مثلث الصراع في البحرين

2012-05-22 - 4:54 م




جاسون سترين

ترجمة: مرآة البحرين


انتهيت مع شريكي في البحث رضا أكبري أخيرا من أطروحتنا حول "مثلث الصراع: كيف أن التقسيمات الداخلية في البحرين قد تحول دون المصالحة". وبعد أشهر من البحث، ورحلتين إلى البحرين وإجراء أكثر من 50 مقابلة، نحن متحمسون لإطلاعكم على النتائج التي توصلنا اليها. ويمكنكم قراءة الرسالة الكاملة هنا، ولكن اسمحوا لي أن أقدم لكم ملخصا موجزا لتحليلنا.

في الأطروحة، بحثنا احتمالات المصالحة السياسية في البحرين بحيث يتمكن الناس من العيش مع بعضهم  البعض على الرغم من اختلافاتهم من غير عنف. ولتحقيق هذه المصالحة، على المعتدلين من مختلف الأطياف السياسية كسب ما يكفي من النفوذ للوصول إلى الوسط كجزء من العملية السياسية. ومن الواضح أن أي تسوية سياسية لن تحل جميع المشاكل المتجذرة في البحرين، ولكنها تضع البحرين على طريق تحقيق المصالحة.

في الجزء الأول من المقال، نسأل من هي الجهات الفاعلة التي يجب أن تشارك في أي حوار محتمل يعمل على تحقيق المصالحة. وسائل الإعلام الأمريكية تميل إلى الإفراط في تبسيط الوضع في البحرين عن طريق نسج رواية بأن شيعة يطالبون بحقوقهم من حكومة سنية. في الواقع، هناك ثلاثة معسكرات رئيسية في السياسة البحرينية - الحكومة، والمعارضة، والمعارضة الموالية للحكومة – وتلك المعسكرات لا تندرج بصورة واضحة ضمن الخطوط الطائفية. هذه المعسكرات الثلاثة تشكل ما نسميه "مثلث الصراع" حيث تحدث الصراعات السياسية  على المستوى البنيوي بين المعسكرات الثلاثة، وعلى مستوى المجموعة بين الفصائل التي تشكل تلك المعسكرات.

في كل معسكر، ومع استمرار الأزمة يفقد المعتدلون التأثير على المتشددين، مما يجعل المصالحة السياسية مستبعدة أكثر من أي وقت مضى. في حين أن الجميع في الحكومة يحرص أولا وأخيرا على إبقاء النظام الملكي لآل خليفة، لكنهم يختلفون حول كيفية تحقيق أفضل نظام أمني لهم. فالحركة المناهضة للإصلاح بقيادة رئيس الوزراء، ووزير الديوان الملكي، ورئيس قوة دفاع البحرين تعتقد أن أي إصلاح من شأنه أن يخلق منحدرا زلقا يؤدي إلى نهاية حكم آل خليفة. وحركة الإصلاح التي يقودها ولي العهد ترى الإصلاح ضروريا لضمان حماية النظام شريطة أن لا يسحق تحت الضغط الشعبي. في المقال، بحثنا الصراعات بين هذه الحركات قبل وأثناء وبعد انتفاضة 14 شباط/فبراير. إلى هنا، يكفي أن نقول إن الفصائل المناهضة للإصلاح اكتسبت الهيمنة مع انهيار المفاوضات وتدخل دول مجلس التعاون الخليجي خلال الانتفاضة في العام الماضي.

فكما أن كل شخص داخل الحكومة يسعى إلى أمن النظام، فان كل شخص في المعارضة يسعى لإصلاح رئيسي. إلا أنهم يختلفون حول كم الإصلاح الممكن عمليا، وكيفية تحقيق ذلك. الحركة المثالية، والتي تشتمل على جماعات غير قانونية مثل حق، الوفاء، وشباب 14 فبراير الذي أطلق الانتفاضة في العام الماضي، تعتبر أن الحكومة غير شرعية كليا، وترفض أي مفاوضات معها، وتدعو إلى إقامة جمهورية. الحركة البراغماتية لا تختلف مع الحركة المثالية من حيث المبدأ،  ولكنها بدلا من ذلك تقول بأن مثل هكذا تغييرات جذرية هي ببساطة مستحيلة نظرا للوضع الراهن. ويقود هذا التيار الطرف الأقوى في المعارضة الشيعية، الوفاق، وكذلك بعض الأطراف الثانوية الأخرى بما في ذلك جماعة وعد اليسارية من الطائفة السنية. مرة أخرى، تفاصيل أكثر عن تاريخ الصراع بين هذه الفصائل موجودة في المقال. لكن في الوقت الراهن، فإنه من المهم أن نلاحظ أنه كما هو الحال مع حركة الإصلاح في الحكومة فإن الحركة البراغماتية تعرضت لضربة قوية مع انهيار المفاوضات، وتدخل دول مجلس التعاون الخليجي. في حين أن الحركة المثالية لم تحظ بسطوة مثل الحركة المناهضة للحكومة في مجال الإصلاح لكنها تزداد قوة مع استمرار الأزمة.

أخيرا، نهوض المعارضة الموالية يقدم أكبر تحد للحكومة مقابل رواية وسائل الإعلام. فخلال الانتفاضة،  سمع الكثير من البحرينيين هتافات المعارضة من أن "الشعب يريد..." في دوار اللؤلؤة وقالوا لأنفسهم : "ليس هذا ما أريده."  هؤلاء البحرينيون – معظمهم من السنة غير السياسيين سابقاً - نزلوا إلى الشوارع بأنفسهم ليكون لهم صوت مسموع كذلك . وسائل الإعلام كثيرا ما ترفض تسمية هؤلاء الناس كـ "مواليين للحكومة"، ولكنهم  "مناهضون للمعارضة" أكثر، ذلك لأنهم حشدوا في المقام الأول لمواجهة احتجاجات دوار اللؤلؤة. وعلاوة على ذلك، فقد جاؤوا  لصياغة مطالبهم لإصلاح تدريجي كذلك.

وعلى هذا النحو، نحن نسميهم "المعارضة الموالية". هذا المعسكر ينقسم بين تجمع الوحدة الوطنية الذي أنشئ حديثا والذي يصور نفسه على أنه مظلة لجميع البحرينيين وبين الأحزاب الإسلامية وحركات الشباب الذين، بحسب التعريف، لا تمثل سوى جزء من السكان. ومع استمرار الأزمة، اكتسب الإسلاميون نفوذاً متزايداً على المعارضة الموالية للحكومة (ومرة أخرى مزيد من التفاصيل في المقال).

في الرسمين البيانيين أدناه، بينا مثلث الصراع الكامل وانهيار استراتيجيات وأهداف كل طرف فاعل. الحكومة  باللون الاحمر، والأزرق للمعارضة، والأخضر للمعارضة الموالية. (تم تحويل الرسم البياني إلى جدول):

 الحالة  الوسائل  الأهداف  الأعضاء الفصيل
 المعسكر
 في صعود منذ تدخل دول مجلس التعاون  الإصلاح منحدر زلق  أمن النظام  رئيس الوزراء
وزير الديوان
رئيس قوة الدفاع
 المناهض للإصلاح  الحكومة
 ضعيف منذ انهيار المفاوضات  الإصلاح لحماية النظام من الانهيار  أمن النظام  ولي العهد  الإصلاح  
 في صعود ولكن يضعف مع استمرار الأزمة  تشكيل ملكية دستورية حقيقية  إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي  الوفاق، وعد، الجمعيات القانونية  البراغماتيون  المعارضة
 يزداد قوة مع استمرار الأزمة  تشكيل جمهورية  إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي  حق، الوفاء، 14 فبراير  المثاليون  
 يتشظى ويضعف مع استمرار الأزمة  مناهضة الاحتجاجات والحوار بدون أمن وبدون مشاركتهم  إصلاح تدريجي حسب أجندة وطنية وأن يسمعوا  أفراد مثل عبداللطيف المحمود  تجمع الوحدة الوطنية  المعارضة الموالية
 يزداد قوة مع استمرار الأزمة  مناهضة الاحتجاجات والحوار بدون أمن وبدون مشاركتهم  إصلاح تدريجي حسب أجندة إسلامية وطنية وأن يسمعوا  المنبر، الأصالة، شباب الصحوة  الإسلاميون  
 

وباختصار، يجب على كل معسكر المشاركة في أي عملية سياسية تحمل الأمل في تحقيق مصالحة حقيقية. وحتى الآن، وفي كل معسكر، الأصوات المتشددة التي من المحتمل أن تشارك في مثل هكذا حوار تزداد قوة يوما بعد يوم. في الجزء الثاني من المقال، نحدد الديناميكيات الثلاث التي تساهم في الاستقطاب والتشرذم في المشهد السياسي البحريني.

الأول:  ديناميكية عدم الثقة التي تصف كيف أن تاريخ الإصلاح المتنازع عليه في البحرين يزيد من الشكوك في نوايا المعسكرات الأخرى. ففي كل مرة تطلق الحكومة وتروج لمشروع إصلاح سطحي، تنمو عدم ثقة المعارضة أكثر حول جدية الحكومة في تفعيل إصلاحات حقيقية. وكل مرة تطالب المعارضة بالإصلاح، فإن الحكومة، والمعارضة الموالية للحكومة، تعتقد بأن الإصلاح قد حدث بالفعل، ويتهمون المعارضة بأنها تعلي سقف أهدافها باستمرار. هذه الديناميكية لا تستقطب فقط المعسكرات، ولكنها أيضا تضعف المعتدلين في كل معسكر ويلقى عليهم باللوم من جانب المتشددين لسذاجتهم في حسن النية تجاه المعسكرات في كل مرة يحاولون فيها التفاوض. فمن دون وجود ثقة أساسية  والتي يلتزم فيها الطرف الآخر بمسؤولياته في أي اتفاق محتمل، لا يكون هناك حافز للمجازفة في الدخول في مفاوضات. ونتيجة لذلك، انتقلت السياسة في البحرين من طاولة المفاوضات إلى الشوارع.

ثانيا: حيوية الشارع تشرح كيف أن سد الحياة السياسية نتيجة لديناميكية انعدام الثقة قد خلقت بيئة خطرة للاحتجاج، والقمع، ومواجهة الاحتجاج. فكل معسكر يواجه معضلة ما في العمل في الشارع. فعلى المعارضة الاحتجاج  لمواصلة الضغط على الحكومة، ولكن كل عمل في الشارع يغضب المعارضة الموالية للحكومة أكثر - وخصوصا عندما تتحول الاحتجاجات إلى أعمال عنف. والمعارضة الموالية ترغب بالأمن في الشوارع، ولكن مع عدم قدرة الحكومة في الحفاظ على هذا الأمن، التجأت بعض الجماعات إلى نشاطاتها الخاصة في الشارع والتي تكون عنيفة في بعض الأحيان، وهي تقوض الأمن الذي يسعون إليه. فالحكومة قد تسمح بمواصلة الاحتجاجات وفي نفس الوقت تحافظ على شرعيتها مع المعارضة والمجتمع الدولي، أو تشن المزيد من القمع على المظاهرات لتحافظ على شرعيتها مع المعارضة الموالية. هذه المعضلات توسع الانقسامات بين المعتدلين والمتشددين من كل معسكر بينما تضمن في الوقت نفسه استمرار دائرة الاحتجاج والقمع، والاحتجاج المضاد. فالغضب يولد العنف الذي يولد بدوره المزيد من الغضب.

وأخيرا، فإن ديناميكيتي عدم الثقة وحيوية الشارع تخلقان جوا مؤاتيا للانتشار الطائفي. والأهم من ذلك، إن البحرين قد عانت دائما من الانقسامات الاجتماعية الاقتصادية والانقسامات السياسية بين الشيعة والسنة، وكانت الحكومة قد استفادت بمفاقمة هذه الانقسامات في استراتيجية فرق تسد. وضاعفت الحكومة هذه الاستراتيجية خلال انتفاضة 14 فبراير، وأطلقت العنان لما تسميه كريستين ديوان "الهجمة الطائفية" للبقاء في السلطة. إلا أن الحكومة وجدت أيضا آذانا صاغية لسرديتها الطائفية. ولأن الشيعة المحرومين تحديدا سيكسبون القدر الأكبر من الإصلاح في البحرين، فان البعض من السنة يرى الأجندة الديمقراطية على أنها أجندة شيعية. وزاد مصير السنة في العراق المخاوف من نوايا الشيعة. ولسوء الحظ، فشلت المعارضة في تهدئة هذه المخاوف على نحو فعال.

والآن، هناك خطر كبير من أن الطائفية التي بدأتها سياسة الحكومة في فرق تسد قد خرجت عن نطاق السيطرة، مع الأصوات الطائفية التي أغرقت المعتدلين. ونتيجة لذلك، لم تصبح البحرين أكثر عرضة للتاثيرات المزعزعة للاستقرار من التوترات الطائفية الإقليمية فحسب، ولكن ما كان يوما أزمة سياسية قد يتحول إلى صراع هويات ضار أكثر بكثير.

كل هذا يترك صورة قاتمة إلى حد ما بالنسبة لمستقبل البحرين. فاذا أخذنا يوما محددا، تكون فيه الكثير من المناطق في البحرين سالمة تماما وآمنة. ولكن في ذلك اليوم نفسه، قد تنغمر المناطق ذاتها فجأة بالغازات وصرخات الجرحى. ويتم وضع المواد الحارقة، و يتطاير الشرر، وفي النهاية تشتعل البلاد بالنيران. اليوم، أكبر شرارة محتملة هو مصير الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة، الذي هو على وشك الموت من الإضراب عن الطعام في السجن مطالبا بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين. ولكن حتى لو لم يمت الخواجة، سيكون هناك دائما حدث مقبل، أو ذكرى سنوية مقبلة، أو احتجاج مقبل، أو صدام مقبل، أو وفاة مقبلة والتي يمكن أن تكون الشرارة التي تشعل هذه المواد الحارقة. فإذا استمرت النزعة الحالية، فسيكون السؤال متى لم تعان البحرين من تصعيد كبير.

ولتجنب هذا التصعيد، يجب على الجميع العمل من أجل التخفيف من حدة الديناميكيات الشوارع والطائفية وعدم الثقة التي تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي البحريني. وفي حين أن رواية الناس الذين يطالبون الحكومة بحقوقهم أخلاقية وتملك قوة خطابية، فأنها لا يمكن أن تساعد على استخلاص سياسة فعالة وراء وصفات طموحة بأن "الحكومة يجب أن تفعل كذا والمعارضة يجب أن تفعل كذا". فمن خلال اعتبار جميع الأطراف الفاعلة ذات الصلة، ووجود ديناميكيات مؤثرة، يساعدنا مثلث الصراع على المضي في صنع هكذا وصفات طموحة  لفهم ما يمكن القيام به فعليا لتعزيز قضية المصالحة. نناقش بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها في هذا المقال، وسوف نتوسع في هذا في مدونات ومقالات مستقبلية.


9 أيار/مايو 2012





التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus