مسيرة متشددي البحرين

2012-06-05 - 6:09 ص


فريدريك وهري، كارنيغي

ترجمة : مرآة البحرين

تضاعف الشخصيات المحافظة داخل الأسرة الحاكمة في البحرين جهودها لإخضاع  المعارضة. وهذا ظاهر وبوضوح في الاعتقالات الجديدة، والرقابة على الإعلام، والتحذيرات الموجهة إلى رجال الدين الشيعة، والتكتيكات الأكثر العدوانية المضادة للتظاهرات. ونتيجة لذلك، فإن المعارضة الرسمية السلمية والممثلة بالوفاق، الجمعية السياسية الشيعية، تخسر قاعدتها إلى حركة شباب 14 فبراير الأكثر تشدداً.

ومن ما زاد من تجرؤ المحافظين في النظام هو الاقتراح السعودي لتحويل دول مجلس التعاون الخليجي إلى ما يسمى اتحاد الخليج والذي  سينطوي على علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية أوثق. وفي حين أن الفكرة قوبلت بالتشكيك من قبل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي وأثارت الاحتجاجات الشيعية في البحرين ومختلف أنحاء الخليج، فإنها قوبلت بلهفة من قبل المحافظين في الأسرة الحاكمة في البحرين.

وفي هذا المناخ، فقد كان للقرار الأخير الذي اتخذته الولايات المتحدة لاستئناف مبيعات الأسلحة إلى البحرين، والذي يهدف إلى دعم الإصلاحي ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، نتائج معاكسة، فقد شجعت المتشددين في العائلة المالكة، الذين يرون حياة طبيعية جديدة في العلاقات الأمريكية - البحرينية. وقد حشرت عمليات نقل الأسلحة الوفاق في موقف دفاعي، وقد ترتب على ذلك انعطاف جديد نحو العداء لأميركا من شباب حركة 14 فبراير.

وكان الأثر الصافي لهذه التطورات المزيد من التدهور في الوسطية السياسية  في المملكة وتقلص احتمالات الحوار السلمي، على الرغم من أن الحكومة بذلت بعض التحركات لاسترضاء  مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. والآن يشارك الطرفان   في جولة مكثفة من نزع الشرعية المتبادلة.


حملة جديدة مع امتيازات رمزية
 منتشين بالانعقاد الناجح لسباق الفورميولا واحد في شهر نيسان/أبريل، اتخذ المتشددون عددا من الخطوات لتعزيز المزيد من السيطرة. فالكثير من القوى السياسية في المملكة تتواجد في الثلاثي المحافظ والذي يتألف من رئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، وزير الديوان الملكى خالد بن أحمد بن سلمان آل خليفة، والقائد العام لقوات دفاع البحرين خليفة بن أحمد آل خليفة، والأخيران هما شقيقان، من الخوالد الذين تتفرع من عائلة آل خليفة.

وقد رأى ولي العهد، الذي يعتبر العضو الأكثر انفتاحا في العائلة المالكة على فكرة الاستجابة لهذه الاضطرابات بالإصلاحات والحوار، نفوذه  يتراجع بشكل مطرد منذ منتصف عام 2011، والتي تجسدت في تفكيك العديد من مشاريعه الاقتصادية التي تهدف إلى تحرير السوق البحرينية. وأما الملك، الذي يعتبر إلى حد ما أكثر انفتاحا من المتشددين الحقيقين، قد تم التعتيم عليه دون الحصول على أي دعم من جانب المعارضة. ولقد صادق مؤخرا على تعديل دستوري والذي يتطلب منه أن يتشاور مع رؤساء البرلمان المنتخب ومجلس الشورى قبل حل الهيئة التشريعية، ولكن تم رفض هذا الإجراء بسرعة من جانب المعارضة لأنها لا تلبي مطالبها.

الفصيل المتشدد، الذي يسيطر على قوات الأمن، فضلا عن أدوات الرقابة، هو الآن صريح جدا في نيته لإسكات المعارضة. فلقد عين في أواخر نيسان/أبريل سميرة رجب، وهي الشخصية المستقطبة التي مدحت صدام حسين والتي أثارت تصريحاتها ضد  الشيعة غضب المعارضة، كوزيرة للإعلام. وفي وقت متزامن، ألقت القبض على الناشطة في مجال حقوق الإنسان زينب الخواجة للقيام بالتظاهر مطالبة بإطلاق سراح والدها، الناشط البارز عبد الهادي الخواجة، من السجن. ومنذ ذلك الحين حكم عليها بالسجن لمدة شهر. وفي 5 أيار/مايو، اعتقلت معارضا آخر ذا شعبية، وهو نبيل رجب، بسبب تغريداته على تويتر. وفي الآونة الأخيرة، في 27 أيار/مايو، حكمت على ستة مواطنين بحرينيين بعقوبات تصل إلى خمسة عشر عاما بتهمة التخطيط لهجمات في البحرين نيابة عن إيران.

وما زاد الطين بلة، تمرير البرلمان البحريني في 9 أيار/مايو للتشريع الذي زاد من عقوبة الاعتداء على قوات الأمن وإصدار عدد من التهديدات ضد رجل الدين الشيعي عيسى قاسم. وفي الآونة الأخيرة، جدد التلفزيون الحكومي الهجمات على  الصحيفة الوحيدة المستقلة في البحرين، صحيفة الوسط. وفي الشوارع، وفي الوقت نفسه، نوهت مصادر في المعارضة  للتكتيكات العدوانية المتزايدة من قبل قوات الأمن، مثل طلقات صيد الطيور والغاز المسيل للدموع الذي يتم إطلاقه من مسافة قريبة، والدخول قسرا إلى المنازل.

وبالتزامن مع هذه الحملة اتخذ النظام بعض الخطوات لإقناع المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان،  بأنه يقوم بخطوات إيجابية للحد من انتهاكات حقوق الإنسان. فتحسبا لنشر تقرير ناقد من قبل مجلس حقوق الإنسان، برأت محكمة ابتدائية في البحرين  14 متهما في 15 أيار/مايو بتهمة التجمع غير القانوني والشغب، بما في ذلك عضوا في مجلس شورى الوفاق. وبعد ذلك بأسبوع في 22 أيار /مايو، بدأت الحكومة (ولكن بعد ذلك تأخرت) إعادة محاكمة عبد الهادي الخواجة و 20 ناشطا آخر. وهذه كانت توصية رئيسية للجنة المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين، وهي الجهة التي أصدرت تقريرا ينتقد بشدة ردة فعل النظام لانتفاضة 2011.  وفي 28 أيار/مايو، افرجت عن الناشط نبيل رجب، وفي اليوم التالي أفرجت عن زينب الخواجة بكفالة مالية.

وافق مجلس الشورى البحريني أيضا على إدخال تعديل على قانون ضد نشر معلومات كاذبة، وإعادة صياغته لتحديد جريمة نشر المعلومات الكاذبة بأنها "متعمدة" مع "نية للتسبب بضرر". وفي الآونة الأخيرة، وافقت البحرين في "النظر في" توصيات الأمم المتحدة للإفراج عن السجناء السياسيين، وحظر التعذيب، والانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ولكن نظرا لميزان القوى الحالي داخل العائلة المالكة، فمن المشكوك فيه أن تنبيء هذه الإيماءات بإصلاحات هيكلية أعمق. وهي على الأرجح، حسب اتهامات المعارضة، إجراءات تكتيكية لسد الفجوة لإخراج النظام من دائرة ضوء التدقيق الدولي.


وحدة الخليج  وسخطها
 في الوقت نفسه عندما كان النظام يحاول إقناع الأمم المتحدة بعزمه على تحسين سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان، طالب بسياسة ضغط المراحل لإنجاز الاتحاد مع المملكة العربية السعودية. وكان الاتحاد ومنذ فترة طويلة صيحة استنفار للعديد من الشخصيات السنية في البحرين. فمنذ أوائل عام 2012 كانت هناك مظاهرات روتينية في مسجد الفاتح في المنامة لدعم الاتحاد.

 وتلقى الاتحاد بين المملكتين تأييدا رسميا مدهشا عندما أشار إليه مسؤولون سعوديون وبحرينيون على هامش اجتماع  دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض في 14 أيار/مايو. وقد تم التنويه بالدفاع المشترك، والمفترض ضد إيران،  كقوة دافعة رئيسية لمخطط الوحدة. ونظرا لأهمية التدريب الأمريكي وعمليات نقل الأسلحة إلى القوات المسلحة في الدولتين فإن الدوافع السياسية هي الأكثر احتمالا في العمل -  فالوحدة هي وسيلة آل سعود، العائلة المالكة السعودية الحاكمة، لدعم حلفائها المحافظين من عائلة آل خليفة.

وبغض النظر عن الدوافع، فإن إعلان اتحاد ممكن في مثل هكذا وقت حساس له تأثير استقطابي محلي وإقليمي. وكما هو متوقع، فقد حشد المخطط  دعما من السنة المؤيدين علنا للنظام البحريني. وكانت مجموعة شباب صحوة الفاتح وجاسم السعيدي السلفي والعضو في البرلمان، ورئيس تجمع الوحدة الوطنية عبد اللطيف محمود قد أعربوا جميعهم عن دعمهم عن طريق تويتر أو الفيسبوك.

 ومن الجانب الشيعي، نددت حركة شباب 14فبراير بالخطوة على أنها " اتحاد دول مجلس تعاون خليجي زائف." واحتجت الوفاق وعيسى القاسم بالقول إن اتخاذ أي قرار بشأن الاتحاد ينبغي أن يكون من خلال استفتاء شعبي، مشيرين إلى التصويت السابق لاستقلال البلد في عام 1971. وكانت هناك احتجاجات شيعية واسعة في البحرين وفي مختلف أنحاء الخليج ضد الاتحاد، أما في طهران، فقد أحيى المسؤولون الإيرانيون ادعاءهم الممتد في ملكية البحرين.


النتائج العكسية لعمليات نقل الأسلحة الأمريكية

منذ بداية الانتفاضة في البحرين في شباط/فبراير 2011،  تم الضغط  وبقوة على الولايات المتحدة  لوضع سياسة تشير إلى دعمها للإصلاحات دون خلق مزيد من الاحتكاك مع السعودية أو المساس بقواعدها العسكرية في البحرين.

 وفي الأسابيع الأخيرة، أوردت التقارير بأن الولايات المتحدة قد جددت عرضها لولي العهد للمساعدة في التوسط لإنهاء الصراع بين النظام الملكي والمعارضة، ولكنه قوبل بالرفض باعتبار أن ذلك مسألة داخلية بحتة. وتجري لقاءات المسار الثاني ذات المستوى المنخفض داخل البحرين ويواصل مسؤولون كبار في الولايات المتحدة حث نظرائهم البحرينيين على المضي قدما في الإصلاحات. وبالتزامن مع هذه التوجهات، خلصت الولايات المتحدة بأنه يمكنها استخدام استئناف عمليات نقل الأسلحة كشكل من أشكال النفوذ لإقناع السلطات البحرينية لمواصلة الإصلاحات.

وأعلنت وزارة الخارجية في 11 أيار/مايو استئناف مبيعات الأسلحة الأميركية إلى البحرين، بما في ذلك مروحية توربو  لطائرة F-16 المقاتلة وصواريخ جو – جو متطورة، وزوارق ميناء دورية، وفرقاطة. أما الهمفي والذخائر، والتي لم تندرج في البيع، كما أكدت وزارة الخارجية، التي تستخدم من قبل قوات وزارة الداخلية للسيطرة على الحشود مثل القنابل الغازية والقنابل الصوتية. وقد توقفت عمليات البيع في الخريف الماضي بموجب قرار في الكونغرس، وفي 24 أيار/مايو، وضعت لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ مزيدا من القيود على هذه البنود وقدمت مساعدات خارجية مشروطة  بإدخال تحسينات على حرية التعبير.
 فقد يكون حجب بنود السيطرة على الحشود محاولة للحد من الأضرار الرمزية لشرعية الولايات المتحدة بسبب حملة النظام. ولكن لم يكن لمثل هكذا قيود تأثير على الشارع.

وأشارت المعارضة البحرينية إلى أن النظام قد تحايل على القيود الأمريكية عن طريق شراء ذخائر أسلحة صغيرة من البرازيل والصين. والأهم من ذلك، فقد اشترى ناقلات جند مدرعة "كوبرا" تركية الصنع كبديل عن الهمفي ونشرهم في شوارع المنامة في الذكرى الأولى لانتفاضة 14 فبراير. ووفقا لعدد من الناشطين، فإن "كوبرا" هي واقعا أداة أكثر فعالية للسيطرة على الحشود من الهمفي لأن هيكلها الصغير يتيح لها أن تجتاز الشوارع الداخلية الضيقة في القرى الشيعية في البحرين.

