ثورة البحرين التي ولدت ميتة

2012-05-25 - 7:41 ص



آرين بيكر، تايم مغازين ورد

ترجمة: مرآة البحرين



سموه الولد الذهبي. محتفلين برشاقته على أرض ملعب كرة القدم، كان علاء حبيل، حتى الربيع الماضي، أمل  البحرين في دخول دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012، وفرصة الجزيرة الصغيرة في الخليج  للمشاركة في كأس العالم لعام 2014.  كل شخص في هذا البلد المهووس بكرة القدم يعرف اسمه. لكن في هذه الأيام، بطل كرة القدم البحريني يعيش لوحده في شقة متواضعة في صور في عمان، حيث  يلعب الآن في ناد محلي. كدمات الضرب المتكرر في الاعتقال قد اضمحلت، لكنه يسير بحذر، وكأنه ما زال يتوقع ضربة ما.

الكثير من زملائه اللاعبين قد تشتتوا مثله ويتبادلون نفس الذكريات المروعة. كانت الهجرة المفاجئة لأفضل لاعبي البحرين نعمة للنادي الدولي لكرة القدم ولكن ثبت أنها كانت مدمرة للفريق الوطني الذي ربما لن يرى المسرح العالمي إلا بعد جيل آخر على الأقل. "كنا قريبين جدا"، يقول حبيل: "وبعد ذلك خسرنا كل شيء".

انقلاب حظ حبيل المفاجئ يعكس ذلك الذي للبحرين، الدولة المزدهرة والمريحة، التي رأت انهيار مكانتها الدولية وانخفاض نموها المتوقع لعام 2011  إلى النصف وذلك منذ أن بدأت حملتها القمعية ضد المظاهرات المؤيدة للديمقراطية قبل عام. فانسحاب دورة الفورميولا 1 الدولية  في أوائل عام 2011  بسبب مخاوف انتهاكات حقوق الإنسان، قد كلف البلد الملايين من رسوم الترخيص والعائدات السياحية المتوقعة. هذا البلد العالمي، الذي طالما أشاد بالتعايش السلمي بين نظامه الملكي السني وسكانه من الغالبية الشيعية، قد تحول إلى دولة بوليسية،  تمتص طبقتها المهنية التي يهيمن عليها الشيعة بالاشتباه والمحاكمات الصورية.

فتونس ومصر وليبيا قد لا تزال تعاني من مخلفات الربيع العربي، ولكن البحرين تقدم لنا درسا حكيما في كم يكون الوضع سيئا عندما تفشل الثورات. فمن غير المحتمل ان يلجأ الثوار الشيعة في البحرين، الجزيرة ذات المداخل المحدودة للحصول على أسلحة، إلى الثورات المسلحة كما في ليبيا أو سوريا. ولذلك فإن البلاد تواجه اضطرابا طويلا وقليل الحدة يهدد بتكليس فهم التمييز وهو ما بدأ يسميه الكثير من الشيعة بدولة الفصل العنصري، مما يمهد الطريق لصراع طائفي مفتوح يمكن أن يزعزع الاستقرار في المنطقة.

البحرين التي تتصل بالمملكة العربية السعودية بجسر طوله 25 كم، هي من العرق العربي. ولكن 70٪ من السكان تقريبا يتقاسمون نفس العقيدة الشيعية للعدو اللدود إيران. المملكة العربية السعودية ليس لديها رغبة في رؤية انتفاضة مؤيدة للديمقراطية في فنائها الخلفي، كما أنها لا ترغب في انتفاضة شيعية تقوي إيران. الاقتصاد البحريني، الذي يعتمد على تكرير النفط والمصارف والسياحة، يعتمد على الرعاية السعودية، ومن غير المحتمل أن تتحدى الحكومة إرادة جارتها الكبيرة.

قد تكون البحرين صغيرة – 500 ألف مواطن - ولكنها نقطة اشتعال محتمل مع ارتفاع حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. البحرين هي حليف أمريكي أساسي، وتشكل قاعدة للأسطول الأمريكي الخامس، الذي يحمي الخليج، ومضيق هرمز، وحوالي 50 بالمئة من إنتاج النفط في العالم. أحد المحللين يشبه البحرين بصربيا في عام 1914: بلد غير هام إلى أن أشعل الحرب العالمية الأولى.

أي من هذه القضايا لم تشكل أي قلق بالنسبة لحبيل في الأيام الأولى من الربيع العربي. حيث تجمع عشرات الآلاف من المواطنين البحرينيين في دوار اللؤلؤة في 14 شباط/فبراير للمطالبة بالإصلاحات السياسية الموعودة منذ فترة طويلة، ومطالبين رئيس الوزراء، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة - الذي خدم لأكثر من 40 عاما عن طريق تعيينه من قبل ابن شقيقه الملك -  بالتنحي وإفساح المجال أمام برلمان منتخب انتخابا مباشرا.

ولكن عدم اكتراث حبيل تغير عندما قتل خمسة متظاهرين في غارة في الصباح الباكر من قبل قوات الأمن الحكومية على مخيم الاحتجاج بعد يومين. وبعدها هاجموا المشيعين بالغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية، والتي تسببت في سلسلة متصاعدة من الاحتجاجات، وانتقام الحكومة، ووفيات وجنازات والتي أشعلت احتجاجات أكبر أسفر عنها أكثر من 50 قتيلاً.

فما بدأ كحركة تضامن بين الطرفين الدينيين في البحرين قد تحول بسرعة إلى فتنة طائفية عندما قام النظام الملكي بافتراس المخاوف السنية من طغيان الأغلبية الشيعية إذا ما طبقت الحكومة الديموقراطية التمثيلية. يقول مطر مطر، وهو عضو في الوفاق التي يهيمن عليها الشيعة، والذي استقال من البرلمان احتجاجا على القمع،  "إنهم يقولون إنه لا يمكن أن يكون هناك إصلاح حتى يتم حل المشكلة الطائفية "، وأضاف: "لكن اذا أصبح لدينا المزيد من الديمقراطية في البحرين، فسوف يتم القضاء على هذه المشكلة". فبدلا من ذلك، سمحوا لها بأن تستفحل، وسرعان ما تم امتصاص حبيل إلى السياسة التي طالما تحاشاها.

عندما دعا ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة إلى الحوار، ودافع عن حقوق جميع المواطنين البحرينيين للاحتجاج سلميا، انضم حبيل وزملاؤه الشيعة إلى مسيرة الرياضيين للتنديد بالقمع. مثل مسيرة الأطباء ومسيرة المعلمين التي جرت في الأيام السابقة، وتجمع المواطنون بعشرات الآلاف. العائلة المالكة مبجلة في البحرين،  وقليل من المحتجين من يرغب فعلا في وضع حد لنظام الحكم الملكي. ولكن بعد القمع، احتدمت المشاعر، والعديد من المتظاهرين دعوا إلى إسقاط النظام. وآخرون، مثل حبيل، طالبوا فقط بالإصلاح. وعلى الرغم من الوعود، أصبح القمع أكثر حدة، وفي 14 آذار/مارس، توالت الدبابات السعودية عبر الجسر لمساعدة البحرين في خنق الاحتجاج.

واعتقل  3 ألاف شخص لمشاركتهم في الاحتجاجات و ألفا شخص تم فصلهم من وظائف الدولة وتم تقديم المئات للمحاكم العسكرية، من بينهم 64 رياضيا. حكم عليهم بالسجن من سنة إلى 15 سنة. وقد خص حبيل وزملاؤه، أبطال الدولة، بحملة مسعورة (سمِ وافضح) على القناة الرياضية المحلية. يقول المتحدث باسم الحكومة عبد العزيز بن مبارك آل خليفة بأن البث، وكذلك حملات التشويه المماثلة على الفيسبوك، كان " مؤسفا" لكنه يرفض أن يكون لدى الحكومة أي شيء لتفعله حيال ذلك. فحبيل لا يرضيه هذا فيقول: "لقد أعطيت كل شيء لبلدي، وهذا ما حصلت عليه في المقابل"، ويضيف، " كل ما فعلته هو أني  ذهبت إلى مسيرة. حتى جلالة الملك قال إنه أمر مسموح به".

لم تنته متاعب حبيل بهذا البث. ففي اليوم التالي تم سحبه هو وزملائه من التدريب ووضعوهم في عربات كانت في الانتظار. وفي مركز الاعتقال، تعرضوا للضرب حتى وقعوا على اعترافات كاذبة. واستمر التعذيب لمدة شهرين. وليس فقط الرياضيين من تم التعامل معهم بهذه الطريقة ولكن أيضا الأطباء والممرضين والممرضات والمحامين والصحفيين الذين شاركوا في الاحتجاجات. يقول باسم ضيف وهو جراح رياضيين بحريني بارز "تعقبونا جميعا لأننا من النخبة الشيعية". ولقد تم تعذيب ضيف كي يبلغ ضد زملائه في شريط تم عرضه في وقت لاحق على التلفزيون الوطني. ولقد أسفرت الصرخات الدولية – بما في ذلك تلك التي من الولايات المتحدة -  عن إطلاق سراح الجميع إلا أن المئات من المحتجين في حزيران/يونيو، ما زالوا ينتظرون إعادة محاكمتهم أمام محاكم مدنية.

وحتى ذلك الحين، تم توقيف ضيف عن وظيفته في مجمع السلمانية الطبي، المستشفى العام الوحيد في البلاد. وممن أوقفوا عن وظائفهم كان جراح القلب الأفضل في المستشفى، وجراح زراعة الأعضاء الوحيد، وكذلك الممرضين الممرضات من الطبقة المتقدمة في غرف العمليات، وأطباء الباطنية الأكثر خبرة. وإجمالاً 178 من المهنيين الطبيين من ذوي الخبرة لم تعد تعمل في السلمانية.

ويعترف المسؤولون الحكوميون أن هذه الحملة ربما كانت قاسية جدا، ولكنهم يدافعون عن قرار الحكومة لقمع الثورة التي يزعمون أنها تأخذ البحرين إلى أماكن محفوفة بالمخاطر. ويقول المتحدث باسم خليفة "نحن في الخليج، وليس في اسكندنافيا"،. وبعدها يلمح بحزن إلى أجندة إيرانية لإقامة "دولة إسلامية أيديولوجية" في البحرين، شاهرا التهديد الذي يتردد صداه جيدا مع الغرباء الذين ترقبوا عن حذر نجاح الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس.

زعماء الاحتجاج يرفضون مثل هذه المزاعم بأنها دعاية لبث الخوف، مشيرين إلى أن ليس فقط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ولكن أيضا التحقيق المستقل الأخير حول الانتفاضة الممول من الحكومة البحرينية لم  يجد أي أدلة على وجود نفوذ إيراني. استجابت الحكومة بدحض ساخط : "نظرا إلى اعتبارات الأمن والسرية...فإن حكومة البحرين لم تتشاطر معلومات عن تورط إيراني".

 ذلك التقرير كان قد كلف به الملك حمد بن عيسى آل خليفة في حزيران/يونيو في محاولة لشفاء أمة مصدومة. وعلى الرغم من "التعذيب المنهجي" و"الاعتقال غير القانوني" و"استخدام القوة المفرطة"، فقد ساعد التقرير، الذي صدر في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر،إلى ترميم سمعة البلاد. وقد تمت الإشادة بشفافية الملك في منطقة، يعمل ملوكها عادة بالحصانة، وقد تمت الإشادة بحكومته للإصلاحات التي نفذتها حديثا في الشرطة وسياسات الاعتقال. وقد بدأ الاستثمار في العودة تدريجيا إلى البلد، وتقول البحرين إن الفورميولا 1، في الوقت الراهن،على جدول عام 2012. وحتى أنها عقدت صفقة بيع أسلحة بقيمة 53 مليون مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ويبدو أن تعليق الكونغرس إصدار التقريرسيمر. ففي ظاهر الأمر، يبدو أن الحكومة قد نجحت في احتواء الثورة، وأنها فرضت العزلة الإلزامية على معظم القرى الشيعية المضطربة. ومع ذلك، فإن حملة الاعتقالات مستمرة.  يقول نائب مديرأطباء من أجل حقوق الإنسان ريتشارد سولم، الذي منع من دخول البحرين في 9  كانون الثاني/يناير، على الرغم من وجود تأشيرة: "هدف الحكومة هو قمع الثورة بأية وسيلة، في حين أنها تستعرض الإصلاح ". وأضاف: "وطريقتهم تؤدي الغرض".

ولكن المحتجين، جنبا إلى جنب مع حزب الوفاق المعارض، يقولون إن الثورة باقية. فالهدوء المكتشف حديثا في البحرين نسبي : لا تمر ليلة من دون ورود تقارير عن هجوم بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والاعتداء على المتظاهرين في القرى الشيعية، والمظاهرات المؤيدة للديمقراطية أو حتى الجنازات.

ومرة أخرى في عمان، حبيل يريد فقط العودة إلى دياره، واللعب لمنتخب بلاده. بعد الضغط القوي من قبل جماعات حقوق الإنسان الدولية، عفت الحكومة عن المتظاهرين طالما أنهم لم يشاركوا مباشرة في إثارة القلاقل. لكن حبيل حذر. فزملاء آخرون له في الفريق لا يزالون ينتظرون المحاكمة. كرة القدم هي ثقة وتواصل،  وحبيل يخاف أن يكون الضررغير قابل للإصلاح،  " بعد كل هذه الإهانات والضرب،  لست متأكدا في أن بإمكاني أن أثق ببلدي بعد الآن".


23 كانون الثاني \يناير 2012

 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus