مقاومة الأسر الخليجية المالكة للديمقراطية
أنور الرشيد - 2012-06-04 - 7:38 ص
إلى متى تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي مُقاومة شعوبها المُطالبة بالديمقراطية؟
يستطيع أيُّ مُراقب أن يلحظ وبكل بساطة الحراك الاجتماعي السياسي لشعوب الخليج، التي تُطالب حكّامها بالديمقراطية الكاملة على امتداد الساحل الغربي لحوض الخليج العربي، في دولة الكويت حراكٌ اجتماعي شبابي كبير منذُ أكثر من خمس سنوات، وهو يطالب بإصلاحاتٍ ديمقراطية وسقط من أجل ذلك أكثر من ست حكومات وثلاثة مجالس برلمانية على الأقل، خلال تلك الفترة، نتيجةً للمُطالبة بتغيير المنهجية في إدارة الدولة.
ولا زال الحراك الاجتماعي السياسي الكويتي يتفاعل بشكلٍ مُستمر، ولا زالت محاولات الالتفاف على تلك المطالب بكلِّ السُبل المُمكنة، وإن كنتُ أرى بأنّ النجاح الذي تحقّق خلالَ تلكَ الفترة القليلة هو نجاحٌ باهر ومتطوّر، حيثُ كان يأخذ سنواتٍ وعقودًا طويلة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، فقد كان الحديث في الكويت -قبل الغزو العراقي- عن عودة الحياة البرلمانية من المُحرّمات، ولكن اليوم، بفضل المُطالبات المُستمرة، والنزول للشارع لتحقيق تلكَ المُطالبات، أصبح ممكناً لأوَّلِ مرّة بتاريخ الكويت السياسي أن يكون هناك رئيس وزراء سابق أعفي من منصبه، نتيجةً للمطالبات الشعبية. وقد وصلت المُطالبات بأن يكون رئيسَ وزراءٍ شعبي ليس من الأسرة الحاكمة، وأصبح هذا المطلب اليوم يأخذ مدىً أوسع، خصوصًا بعد انطلاق الربيع العربي.
ومن المُتَوقع أن يتحقّق هذا المطلب خلال سنواتٍ قليلة قادمة، رغم المُقاومة الشرسة التي تُواجِه هذا المطلب، فالدكتور شفيق الغبرا أُستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت يقول في إحدى محاضراته التي شارك بها في شهر مايو الماضي: بأن الأسرَ الحاكمة في دول الخليج ستتحول لأسرٍ مالكة في غضونِ الخمس عشرةَ سنةٍ القادمة، رغم أنَّ المُؤشّرات تُشير إلى أنَّ هذا التحوّل سيكونُ في فترة أقل مما توقعها الدكتور شفيق الغبرا.
وفي مملكة البحرين، التي هي من أكثر دول الخليج تأثُّرًا برياح الربيع العربي، والتي ركبت موجته مبكّرٍا فكادت أن تصل لما كان ولا زال الشعب الكويتي يطالب به -وهو رئيسُ وزراءٍ من الأغلبية البرلمانية- لولا التدخّل السعودي الصارم، حيثُ كانت مُبادرة ولي العهد تتضمّن التفاوض حولَ النقاط السبع التي طرحتها الجمعيات السياسية، ومن ضمنها رئيس وزراء من الأغلبية البرلمانية. صحيح أن القوة الأمنية سيطرت علي الموقف حتى الساعة، وأعادت الشعب البحريني لأجواء سبيعنيات وثمانينيات القرن الماضي، ولكنَّ استمرار المُطالبة، واستخدام الأدوات المُتاحة للوصول لهذا المطلب، بات بمُتناول يد المُعارضة اليوم أكثر ممّا كان بالسابق، خصوصًا مع الانفتاح التكنولوجي العالي، الذي أتاح فرصة التواصل وتبادل المعلومات، التي لم تعد حكرًا على السُلطة، التي فقدت هذه الميزة التي كانت تسيطر عليها بالسابق.
وفي دولة قطر أيضًا، رغم قلّة الحراك فيها، إلا أنّ الحراك يمكن رصده من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مع بعض التطمينات التي تخرج من المسؤولين بشأن أهمّية وجود برلمان ودستور. أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فهي أيضًا لم تعد بمنأىً عن المطالب المشروعة التي تُطالب بها كلُّ شعوب الأرض، ولأجل ذلك تمّ زج عدد من النشطاء من دولة الإمارات العربية بالسجون والمُحاكمات، خصوصًا بعد العريضة التي تقدَّم بها عدد من النشطاء، يطالبون فيها بالديمقراطية، وبرلمان حر وغيرها من المطالبات المشروعة.
وفي سلطنة عُمان جرى تحرّكٌ باهر، ما كان يُمكن أن يحدُث لولا شرارة البوعزيزي، التي انطلقت من تونس، وانتشرت في كافّة الدول، فميدان الكرة الأرضية في ولاية صَحَار شهِد مواجهاتٍ دامية بين قوّات الأمن وبين المتظاهرين، الذين طالبوا بمطالب لم تكن تختلف عما طالب به الكويتيون، والبحرينيون، والقطريون، والإماراتيون. و لازالت المطالب هي هي لم تتغيّر رغم المُعالجة الأمنية الشديدة، ففي الخامس والعشرين من مايو الماضي بدأ عمّال النفط في مُختلف القطاعات النفطية إضرابًا مفتوحًا مستمر حتى الآن، وتمَّ اعتقال عددٍ من النشطاء السياسيين والحقوقيين، ولا زال الكثيرُ منهم رهن الاعتقال.
أما في المملكة العربية السعودية، فالحراك مستمر، ويبدو للمراقب بأنَّ اللحظة لم تحن بعد لانطلاق المُطالبات الشعبية، ولكنَّ هذه المطالبات عبّر عنها عدد من المهتمين والساسة والكتاب في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ظهرت حركة الحادي عشر من مارس الماضي، التي دعت لتظاهُرة، لم يُكتب لها النجاح، ولكنَّ خالد محمد الجهني قد عبّر عن ضمير الشعب السعودي، عبر محطّة البي بي سي، على الهواء مباشرةً، واختصر مطالب الشعب بأكمله، ودفع ثمن ذلك، ولا زال مُحتجزًا. تواردت بعض الأخبار بأنّه سيُقدّم للمُحاكمة ولكنّها لم تحدث حتى الساعة. لذا طرحتُ التساؤل: إلى متى تستطيع الأُسر الحاكمة الخليجية مقاومة مطالب شعوبها؟ أنا أرى بأنّه رغم كل المنع، والاعتقال، واستخدام القبضة الأمنية، التي اتسمت بها ردة فعل كل الأسر الخليجية الحاكمة، فإنّها لن تستطيع الاستمرار بهذه المنهجية إلى ما لا نهاية ، صحيحٌ أنّ الوقت لا يُمكن أن يتكهن به أي مُراقب، ولكن المعطيات تشير إلى أنّ النتيجة الطبيعية لتطور الشعوب هي أن يتطور نظامها السياسي، والنظام السياسي في دول الخليج هو أنظمة حكم الأسر، وإن لم تتطور الأسر الحاكمة مع التطورات التي يفرضها الزمن، وتنظر لمتطلبات شعوبها التي تمتلك من المؤهّلات الكثير، فإن التاريخ يمكن أن يتجاوز كل من يقف أمامه.
اليوم أنظار المجتمع الدولي كلها متجهة إلى سوريا، واليمن، ومصر، وليبيا، وتونس، ولكن عندما تستقر هذه المجتمعات، فإنّه من المؤكد بأنّ العالم سوف يلتفت لدول الخليج في غضون عشر إلى خمس عشرة سنة، وهي الفترة التي تحتاجها المجتمعات العربية -التي قامت بها الثورات الشعبية وأطاحت بحكامها- لكي تستقر، فتوقّعات الدكتور شفيق الغبرا صحيحة، ولكنّي أتوقّع بأن تكون الفترة أقل من ذلك، وأستشهد بالعدد الكبير من الصرف المالي الذي يحدث في دول الخليج من مليارات، دون أن يكون لها أثرٌ على المجتمع، فكلّما زادت الضغوط الشعبية، ارتفعت وتيرة المشاريع المليارية التي تذهب لجيوب مُتنفذين، وهذا مؤشر يمكننا القياس عليه مطبقين المثل الكويتي الذي يقول: "خلنا نلحق على القسمة قبل ما تخلص".
*الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني
* ينشر بالتزامن مع موقع منتدى حوار الخليج
@gulfdf