18 مايو: اليوم الوطني لحماية الاستقلال.. البحرين دولة عربية مستقلة

2012-05-19 - 11:35 ص




مرآة البحرين (خاص):
كانت الرابعة عصرا في شارع سريع غربي المنامة، الحرارة تفوق 42 درجة. جلست تستظل بإحدى النخيل الممتدة على طول الشارع، في يدها سبحة. ستينية من العمر على وجهها تعبيرات مرارة السنين، حضرت مبكرا. في وسط الرصيف فتاة صغيرة لبست علم البحرين، تهتف لوحدها، تشد انتباه الجميع بما تقول. هناك الكثير من الناس، ومن كل الأعمار، يضج المكان بصوت الحضور.

الناس تزحف من كل صوب، مظاهرات صغيرة تخرج من كل قرية، يحملون أعلام الوطن ورايات كبيرة لصور شهدائهم. يهتفون بما يشاؤون، لم تعد عصى السلطة الغليظة تخيفهم.السيارات مملوءة، تقف في الساحات المجاورة للشارع، ينزلون منها حاملين أعلامهم، بعض نسائهن يلبسن العباءة التقليدية، أخريات يرتدين "الجينز" و"تي- شيرتات" حمراء وبيضاء ترمز للعلم.

يسير الجميع باتجاه نقطة واحدة، يسيرون دون تعب وكأنهم اعتادوا حرارة الشمس، فيما يقف آخرون على الأرصفة. على جوانب الطريق هناك الكثير من الاستراحات التي تقدم المشروبات، على وقع أناشيد ثورية.

هواة ومحترفون يحملون كاميراتهم، وآخرون يرفعون هواتفهم للتصوير، تهمس إحداهن في أذن صديقتها: لا يمكن لعدسة هاتفك أن تجمع هذه الحشود، تجيبها: وأي كاميرا في العالم تستطيع أن تعكس هذا المشهد.

يلتقطون صورا تذكارية، وآخرون يتبادلون الأحاديث الجانبية، وكثير من المنظمين، يعملون على توجيه القادمين الجدد. يتحدث أحدهم عبر مكبرات الصوت: المسيرة ستنطلق بعد قليل. يغادون الضلال التي اتخذوها من أشجار  الرصيف والدوارات، ويدخلون في ظل وطنهم الحلم. يلملون الحاجات وينطلقون ملبين النداء.

مشهد كبير، لقد انطلقت تظاهرة "لبيك ياوطني" التي أعلنت عنها جمعيات المعارضة رفضا لاتحاد البحرين مع الجارة السعودية. قرابة 300 ألف بحريني من أصل 700 ألف ينتظمون على أحد شارع البديع، رفعوا شعارات مناهضة للاتحاد مع نظام آخر لا يؤمن بالديمقراطية. هم غاضبون ويرفضون أي صورة للوصاية السعودية بعد أن أكدوا في العام 1971  على عروبة جزيرتهم واستقلالها.

"نأبى إلا الاستقلال... لو يجري دمنا شلال" هتفوا بصوت واحد، كان المكان يضج بهتافهم، أسمعوه العالم عنوة، حتى ولو كانت آذان العالم تشيح عنهم.يتقدمون بسرعة ويهتفون. مجموعات تنتظر سماع  هتاف المكبرات، فيما يهتف آخرون غاضبون من سياسة عاهل البحرين "يسقط حمد". يسكتون لسماع المنظمين يصرخ مكن مكبرات الصوت "أيا مليك الفساد... لا نقبل الاتحاد... كلا لبيع البلاد... لا نقبل الاتحاد".

يضج المكان بالهتافات، لا يوجد فراغ صوتي في تظاهرة امتدت لأكثر من 2 كيلو متر، وقرابة الساعة والنصف. يسكت بعضهم فترتفع أصوات الأبواق "تن تن تتن"، إنهم العلامة المسجلة للتظاهرات البحرينية، أي "يسقط حمد".

تتقدم المسيرة بسرعة، يتقدمها رؤساء جمعيات سياسية وشخصيات اجتماعية ودينية بارزة، فيما ينتظم خلفهم مد بشري هائل، نساء، رجال، شباب، فتيات إنهم من كل الأعمار. يتقدمون وفي أعينهم لمعان الشمس، لا يتراجعون، إنهم يهتفون "كلا إلى الاتحاد" "نأبى إلا الاستقلال"، ويطالبون السلطات بالإفراج عن المعتقلين والقصاص من القتلة، ويحملون ملك البلاد مسؤولية كل الانتهاكات، كما رفضوا تهديدات حكومته للرمز الديني الشيخ عيسى قاسم.

هتفوا "عيسى قاسم خط أحمر" فيما رفع الكثيرون صوره، أحدهم يقول "إنه أحد أبناء هذا الوطن المخلصين، ونرفض التعدي عليه وعلى غيره من رموزنا، ولن نسمح أن يطاله سوء". تقطع التظاهرة الغاضبة نصف الطريق: "يا حمد أنت المسؤول... عن كل سجين ومقتول" إنهم يقارعون تغطرسه، هم لا يخافونه، لم يخافوه في مارس من عام درع الجزيرة 2011 ولم يخافوه في مارس 2012،هم يستحضرون شرعية مطالبهم وهتافاتهم من شعبية غير ناضبة، إنها 9 مارس.

  &&qut2&&
"ليسوا شرذمة هم القطاع الأوسع من الشعب، ويجب أن يكون له تمثيله في السلطة، فما بالك إذا كان القرار يتعلق بالاستقلال"، يضيف مهندس معماري "العائلة الحاكمة تتعامل وكأنها ورثت الوطن. لن نقبل بمس السيادة والاستقلال تحت أي عنوان".

يسير الغاضبون وترتفع الشعارات، لا ينسون مطالبهم التي ناضل الشعب من أجلها منذ عشرينيات القرن الماضي، يطلبون أن تكون السيادة الحقيقية للشعب، وأن تكون السلطة ممثلة لهم. دونوا تاريخا جديدا يضاف إلى التواريخ البحرينية، 18 مايو تاريخ آخر يُضاف إلى مسيرة النضال الوطني في البحرين. موعد آخر يُثبت فيه هؤلاء أنهم لا ينحنون حتى لو أثخنتهم الجراح.

موعدٌ ومحطة في مسيرة النضال: الاستقلال وسيادة الشعب، عنوانان لا تحيد الحركة الوطنية الممتدة بامتداد التاريخ البحريني عنهما.

توشك التظاهرة على الانتهاء، لكنهم مستمرون في طريق الأمل وإن طال، هم يرسمون تفاصيله يوما بيوم، ويتقدمون ويتقدمون وكأنهم حذفوا من قاموسهم كلمة "التراجع".

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus