي آل خليفة.   

ومع أن تقرير بسيوني عجز أن يعزل أحدا، أو أن يصنع فارقا، إلا أن شهادته ستبقى للتاريخ.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus