البحرين : تقع ضحية المعايير المزدوجة لأوباما

2012-05-09 - 9:59 ص





أحمد شهاب الدين، هاف بوست ورد
ترجمة: مرآة البحرين



مرآة البحرين (خاص): كل من الرئيس السوري وملك البحرين قد عملا جاهدين العام المنصرم لتصوير بلديهما على أنهما مستقران وآمنان، على أمل تحويل الأنظار عن الانتفاضات الشعبية التي سحقوها بوحشية. وقد تعرض كل من النظامين لتعذيب أعضاء المعارضة بشكل ممنهج، فقتلوا واعتقلوا الأطفال، ومنعوا الصحفيين من دخول البلاد لإعداد التقارير، وادعى كلاهما أن هذه الحركات مدفوعة من قبل  "إرهابيين أجانب".

طالب أوباما بشار الأسد بالتنحي، وفرض عقوبات على سوريا، ويمول جماعات المعارضة في البلاد. ولكن عندما وصل الأمر إلى البحرين، تواطأ مع جهود الملك الرامية إلى التقليل من أهمية الاضطرابات المدنية، وتحويل الأنظار عن الإصلاحات المقترحة وفشل في تحميل البحرين المسؤولية. كل هذا، من الرئيس الذي وعد باستعادة سمعة الولايات المتحدة في الخارج في مجال حقوق الإنسان.

وبعد أربعة عشر شهرا من الاحتجاجات التي اندلعت ضد الحكم الملكي السني في 14 شباط/فبراير2011، وعدوا بالكثير، ولكن قليلا ما أجروا إصلاحات ملموسة.

وقد استأجرت الملكية في البحرين العديد من الشركات الأمريكية للعلاقات العامة، بما في ذلك، كورفيس، التي توفر خدمات العلاقات العامة للمملكة بتكلفة قدرها 40 ألف دولار في الشهر بالإضافة إلى المصاريف، على أمل إقناع العالم أن ليس هناك ثورة في البحرين، وذلك، على سبيل المثال، يمكنها توفير الأمن أثناء سباقات الجائزة الكبرى للفورميولا واحد المقرر عقده يوم 22 أبريل.
في العام الماضي، أدت حملة القمع على المتظاهرين في البحرين إلى إلغاء الحكومة لسباقات الفورميولا ون في البلاد. في حين أن السلطات في البحرين ترغب هذا العام في إجراء السباق ويتوقع عدد من فرق الفورميولا 1 إلغاءها، والتي يجب إلغاؤها، وسط مخاوف أمنية بسبب الاضطرابات المدنية.

وقال بيان صادر عن رابطة فرق الفورميولا ون يوم الثلاثاء إن الأمر يرجع إلى الاتحاد الدولي للسيارات فيما إذا كان سيتم إلغاء الحدث الرياضي الأكبر في البحرين، الذي كانت انطلاقته في عام 2004 من قبل ولي العهد.

 الإلغاء المحتمل لسباق آخر لجائزة البحرين الكبرى تشير إلى مشكلة في المصداقية والنفور من الشفافية التي يتقاسمها كل  من حكام البحرين وكورفيس الناطقة باسمهم.

 
وقد كتب توم سكويتيري، وهو موظف في كورفيس، والذي يصف نفسه بأنه المراسل حائز على جائزة ومحترف اتصالات، ثلاث مرات لصحيفة هافينغتون بوست، ويكتب أيضا لصحيفة فورن بولسي اسشييشن حول البحرين من دون أن يكون هناك وضوح في انتمائه إلى كورفيس.

سكويتيري يصف المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في البحرين وبطريقة مشينة على أنهم مدفوعون بـ "غضب  بدون هدف"، وسماهم "الجنود المشاة لسادة دمى بخطط خفية أكبر"، مستعيرا إشارة مبطنة غالبا ما يستخدمها قادة العرب لإيران والتهديد المتصور التي تشكله على الوضع الراهن.

ويا للسخرية، لم تجد اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين المكلفة من قبل الحكومة أي دليل على أن إيران لديها أي علاقة مع هذه الاحتجاجات، ولكنها وجدت أن الحكومة مدانة بالإساءة الممنهجة للسجناء، ونعم بالتعذيب. وعد الملك حمد إجراء إصلاحات، ولكنه أرجع حجته في التعذيب، كنقطة مقارنة، إلى سجل التعذيب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة لما يسمى الحرب على الإرهاب.

سكويتيري الذي يقدم نفسه على أنه صحافي ويدعي أنه فقط  "يعمل مع حكومة البحرين على الوعي بوسائل الإعلام وحرية الصحافة"، وهي صياغة رديئة في محاولة له لإخفاء وظيفته الدعائية. ولكن آخر مرة عمل فيها سكويتيري  لوسيلة إعلامية كانت في عام 2005 كمراسل في البنتاغون، عندما استقال من صحيفة أمريكا اليوم بسبب الانتحال (سرقة أدبية).

فمنذ أيامها الأولى، كانت الثورة في البحرين شوكة في خاصرة  ممالك الخليج، وبالتالي إزعاج حقيقي لمصالح الجغرافيا السياسية والتمركز العسكري لإدارة أوباما.

البحرين هي موطن للأسطول الأمريكي الخامس، المسؤول عن القوات البحرية في الخليج والبحر الأحمر والبحر العربي، وسواحل شرق أفريقيا. إدارة أوباما وقفت إلى حد كبير إلى جانب البحرين، وانتقاداتها للبحرين كانت ضعيفة ومبهمة. هذا وتستمر مبيعات الأسلحة إلى البحرين، على الرغم من تأخر عملية بيع أسلحة  بقيمة 53 مليون دولار إلى البحرين وذلك بسبب معارضة الكونغرس. وتستمر الإدارة في تحركها إلى الامام بصفقة جديدة ومعدلة من مبيعات الأسلحة، مستخدمة في ذلك ثغرة في القانون لبيع الأسلحة بهدوء إلى البحرين.

لم تذكر وزارة الخارجية  تفاصيل هذه المبيعات، بحجة أنها لا تلبي معايير الحد الأدنى التي تتطلب إشعارا رسميا.

ويقول السناتور رون وايدن، وهو أحد الأصوات القليلة العاقلة القليلة في حكومة الولايات المتحدة: "الحكومة البحرينية لم تحقق تقدما كبيرا في تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان على مدى الأشهر القليلة الماضية ولقد أصبح سجلها من بعض النواحي أسوأ مما كان عليه"، وقال لمجلة فورن بولسي: "ليس في مصلحة الولايات المتحدة  توريد أسلحة لنظام يستمر في اضطهاد مواطنيه".

هذه إشارة بسيطة، ولكنها واضحة بأنه غالبا ما يتم تجاهل كل شيء عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية في المنطقة. وصلت، يوم الثلاثاء، حاملة طائرات ثانية إلى الخليج. وتقول الولايات المتحدة إنها كانت جزءا من النشر "الروتيني، والمقرر" للجنود، بعد ورود تقارير تشير إلى أنها كانت استجابة لرفع حدة التوتر بين البحرين وإيران.

البحرين الواقعة بين السعودية وإيران في مضيق هرمز الذي يمر عبره خمس الصادرات النفطية في العالم، ذات أهمية استراتيجية أساسية للولايات المتحدة في منطقة تتطور بسرعة. وللأسف، على الرغم من الدعوة إلى وضع حد للعنف من قبل جميع الأطراف في البحرين، يبدو أن التزام الولايات المتحدة لحكام البحرين يفوق دعوات أوباما المهللة لدعم الإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة.

يوم الأربعاء قال جاي كارني، السكريتر الصحفي للرئيس الأمريكي باراك أوباما: "إن الولايات المتحدة ما زالت تشعر بقلق عميق بشأن الوضع في البحرين، ونحن نحث جميع الأطراف على نبذ العنف بجميع أشكاله" لكن هذا البيان المعمم كاذب بقدر ما هو فعال.

في العام الماضي، دخلت قوات من المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي البحرين لإخماد الانتفاضة في حملة قمعية أدانتها بشكل كبير جماعات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وبعدها، والآن مرة أخرى، لوثت إدارة اوباما رسالتها إلى حد كبير بالنهج الانتقائي والملائم بصراحة لدعم حقوق الإنسان والحرية.

وبالإضافة إلى ذلك، قال شريف بسيوني، رئيس لجنة تقصي الحقائق، مؤخرا في مقابلة له إن إدارة أوباما لا تفعل ما يكفي للضغط على النظام.

وأضاف "هناك ميزة في تسمية مخزية ومحرجة، في دفع، وفي حشد الرأي العام، المحلي والدولي، هذا ليس أسلوب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أو الرئيس أوباما، ولست متأكدا من أنهم ينتقون بالضرورة الخيار الصحيح".

البحرين، مثل سوريا، منعت الصحفيين من دخول البلاد لإعداد التقارير عن الاحتجاجات الواسعة النطاق. وبينما كنت أعمل في قناة الجزيرة، العديد من زملائي منعوا من الدخول. وأولئك الذين دخلوا كان عليهم العمل بسرية، بما في ذلك الفريق الذي أنتج الفيلم الوثائقي صرخة في الظلام، قصة الثورة العربية التي تخلى عنها العرب، ونبذها الغرب ونسيها العالم.

بينما كنت أعمل في برنامج ذا ستريم لقناة الجزيرة، وهو برنامج يعتمد وسائل الإعلام الاجتماعي والتي تعتمد على تقارير ومعلومات المواطن الموجود على الأرض، وكنت مسؤولا عن تحديث فريق العمل بمقاطع الفيديو والصور التي تم نشرها عبر الشبكات الاجتماعية.

فكل يوم، تتدفق العشرات والعشرات من مقاطع الفيديو التي توثق الاحتجاجات اليومية في القرى الشيعية، انتهاكات الشرطة، وإطلاق الغاز المسيل للدموع داخل المنازل، واعتقال وقتل الأطفال، وكلها تكذب التصريحات الصحفية التي كانت توزعها  كورفيس.

أحد  التقارير البارزة الصادرة عن كورفيس  تشير إلى أن مكتب أطباء بلا حدود كان مسؤولا إلى حد ما عن الاقتحام العنيف الذي قامت به الحكومة على مكاتبها بسبب تصاريح غير صحيحة للعمل في البلاد.

ولكن الواقع على الأرض رسم صورة مختلفة تماما. فالتدفق المستمر لتسجيلات الفيديو والصور في بث حي ومباشر أصبح من المستحيل تجاهلها، حتى لو كان من الصعب التأكد منها تماما.

ظهر عدد من الناشطين كضيوف في برنامج لنا، بما في ذلك مريم الخواجة وزينب الخواجة، ابنتا الناشط الحقوقي المعتقل عبد الهادي الخواجة، الذي يحمل أيضا الجنسية الدنماركية. ولقد حث يوم الثلاثاء رئيس وزراء الدنمارك البحرين على إطلاق سراح الناشط المسجون الذي يحمل جنسية مزدوجة، مدعيا أنه في حالة حرجة، وهو الادعاء الذي تدحضه حكومة البحرين.

الخواجة، الذي كان تعذيبه موثقا جيدا في لجنة تقصي الحقائق والذي بلغ يومه 63 من إضرابه عن الطعام، يذكرنا بأن سراب الاستقرار والتقدم الذي أوجده الملك حمد والذي يتحايلون به علينا هو مجرد وهم.

في ليلة 9 نيسان/أبريل 2011، دخلت قوات الأمن منزله وضربوه حتى الإغماء، وألقوا القبض عليه أمام عائلته وسط صراخ عائلته. ومنذ ذلك الحين، نشطاء حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم يطالبون بالإفراج عن الخواجة، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة بزعم محاولته الإطاحة بالنظام الملكي.

إذا مات الخواجة في الحجز، كما أخبرنا محاميه بإمكانية حدوث ذلك، حينئذ، من المحتمل أن تنفجر هذه الثورة المنسية، على الرغم من الاحتجاجات اليومية والمواجهات بين الشرطة والمتظاهرين. وبعد ذلك سيجد أوباما نفسه في مستنقع حقيقي، لأنه من المؤكد أن الثورة ستشعل لهيبها مجددا في البلاد.

وفي حين أن العديد وصفوا الانتفاضة بأنها مدفوعة بالانقسامات الطائفية بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية الحاكمة، كان متظاهرون سنة من بين الأوائل الذين نزلوا إلى الشوارع في شباط/فبراير الماضي. واليوم، ففي حين أن هناك بعض السنة الذين ما زالوا يتظاهرون ضد حكومتهم، مطالبين بالإصلاحات، هناك أيضا آخرون يحتجون ضد هجمات الشيعة، المسلحين بالقنابل الحارقة، على الشرطة.

وبالمقارنة مع تونس ومصر وسوريا وحتى ليبيا، فإن النسبة المئوية لمجموع السكان الذين خرجوا إلى الشوارع في البحرين للمطالبة بالإصلاح، وتغيير النظام، كانت الأعلى، مع مراعاة العدد الصغير لسكان البحرين الذي يقل عن 1.5 مليون نسمة.

إن خطورة الاضطرابات المدنية لا تزال مشهودة في البحرين، والاستخفاف اللاحق من قبل الغرب بشكل خاص أمر مقلق، نظرا لأهمية هذه الاحتجاجات، والتي كانت سلمية إلى حد كبير، حتى جاءت الحملة الوحشية  للملك.

إن عزيمة الثوار في البلاد، حتى مع وجود الأكثرية ممن يختارون غض الطرف عن البحرين، لا تزال سلمية. أوباما ليس هو الوحيد في غفلة عن الاضطرابات المدنية المستمرة في البحرين، وردة حكامها عن الإصلاحات المقترحة.

ولكن ملكة بريطانيا قامت بدعوة ملك البحرين على غداء اليوبيل الماسي في قلعة وندسور على الرغم من الانتقادات الواسعة لنظامه الدموي والقمعي. ويعتقد أيضا أنه سيكون من بين المدعوين على مأدبة عشاء الشمبانيا التي يقدمها ولي العهد الأمير تشارلز مساء ذلك اليوم نفسه في قصر باكنغهام.

وقال مصدر في القصر للصحافة: " قرار الاستضافة على الغداء كان من الملكة، وقرارها هو أن تدعو كل بلد ذات سيادة في  العالم، ومن الوقاحة أن يكون هناك شخص خارج القائمة  فالملكة لا تريد أن تسيء إلى أحد".

أنا أجد أن دعوة الملكة هو شيء مسيء، وأنا متأكد من أن أولئك الذين تعرضوا للتعذيب واختنقوا بالغازات الأمريكية الصنع على أيدي حكام البحرين يتقاسمون شعوري، ناهيك عن أكثر من 100 ألف من المواطنين التي نزلوا إلى الشارع للاحتجاج.

وعد أوباما في استعادة سمعة الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان بعد أن شوهتها الحرب على الإرهاب، وممارسات التعذيب، والترحيل السري وصور سجن أبو غريب. وعليه أيضا أن يغلق معتقل غوانتانامو. ويرى الكثيرون ذلك فشلا أساسيا في الوفاء بوعوده.

لكن ما هو أسوأ من ذلك، هو التشويش الواضح عندما يختار أوباما أن يلهث وراء مصالح الجغرفيا السياسية قصيرة الأمد، وبذلك يتجاهل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في البحرين، مع الاستمرار في تسليح ودعم الأقلية الحاكمة في البلاد.

في ربيع هذا العام، يمكننا المواصلة في إدارة ظهورنا في دعمنا المخزي للقمع المستمر ضد المعارضة في البحرين، أو يمكننا  استغلال لحظة تاريخية، والتفكير بشكل خلاق حول السبل التي تمكننا من الضغط على حلفائنا: السعودية والبحرين وآخرين في المنطقة.

في 14 شباط/فيراير 2012، وبالضبط بعد سنة واحدة على بدء الانتفاضة في البحرين، ظهرت مريم الخواجة، مديرة العلاقات الخارجية لمركز البحرين لحقوق الإنسان، للمرة الثانية في برنامجي السابق ذا ستريم على قناة الجزيرة، وقالت جملة واحدة  ما زال صدى صوتها يتردد عالياً في رأسي.
قالت لي" الاحتجاجات لم تتوقف في البحرين" وأضافت "وسائل الإعلام توقفت عن تغطيتها ...  المتظاهرون في البحرين، إن الولايات المتحدة  للبحرين كما أن روسيا  لسوريا".

وباختصار، فإن الولايات المتحدة تعرقل العدالة، وتديم انتهاكات حقوق الإنسان وتدعم زعيما، مثل [بشار] الأسد، قد أدار ظهره لشعبه وكذب على العالم.

13 نيسان/أبريل 2012





التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus