الممرضة ناهد غلوم: آلام الإذلال من السلمانية إلى شرطة الرفاع، وشاية الطبيبة (نورة) وعذاب الشرطية (دعاء)

2012-05-30 - 10:02 ص


مرآة البحرين (خاص): على مدار 23 عاما عملت ناهد في وزارة الصحة. أكثر هذه الأعوام قضتها في مجمع السلمانية الطبي، آخرها قسم العيون. تتناول وجبة الإفطار يوميا مع زملائها من مختلف الدرجات الوظيفية والطوائف والجنسيات والأصول، لم يكن لأي من هذه المسميات حضور بالنسبة لها.

بعد انطلاق الثورة البحرينية، بقت ناهد (43 عاماً) تزاول عملها بشكل يومي دون غياب. شاركت في تضميد جراح المرضى، بعد أن طلب من جميع الممرضات التوجه إلى قسم الحوادث والطوارىء لمداواة العدد الكبير من الجرحى الذين يردون إلى المستشفى. استشارية العيون (نورة بطي) أمرتها بالانضمام إلى طاقم الطوارىء للمساعدة.

ليس لديها خلفيات سياسية، لا تعرف من الدنيا إلا الله، وعملها الذي تقوم به منذ الصباح حتى ساعات المغرب، ثم أولادها الاثنين، تعود لتؤمن لهم احتياجاتهم وترعاهم. لم تفكر يوماً أن تكون جزءاً من تنظيم سياسي أو تحرك أو ثورة، لكن عملها قادها لذلك.

في 22 مايو/أيار2011، فيما حالة السلامة الوطنية تشارف على الانتهاء، استنفرت وزارة الداخلية طاقتها القصوى في الانتقام من أكبر عدد ممن شاركوا في الاحتجاج أو عالجوا الجرحى. جاء دور ناهد. تم إخبارها أن لها رسالة في إدارة المجمع وعليها الذهاب لتسلمها.

وصلت الإدارة. الأجواء مشحونة. أخريات سبقنها للغرض نفسه. الفرق أنهن يعرفن ماذا يعني أن تطلبهن الإدارة لتسلم رسالة: إما فصل أو توقيف أو تحقيق أو اعتقال. لكن ناهد لم تكن تعلم شيئاً، وابتسامتها تملأ وجهها.

طلب منها الذهاب إلى غرفة تواجدت فيها الشرطية (دعاء) من مركز شرطة الرفاع، وكل من مر من مركز الرفاع يعرف تماماً من هي دعاء، فقد شاركت في تعذيب كل الفتيات اللواتي مررن من تحت يديها، وبعض الرجال أيضا.

حققت (دعاء) معها بشأن سرقتها أكياس دم من بنك الدم وسكبها على الجرحى في السلمانية لتظهر جروحهم حقيقية، اتهمتها أن ذلك كله يتم بعد تدريب وتحت إشراف مخرج يقوم بتنفيذ المسرحية التي يتم إرسالها للقنوات الأجنبية للمبالغة بشأن مدى الإصابات في السلمانية، سألتها عن الأسلحة وأين خبأتها.

كانت دهشة ناهد كبيرة. لم تعرف عن ماذا تتحدث الشرطية. كل أكياس الدم التي تسلمتها من بنك الدم طوال سنوات عملها كانت بأوامر طبيب ولأهداف علاجية. كان الدليل على الجرائم التي ارتكبتها ناهد حسب إدعاء (دعاء): صورة لناهد وهي تسحب أحد المرضى.

بعد قليل أصبحت ناهد قيد الاعتقال. السبب: أنها لم تعترف بجرائمها وسيجعلونها تعترف في المركز. غادرت السلمانية في دورية الشرطة مع ثلاث ممرضات أخريات، طُلب منهن أنزال رؤسهن وهن يخرجن من المستشفى كي لا يتعرف عليهن أحد، بدأت الإهانات والشتائم وهن في الطريق إلى مركز الرفاع وليس لديهن أدنى علم بما سيواجهنه في وكر التعذيب ذاك.

في مركز شرطة الرفاع، أمروهن بالجلوس على الأرض قبال الحائط. تم إدخالهن واحدة وراء الأخرى على الضابطة التي ستتولى التحقيق معهن بمعية الشرطية (دعاء). كانت   دعاء تتولى مهمة الضرب فيما الضابطة تكيل الاتهامات المفصلة.

جاء دور ناهد، تم إدخالها على الضابطة، وبدأت الأسئلة الاعتيادية وغير الاعتيادية: رحتي الدوار؟ كم مرة رحتي الدوار؟ ليش كذبتون وقلتون هناك مئات الجرحى؟ من اللي أمرك تجيبي أكياس الدم من بنك الدم؟ من هو مخرج المسرحية التي تتضمن سكب أكياس الدم على المتظاهرين لإظهار أنهم جرحى؟ لماذا طالبت بإسقاط النظام؟ هل شاركت في المسيرات؟ أين أخفيتي السلاح؟ لقد وجدنا سلاحا خاصا بك في الغرفة 8 بقسم العيون، من هو شريكك في الجريمة؟ ولماذا كنت تخبئين السلاح هناك؟

أجابت ناهد بأن لا علاقة لها بالسياسة ولا بالمظاهرات، وأنها ذهبت لقسم الطواريء بناء على أوامر استشارية العيون الدكتورة نورة بطي (وهي من وشت بجميع الممرضات اللواتي أمرتهن بالذهاب إلى القسم للمشاركة في علاج الجرحى)، أوضحت ناهد أنها لا تعرف شيئا عن أي سلاح أو أي مخرج لمسرحيات ولا تعلم شيئا عن أكياس الدم أيضا.

نقلت إلى الغرفة الأخرى بعد أن تلقت وجبة خشنة من الضرب، أمروها بالوقوف مواجهة للجدار ويدها للأعلى بعد أن غطوا عينيها بقطعة قماش على مدار ساعات، تضمنت وجبات من التعذيب: الضرب بـ"الهوز" وبالأيدي وإهانات، كما طلب منها الرقص والغناء، في إحدى جلسات التحقيق طلب منها غناء النشيد الملكي، قالت انها لا تحفظه، فانهالوا عليها بالضرب مجددا.

كان كل جسدها يئن ويتوجع، الضرب والتعذيب أنهكه، لم يشفع هذا لها، طلبوا منها أن تقلد مشية الحمار، صعدت على ظهرها اثنتان، أحست بظهرها ينهار، لكنها خافت من عاقبة الانهيار، فتمالكت الحمل.

كانت الشرطيات والضابطات ينادينها بالصفوية الكلبة طوال الوقت، إحداهن هددتها إذا لم تعترف ستسخدم معها الهوز بالمسامير، وإذا لم ينفع معها سيأخذونها إلى غرفة الكهرباء، كما أن إحداهن تحرشت بها جنسيا فيما الأخريات في المكان ذاته يضحكون ويسخرون.

خلال إحدى جلسات التعذيب، كانت هي على الأرض والهوز يخط نقشاته على ظهرها، توسلت تحت رجل إحدى الشرطيات أن يتركنها تذهب، فهي لم تقم بشيء، فقالت لها: "إذن اعترفي، قولي لنا أسماء من لديهم أسلحة في السلمانية ومن كان يقود التظاهرات والمسرحيات"، فغاصت في حزنها مجددا، فهي لا تعرف شيئا.

في هذا اليوم أيضا، وبعد ساعات انضمت لوجبات التعذيب صحفية، أتضح فيما بعد أنها الصحفية نزيهة سعيد، شهدّن على تعذيبها، وسمعن الإهانات التي وُجهت لها والطريقة التي تم التعامل معها بها.

تم تحويلهن لمركز التوقيف في مدينة عيسى، سمح لهن الاتصال بعائلاتهن لطمأنتهم وجلب الملابس. بشكل يومي يتم إرجاعهن لمركز الرفاع، تقوم ضابطة بالكشف على أجسادهن، إذا زالت آثار التعذيب يتم الإفراج عنهن، أو تبقى في السجن. في كل يوم كان سيل الإهانات يتكرر، ويشاهدن موقوفات جدد.

في مدينة عيسى كنّ ينظفن دورات المياة، يقدمن الطعام للمومسات والمدمنات وتاجرات المخدرات، اللواتي يشاركنهن السجن، أحد الضباط قال لها وهي تخرج من السجن: "يسوى عليك تتبعين أحمدي نجاد، ألحين روحوا خلوه يأكلكم، ومشميع اللي قصّ على عقولكم".

بعد أسبوع سمح لناهد بمغادرة المعتقل، إلا أنها غادرته إنسانة أخرى، فقد أصبحت اليوم مليئة بالغضب والحزن. لم تكتف السلطة في البحرين بتعذيبها دون ذنب، ولا باعتقالها لمدة أسبوع، وتوقيفها عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، بل قتلت أيضاً ابن أختها الشهيد يوسف الموالي، فإذا كان يمكنها أن تمالك دموعها عندما تتذكر ما حدث لها في مركز الرفاع فهي لا تستطيع تمالك نفسها عندما تتذكر ابن أختها الوديع الذي انتهت حياته تحت التعذيب.

عادت إلى عملها بعد توقيف دام ثلاثة شهور، بشعور جديد لم تشعر به طوال سنوات عملها: "ما لي نفس أشتغل، أفكر في التقديم على تقاعد مبكر". زملاؤها الذين وشوا بها يطالعونها بنظرات التخوين. ترفع يديها في صلاتها، تدعو بالانتقام ممن ظلمها، تقول إنها لن تسامح كل من وشى بها وفبرك التهم لها، فهي لا تزال غير مصدقة أن من قضت معهم سنوات طويلة في العمل، وتناولت معهم وجبات الإفطار والغداء أكثر مما فعلت مع عائلتها، هم من يفبركون ضدها هذه التهم والجرائم التي لا يصدقها عقل جاهل فكيف بعقل صديق.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus