سوسن الشاعر: فوبيا اسمها ’نحن’ و’هم’.. وسيداتي آنساتي ’الخونة’!

2012-05-06 - 7:24 ص


مرآة البحرين (خاص): ليس سراً، أن الأبجدية الأولى في مهارات تقديم البرامج الحوارية، هو ابتعاد مقدّمها عن إظهار انتماءاته وانحيازاته، تجنب التصريح بها علانية على الأقل، خصوصاً في البرامج التي تحمل نفساً خلافياً، وأن يوجه أسئلة لا تظهر تحاملاً ضد طرف أو كرهاً أو تصريحاً موجهاً للإجابة، وأن يقدم معلوماته دون إطلاق حكم، وأن لا يصطف ضمن موقف، بل يحاول البقاء في المسافة بين موقفين نقيضين طالما هو يدير دفة حوار ما.

هذه الأبجدية، ليس فقط هتكها تلفزيون الأزمة البحرينية بالكامل، بل نفاها جملة وتفصيلاً. ابتكر الـ BTV منظومة مهنية خاصة به منذ 14 فبراير 2011، برامج حوارية يقوم فيها مقدّم البرنامج بإعلان نفسه بكل صراحة وبشكل فاقع ضمن طرف، ويُحضر محاوره من الطرف نفسه، ثم يتبادل معه أدوار النيل من الطرف الآخر (المحارَب والغائب)، يمعنان في تخوينه واتهام نياته والتحريض عليه والتشهير به وتزوير كل ما يصدر عنه من أقوال وتحركات. هذا هو شكل البرامج الحوارية التي أسس لها بتفرد منقطع النظير تلفزيون البحرين.

كل الأدوار معاً

سوسن الشاعر أحد الوجوه التي لازم ظهورها تلفزيون البحرين بشكل يومي منذ اشتعال الأحداث في فبراير العام الماضي، فبالإضافة إلى تقديم برنامجها الاسبوعي (كلمة أخيرة)، ستجدها مشاركة في البرنامج اليومي (الراصد)، البرنامج الذي خصص للقيام بأقذر مهمات إعلام المكارثية خلال فترة السلامة الوطنية، تناوب على تقديم (الراصد) مجموعة من مقدمي البرامج وكتاب الصحف. المضحك، أن سوسن الشاعر ستلعب دوراً مزدوجاً في هذا البرنامج، ستتولى تقديم بعض حلقاته بنفسها، فيما ستكون الضيفة في بعض حلقاته الأخرى، وهذه النادرة أيضاً هي ابتكار أصيل محفوظ حقه لتلفزيون الأزمة البحرينية.

الابتكار الآخر الخاص بسوسن الشاعر دون غيرها، هي أن إزدواجية لعب الدورين (المضيف والضيف) ستسقط علـى كل أدائها، فهي لن تغادر الدورين معاً حتى في الحلقة الواحدة. فعندما تلعب الشاعر دور مقدمة البرنامج، ستجد أنها من سيسأل، وهي من يوجه لحصر الإجابة، وهي من سيجعل السؤال تعقيباً مطولاً على صيغة إقرار بالإجابة، وهي من سيقدم الحكم، والضيف ستنحصر مهمته في ملء الفراغات التي تتركها له الشاعر.

 نحن وهم..

مرآة البحرين ستقدم هنا نموذجاً لحلقة حوارية من حلقات برنامج (الراصد)، تكرار ممنهج لن يُخطـئه متابع لبرامج تلفزيون البحرين، سنضعه تحت الضوء هنا لنُعريه مهنياً وأخلاقياً.

في تاريخ 25 مارس، استضافت الشاعر في برنامج الراصد عادل عبدالله، كان حينها عضواً في الأمانة العامة في جمعية جماعة الفاتح، إلى جانب كونه رئيساً اللجنة الإعلامية هناك، قبل أن يستقيل لاحقاً.
 
في هذا التاريخ، كان الجيش قد لبس عدة الحرب، وامتد على طول شوارع البحرين بمدرعاته ومصفحاته، الاعتقالات شملت عدداً من القيادات السياسية المعارضة، بالإضافة إلى أطباء ومعلمين، والقائمة التي تطول من قصص الاقتحامات الليلية. وكان التلفزيون في أكثر مراحل خيلائه ونشوته بتصور أنه قد تم القضاء على الحركة الشعبية بالكامل، وأنه قد تم لجمها وإخماد نفسها إلى الأبد. كان هذا هو السياق الذي جاء فيه هذا البرنامج.

لا تعبأ الشاعر بكونها مقدّمة برنامج يفترض بها أن لا تمثل طرفاً، لن تستخدم كلمتي "أنتم" و"هم" مثلاً في الحديث عن طرف أمام الآخر المختلف، بل ستضع نفسها ضمن ثنائية الـ"نحن" والـ"هم".
 الـ "نحن" هنا ستمثل النظام والمكوِّن الموالي للنظام، وستقدم نفسها متحدثة باسم المكوَّن السني. والـ "هم" ستمثل المكوّن الشيعي   وبالخصوص قوى المعارضة على اختلاف سقوفها المطلبية. الـ "هم" هو الطرف الغائب عن البرنامج، وهو الطرف الخائن وصاحب الأهداف والأجندات.

 سيناريو الانقلابيين..

تبدأ الشاعر كيلها ضد الـ"هم" الذين تم قمعهم بوحشية، تسأل ضيفها عبدالله المشترك معها في الـ"نحن"، تقول : صعدوا العنف ووصل إلى إنهم سدوا الشارع، ومدوا السجادات وقعدوا عليها، هل من يصعد لهذه الدرجة يقرأ صح؟ هل اعتقد مثلاً أن الدولة عاجزة عن استخدام قواتها الأمنية لردع العنف هذي؟".

كعادتها في إطلاق النعوت الفضفاضة، سيصير سد شارع ما ومد سجادة والجلوس عليها أمامه، هو (عنف) يستحق استحضار جيوش درع الجزيرة لردعه وفق سوسن الشاعر. سيكمل ضيفها عادل عبدالله بابتسامة صفراء وبخيلاء من تمكن من دحر عدو له وصار يحلل أسباب هزيمته: النرجسية، الخطاب الاستعلائي، الإشباع الوهمي إنهم قدروا على إسقاط النظام، تعاملوا وكأن هناك مرحلة قادمة بعد مرحلة مملكة البحرين، وهذا هو المطب الخطير الذي انزلقوا اليه، كذلك بعض الدول. الميزة التي يتميز بها (الإخوة المعارضون) إذا صح التعبير هي حرق المراحل، ولاحظت أن الذي قصم ظهرهم هو التحالف الثلاثي لإعلان الجمهورية. تضيف الشاعر: هل هي كشف الأوراق بسرعة؟ يكمل عبدالله: هو سيناريو الانقلابيين. تكمل الشاعر: حرق بسرعة وأظهر الورقة الأخيرة. يكمل عبدالله: أسقط ورقة التوت. تكمل الشاعر: في دولة موجودة، في مكون ثاني، إنت أهملتني وتعطيني وردة؟
 
هكذا يصير الحوار وفق هذا النموذج، تناوب على إكمال فراغات الأحكام المطلقة والمتهلهلة، على طرف غائب.

الاستقالة الخائنة..

تنتقل الشاعر بضيفها عبدالله إلى حدث استقالة عدد من أعضاء مجلس الشورى. قدموا استقالتهم احتجاجاً على القمع الأمني الوحشي لمنطقة سترة، الذي افتتح النظام به أول أيام السلامة الوطنية في 15 مارس.

تقول سوسن بما يفترض أن يكون سؤالاً موجهاً لعبدالله: "اللي استقالوا كان لهم وجهات نظر غير قابلة الحل الأمني، وين كانت أصواتهم قبل أن تستخدم الدولة الحل الأمني؟ اعضاء مجلس الشورى كنا نريد أن نسمع رأيهم في العنف؟ مو في عنف الدولة (!!)، عنف الدولة كان رد فعل (!!). البعض اعتبر الاستقالة خيانة، لما جاءت الدولة تفرض هيبتها من بعد طول انتظار، مافي دولة في العالم قبلت بما قبلت به البحرين، لما جت الدولة تعالج المعالجة الأمنية استقلتوا؟ اعتبروها خيانة. الناس تنفست بعد دخول درع الجزيرة. ما عمري شفت سنة يتطاولون على القيادة، بعتونا خلاص، أرواحنا راحت، لما دخلت القوات الأمنية بالنسبة لمن هدد في حياته، لما آستقيل تعتبر خيانة. هل قبول العودة مرة أخرى، هل هو خيانة أخرى؟"

هكذا تتقدم الشاعر بالإجابة التي تريد أن تسمعها كاملة قبل أن تسأل، ليأت السؤال تحصيل حاصل يؤكد عليه الضيف.

ستُصدر الشاعر حكماً بالخيانة على من قدموا استقالتهم احتجاجاً على بطش القمع. هكذا تواصل إطلاق أحكامها الفضفاضة بطريقة مبتذلة: أنت خائن لأنك رفضت وحشية النظام في قمع الحركة الاحتجاجية. سيكون مطلوباً ممن قدموا استقالتهم احتجاجاً أن يعتبروا قمع الجيوش الجرارة رد فعل طبيعي لسد شارع احتجاجاً، وإن لم يقبلوا بذلك سيكونون خونة متواطئين على وطنهم. ستنتهي الشاعر من سرد إجابتها وإصدار الحكم بالخيانة، ثم ستسأل بعد أن تنتهي من كل هذا: هل هو خيانة؟

 الفتوى الانقلابية..

يلتقط الخيط الضيف عبدالله ليكمل على ما بدأته الشاعر: الملفت لو كانت الاستقالة فردية ماشي، الاستقالة جماعية هذا الذي جعل علامة الاستفهام بادية تماماً لأن هذا ينزع الشرعية من الحكم، الإضراب الذي حدث هو شل المؤسسات، الاستقالات تؤدي إلى وضع علامة استفهام وهنا أتت مسألة الخيانة، الشارع السني ذكي جداً، التفسير أن هناك فتوى دينية، وهذا يجعلنا نقول أن هناك التحام على الفتوى على البحرين. سيناريو السقوط بالنسبة للدولة بادياً لهم، فكانت الاستقالة ضمن هذا السيناريو. ثم يضيف: المكون السني أصبح عنده ضربة قوية أصيب بها، البحرين متعودة على محاولات الانقلاب وانتزاع الحقوق والمظلومية. الذاكرة الجماعية حية لكن هذه التجربة قاسية. الاستقالة الجماعية من المسائل التي تحتاج إلى روية من الصعوبة قبولها كلها.   (!!)

إذاً، الإضافة التي يقدمها عبدالله هنا (وهو من يتم تقديمه بوصفه خبيراً في قراءة المكون الشيعي)، أن استقالة أعضاء مجلس الشورى وغيرهم، هي استجابة لفتوى دينية شيعية، هذه الفتوى تهدف إلى نزع شرعية النظام ضمن مخطط الانقلاب(!!!)، لكن عبدالله لم يكشف لنا أين هو نص هذه الفتوى المزعومة التي بنى عليها تحليله الخبير، مادام تأثيرها نافذاً إلى الحد الذي يُخضع أعضاء مجلس الشورى المحسوبين أصلاً على النظام لا على المعارضة.

إرهاب المرجعية

سيكون على كل من (الشاعر) و(عبدالله) العودة لموضوع أثير لدى كلاهما، وضع المكون الشيعي في دائرة المرجعية الدينية التي لا يمكن له تجاوزها، ولا تسمح له بالتصرف إلا من خلال عباءتها، هذا ما تعمل الشاعر على تغذيته عبر عمودها وبرنامجها، كما يعمل عبدالله على تغذيته عبر تصريحاته وتحليلاته التي نشطت خلال تلك الفترة. أهمية هذا التأكيد هنا وفي هذا الوقت تأتي في سياق تأكيد التهمة التي ساقها النظام لضرب الحركة
  &&qut2&&
الاحتجاجية في البحرين، بادعاء تبعيتها لولاية الفقيه والمرجعية الدينية في إيران. وهو ما جاهد النظام طوال الأزمة على محاولة إقناع الرأي العالمي بانقلاب مدعوم خارجياً، وكان استخدامه لأدواته وأجهزته الإعلامية يصب في تأكيد هذا الجانب وتبرير دخول جيوش درع الجزيرة لمواجهة محتجين عزل.

يسترسل عبدالله في شرحه للحالة الشيعية، يقول بثقة الفاهم المحنّك القابض على مفصل الحالة وفصولها: "الحالة الشيعية كونت نوع من الجمهوريات والملكيات يرأسها المراجع الدينية، الفرد لا يحج ولا يعمل شيء إلا ويحتكم إلى مرجع، المرجع إذا قال له لا تخرج هل سيخرج؟ بالنسبة للايدلوجيا الشيعية، الوطن هو ليس مكان، هو حالة. الحالة العمومية أنه إذا أجبر على السكوت راح يسكت. الناس خافت تتكلم".
تعقب الشاعر: الإرهاب اللي قاعد يصير، الإرهاب بين الجماعة، بين بعضهم بعض، في خلافات تصير. يكمل عادل: تقصدين في جانب (الضفة الأخرى)؟ (الضفة الأخرى يقصد بها الشيعة هنا!!!)

تكمل سوسن بوجه يحمل علامات التعجب والامتعاض: إيه بينهم وبين بعض، في ترهيب كبير، آنا متعجبة، إحنا ما عندنا كبير في الطائفة السنية، ولا رجل دين ما عندنا التقديس. ما أدري ليش الطائفة الثانية بهالشكل هذي يعني ما عندها القدرة على الخروج من عباءة الحصار اللي موجود.
يكمل عادل: لا يمكن، لا يمكن، لا يمكن، لأي شخص يقول أنا انتسب للمذهب الشيعي أن يخرج عن المرجعية، ولا يمكن أن لا يلتزم التزام نصي وحرفي بالمرجعية.

 ثوب (إحنا)..

هنا ستخلع الشاعر تماماً ثوب مقدمة البرنامج، لترتدي تماماً ثوب (إحنا) التي تمثل الطائفة السنية، مقابل (الطائفة الثانية)، و(الضفة الأخرى)، و(بينهم وبين بعض)، سوف ستفضح هذه التسميات الدور الذي تقوم به الشاعر وضيفها (الخبير) في شق الضفة على الضفة الأخرى وتأليب الطائفة على الطائفة الأخرى، والتعامل مع المكون الشيعي لا باعتباره مكوناً وطنياً، بل باعتباره (طائفة ثانية) فقط.

وسيكون مستنكراً أن تطالب هذه (الطائفة الثانية) بأي حق ديمقراطي أو أي ممارسة ديمقراطية تضمن للشعب أن يكون هو سيد نفسه، لا عبداً في يد القبيلة التي تقبض على كامل السلطة.
لن تستنكر كل من الشاعر وعبدالله تقديس (إحنا) لولي أمر القبيلة الحاكمة منذ 230 عاماً، ولا البقاء في عباءة حصارها وإرهابه إلى الأبد، لن يستدعي ذلك تحليل الخبير الاستراتيجي عبدالله، ولن تمتعض الشاعر من هذه العبودية، فقط لأن هذه القبيلة هي من طائفة الـ(نحن) التي تغدق على مواليها بالعطايا والمكرمات.


هوامش

فيديو لقاء سوسن الشاعر مع عادل عبدالله في برنامج الراصد

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus