مدير سابق في ’سي آي إيه’: واشنطن تتغاضى عن تصرفات المنامة غير الديمقراطية

2012-07-01 - 1:18 م


إميل نخلة - آي بي إس: لا تزال البحرين دولة قمعية تنتهك الحقوق المدنية يوميا. وكانت البحرين قد احتفلت باستقلالها كدولة ديمقراطية واعدة قبل واحد وأربعين عاماً. وسوف يشهد ديسمبر/ كانون الثاني القادم احتفالها بعيد استقلالها الثاني والأربعين وهي تمارس القمع والاستبداد المذمومين. وللأسف، ما زالت واشنطن تتغاضى عن تصرفات المنامة غير الديمقراطية.

ويوضح التقرير الصادر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان في 18 يونيو/ حزيران حجم الإعتقالات الجماعية، واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين والمتظاهرين - بمن فيهم الأطفال - والتعذيب والمحاكمات في المحاكم العسكرية.

وهكذا يبدو أن البلاد تتجه نحو عدم الاستقرار، والطائفية، والإرهاب المحتمل في ظل قيادة رئيس الوزراء الشيخ خليفة.

وبالرغم من هذه السياسات، فتعتبر مطالب الإصلاحيين البحرينيين، من السنة والشيعة على حد سواء، قابلة للتحقيق. ويرى معظم المحللين أن هذه المطالب تعيد البلاد إلى دستور 1973، وإلى هيئة تشريعية وطنية منتخبة انتخاباً حراً، وإلى قضاء مدني المستقل، وحكومة شفافة كعمود فقري للحكم الرشيد والديمقراطية. لكن رئيس الوزراء غير مهتم حتى الآن بإجراء حوار مع نشطاء المعارضة.

هذا ولقد أشارت استطلاعات الرأي العام إلى أن غالبية البحرينيين وغيرهم من العرب يدعمون هذه المبادئ ويأملون أن تحث الولايات المتحدة الحكومات العربية على تنفيذها.

فخلال خدمتي الحكومية أطلعت كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جورج بوش على هذه النقاط والآثار المترتبة عليها في المدى الطويل.

لقد تلاشى بصيص الأمل بالإصلاح الديمقراطي في البحرين في تلك السنوات. وتستمر علاقات البحرين مع الولايات المتحدة ودية للغاية. فالأسطول الخامس يواصل العمل من ميناء سلمان، مما يعطي خليفة وحزبه المتشدد الإنطباع الخاطئ بأن أمريكا تساند البحرين بالرغم من سياساتها القمعية.

هذا ولقد جرى تبني مطالب الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي، عندما عقدت أول انتخابات حرة ونزيهة للجمعية التأسيسية.
والآن تدعو المعرضة – من السنة والشيعة- إلى الديمقراطية تحت مظلة الأسرة الحاكمة. وإعترض رئيس الوزراء بشدة (آنذاك والآن) على أية إصلاحات ذات معنى، واتهم المعارضة بالخيانة والتحريض على الفتنة.

وكانت البحرين قد عاشت تجربة ديمقراطية قصيرة الأجل بعد الإستقلال مباشرة في فترة 1972-1975 تحت قيادة الشيخ سلمان بن عيسى آل خليفة، والد الملك وشقيق رئيس مجلس الوزراء، وهو الذي لم يبال بمعارضة أخيه للإصلاح السياسي، وأصر على أن المحسوبية والديمقراطية يتعارضان.

وإنتهت فسحة الديمقراطية بالبحرين في عام 1975 بحل الجمعية الوطنية وتعليق الدستور.

ثم حكم خليفة بمرسوم، واجتاح الخوف البلاد التي وقعت في قبضة انتهاكات حقوق الإنسان. وأصبح رئيس مجلس الوزراء، بدعم من المتشددين السنة، هو صانع القرار الرئيسي.

وكان الشيعة (ومازالوا) مستبعدين من الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بما في ذلك في المناصب القيادية في الوزارات الرئيسية.

هناك عوامل ثلاثة أدت إلى نهاية الفترة الديمقراطية في أوائل السبعينيات: أولها التشكيك في قانون الأمن الداخلي، بما في ذلك الاتفاق مع الولايات المتحدة على نشر عناصر من القوات البحرية في المنامة، وثانيها الدعوة إلى ميزانية وطنية شفافة، بما في ذلك الميزانية الشخصية للأمير، وثالثها هو ضغط المملكة العربية السعودية لإحباط الاصلاحات.

فتواصل المملكة العربية السعودية إحكام قبضتها الإقتصادية على البحرين وهيمنتها العسكرية داخل دول مجلس التعاون الخليجي لمعارضة جميع الإتجاهات الديمقراطية في دول الخليج العربية.

وتكررت تجربة السبعينيات الديمقراطية التي ولدت ميتة مرة أخرى في الفترة 2001- 2002 عندما أحيا الملك حمد آمالاً كاذبة للإصلاح. وكانت النتيجة الوحيدة هي تغيير لقب الحاكم من أمير البلاد إلى الملك! ومع ذلك، لا يزال رئيس مجلس الوزراء وأنصاره السعوديون هم القوة الحقيقية وراء العرش.

ولمواجهة مخاوف العائلة الحاكمة من سيطرة الشيعة، لابد أن نتذكر أن نتائج أول انتخابات حرة في السبعينيات أسفرت في حينه عن أن كل من الأقلية السنية والأغلبية الشيعية ليستا جماعة متجانسة. فقد صوتت كل منهما لصالح مرشحين مختلفين وقوائم مختلفة، تتراوح ما بين الإتجاهات الدينية والقومية واليسارية.

فإلى أين نذهب، ولماذا يجب أن نهتم ؟

إذا كان آل خليفة سيواصلون معارضة الإصلاح الحقيقي، فسوف تغلق نافذة الحلول الوسط بسرعة، ويتلاشى الأمل في الحوار. كذلك سوف يتصاعد العنف، وتصبح الدعوات لتغيير النظام أكثر صخباً وسوف يلقى باللوم على الولايات المتحدة لوصول البحرين لهذا المأزق. هذه هي وصفة للفوضى والإرهاب.

وقد تم تحديد المطالب المؤيدة للديمقراطية، والتي يتفق عليها معظم البحرينيين، في ثلاث وثائق مهمة منذ بدء الربيع العربي في البحرين قبل عام ونصف. وهم: وثيقة المنامة، وبيان سمو ولي العهد، وبيان اللقاء الوطني.

وقد دعت تلك الوثائق لوجود برلمان يمثل كافة فئات الشعب تمثيلاً حقيقياً مع سلطات تشريعية كاملة، ولإنتخابات حرة ونزيهة، ولأن تكون الكفاءة وليس الانتماء الديني هي أساس للعمل في الإدارة والمؤسسات الأمنية، ومعالجة الفساد الإداري، فضلا عن المأزق الطائفي.

وقد شملت المطالب في الآونة الأخيرة عزل رئيس الوزراء الذي يتولى السلطة منذ 41 عاماً. ويقول المعارضون أنه لا يمكنهم إجراء أي حوار يحظي بالمصداقية تحت رعاية رئيس وزراء لم يعد قائداً شرعياً.

وكخلفية لحوار محتمل، كان من حظ عائلة آل خليفة أن معظم المراقبين يرون أن مطالب الإصلاح عادلة ومعقولة، فقد دعت حتى الآن للديمقراطية لا تغيير النظام.

فقد تركزت السلطة في يد رئيس الوزراء منذ عام 1975. وأدى فساده وسيطرته على الأمن الداخلي وأسلوبه الديكتاتوري في إدارة مجلس الوزراء، والعداء المتأصل بين الشيعة وإيران، والاعتماد على الدعم العسكري والمالي السعودي إلى تدعيم موقفه.

فخليفة يرى في الإصلاح الحقيقي تهديداً للسلم وللأسرة الحاكمة. وهكذا، تم تهميش الملك وإبنه في معظم الجوانب.

والرواية التي لم ترو حتى الآن تتعلق بالتأثير القوي للمملكة العربية السعودية. ففي عام 1971، أي قبل الاستقلال بعام واحد، إعترضت المملكة العربية السعودية على إستقلال البحرين لأنهم أرادوا أن تصبح عضواً في دولة الامارات العربية المتحدة. لكن البحرين وقطر تركتا محادثات الوحدة التي إستمرت لثلاث سنوات، وأعلن كل منهما استقلاله.

ولقد سيطر السعوديون على إمكانات أمير البحرين المادية بإعطائه النفط من حقل أبو صفا السعودي.

وأصبح النفوذ السعودي أكثر انتشاراً من أي وقت مضى مع وجود القوات السعودية في الجزيرة ومع الحديث عن الوحدة. وتلاقي دعوات الوحدة مع المملكة العربية السعودية قبولاً مع آل خليفة وزملائه من الحرس القديم، لكنها تواجه بمعارضة شديدة من تيار السنة الليبرالي والغالبية الشيعية.

وفي الوقت الحالي، لدي واشنطن عدة فرص لمساعدة البحرين على إجراء إصلاحات حقيقية. ويجب عليها أن تمد يدها إلى الملك، ولإبنه سلمان، ولنائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك.

ينبغي أن يلقوا تشجيعاً قوياً كي يتمكنوا من الشروع في حوار مع شرائح مختلفة من المجتمع البحريني، وخصوصا أولئك الذين يشكلون جزءاً من "اللقاء الوطني"، بما في ذلك علي فخرو، جاسم مراد، حسن الجشي، علي ربيعة، منصور الجمري، علي سلمان ، وغيرهم. فيمثل أنصار اللقاء الوطني من السنة والشيعة مركز المجتمع البحريني ويحظون باحترام كبير من جانب مواطنيهم.

يتعين على الإدارة الأمريكية توضيح أن عهد الاستبداد العربي قد ولى، وأنه في حالة إنعدام إصلاحات حقيقية، سوف تتزايد الدعوات لتغيير النظام. وينبغي أن يقال لهم، دون لبس، أن الثورة المضادة الممثلة في الإتجاه السعودي ضد الشيعة ستفشل وأن آل خليفة لن يتمكنوا من وقف موجة التغيير حتى مع حملات القمع الدموية والمحاكمات الصورية.

على الرغم من أن مصر وسوريا والبحرين هي قضايا مختلفة، فإن دعم واشنطن للديمقراطية في مصر وسوريا لا يتوفر بنحو مماثل في البحرين. وإذا إستمرت المنامة في ومواجهة مطالب مواطنيها بالقمع، فسيري المواطنون المحبطون أن تواجد البحرية الاميركية في بلادهم هو جزء من المشكلة.

وعندئذ سيصبح الأسطول الخامس نقطة جذب لإرهاب محتمل. وفي حين أنه سيكون من السذاجة أن نتوقع أن يغادر الاسطول الخامس الجزيرة قريباً، ينبغي أن يؤدي الحوار مع الأسرة الحاكمة حول وجوده إلى دفعهم لإعادة التفكير.




* إميل نخلة هو المدير السابق لبرنامج التحليل الاستراتيجي للإسلام السياسي في وكالة الاستخبارات المركزية ومؤلف كتاب "تدخلات ضرورية: إعادة صياغة علاقات أميركا مع العالم المسلم" و"البحرين: التنمية السياسية في مجتمع يمر بالتحديث".(آي بي إس / 2012)

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus