مرآة البحرين أصدق أنباءً من صحف السلطة

ابتسام صالح - 2012-05-15 - 6:59 ص




ابتسام صالح*

بعد النكبة الأمنية التي ارتكبتها السلطة الخليفية في البحرين في منتصف مارس من العام الماضي، وبعد مذبحة سترة، وهدم الدوار وكل الهجمات الانتقامية بالناس ودور العباد والمستشفيات، لم يبق للناس من متنفس إلا قنوات الأخبار سواء من الفضائيات أو الصحف غير البحرينية الأخرى والمحايدة. كنا نستجدي من هنا أو هناك خبرا صحيحا، خبرا مغمورا، مقموعا.

 نتابع بلهفة تويتر نبيل رجب، وقنوات التواصل الاجتماعي. شخصيا كنت أتابع من الصحف العربية جريدة الأخبار والسفير اللبنانيتين ففيهما تنشر أخبار البحرين، الشأن المحلي والإقليمي أيضا، هي أخبار قليلة لكنها معقولة قياسا بصحفنا التعيسة. أما جريدة الوسط فكانت تنفد من الأكشاك والدكاكين بسرعة في صباحات البحرين المظلمة لتعطش الناس للخبر الذي يقارب الحقيقة إلى حد كبير لنعرف منه حجم البطش والتنكيل، أما صحفنا المأزومة المتشفية بنا فامتهنت نثر الملح على الجراح أكثر فأكثر.

حتى جاء دور جريدة الوسط في الهجوم على مطابعها، وإخراج رئيس تحريرها منصور الجمري قسرا من الجريدة بعد قصة فبركها برنامج الراصد، فاستباحوا رئيسها بحراب الإهانة والكذب والتلفيق والتنكيل جريا على نهج البرنامج المقيت، ففقدنا الصوت المعارض، الصريح لكن ظللنا نتابعها وفاءً لها رغم تغير نهجها الذي وضح في تغير مفردات ثورة 14 فبراير، مثال: استبدلت تسمية دوار اللؤلؤة إلى دوار مجلس التعاون وغيرها، إذاً لم يبق لنا من الوسط إلا ورقا بلا صوت ولا معنى،  أصبحنا جميعا نترنح على لجة السلطة التي تتقاذفنا يمنة ويسرة، ونتلهف على المعلومة المفصلة وغير السريعة وغير المبالغ بها حد التوه والحيرة والألم الذي يعصرنا عصرا.

حتى بزغت في 13 مايو مرآة البحرين التي تعكس الحقيقة المرة في الداخل، في عمق الداخل، جاءنا الصوت المعارض من عتمة السجون، عكست لنا المرآة صراخ المعتقلين وأنينهم، وعنف السجانين وشتائمهم وبذاءاتهم، لبست المرآة طاقية الإخفاء وتجولت في السجون والمخافر والقصور وجاءتنا بالخبر اليقين.

في ذلك الوقت العصيب الذي تحولت فيه ليالي البحرين إلى مدن أشباح أيام السلامة الوطنية، تخلى الناس عن هواتفهم التي تحمل كل شيء أثناء تنقلاتهم، وخصوصا أثناء الدوام الرسمي، فالطرق المدججة بنقاط التفتيش غير مأمونة، وعيون العسكر على الهواتف ومحافظ النقود أكثر من غيرها، فنظل في العمل منقطعين عن الأخبار حتى نذهب البيت ونحن في أشد اللهفة إلى الأخبار، إلى المرآة. حين أصلُ البيت أركض للمرآة قبل أي شيء آخر أتصفحها قبل غفوة الظهيرة، وأحيانا قبل تناول الغذاء.

لأول مرة نرى صحيفة الكترونية خالية تماما من الإعلانات التجارية، ليس هذا وقت الكسب والربح أكثر من ربح الوطن، أكثر من استعادة الوطن الذى أبت أقلام المرآة إلا عودته منصورا مكللا بالكرامة والعزة. قامت إدارة هذه الصحيفة على أقلام الكتاب والصحفيين البحرينين الذي فروا من بطش السلطة، اتخذوا من بلدان المنفى حماس الثورة وحرية الحرف. عانوا من برودة الغربة ومن حرارة اشتياق الأهل والأحبة، عاشوا ظروف اقتصادية ونفسية صعبة في سبيل أن ينقلوا لنا الحقيقة المغيبة في هذا البلد المأزوم.  

أعشق متابعة المرآة وتحليل المقالات ومتابعة التقارير المهنية وتخمين أسماء أصحابها الحقيقيين، من كنه المفردات والأدوات أخمن اسم صاحب المقال، جلهم بحرينيون قرأت لهم وعرفت أسلوبهم ونهجهم، هذا يستشهد بشعر محمود درويش، إذاً عرفته، هذه مفردات فلان، هذا أسلوب فلانة. وما يسعدنا الآن بعد مرور عام على المرآة أن نجد بزوغ أقلام معروفة، أعلنت عن مواقفها وازدرائها للسلطة بصراحة، خلعت عن وجوههها أسماءها الحركية، وتحدت المحظور. بعضهم دخلوا المرآة لأول مرة مشهرين عن أسمائهم التي دخلت معتقلات السلطة وذاقت مرارات الألم والعذاب، حين فجر الصحافي فيصل هيات قنبلة من العيار الثقيل في مرآة البحرين، رغم أن الخطر مازال قائم عليه وعلى غيره.

 سرد لنا قصة اعتقاله في تفاصيل بالغة الدقة، نقلها لنا من أقبية السجون. ثم تشجع الآخرون أكثر فأكثر، فجاءت شهادات جليلة السلمان، ومحمد التاجر، وشهادات أخرى عن موت شهداء لم يتمكنوا من نقل صرختهم للعالم كما في شهادة الطبيب غسان ضيف. أخذت المرآة هذا الدور تنقل الصراخ والأنين، تستضيف كل يوم سجين يروي مآسيه، وكأننا نتابع قصة بوليسية مسلسلة. تابعنا باهتمام: شوكة الأطباء: أخطر ما في حلق السلطة، وعرفنا مأساة الكادر الطبي، كما تابعنا أحوال أهالي الشهداء والمعتقلين ومعاناتهم، لولا المرآة لما عرفت آباء وأمهات الشهداء وحسرتهم على الفقد التي تحولت إلى شرف الشهادة والنصر. فلو طبعت مواد المرآة لجاءت في مجلدات.

 إذاً لا يمكننا أن نرصد في هذه العجالة ولو جزءا يسيرا من عرض المقالات، الحوارات، التقارير، ترجمة المقالات من الانجليزية إلى العربية، التحليلات، هذا الزخم والثراء غير المحدود نعجز عن شكر أصحابه، حيث إنجازهم المتواصل الليل بالنهار محمود ومشكور، ويتجلى ذلك في عدد قرائها، أقرأُ المقال لأعرف أنه نزل قبل ساعة فيما عدد القراء وصل إلى الآلاف.

من صوت المرآة سنعرف، لا بد أن نعرف وبالتفصيل أخبار الخواجة المغيبة عنا هذه الأيام. أين هو؟ ما مصيره؟  فلتجيبنا مرآة البحرين.      

 
* كاتبة بحرينية.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus