التعليق السياسي: ما شرف الله سوى كلمة

2018-04-30 - 4:56 ص

مرآة البحرين (خاص): الضجة التي تزداد ارتفاعاً حول بيان العلماء المُثمن لخطوة إلغاء أحكام الإعدام، نموذج لما تفعله الكلمة في الوسط العام. يمكننا أن نستعيد صوت الفنان الكبير نور الشريف وهو يقرأ مقطعاً عن شرف الكلمة من مسرحية المبدع المصري عبدالرحمن شرقاوي "الحسين ثائراً شهيداً" التي تتناول قضية الإمام الحسين (ع).

تعرض المسرحية الشعرية حواراً جرى بين الإمام الحسين (ع) وحاكم المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان:
"الوليد : نحن لا نطلب إلا كلمة
فلتقل : " بايعت " واذهب بسلام لجموع الفقراء
فلتقلها وانصرف يا بن رسول الله حقنا للدماء
فلتقلها.. آه ما أيسرها.. إن هي إلا كلمة
الحسين : ( منتقضا ) كبرت كلمة!
وهل البيعة إلا كلمة ؟
ما دين المرء سوى كلمة
ما شرف الرجل سوى كلمة
ما شرف الله سوى كلمة
ابن مروان : ( بغلظة ) فقل الكلمة واذهب عنا
الحسين : أتعرف ما معنى الكلمة"


كلمة السر تكمن في هذه (الكلمة)، خطاب العلماء الذي صدر، مُؤسس على هذه الكلمة الذي حمل الإمام الحسين أمانتها وشرفها وقدم دماءه من أجل صونها، لو تسقط منهم هذه الكلمة، فإنهم يخسرون شرف الله الذي به يتكلمون، وشرف الرجولة الذي به يتحملون المسؤولية.

أرادت منهم السلطة كلمة، ليس سوى كلمة واحدة، كلمة تليق بـ (جلالته) تخاطبه صاحب جلالة لا جلاداً، كلمة تقول إن الأربعة آلاف سجين وما يزيدون، لم يكونوا أصحاب كلمة، كلمة في وجه سلطان جائر بل أصحاب آثام وجرائم وإرهاب.

لقد قامت صحافة الملك بحملة مبنية على الفجور في الخصومة، منتهكة أعراف الفضاء العام وآدابه، فوصفت بيان العلماء المكون من ست وستين كلمة موزونة بتعبير"بيانكم العاطل". نعم، إنه عاطل من الذلة والتزلف والإقرار بالعبودية، وتبجيل الجلالة على شاكلة "مجلس الشورى يعبّر عن إجلاله وإكباره للخطوة الملكية السامية بتخفيف عقوبة الإعدام".

أراده العلماء بيانا على مقاس شرف الكلمة، وأراده الملك بيانا على مقاس البيعة والتأييد، فكان لسان حاله يقول: كيف تجرأوا أن يكتبوا خطاباً لا تتأسس بدايته على كلمة (جلالة الملك)؟ كيف لهم أن يتحدثوا عن وطن لا مالك له؟ كيف ألغوا صاحب أمر إلغاء أحكام الإعدام؟ كيف لم يقدموا لي الكلمة التي أريد؟ كيف يدعون "إلى وطن المحبة والتسامح، وإلى وطن العدل والازدهار" من دون أن يقدموا في دعائهم اسمي وجلالتي وظلي وعظمتي؟

إنه خطاب المُلك العضوض الذي تأسس عليه استبداد الخلافة ما بعد الراشدة، لمواجهة خطاب شرف الكلمة.