ابتكار نوعي آخر يسجل إلى ثورة اللؤلؤة: معرض ’وللحرية فن’... جريء مع الموت لأبعد الحدود

2012-06-02 - 2:00 م



 
مرآة البحرين (خاص):
ضمن حراك المعارضة النوعي، أقامت جمعية العمل الإسلامي " أمل" معرضا فنيا تحت عنوان "وللحرية فن" وذلك في صالة الغدير بسار، يومي 18 و19 مايو/أيار 2012.

يذكّر الحدث بمعرض "مائة شهيد .. مائة حياة" الذي أقيم في البحرين عام 2001 لإحياء ذكرى الانتفاضة الفلسطينية، وكان عبارة عن عرض لأعز قطعة من مقتنيات أول مائة شهيد سقطوا في تلك الانتفاضة. من زار المعرضين، سيجد الفرق ماثلا. فرغم تقاطع الجروح، إلا أن شهداء هذا المعرض بحرينيون حفظنا أسماءهم وأشكالهم قبل قتلهم وبعده. الفرق كذلك أن أهالي الشهداء والمعتقلين هم سدنة المعروضات، هم من يستقبل الزوار، ويحيون الناس بابتسامات دافئة.  

لم تسع الصالة الصغيرة جراحات الوطن، 90 شهيدا حتى اليوم بين شاب وكهل وطفل وامرأة.  جمهور غفير يتزاحم في المكان كما تتزاحم صور الدم، والرؤوس المهشمة، والأجساد الممزقة برصاص الشوزن صارخة في كل ناحية.

أول ما يستقبلك صورة كبيرة للشهيد عبد الكريم فخراوي بضحكته وكأنه يحيي الجمهور، في سياق الترحيب أيضا ستقف زوجة فخراوي التي اعتنت بإحضار مقتنيات عزيزة على قلب الشهيد، وقد عرّفتهم بخط أنيق: زجاجة عطر، سجادة صلاة، كوفية وغيرها.

في الخلف كان هناك ركن الشهيد يوسف الموالي، تقف والدته بابتسامة وثبات منقطع النظير كما هو ثبات الشهيد في صورة له بإحرام الحج وقد أهدتها الناس في شكل أوسمة صغيرة تعلق في الثياب.

ولصغر المكان تختلط المعروضات مع بعضها، لا تلبث أن تتحرك من ركن الموالي، حتى يقع في يديك جواز سفر الشهيد علي الدمستاني، فتطرف العين على صورة الرضيعة ساجدة، تقف أمها بأدب جم، أمام مهدها وقد رقدت مكانها دمية مغمضة العينين، تحيط بها بهجة ألعاب الصغيرة الشهيدة التي لم تدركها لتلعب بها،  تجاورها على الحائط الآخر صورة جنين مشوه بفعل الغازات الحاقدة.

نساء يبدو من سيمائهن أنهن ربات بيوت، لا عهد لهن بالمجتمعات المختلطة، إلا أن المحنة والظرف القاسي أخرجهن من الأجواء المحافظة، فقبلوا بكل ود أدوارا أخرى. في هذا المعرض، كن يشرحن لكل زائر مناقب الشهداء ويستعرضن أغراضهم الخاصة.

في ركن الشهيد عبد الرسول الحجيري، عرضت أرملته أعز ما لديها وهي بطاقة دعوة زواجهما، كانت حديثة التاريخ، كما أهدت الزوار وشاحا طبعت عليه كلمة تعتز بها كثيرا، لأن الشهيد كان يرددها "آمنت أن الشهادة لا ينالها أناس عاديون" أما صغيرته فاطمة ققد بروزت كلمتها التي ألقتها بحرقة في عزاء والدها.  

حين تتجول في المعرض تنتابك دهشة إثر أخرى، ستقف أمام تلة من الكتب في ركن الشهيد المهندس علي المؤمن، وسيغلبك الفضول لقراءة عناوينها، كلها تقريبا عن تنمية الذات، إلا أنه يعتليها كتاب :الشهادة لـ علي شريعتي.

في حضور والد الشهيد زكريا العشيري، الذي يشبه ابنه كثيرا، ستتسمّر عيناك على نظارة التدوين التي ساهمت في نشاطه النضالي ثم أكرمته بالشهادة،  فيما أمين عام جمعية أمل المعتقل الشيخ محمد علي المحفوظ يطل من وراء القضبان ليؤازر الجميع ويشدُّ على الأيدي والقلوب بنص كُتب تحت صورته "جبال اليأس لا ترقى لمن قد قال يا الله".

زاوية أخرى خصصت للشهيد أحمد فرحان واكتظت بصور الرأس المفضوخ، وصورة بورتريه كبيرة، هي ذات الصورة التي زينت نعشه. يتحرك في المكان والده يُحيي الناس بحرارة تكاد تقترب من حفاوة يوم العيد. هناك أيضا شاب طويل، أسمر وسيم كثير الحركة، كان ذلك الشاب هو عبد المنعم حامل جثمان الشهيد فرحان. سيكون من الصعب التعرف على وجهه لمن لم يرى منه إلا ذلك الوجه الباكي.

في الركن الأيمن اصطفت رسومات الكاريكاتير اللاذعة للفنانين علي البزاز ومحمود حيدر وكذلك الفنان البرازيلي الشهير كارلوس لاتوف. وتتناثر هنا وهناك أيضا بعض رسومات المعتقلين.   

  &&qut2&&
احتضن المعرض عددا كبيرا من الشهداء، قال المنظمون إنه يصل إلى 32 شهيدا وكذلك بعض المعتقلين.  كان المعرض فرصة لمن فاته حضور عزاء الشهداء، كان الزوار يتعانقون، يتبادلون الدموع والصمود في آن  واحد، اتسم المشهد بالحميمية والتعاطف، وبان فيه التلاحم الشعبي البالغ والمؤثر.

يؤكد ذلك رأي الصحافية عصمت الموسوي: هذا المعرض جريء مع الموت، وهو أمر غير مألوف حيث يقف أهالي الشهداء بصبر وشجاعة وجلد عظيم وقد غادروا دموعهم وتعاملوا مع الفقيد الشهيد كحالة مختلفة تماما، هي أن هذا الموت له هدف سامٍ. أرى أن هذا الحراك هو امتداد للتسعينيات فالاستشهاد ليس بجديد عليهم، وقد راكموا هذا الحراك وبنوه حجرا فوق حجر حتى ارتفع جبلا عاليا لا يمكن تلافيه أو تجاوزه، هذا المعرض رائع فعلا وناجح بكل المقاييس.

أحد الزوار يعبر عن سعادته بأنه من خلال المعرض تعرف على الشهداء، وعلى مناقبهم، وهواياتهم من خلال مقتنياتهم التي كان من بينها ما حصلوا عليه بعضهم من كوؤس رياضية، كذلك صور طفولتهم في الألبومات، يؤكد الزائر أنه يشعر الآن بأنه قريب منهم كثيرا، ويعرفهم أكثر.

القيادي في جمعية أمل السيد محمد العلوي علق على الفعالية بعدة تغريدات على تويتر قال فيها إن المعرض فعالية صنعها الصدق وتحمّل القضية، ومن شأنها أن تحدث واقعا جديدا تنحني له هامة التاريخ تقديرا واحتراما. وأضاف "إنها فعالية رائدة وحراك نوعي من الخطأ جدا أن ينتهي بانتهاء ساعات المعرض" وأكد العلوي أن الفعالية تخاطب الفكر وتستنهض الوجدان وتحرك العقل نحو حراك ثوري حضاري من نوعية خاصة فريدة

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus