ثورة البحرين : ’سنحصل على بعض المتعة، قبل أن تخبرنا بكل شيء’

2012-06-30 - 4:59 م


تاين دانكيرز، هاف بوست ورلد
ترجمة: مرآة البحرين

في شباط/فبراير 2011، خرج عشرات الآلاف من البحرينيين إلى الشوارع للاحتجاج ضد عائلة آل خليفة الحاكمة في هذا البلد الصغير. عسكر المحتجون في دوار اللؤلؤة في العاصمة لمدة شهر، حتى وضعت قوات الأمن بعنف حدا للاحتجاجات. ألقي القبض على المتظاهرين، واضهطد النشطاء، وأرهب الأطباء الذين كانوا يساعدون الجرحى. سافرت الصحفية البلجيكية تاين دانكيرز إلى هذه الدولة الخليجية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. وقد نشرت صحيفة هفبوست ورلد  شهادات بعض البحرينيين الذين قابلتهم.

التقيت بعبد الله فاضلين (اسم خيالي) في قرية بحرينية. وكان قد اعتقل من 24 نيسان/أبريل 2011 حتى 3  تموز/يوليو، 2011  ويقول إنه تعرض للتعذيب مرات عديدة. وقد نشر فاضلين شهادته سابقا على الإنترنت، ولكنه وافق على مشاركة قصته المروعة شخصيا. بعد الانتهاء، قالت لي مترجمتنا، الناشطة في حقوق الإنسان زينب الخواجة، إنها لم تترجم كل شيء.  فبعض الأجزاء كانت مهينة جدا له لتكرارها في حضورنا.

وكان فاضلين قد اصطدم مع النظام من قبل. حيث كان عضوا في حق، وهي ائتلاف من أحزاب المعارضة  تأسست  عام 2005. وقد تم القبض عل فاضلين للمرة الأولى في عام 2006، عندما اتهمته السلطات بالانتماء إلى مجموعة من المتمردين المتطرفين.

وفي وقت لاحق، زعموا أيضا بانه تم القبض على فاضلين وهو يحمل زجاجة حارقة، ولكنه كان في السجن في التاريخ الذي ادعى فيه المدعي العام الهجوم الذي وقع. وألقي القبض على فاضلين مرة أخرى في عام 2007. وهذه المرة، تم اتهامه بالمشاركة في هجوم له دوافع سياسية. أمضى سنة ونصف السنة في السجن، ولكن أفرج عنه عندما منح الملك عفواً عاماً عن السجناء السياسيين. وبعد ذلك اندلع الربيع العربي.

ويوضح فاضلين: "أنا ناشط، وبالطبع كنت في دوار اللؤلؤة عندما بدأ كل هذا". وأضاف  :"بعد 14 شباط/فبراير، اليوم الذي بدأت فيه ثورة البحرين، أظهر التلفزيون صورا لي وأنا في دوار اللؤلؤة، وصوراً لي وأنا أحرق صورة الملك.ولكن لم يحدث شيء ".

"وفي آذار/مارس، بعد أيام قليلة من مسح الجيش السعودي دوار اللؤلؤة من على الخريطة، طلب مني ابن عمي، وهو ناشط سياسي رفيع المستوى، لمساعدته في العثور على مكان للاختباء.  لم أرفض، ومن الشهر التالي كنا نذهب للاختباء من مكان إلى آخر ".

ويذكر فاضلين :"وبعد ذلك  قامت قوات الأمن - الجيش والمخابرات - بمهاجمة منزل عائلتي. وتعرض شقيقي للضرب، وتم تدمير الأثاث المنزلي وضرب حتى جدتي. وكان منزل عمي والمكتب الذي يعمل فيه الهدف التالي. وحتى الغرفة التي تعلوها حيث يسكنها الرجال الفلبينيون لم تسلم من التخريب. وعندما وجدوا شقيقتة زوجتي 16 عاما أخذوها إلى غرفة، وحبسوا بقية أفراد الأسرة  في غرفة آخرى. حيث تعرضت للضرب والترهيب جنسيا. وكانوا يقولون انهم يريدون اغتصابها، إن لم يجدونني. عندها كشفت أم زوجتي عن مكان وجودي".

ويقول: " اقتحموا مكان اختبائنا، ولكن ابن عمي لم يكن هناك". وأضاف "لقد صدموني بالكهرباء وأنا داخل المنزل، لأنني لم أخبرهم عن مكانه.  كبلوا يدي وأخذوني معهم في سيارة عسكرية. وأثناء الطريق فركوا جسمي بجل وملح للكدمات. ثم ضربوني بقسوة على رقبتي ومفاصلي".

ويضيف فاضلين قائلا: "توقفنا في مكان مفتوح وبعيد. قادوني خارج السيارة، وكان هناك ما لا يقل عن 20 سيارة. كانت هناك قوات خاصة، جميعهم يرتدون الأسود، مع بنادق هجومية.  قال ضابط : "تلقينا أوامر لقتلك ". وأضاف "إذا لم تعطِنا المعلومات التي نريد، فإننا سنقتلك ببطء شديد. ولكن قبل أن تخبرنا بكل شيء، سنحصل على بعض المتعة ". "وبدأوا في ضربي وسؤالي عن ابن عمي مرة أخرى. وقالوا :" سنمزقك إلى أربع". ثم أوثقوا ذراعي وساقي إلى اثنتين من سيارات الجيب اللتين دفعتا ببطء في اتجاهين معاكسين. وأضافوا: "إن لم تقل أي شيء، فسنأتي بزينب ( أخت فاضلين ) إلى هنا، ونخلع ملابسها ونغتصبها على الفور، وأمام عينيك".  توقفوا في الوقت المناسب، ولكن تم خلع ذراعي. وتم نقلي إلى مستشفى عسكري، وقد حصلت على دعامة للعنق وتمت رعاية جروحي".

السجن العسكري

 ويقول فاضلين: "على الرغم من إصابتي تم نقلي إلى مركز الاعتقال العسكري، حيث أجربت أن أبقى مستيقظا لمدة ثلاثة أيام. وقد حصلت على زنزانة بحجم الفراش الذي في داخلها، مع عدم وجود نوافذ ولا ضوء، ولا تكييف. بقيت في تلك الغرفة لمدة 14 يوما".

ويقول :" تم استجوابي في كل وقت: عن قادة سياسيين، وعن أماكن اختبائهم. عذبوني. وظلوا يسألونني، ولكنني لم أكن أعرف شيئا".

ويتابع: "في صباح أحد الأيام جاء ستة رجال ليأخذوني، قالوا لي: "لم تعد في أيدينا، ولكن في السجون السعودية.  لقد حصلت على عقوبة الإعدام في السعودية". أعطوني مصحفا شريفا لأهيأ نفسي للموت. عصبوا عيني مرة أخرى، وأخذوني إلى مكان. كان الناس يتحدثون معي بلهجة سعودي لا تدعو للشك. لعبوا بعض الأدوار حول كيفية  قتلي: "بسكين أو بندقية"، "سنقوم بقطع رأسه، وبعد وضع مسدس في فمي - كنت أعتقد حقا بأنني سأموت -. ولكنهم أعادوني إلى السجن الجحيم.

ويقول الناشط : "لقد كان الجحيم. كان الناس طوال اليوم يبصقون علي، حتى أنهم كانوا يبصقون في الماء الذي أشربه.  وأعطوني وعاء مليئاً بالبول".

"أجبرت على الوقوف على ساق واحدة وعلى ترديد النشيد الوطني باللغتين الهندية والإيطالية. وقد أعطوني وزملائي السجناء صورة رئيس الوزراء، والتي كان علينا تقبيلها لمدة ساعة على الأقل يوميا. الحراس يراقبونني كان علي الاقتراب جنسيا من صورة أحد أفراد أسرتي. وعندما رفضت، بدأوا بمضايقتي جنسيا ".

"وفي يوم آخر جاء أحدهم ليأخذني. قال لي إنهم سيحرقونني بالماء الساخن، وبنفس الطريقة التي أحرقت فيها صورة الملك. سمعت غليان الماء. دفعوني نحوه، ولكنها لم تكن ساخنة بقدر ما كنت أتوقع. ولكنه كان كافيا لحرق جلدي. وعندما بدأت عضلات بالانقباض أخرجوني".

"وكان من الواضح أن الحراس كانوا يركزون على معتقداتنا الشيعية  ظلوا  يكررون في كلامهم وصياحهم. أننا 'الشيعة القذرون". وقد ملؤوا أرض الحمامات بصور شيوخ الشيعة.التي كان علينا أن ندوسها".

الانتقال

يقول فاضلين أنه تم نقله إلى مركز الشرطة بعد ذلك بأسبوعين. "وفي الوقت نفسه انهالوا علينا ضرباً في السيارة. كان الأمر أسوأ حتى من السجن العسكري، حيث كانوا على الأقل يراعون أساليب العنف، كيف يضربونك، على سبيل المثال. وجاءنا التحذير، هذه ليست سوى البداية".

"كانت هناك خمس زنزانات، تصلح لستة أشخاص، وأعتقد انه كان هناك نحو 60 سجينا. وأنت احسبها رياضيا. حذرني زملائي في الزنزانة، قالوا لي أن علي الحذر من الحارس الذي يعمل في الصباح. إنه مليء بالكراهية. انه لا يعرف الرحمة".

"كان كل يوم يبدأ  بالاستجواب، وجلسة صباحية من التعذيب من قبل ذلك الحارس. كان يأخذ كل السجناء الجدد، ويضعهم في طابور ويبدأ القيام بجولاته. يضربنا  ويظل يضربنا  بسلك حتى نسقط أرضا. وهذا كان دأبه كل صباح. بعد ذلك كان علينا  تنظيف المكان".

"كان يجبرنا  على الزحف على الأرض، من دون استخدام أيدينا أو اقدامنا. كان يضع كوباً من الماء على ظهورنا، وإذا أرقنا أيا منه، كان يستخدم ذلك السلك. كان أحيانا يخرجنا إلى الشمس، حيث كان علينا الزحف على الأرض. ويتم إجبارنا على القول بأن زعماء الشيعة "كلاب".  وعندما نستحم، كان يرمي ماء المرحاض علينا".

وأضاف: "نحن شباب، ولكن كان هناك أيضا رجل عمره 64 سنة. كان هناك معلمون، ورياضيون، ومديرون ومهندسون من شركة ألبا للألمنيوم  [وفقا لاتحاد النقابات البحرينية، فقد فصلت شركة الألمنيوم الحكومية هذه  410 موظفين في آذار/مارس 2011 لمشاركتهم أو تأييدهم للمظاهرات المؤيدة للديمقراطية] ".

"هكذا كانت الفترة الصباحية. ولاحقا استولى على المكان شرطة الشغب. كان لديهم الغرفة هذه: الغرفة المظلمة. كانوا يضعون كل واحد منا في زاوية من زوايا هذه الغرفة المظلمة. بعد ذلك يبدؤون بضربنا بالأسلاك حتى تعتقد بأننا سنسقط قتلى. في بعض الأحيان لا يضربوك، ولكن تسمع أنفاس أحد الاشخاص وهي تخمد شيئا فشيئا فوهم مستمرون بضربه ".

ويقول :"تم نقلنا إلى مركز شرطة آخر. فوقنا كانت هناك سجينات. كنا نسمع صراخ النسوة طوال اليوم، والذي كان يحطمنا كرجال".

" وفي بعض الأحيان كانت شرطة الشغب تقتحم الزنزانات، كما لو كانوا في حرب. وفي يوم من الأيام جاؤوا وصاحوا : "من هو زوج أسماء؟" تقدم أحدنا ونقل على الفور للتعذيب. سمعناه يصرخ، جنبا إلى جنب مع زوجته ".

ليس فقط جسديا، ولكن بالطبع نفسيا ، كنا في جحيم. رأيت أحد السجناء وقد تغير تماما. فقد ذاكرته. كان قد أصيب بطلقة في الرقبة. وفي يوم ما ضربوه بقسوة حتى فقد أسنانه. شاهدته وهو باهت اللون يتقيأ نوعاً من الهلام الأسود. ثم أخذوه معهم. ما زال على قيد الحياة وخرج من السجن. رأيته منذ وقت قريب، من مسافة بعيدة. ليس لدي أي فكرة عن حالته النفسية الحالية".

" وتوقف التعذيب عندما نقلنا إلى سجن آخر في مركز النعيم في أيار/مايو. تعرضت للضرب فقط في أول ليلة. ولكن ما رأيناه عندما وصلنا، كان خارج هذا العالم. كانت قد وصلت مجموعة أخرى من السجناء، وكانوا جرحى من مستشفى السلمانية. لم يتلقوا الرعاية الطبية. كانوا أشخاصا مصابين بأعيرة نارية في أرجلهم ورؤوسهم وصدورهم، وأربعة منهم فقدوا أعينهم. والبعض كان لديهم كسور كثيرة بحيث لا يستطيع المشي. كان علينا حملهم بالأكياس إلى زنازينهم".

"فقط في حزيران/يونيو، عندما تم رفع قانون الطوارئ، حصل هؤلاء الناس على علاج طبي شامل. قبل ذلك كان علينا القيام بذلك  بالماء البارد والحار،  وبالعصي والعكازات. ولحسن الحظ كان هناك أيضا بعض الأطباء من مستشفى السلمانية بين السجناء. ولو لم يكونوا هناك، لكنا فقدنا بعض الجرحى".

أطلق سراح عبد الله فاضلين في 3 حزيران/يونيو 2011. وبعض التهم التي كانت موجهة إليه هي: إهانة الملك، نشر الكراهية والتجمع غير القانوني. وينبغي أن تظهر قضيته أمام المحكمة في 22  تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ولكن تم تأجيلها إلى موعد لاحق في عام 2012. وسئل فاضلين ما الذي يجعله يستمر نفسيا، أجاب فاضلين "قوة الانتصار. في يوم من الأيام سوف يركع النظام. وأنا أتشاطر هذا الاعتقاد مع العديد من البحرينيين. تعافى فاضلين، في الثلاثينات من عمره،   من جروحه بعد إطلاق سراحه. إلا أنه، يتحمل ألما مستمرا ومزعجا في بعض مفاصله وأعصابه.

21 يونيو/حزيران2012
رابط النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus