الطفل علي حسن متهم بسد الشوارع وحمل المولوتوف والتعدي على الشرطة، والتحقيق استمر معه 6 ساعات

2012-06-11 - 3:07 م



13 مايو 2012 قرابة الثالثة والنصف عصراً، في أزقة البلاد القديم، حيث يجتمع أطفال الحي بعد الظهر كل يوم للعب، ذاك السبت كان مختلفا.

ربما هو كذلك لطفلٍ واحدٍ على الأقل، علي حسن، الطفل الذي لم يتجاوز الحادية عشر بعد، والضئيل الجسم، بسيط الملامح، الذي حفظت وقع أقدامه شوارع البلاد القديم، وأزقتها، حين كان ما زال بإمكانه الجري فوق طرقاتها.

كان ذاك السبت مختلفاً، سبقته جمعةٌ قاسية، شهدت مواجهات حامية، بين العساكر وثوار القرية، امتد الصراع لساعاتٍ طويلة، وكالعادة أغلق الشباب منافذ المنطقة كلها، بكل ما تواجد من مواد، أخشاب، جذوع الأشجار، أكياس القمامة، قطع أثاث تخلى عنها أصحابها، الحجارة الكبيرة، وكل ما يمكن أن يعرقل وصول المركبات لحين اختباء المتظاهرين، انتهى المشهد، أغلقت القرية عينيها، وأصبح الناس على حالة فوضى، في ذلك السبت وعلى  غير العادة، لم يحضر عمال النظافة للملمة الآثار، التي اختلطت بين ما تركه أهل القرية وما خلفه العساكر بعد عملية قمع قاسية طالت الليل كله.

في ذاك النهار خرج علي مع رفاقه، لم يظن حين خرج للعب، أنه لن يعود أبداً، بدا مكان لعبهم ساحة حرب، أكثر ما كان يميزها أكياس القمامة السوداء الملقاة بشكلٍ فوضوي، أخذوا يلعبون غير مكترثين، مرت بالقرب منهم دورية شرطة، وجدوا الأطفال يلعبون بالقرب من القمامة، أمروهم بالوقوف، كانوا ثلاثة، هرب اثنان، وبقي علي جامداً في مكانه، كانوا يهددونه بإطلاق الشوزن إن هو ابتعد، اختار أن ينجو من طلقاتهم، فخبرة المنطقة في بطشهم تجبره على ذلك.

لم يرحموا ضآلة جسده، قاموا بليّ يديه للوراء، أوثقوهما بقيدٍ بلاستيكي، كان الأمر مؤلماً جدا لطفلٍ ما زال يلعب، تواصلت مرآة البحرين مع والدته التي ما زالت مصدومة من هذا التصعيد الغريب تجاه ابنها، وهذا الكم الهائل من التهم التي تلصق بطفل لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، تقول " لم أعلم عن اعتقاله إلا قرابة الخامسة عصراً، لم أعرف من أين أبدأ، اتصلت بعدد كبير من مراكز الشرطة، لم يجيبوني، وكثيرٌ منهم أنكر وجوده لديه، مركز النبيه صالح أيضاً أنكروا وجوده، رغم أنه هناك، لكنهم اعترفوا في الأخير، أخذ الضابط يماطلني، قال لي اتصلي بعد ساعة بالمركز، ثم طلب مني التأخر ساعةً أخرى، ثم أخرى، إلى أن قررت التوجه لهناك وبقيت حتى الواحدة فجراً، رغم كل التعب الذي كنت أعانيه لكوني حاملاً في الشهور الأخيرة.

رعب التحقيق بعد تجربة البحرينيين إبان فترة السلامة الوطنية، تجعل البالغ يخاف المرور في هذا الموقف، فكيف بطفل لم يختبر ذلك أبداً، ولم يعرف أبعد من مدرسته والحي، لكن ذاك كان قدر الطفل علي حسن، أن يبقى في التحقيق لأكثر من ست ساعاتٍ متواصلة، تكمل والدته: "استطعت أخذه معي ليومٍ واحدٍ فقط، بعد توقيع ورقة أتعهد بها على إعادته للمركز في صباح اليوم ذاته، خرجنا من مركز الشرطة، كنت خائفة جداً، فوالده غير متواجد بالبلد، وكان هو خائفاً أيضاً، لم أعرف ما يتوجب علي فعله، أخذته للمركز مرغمة، خفت أن يعتقلوه من مدرسته، أردت أن أجنبه مرارة الرعب عند مجيئهم".

تتابع والدة علي "أخذوه مني وتوجهوا به للنيابة العامة مباشرة، كان ما زال يرتدي ملابس المدرسة، أخبروني أنه سيعود معي، لكني تفاجأت بقرار التحفظ عليه لأسبوع على ذمة التحقيق! في كل أسبوع نتوجه للنيابة لحضور التجديد، فنتفاجأ بالتجديد له أسبوعاً آخر، إلى أن تقرر في المرة الأخيرة حبسه على ذمة القضية لخمسة وأربعين يوماً! يتعاملون مع ابني وكأنه خطر على الدولة، في كل تجديد تضاف له تهم أخرى"

في المرة الأولى كانت تهمته سد الشوارع، وفي الثانية أضيفت له تهمة حمل مولتوف وقطعة خشب بها مسامير، والثالثة التعدي على شرطي والهرب من الشرطة مرتين، وفي المرة الأخيرة كانت تهمته التجمهر، مع العلم أنهم عند الاعتقال كانوا ثلاثة اطفال، هو واثنين من أصدقائه، هربا وتم اعتقاله بعد التهديد بالشوزن!!، تكمل الأم بلوعة "أريدهم أن يتفكروا قليلاً، الدمار الذي حدث بالقرية بعد المواجهات بقي لليوم الثاني نتيجة عدم تنظيف عمال النظافة، والأطفال اعتادوا اللعب في هذا الموقع هم لم يقوموا بسد الشوارع بالقمامة، ولم تكن هناك أي فعالية بالمنطقة، ابني علي طفل اجتماعي ومحبوب من الجميع، هو حركي نظراً لطبيعة سنه، لكنه ليس عنيفاً أو خطيراً أو مؤذياً، أرجو أن لا يقسوا عليه أكثر من ذلك"

أما محاميته الأستاذة شهزلان خميس فتقول "الأمر لا يعدو كونه عبث أطفال، منذ لقائي به كان يكرر (محد اعتدى علي، محد ضربني) دون أن يسأله أحد عن ذلك، وهذا الأمر قد يشير لتهديده من قبل قوات الأمن بعدم ذكر أي اعتداء تعرض له أثناء عملية اعتقاله او بعدها، كما أن بإفادته ذكر لعملية إغلاق الشارع بالحاويات، وقد قال علي أمام النيابة إنهم أغلقوا الشارع بالحاويات ثلاث مرات لكن رغم ذلك استطاعت السيارات العبور دون أي أذى علماً بأن المنطقة لا تحوي حاويات للقمامة منذ عدة أشهر، كما هو حال معظم القرى التي تشهد احتجاجات يومية، وهذا ما يؤكد أن افادته غير صادقة لأنها تتضمن ظروف وتفاصيل ليست متواجدة واقعاً".

تتابع المحامية "كما تفاجأنا أيضاً أن إفادة الطفل المعتقل لا تتناسب مع عمره، حيث تتضمن الإفادة اعتراف بإغلاق الشوارع برفقة فلان ورقمه السكاني، وفلان ورقمه السكاني، كما ذكر حسبما هو مدون في الافادة أن شخصاً بالمنطقة نتحفظ على ذكر اسمه حالياً هو من يدفع لهم مبالغ مالية ليقوموا بإغلاق الشوارع وهو من يحضر لهم المولتوف، وهذه تعتبر إفادة شخص بالغ وليس طفل لم يتجاوز الحادية عشر، من وجهة نظري أن الطفل بصم ووقع على الإفادة بنية الترغيب حيث وعدوه بإطلاق سراحه وهو الأمر الذي استمر الطفل بترديده في النيابة"

واعتبرت المحامية خميس الطفل علي حسن أصغر سجين سياسي، وقالت إن تهمته سياسية بالكامل، وتساءلت "هل الطفل عنده قصد جنائي؟ هل يعي أساساً معنى القصد الجنائي؟ هذا ما أستطيع نفيه تماماً" وفيما يتعلق بتوقعات بعض المحامين بالإفراج عن الطفل المعتقل بعد صدور تقرير الباحثة الاجتماعية قالت محاميته "لا أعتقد أن التقرير هو الذي سيخرجه، لكن ربما يؤثر الضغط الدولي الذي أحدثه طرح القضية إعلامياً من تغيير المسار الذي تتبعه النيابة الآن في تعاملها مع هذا الطفل، بلا شك أتمنى أن يفرج عنه اليوم في جلسة التجديد أو ربما يتم الحكم عليه بالحبس شهر والاكتفاء بالمدة التي قضاها على ذمة القضية".

علي حسن، طفل كباقي الأطفال، لا يفقه من السياسة شيئاً حتى الآن، ولا يرى من وجه الثورة سوى أطراف قريته وهي تشتعل ليلاً أما بنيران الثوار أو طلقات العساكر، لكنه يبقى متمسكاً بهواياته الجميلة حتى حين، الكرة والكمبيوتر والبلاي ستيشن، ببساطة لأنه ما زال طفلاً لا يتقن فن اللعب بالنار كما يدعون.

 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus