أكثر من عام كامل والإعلام الأجنبي ما يزال متأرجحاً تجاه البحرين

2012-05-07 - 3:33 م



 العاصمة واشنطن- مراسلة مرآة البحرين: ندى الوادي

مرآة البحرين (خاص): طوال أكثر من عام كامل، تأرجحت تغطية الصحافة الأجنبية للملف البحريني بين الحماس والاهتمام، إلى التعتيم والتجاهل، إلى الحماس مرة أخرى. ولعل المطلع على تفاصيل الحدث البحريني في الداخل يعرف تماماً بأن الأحداث لم تغب عن الشارع المحلي يوماً منذ أن انطلقت شرارة الثورة في 14 فبراير من العام 2011، لكنها غابت فترات عن وسائل الإعلام الأجنبية، حتى صار الكثيرون في الولايات المتحدة مثلاً، وحتى المطلعين على الأخبار منهم، يظنون بأن الحدث البحريني قد انتهى، أو قارب على الانتهاء.

 ولعل من المفيد البدء من النهاية في شرح الصورة التي تعاطت فيها وسائل الإعلام الأجنبية مع الملف البحريني. فمنذ شهر مارس الماضي تقريباً عاد الملف البحريني للظهور بقوة في وسائل الإعلام والفضل في ذلك يعود إلى أمرين اثنين: أولهما سباق الفورملا واحد الذي اهتمت به وسائل الإعلام الأجنبية وحاورت بشأنه المؤيدين والمعارضين على إقامة السباق، وقد أضافت الحملات الداعية لمقاطعة السباق في كل أنحاء العالم بعض الإثارة على هذا الحدث مما دفع المزيد من وسائل الإعلام للالتفات للقصة البحرينية وفتحها من جديد.

أما العامل الآخر فهو قضية الحقوقي البحريني الشهير عبدالهادي الخواجة الذي دخل اليوم الثالث والسبعين في إضرابه عن الطعام حتى كتابة هذه السطور، وقصة الخواجة بدورها هي قصة مثيرة جداً لوسائل الإعلام الأجنبية التي اهتمت بمتابعة تفاصيلها ومستجدات الأوضاع فيها، ومن خلالها حضر المشهد البحريني من جديد في خريطة الإعلام الأجنبي المتشعبة.

قبل هاتين القصتين تقريباً، كانت وسائل الإعلام الأجنبية، وخصوصاً الكلاسيكية منها، صامتة تقريباً حول الملف البحريني. لم يصل حماس وسائل الإعلام التقليدية حول الحدث البحريني أبداً للذروة التي وصلها مع بدء الأحداث في البحرين. فقد لمعت تغطية الحدث البحريني في وسائل الإعلام الأجنبية في الشهرين الأولين من انطلاق الثورة في 2011، حيث المجاميع الضخمة من المتظاهرين وذرورة أحداث الربيع العربي، ووصول مراسلين أجانب من كل أنحاء العالم ليشهدوا الحدث من الداخل. غير أنه منذ إطلاق قانون السلامة الوطنية وإبعاد وسائل الإعلام الأجنبية ومنع إعطائها تصاريح دخول في الغالب، علاوة على استهداف الصحافيين والمراسلين المحليين، والحدث البحريني غائب تقريباً عن وسائل الإعلام الأجنبية.

يظهر التعتيم والتجاهل الإعلامي الغربي للقصة البحرينية واضحاً تماماً عند مقارنة التغطية التي كانت تمنح للبحرين مع الأحداث التي كانت تجري في سوريا ومصر وليبيا. وقد ينظر البعض إلى هذا التجاهل كنتيجة لدموية الأحداث في سوريا وليبيا والتي تتجاوز بمراحل أعداد الضحايا في البحرين، إذ جعل من الأحداث في سوريا وليبيا " أكثر جاذبية" من حيث التغطية الخبرية من أحداث البحرين واليمن مثلاً. غير أن وسائل الإعلام الأجنبية نفسها لا يمكن أن تغفل حقيقة النسب العددية للضحايا في البحرين وما يجري فيها مقارنة مع حجم هذه الدولة الصغيرة وأهميتها الاستراتيجية.

 السبب الأكثر إقناعاً ووضوحاً في التجاهل الإعلامي هو الموقف السياسي الغربي إجمالاً والأميركي بشكل خاص من الملف البحريني، وهو الموقف الذي انعكس بشكل مباشر على التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام الأجنبية. ومهما ناقشنا جميع الأراء السياسية بهذا الخصوص، لا يمكننا إلا الخروج باستنتاج رئيسي وهو أن الولايات المتحدة تحديداً والغرب بشكل عام ليس داعماً لأي تغيير سياسي في البحرين حالياً، لذلك ترى التغطية الإعلامية التقليدية انعكاساً لهذا الموقف.

فلفترة طويلة، وتحديداً منذ أن تم تشكيل اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين، وبعد أن أصدرت اللجنة تقريرها في نوفمبر 2011، كانت التغطية الإعلامية الأجنبية، والأميركية بشكل خاص، لا تكاد تتجاوز اللجنة وأخبارها وتقرير اللجنة وما تم تحقيقه. كانت الصورة النمطية التي يعززها الإعلام الأجنبي التقليلدي هي كالتالي "أن البحرين شهدت تجاوزات في حقوق الإنسان، وارتكبت أخطاء من الطرفين، لكن الحكومة تسعى للإصلاح، لكن الصراع طائفي". وقد سيطرت هذه الصورة النمطية على أغلب التغطيات الإعلامية التي يقوم بها الإعلام الأجنبي الكلاسيكي ولا تزال، وأثرت وتأثرت بالقرار السياسي الدولي تجاه البحرين منذ العام الماضي.

وربما لا تكون توصيفات "التعتيم الإعلامي" أو "التجاهل الإعلامي" صالحة تماماً في هذا الشأن، إذ كانت القصة البحرينية حاضرة في عدد من وسائل الإعلام الأجنبي الكبرى، على الأقل في الشأن الخبري منها. فقد تقرأ تقريراً هنا، أو تشاهدا تقريراً هناك من وقت لآخر يرصد ما يحصل في البحرين وخصوصاً عندما تسقط ضحية جديدة من المتظاهرين، إلا أن التقارير التفصيلية ومقالات الرأي والتحقيقات لم تكن تتطرق إلى البحرين إلا قليلاً.

وأكثر ما انتشر واشتهر من مواد صحافية تم إنتاجها دولياً حول البحرين هي الأفلام الصحافية والتقارير المصورة، ولا ننسى في هذا الخصوص الفيلم الوثائقي الذي انتجته قناة الجزيرة الانجليزية "صراخ في الظلام" والذي فاز بثلاث جوائز صحافية حتى الآن، ويعتبر عملاً صحافياً متميزاً للغاية مع الأخذ بالاعتبار أن قناة الجزيرة المملوكة من قطر هي التي أنتجته.

قامت قناة البي بي سي والقناة الرياضية ESPN وغيرها من القنوات التلفزيونية بإنتاج عدد من من التقارير المصورة التي انتشرت بسرعة فائقة لتشرح وتتحدث عما جرى ويجري في البحرين. وتميزت في هذا الشأن المواد الصحافية التي قام بها الصحافي الأميركي الشهير نيك كريستوف مع فريقه الذي زار البحرين مرتين قصيرتين منذ بدء الأحداث، لكنه أنتج قصصاً قوية للغاية.

الصحافي البريطاني الشهير روبرت فيسك كان بدوره أحد أهم من كتبوا في وسائل الإعلام الأجنبية عن قضية البحرين، حتى دفع هيئة شئون الإعلام البحرينية إلى التهديد برفع قضية ضده وضد صحيفته العريقة " الاندبندنت". كان آخر ما كتبه فيسك عن البحرين مقالاً قوياً يهاجم فيه منظمي سباق الفورملا واحد.
تميزت أيضاً الفترة التي أعقبت إطلاق تقرير لجنة تقصي الحقائق في البحرين وتنظيم فعالية احتلال شارع البديع، إذ انتشرت الصور التي تم التقاطها للناشطة البحرينية زينب الخواجة أثناء اعتقالها من قلب الشارع انتشار النار في الهشيم في كافة وسائل الإعلام الكبرى، حتى نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية تقريراً مصوراً عن الحدث.

ولا شك أن قلة أو انعدام المراسلين الأجانب في البحرين، ومحاصرة الصحافيين المحليين لمنعهم من أداء عملهم كان أحد أهم العوامل التي ساهمت في عدم وصول كافة تفاصيل ما يحدث في البحرين للإعلام الخارجي، وبهذا اعتمدت وسائل الإعلام العالمية على تقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية والتصريحات السياسية التي يدلي بها شخوص المعارضة في الداخل أو الخارج، إذ أصبحت الطريقة شبه الوحيدة لمعرفة القصص التي تجري في الداخل. علاوة على قليل من المراسلين المحليين الذين لا يزالون يرسلون الأخبار من الداخل إلى الخارج.

في مقابل كل ذلك، لا تزال المواقع الأجنبية المتخصصة والمؤسسات المختصة بالشئون السياسية في الشرق الأوسط تنشر باستمرار تقارير وتحليلات لمراقبين ومتخصصين في الشأن البحريني أو الخليجي، وقد دأب عدد لا بأس به من الكتاب على التطرق للملف البحريني وانتقاد الموقف الغربي منه، وشرح تبعات هذا الموقف وتفاصيل الأزمة في المنطقة. وعلى الرغم من أن جمهور هذه المواقع والمؤسسات المتخصصة ليس هو الجمهور العام، إلا أن لها تأثيرا كبيرا على صناع القرار في الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص.

لا يزال الإعلام الأجنبي متأرجحاً تجاه البحرين، وهو تأرجح يفسره الموقف السياسي الدولي تجاه ما يجري في هذه البلد الصغير جداً على خريطة العالم. فالصحافيون المهنيون أو أولئك الذين زاروا هذه البلد وشاهدوا القصص التي تُروى يجدون أهمية كبرى في معالجة هذا الحدث إعلامياً، أما أولئك المأخوذون بالسياسة الدولية وصراع القوى فسيستمر موقفهم الإعلامي متأرجحاً على الأغلب.

وصلات المواد الفيلمية والمقالات المتعلقة بهذا التقرير، تجدونها على موقع صحيفة مرآة البحرين.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus