تفكك الخليج

2012-05-15 - 8:36 ص





ديفيد روبرتس، فورن بولسي
ترجمة: مرآة البحرين


زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، وقطر، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان والكويت) يجتمعون في أيار/مايو لبحث إنشاء وحدة اتحادية أوثق بين دولهم. وكان أول ما طرحت فكرة التكامل الأوثق في كانون الأول/ديسمبر 2011 من قبل ملك المملكة العربية السعودية عبدالله وتبلورت مؤخرا في خطاب ألقاه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل. حيث دافع عن الفوائد المحتملة لإنشاء منطقة اقتصادية بقيمة 1.4 تريليون دولار لـ 42 مليون نسمة، وكذلك الفوائد المحتملة للتعاون الوثيق والتنسيق في مجال الدفاع والسياسة الأمنية. وفي حين أن كل هذا يجعل المعنى سطحيا، فإنه يكاد يكون من المستحيل أن نرى عقد اتحاد ذي معنى بين دول مجلس التعاون الخليجي.

ففي ضوء الربيع العربي وانعكاساته في منطقة الخليج، من الممكن أن نفهم رغبة المملكة العربية السعودية للمشاركة في إقامة هذا الاتحاد. وخصوصا، أن البحرين قد عصفت بها الاحتجاجات منذ شباط/فبراير 2011. واليوم، التظاهرات متقطعة ولكن مستمرة وقتل وجرح المتظاهرين أيضا مستمر، والشرطة مستهدفة انتقاما وعلى نحو متزايد، والاحتفال الصاخب للفورميولا1 في البحرين في منتصف  نيسان/أبريل  قد شوه بشدة. المخاوف الكامنة في البحرين لكل من نخبة آل خليفة وأشقائهم الحلفاء من آل سعود هو أن إيران من يقوم بتأجيج ودعم الاحتجاجات، مستخدمة الأكثرية الشيعية في البحرين لـ "تصدير الثورة". في حين أنه لا يوجد أي دليل يذكر يدعم هذا الادعاء (انظر تقرير بسيوني) ومع ذلك هذا هو الخوف السائد في كل من الرياض والمنامة. ولذلك اتخذت السعودية خطوتها المذهلة في إرسال عدة آلاف من القوات السعودية ومجموعة متنوعة من الأسلحة إلى البحرين لإظهار الدعم بتحدٍ في آذار/مارس 2011. وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة بالمساهمة أيضا بإرسال جنودها، في حين أن كلا من الكويت، وقطر، وسلطنة عمان غامضة في معظمها، إن هذا الإجراء قد تم اتخاذه  تحت الستار الكاذب لقوة "درع الجزيرة لدول مجلس التعاون الخليجي"، فعموم قوة دول مجلس التعاون الخليجي المحتضرة تعود إلى عام 1984 والتي لا تمتلك أونصة من الفعالية حتى الآن.

وهناك نوع من الاتحاد السعودي البحريني تتم مناقشته تمهيدا لاتحاد دول مجلس تعاون خليجي أوسع. ومن شأن مثل هكذا اتحاد التطبيع للإجراء السعودي العسكري في البحرين وربما لتمهيد الطريق لتمركز دائم لقوات "مجلس التعاون الخليجي" فيها، في الوقت الذي تقرع فيه أجراس جنازة الحل السياسي مع الرياض التي التي لها دور شرعي أكثر في الحكم على نتائج الحل السياسي في مقارنة مع السطوة القوية والفعلية.

يبدو أن البعض من نخبة آل خليفة على استعداد للخضوع لهذا الاتحاد، وهذا انعكاس مذهل لقلقهم المتزايد. وبالنظر إلى فقر موارد النفط والغاز في البحرين، ورحيل البنوك الأوروبية ملحقة بجدية ضررا  بالثقة في هذه الصناعة الرئيسية، والمشاكل الاجتماعية الاقتصادية المستعصية  وغير المعترف بها في الغالب والماثلة في جذور المشكلات السياسية في البحرين، وتعقد الأزمة السياسية، فهناك مخاوف من أن تظل البحرين باقية إلى أمد طويل ككيان اقتصادي مستقل. فالمملكة العربية السعودية تقدم بالفعل الدعم والإعانة المالية الضخمة لنخب البحرين، وليس هناك ما يشير إلى أن ذلك سيتوقف في وقت قريب. وبالتالي فمن وجهة نظر آل خليفة، في حال أن أولئك الذين في الرياض ببساطة ليسوا على استعداد لمواصلة الدعم الاقتصادي من دون تقديم تنازلات سياسية أكثر، مع عدم وجود نهاية في الأفق للأزمة السياسية والاقتصادية، فإن دعما طويل الأمد وآمنا ومضمونا من الرياض للحفاظ على الوضع الراهن يبدو معقولاً.

وبشكل عام، قد يبدو الأمر غير جذاب للمملكة العربية السعودية في تبنيها لبحرين غير مستقرة ومتعثرة سياسيا وبأغلبية  شيعية، لكنه مفضل على الخيار البديل. فالبديل أن يروا في المقابل نتائج الانهيار البطيء للنظام الملكي السني الشقيق، والصعود المحتمل لسلطة شيعة مجاورة لمنطقة شرق السعودية، والتي لا تحتوي فقط على الأغلبية الشيعية السعودية ولكن أيضا على معظم حقول النفط والمرافق في المملكة.

أما بالنسبة لاتحاد دول مجلس تعاون خليجي أوسع، فالمملكة العربية السعودية تحاول وغالبا ما تفشل في توليد خط  لدول مجلس تعاون خليجي متحد تجاه إيران. فعمان، ودبي، وخصوصا قطر التي كسرت القاعدة في كثير من الأحيان وانتهجت سياسات أكثر تصالحية أدت إلى استياء الرياض. فهكذا اتحاد، والذي قد يشمل أحكاما لتكوين سياسة خارجية مشتركة شبيهة بنموذج الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تراه الرياض كوسيلة لخدمة الهدف السعودي المركزي للتوحد ضد إيران.

والآن بقدر ما هو صعب على الرياض أن تدفع نحو اتحاد خليجي كوسيلة لتحقيق نوع من السياسة الخارجية لمجلس التعاون الخليجي، نتوقع أن تقوم قطر بالدفع ونفس المقدار في الاتجاه المعاكس. النخبة القطرية الحالية وصلت إلى السلطة في عام 1995. واستغرق الأمر 13 عاما  لتدرك الرياض أن قطر دولة ذات سيادة مع سياسة خارجية مستقلة، وذلك بعد عودة السفير السعودي إلى الدوحة في عام 2008 بعد أن غادر في عام 2003. فهكذا استقلال لن يتم التخلي عنه بسهولة، ولا سيما بالنظر إلى الدور المحوري لقطر المزدهر في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وعلاوة على ذلك، ما الذي ستكسبه قطر والإمارات العربية المتحدة، أو الكويت، على سبيل المثال، من اتحاد خليجي؟ وقطر في ذروة شعبيتها الدولية في الوقت الراهن، ونصيب الفرد فيها هو الأغنى على وجه الأرض.  فأيما تنازل عن الصلاحيات لصالح الاتحاد يبدو أنه لن يفيد الدوحة بأي شكل من الأشكال.

ونفس الشيء بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة. على الرغم من أنها مشغولة حاليا في معركة مع عناصر معظمها "إسلامية" معدومة الخطورة  داخل المجتمع، وهو الموضوع الذي من الممكن أن يثمنوا فيه بعض المساندة الخطابية من الدول المجاورة، وبالاجمال فان التنازل عن بعض الاستقلال قد لا يناسب دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الواقع، فإن السبب الرئيسي لانسحابها من العملة الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي هو أن النخبة في أبو ظبي لم تؤيد فكرة ان يكون البنك المركزي في الرياض – والذي بالكاد كان قرارا جماعيا متحمسا.

الكويت غارقة في مشاكلها الخاصة مع برلمانها المنقسم على الدوام. الشيء الوحيد المؤكد حول أي اتحاد لدول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للكويت هو أنه سيعقد ويفاقم مشاكلها البرلمانية المستعصية.


ونفس الشيء بالنسبة لعمان، وباعتبارها ذات العلاقة الأكثر فقرا يمكن ان ترحب ببعض الاندماج الأوثق، وأن تراه كسياج ضد الزعزعة الاقتصادية في المستقبل، وبنفس المنطق البحريني، فإنها ترى قرب وقوع مشاكل عدم الاستقرار السياسي طويل الأمد والخلل الاقتصادي الناتج عنه.

وثمة مشكلة أخرى أساسية مع أي تحالف وهو أنه قد تتم الهيمنة عليه من قبل المملكة العربية السعودية. فجغرافيا المملكة العربية السعودية هي أكبر بخمسة أضعاف من مساحة دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مجتمعة وعدد سكانها أكبر بحوالي 10 ملايين. فعلى مدى عقود، ومن الناحية الجغرافية السياسية، اعتادت المملكة العربية السعودية القيادة ليس فقط في منطقة الخليج، ولكن يمكن القول على نطاق أوسع في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. هذا المزيج من الحقائق الأولية والمكانة التاريخية للسعودية، من وجهة نظر الرياض، يمكّنها من الأخذ بزمام القيادة "بشكل طبيعي" في أي اتحاد من هذا القبيل. وهذا لن يكون مقبولا أبدا بالنسبة للكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والذين شكلوا جميعهم مسارات مستقلة في السنوات الأخيرة.

وعلاوة على ذلك، ففي الذاكرة الحديثة يمكن لكل دولة أن تعود بذاكرتها إلى الإجراءات والسياسات غير الودية تماما الصادرة عن المملكة العربية السعودية. فبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة كانت هناك خلافات متكررة بشأن الحدود مع المملكة، والتي تمتد وتؤثر سلبا على التجارة عبر الحدود بين البلدين. ففي عام 2011 تبادلت الإمارات العربية المتحدة وزورق دورية سعودي إطلاق النار، مما أسفر عن إصابة البحارة السعوديين الذين سلموا أنفسهم وأعيدوا لاحقا إلى المملكة. ففي حين أنه كان حادثا معزولا، إلا أنه يلمح إلى مخاوف أوسع وأعمق بين البلدين.

 قطر لديها منذ زمن علاقات مضطربة مع المملكة العربية السعودية. في أوائل 1990 رفضت المملكة العربية السعودية السماح لها بمد أنابيب غاز إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ومنها إلى الكويت، وكانت هناك مناوشات على الحدود في عامي 1992 و 1994؛ ويزعم أن المملكة العربية السعودية رعت انقلاباً مضاداً ضد الأمير حمد آل ثاني  في عام 1996؛ وتغطية الجزيرة للقضايا الإقليمية قد أغضبت الرياض، وسياسة قطر الخارجية المستقلة  أيضا سيئة مع من هم في السلطة في المملكة العربية السعودية. وفي الواقع، فإن العلاقة تحسنت بينهما فقط في الآونة الأخيرة ولكن العلاقات السيئة في العقد السابق لم تنس بعد.

 والكويت لا تتذكر فقط  تعنت المملكة العربية السعودية بمنعها من مد الأنابيب المقترحة من قطر، ولكن هناك أيضا رغبة ضئيلة للانضمام معا. كما علق رئيس البرلمان الكويتي، أحمد السعدون، في شباط/فبراير، قد يكون من الصعب على الكويت الاتحاد مع "دول سجونها مليئة بالآلاف ممن تمت إدانتهم لتعبيرهم عن آرائهم".

وأخيرا، فإن الفكرة القائلة بأن اتحادا خليجيا قد يحدث لأن شعوب منطقة الخليج العربي آتية من نفس الخلفيات  الدينية، والتاريخية، والاجتماعية، والعائلية يجعلها منطقا معقولا، ولكن لهذا السبب أيضا  يمكن استخلاص استنتاج معاكس. وهو بالضبط عدم وجود تمايز بين السعودي والإماراتي والقطري والذي من شأنه أن يؤدي بهذه الدول العصرية  للحفاظ على هذه الحدود بحزم كوسيلة لتمييز أنفسهم عن الهوية الملغمة لدول مجلس التعاون الخليجي. حتى أن هناك رغبة وبشكل جوهري في تجنب الحدود في منطقة الخليج والتخلص من الهوية الإماراتية لصالح الهوية الخليجية العامة، فمن دون الحاجة الملحة للانضمام معا، لن يتم دعم اتحاد خليجي.

في أوائل 1980  وفي أعقاب الثورة الإيرانية، التقت دول الخليج لتشكيل الاتحاد: دول مجلس التعاون الخليجي عام 1981. آخذين التهديد المدوي الحقيقي والوشيك من إيران لإجبار بعضهم البعض، وحتى ذلك الحين، فإن قوة درع الجزيرة لدول مجلس التعاون الخليجي لم يكن فعالا.

واليوم الذين في الرياض وأبوظبي يرون حريقا مخيفا وعميقا ببروز إيران، مع مخالب لطهران والتي يزعمون أنه تم العثور عليها في البحرين، والعراق، وبلاد الشام وفقا للفكرة السائدة، هناك عقبات رئيسية في طريق مواصلة تعزيز التعاون الأمني. على الرغم من شراء مئات المليارات من الدولارات من المعدات في السنوات الأخيرة، لكن تنوافر قصص قضايا عدم التوافق المزمن داخل القوات المسلحة نفسها ناهيك عن التوافق بين الجيوش الوطنية أو القوات البحرية. فالمملكة العربية السعودية نفسها لديها أربع قوى: الجيش التقليدي، والبحرية، والقوات الجوية،  والحرس الوطني (القوة الرابعة الكاملة اسميا لحماية الملك). وحتى الآن الحالة هي أن النقيضين لا يجتمعان، فإن هذه القوى ذات الاتصالات البينية المحدودة والتدريب المشترك المحدود تتنافس فيما بينها بقدر ما هي موحدة تحت الراية السعودية.

ولكن السبب الأساسي في أنه لماذا لن يكون هناك أمن أو تعاون عسكري ذو مغزى هو أن الولايات المتحدة تضمن الأمن في الخليج. قرارات صعبة لاستيعاب الخصومات الشخصية وخصومات الدول، وللتغلب على المشاكل المتأصلة بالتدريب المشترك،  وحتى أنه قد يتم تفادي الانخراط بالصفقات مع وجود المظلة الأمنية الأمريكية. في الواقع قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن البحرين، قاعدة الأسطول الأمريكي الخامس، هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تفكر جديا في مثل هكذا اتحاد، وهي أيضا الدولة الخليجية الوحيدة التي كان فيها   جدل في الآونة الأخيرة عن إزالة القوات الأمريكية. فقط عندما تترك أمريكا الخليج، مثل العثمانيين والبريطانيين من قبلهم، حينها تضطر دول الخليج إلى التوصل إلى تفاهم حول وضعها الأمني، ومن المحتمل أن تؤيد التخلي عن نزعاتها القومية من أجل التحالف الجماعي.

* ديفيد روبرتس هو نائب مدير المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الأمن والدفاع في دولة قطر.


2 أيار/مايو 2012






التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus