التعليق السياسي: متوحّدون خلف الزّجاجة النفطيّة

العائلة البحرينيّة الحاكمة تبدو موحّدة مع الإعلان عن اكتشاف حقل كبير للنفط الصخريّ في المياه المغمورة للمملكة
العائلة البحرينيّة الحاكمة تبدو موحّدة مع الإعلان عن اكتشاف حقل كبير للنفط الصخريّ في المياه المغمورة للمملكة

2018-04-04 - 9:30 م

مرآة البحرين (خاص): أعاد الكشْف النفطيّ، على نحوٍ شكسبيريّ، تجميع أفخاذ العائلة البحرينيّة الحاكمة الّتي كانت حتى الأسبوع الماضيّ تتراشق بواسطة عيالها وأذرعها الصّغيرة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ. وقَفَ وليّ العهد سلمان بن حمد آل خليفة ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة ونجل المشير وزير النفط محمد بن خليفة آل خليفة، أمام عيّنة النفط الصخريّ الدّاكنة، وافترّت وجوههم لعدسات الكاميرات بابتسامة صفراء غامضة توحي بالأمل وضدّه.

الحرسُ القديم إذن جوار الحرس الجديد مرّة ثانية. وما عُرف بفخذ الصقور جوار فخذ الحمائم، كتفاً إلى كتف. الجميع مُوحّدون أمام الزّجاجة النفطيّة المغروزة في منصّة العرض ذات الشّاش الأحمر القاني.

على عكس ما يحصل عادةً عندما تحين ساعةُ قطاف الغنائم. فهذه عائلة تتوحّد في أيّام الازدهار الموشكة على ما يبدو، وتقتتل في أيّام الكساد حين لا يعود ثمّة ما تتقاتلُ عليه. هل هي قاعدة؟ ليس بعد.

الحقيقة أنّ استجاباتِ البشر تختلف أمام إغراء المُلْك وسَطَيَان الثروة. فما يبدو وِحدةً في حال عائلةٍ من العوائل قد يكون فرقةً في حال أخرى. لكنّ الأكيد أنّ وضعاً جديداً مثل اكتشاف مورد طبيعيّ للطّاقة ينبيء بوفورات ماليّة مستقبليّة، وضعاً كهذا كفيلٌ بإعادة رسم المواقف والاصطفافات؛ بل وحتّى تليين الرؤوس العنيدة. فـ"الخير جاينا" على ما عبّر وزير النفط في لقائه مع أعضاء غرفتيّ الشورى والنوّاب وهو يزفّ لهم البشرى السارّة.

في مسرحيّة "الملك ليير" لشكسبير يقوم الملك بجمع بناته الثلاث ليخبرهن بقراره تقسيم المملكة عليهن والتّنازل لهن عن العرش. لكن قبل ذلك يطلب منهن أن يصدقْنه القول في التعبير عن حبّهن له. تجيد اثنتان منهن النفاق وتدبيج الكلام المعسول الكاذب فيرقص لهما قلبه. على أنه يحب البنت الثّالثه الصّغرى "كورديليا" أكثر منهما. إلا أنّ هذه الأخيرة لا تجيد مثلهما التملّق ورصْف الكلمات الخدّاعة. مما يجعله يقسّم مملكته على اثنتين من بناته فقط. أمّا البنت الثالثة فيقوم بطردها من المملكة.

ثمّ لا يلبث أن يدفع ثمن هذا القرار. إذ تقوم ابنتاه الكبريان "جنريل" و"ريجان" بطرده هو نفسه من المملكة. عندها تقرر "كورديليا" أن تساعد أباها لكن بلا فائدة. إذ تنتصر أختاها عليها وينتهي بها الحالُ أسيرةً في السجن.

أدرك الملك "ليير" الآن مدى حبّ ابنته الصُّغرى له. وأنّ ما سمعه من ابنتيه الكبريَيْن في السّابق لم يكن سوى وصْلة تملّق من أجل الحصول على العرش. ولكنّ الوقت قد فات الآن. لقد ندم ندماً شديداً.

إنها قصّة رائعة تجيد وصْف سلوك النفس البشريّة أمام إغراءات السلطة والثروة. يُعيد الأبناء تشكيل مواقعهم واصطفافاتهم في ضوء المصالح الجديدة. لكنّ ذلك لا يكشف بالضّرورة عن حالة مُثْلى. إذ سرعان ما يُسفر استقرارهم في مواقعهم الجديدة واستتباب الأمور لهم عن تناقضات أخرى فتتفجّر المشاكل. الأمر يشبه ذلك المثل الذي يتحدث عن رجل وصل الماء إلى ذقنه وما زال يشعر بالظمأ. "بالنسبة إلى الجشع، فالطّبيعة بأكملها لا تكفي".

بعثت العائلة البحرينيّة الحاكمة رسالة إلى الشّعب بأنّ صراع الأجنحة والخلافات الّتي يتمّ الحديث عنها في شوارع "تويتر" ليست سوى بنات أوهام في أذهانِ بائعيها وشاريها. ها نحن ذا متوحّدون مع هذا الرّجل العجوز الآفل في هذه اللحظة السحريّة على الأقلّ، وخلفنا الزّجاجة النفطيّة. يبدو فرِحاً جدّاً وباسماً بغزارة، الغبيُّ المسكين لم يسمعْ بعدُ عن "الملك ليير"!


 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus