» رأي
نهاية مملكة خليجية.. هل تنتهي صلاحيات الملك في البحرين
عباس المرشد - 2012-05-15 - 5:56 م
عباس المرشد*
ربما كان على ملك البحرين أن يكون أكثر شفافية في خطاباته أمام الرأي العام العالمي والمحلي فيما يخص سبل الإصلاحات التي يجب اتخاذها بدلا من الإشارة الخاطفة لمشروع الحوار الوطني وشعارات المحبة والسلام. وربما كان عليه أيضا أن يكون أكثر شفافية مع قطاع واسع من مواطني مملكة البحرين والنزول إليهم ومحاورتهم حوارا جديا بدل توجيههم ناحية الصيد وممارسة الهوايات المختلفة والابتعاد عن متابعة الأخبار السياسية.
ومن المدهش هنا أن يشير البحرينون إلى ثمة علاقة غريبة لا يبدو أنها تحدث صدفة. ففي كل مرة يلقي فيها الملك خطابا يسقط بعدها قتلى مدنيين على يد القوات الأمنية. وإذا ما كانت الصدفة لا تمتلك مكانا في التحليل السياسي فإن سقوط شهداء بعد كل خطاب يدعو لإثارة علامات استفهام جدية حول نوع العلاقة الرابطة بين الخطاب والسياسي الذي يظهر بشكل دائم خطابا مرتبكا ومشوشا وبين ممارسة عملية عنيفة وقاسية تجر معها مزيدا من القتل والدمار.
وأحد من سيناريوهات التفسير يرجع ذلك إلى التوترات الشديدة بين أجهزة الحكم وانقسامها سياسيا بل وحتى جغرافيا وايدولوجيا. ويرى هذا التفسير أن أطرافا متطرفة لا تسمع ما يقوله الملك ولا ترتهن لما يفرزه خطابه السياسي بالمطلق. وهذا الجناح هو الأقوى على إحداث أثر في المجال السياسي. وبعض تلك التحليلات تدفع بوجود جناحين داخل نظام الحكم من أجل إعطاء تفسير لاستمرار الحكم العسكري والاستجابة الأمنية القامعة لمطالب الديمقراطية، لكنها تعجز عن تفسير تطابق الصيغة الإعلامية التي يظهر بها الطرف الإصلاحي مع الطرف المتطرف أو الحرس القديم.
وهذا يذكرنا بما أثير في بداية الإعلان عن ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، حيث طرحت مثل هذه التفسيرات وأوجدت مسافة بين الحرس القديم والحرس الجديد كإشارة لضرورة قبول الإصلاح المتدرج كمرحلة أساسية للتحول الديمقراطي الموعود، وكانت الصدمة أن التراجع عن المكتسبات السياسية جاء من الحرس الجديد أي من البلاط الملكي ولم يتلفت أحد إلى أن الحرس يبقون حرسا أيا كان تصنيفهم حالهم حال رجال الاستخبارات الموسومين دائما بالكلاب البولسية سواء كانوا في نظام دكتاتوري أو نظام ديمقراطي.
السيناريو الثاني والأقرب لملامسة الواقع أن الخطاب العلني الصادر من مؤسسة الحكم ومن مؤسسة العرش بالتحديد لا يراد له البحث عن تطبيقات على أرض الواقع بقدر ما يستهدف تدشين العلاقات العامة، في حين يرتهن الواقع لممارسة متجذرة وشبه أبدية في التعامل مع حركات الاحتجاج السلمي.
الخارجية الأمريكية في تقارير عدة لها تؤكد على وجود أطراف سياسية داخل الحكم تعتبرها مسئولة عن أفعال القتل وتعطيل الديمقراطية ويسمى التقرير الصادر في يونيه 2011 رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي خالد بن أحمد كشخصيات رئيسية تمنع فرص التوصل لحلول ديمقراطية وتعارض أي حوار وطني حقيقي. ويضيف التقرير الذي أعد لصالح اتخاذ قرار بقاء القوات الامريكية في البحرين أن استمرار هذا الجناح قويا وماسكا بزمام الامور يدفع بالحياة السياسية في البحرين لمزيد من التعقيد والتوتر ليوصي التقرير بسحب القوات الامريكية من البحرين في حالة فشل تقليم أظافر هذا الحناج وعزله.
ليس مهما القرار الذي اتخذته الإدارة الامريكية في شأن تجديد اتفاقية بقاء القوات الامريكية في أو تمرير صفقة الأسحلة المتعثرة. فليس سرا أن الموقوف الأمريكي في شأن البحرين يبقى مدفوعا بمجموعة أوراق المصالح الامريكية في المنطقة وعلى رأسها الملف السوري والملف العراقي وبالتأكيد الملف الإيراني. فعبر تدخلات نائب وزارة الخارجية الأمريكية فلتمان تحولت قضية البحرين لقضية دولية بمعنى أن أطراف حلولها ليسوا محليين بالمطلق وأن أي حل يقدم من المهم أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح تلك الأطراف وهو ما ترفضه القوى المعارضة الرسمية وغير الرسمية وتصر على أن المجتمع المحلي هو المعني بنوعية الحل الذي يسعى لتكريس أرضيته.
نظام الحكم في البحرين يعتقد أنه هو الأفضل في قراءة الحالة السياسية وأنه هو المخول بوضع اللمسات الفنية لما يناسب الناس. رسوخ هذا الاعتقاد طوال عقود هو ما سبب حالة اللاستقرار وحالات القمع الممنهج واعتبار التعذيب وإرهاب المعارضين والحط من كرامتهم والإساءة لهم شخصيا ولمذهبهم وعقائدهم أدوات مشروعة ولا يحاسب مرتكبها بل يكافأ على فعله الشنيع. ورغم ما مرت به البحرين ولا تزال إلا أن النظام لا يبدو أنه تعلم الدرس جيدا بل أضاف لقناعته السابقة قناعة جديدة (هو في الواقع أقصر من مطاولتها واقعيا) وهي قدرته على وأد الحركة السياسية ولجمها بلجام المسايرة والقبول بمخرجات القناعة الاولى، وبالتالي هو يجد من يحاول تطبيق نظرية ابن خلدون في تشبه المغلوب بالغالب على وضعيته المتصارعة مع أكثرية الشعب.
لقد تصرف النظام منذ 17 مارس 2011 على أنه المنتصر وهذا التصرف بتعبير (شفيق الغبرا) جاء بعيدا عن أخلاقية أي انتصار حتى ولو كان وهيما. وهو الآن يحاول التدثر ببعض الأخلاقية لتغطية فشلين، فشل في تسويق الانتصار الوهمي الذي على أساسه تضخمت النزعة العسكرية والأمنية داخل النظام وفشل آخر في تلوين قوات درع الجزيرة بقوة رادعة في الوقت الذي لم تحرك ساكنا وبدأت خجولة في مسألة الجزر المتنازع عليها بين إيران والامارات المتحدة بعد زيارة نجاد لها.
وفي سبيل تغطية هذا الفشل تبرز الدعوة لإقامة اتحاد غير واضح مع المملكة السعودية وكأنها تريد الهروب للأمام في حين أن هذه الدعوة لن تعني سوى البداية الأولية لانتهاء صلاحية نظام الحكم في البحرين، وسيكون من الصعب على خلفاء الملك أن يتفقوا على إدارة واضحة خصوصا بين أقطاب متنافرة وقوى تعيش هاجس الصراع الذاتي والصراع مع محيطها.
مع ذلك كله فإن السؤال الأكثر حساسية هو ما بعد؟ وما الذي سيحدث في المرحلة المقبلة؟ حساسية السؤال تكمن في نمط الإجابة وهل هي إجابة مستندة للوقائع أم إنها إجابة ترسم خطوط المستقبل أو بالأحرى تقديم خارطة طريق عملية. لذا فإن الإجابات المقدمة على السؤال ليست واحدة ولا يمكن لها أن تكون واحدة بالمطلق. فإلى جانب رؤية المعارضة الرسمية تقف رؤية المعارضة غير الرسمية وهي القوة الأكثر حراكا والأكثر حضورا في مجال الممارسة الاحتجاجية وهي تمتلك مشروعا سياسيا مكتملا تقوم مرتكزاته على استبدال النظام الحالي بنظام آخر يحظى بأكثرية شعبية. وقد أثبتت جدارة في الإمساك بمجريات الأحداث وقدرة على التعبئة الميدانية والسياسية بما يجعلها قوة مستقلة ومتفردة في خياراتها السياسية والميدانية.