ظاهريا، تهدف مبيعات الأسلحة أيضا إلى تأمين الدعم لولي العهد وهو الطرف المعتدل والمؤيد للإصلاح ضد المتشددين --فوزارة الخارجية الأميركية أعلنت الموافقة خلال زيارة قام بها ولي العهد إلى واشنطن. ولكن تم تجريد ولي العهد من الصلاحيات الهامة منذ التدخل السعودي في البحرين ومن غير المرجح أن يعيد الدعم الدبلوماسي من واشنطن تلك الصلاحيات. وعلاوة على ذلك، فقد فسر الفصيل المحافظ - الذي يضم قائد قوة دفاع البحرين – هذا النقل بأنه "فوز"، وأنه يشير إلى الحياة الطبيعية في العلاقات بين الولايات المتحدة والبحرين.


الوفاق تواجه الشارع
 بالنسبة للوفاق، فقد كان البيان ضربة مثبطة للهمم، مؤكدة أن واشنطن، على حد تعبير أحد الناشطين "تحمل جزرة كبيرة وعصا صغيرة" في تعاملها مع النظام. يقول ناشطوها بأن على الولايات المتحدة أن توقف كل التدريب والمساعدة للجيش البحريني حتى يتم اتخاذ الخطوات اللازمة لدمج أفراد الشيعة في قوات الأمن. وتعتقد أن نصائح القنوات الخلفية الخاصة من قبل مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية لنظرائهم البحرينيين لا تكفي، بحجة أن تحولات حقيقية في السياسة قد وقعت فقط عندما تم دعوة النظام علنا في خطابات على مستوى عال.

والأهم من ذلك، فقد أوصى الكثيرون في المعارضة ضد نقل الولايات المتحدة  لقواعدها، مثل مقر قيادة الأسطول الخامس، أو قواتها في قاعدة الشيخ عيسى الجوية، بحجة أن هذا من شأنه أن يزيد من تمكين المتشددين في النظام الذين يشككون في مصداقية واشنطن باعتبارها الراعي للأمن. والأسوأ من ذلك، فإنه يعزز الموقف لاتحاد مع المملكة العربية السعودية ويزيد من تقليص آفاق الإصلاح.

 والأهم، أن نقل الأسلحة الأخير قد وضع مزيدا من الضغوط على الوفاق من خلال تمكين الرافضين في المعارضة. وقد حرك البيع، متبوعا بحملة الاتحاد مع السعودية، منافسي الوفاق في الشوارع، وحركة شباب 14 فبراير، نحو اتخاذ موقف مناهض للولايات المتحدة أكثر عدوانية.

وأعلنت المجموعة " أسبوعا لمقاومة مبيعات الأسلحة الأميركية" على صفحتها على الفيسبوك، مزركشة برصاص الشوزن المليء بالدماء والمختومة بكلمة "U.S.A".  وقد تحولت  أيضا تكتيكاتها في الشوارع، بحيث تم الابتعاد عن قنابل المولوتوف والاتجاه نحو الأجهزة الخام الناسفة. فإذا ما استمرت الحملة الحالية وإذا ما تصورت واشنطن بأن تدعم ردة فعل النظام الأمني، فان صفوف الرافضين سوف تتضخم.

في أعقاب هذه التطورات، تظهر الوفاق محاصرة وضعيفة. محادثاتها مع النظام انتهت حسبما ورد فى أواخر آذار/مارس، متعثرة حول قضية مجلس الشورى المعين، الذي تؤكد الوفاق بأنه العقبة الرئيسية أمام الإصلاح الديمقراطي والذي يعتقد النظام أنه العازل الضروري لمكافحة ما سماه أحد المسؤولين  " البرلمان المنقسم والهش ". فالوفاق تسعى الآن لوساطة خارجية -- على الرغم من اعتراضات العائلة المالكة، فقد يكون السبيل الوحيد للخروج من المأزق الحالي.


31أيار /مايو 2012

رابط النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus