سترة : قلب الثورة البحرينية

2012-07-02 - 1:42 م



شاهد البحرين

ترجمة: مرآة البحرين



تجمع ما يقرب من 250 شخص في الشارع في سترة، البحرين. نصفهم تقريبا كانوا من الرجال والفتيان، البعض  كان يرتدي ثوبا متدفقا أبيض، والبعض الآخر على النمط الغربي يرتدي الجينز والقمصان. النساء والفتيات كن يشكلن النصف الآخر، في الغالب (وليس حصرا) كن يرتدين العباءة السوداء التقليدية والحجاب. وكان للعديد من الرجال والنساء والأطفال عين واحدة مغطاة بالشاش (الضمادة) ، مثبتة بشريط لاصق جراحي. هذا الاحتجاج كان نيابة عن أولئك الذين فقدوا عين - أو كلتا العينين – بسبب الرصاص المطاطي والشوزن والقنابل الغازية التي تطلقها شرطة مكافحة الشغب مباشرة على الوجوه والقسم العلوي من اجساد المتظاهرين. وقال النشطاء الذين أخذوني إلى المظاهرة أن ما يقرب من 100 متظاهر فقدوا إحدى أعينيهم منذ اندلاع الثورة منذ ستة عشر شهرا، وهو عدد احتاج للتأكد منه.

"انظروا، زينب هناك"، أشار صديقي الجديد الناشط (ج). وبطبيعة الحال ، كنت أعرف من تكون زينب. والدها، عبد الهادي الخواجة، كان واحدا من مؤسسي مركز البحرين لحقوق الإنسان وربما يكون أكثر سجين سياسي معروف في البلاد. وكان قد بدأ مؤخرا اضرابا عن الطعام على أمل الفوز بحريته، ولفت الاهتمام الدولي إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي تميزت بها الأزمة السياسية المستمرة في البحرين. أصبحت زينب ناشطة شرسة في حقها وقد اعتقلت وسجنت عدة مرات، كما أنها معروفة بالحاحها العنيد على فضح الانتهاكات التي ترتكبها البحرين ولديها أكثر من 43 ألف متابع على تويتر. وكنت قد تابعت زينب على تويتر لعدة أشهر، وكان لي اتصالا هاتفيا معها منذ وصولي إلى البحرين، لكننا لم نجتمع بعد.

 
من مسيرة سترة (عيني ثمن حريتي)
كانت زينب تقف قبالة مسيرة الاحتجاج، ترسل تغريدة. حيتني  بفظاظة عندما قدمت لها نفسي . قالت : "انه من الصعب ان تغرد وهذا الشيء عليك "، في اشارة الى قماش عينها. " حتى أنه من الصعب الحفاظ على توازني عند المشي . لم يكن لدي أي فكرة كم هو صعب أن ترى بعين واحدة فقط " .وبعدها " هل لديك شيء لتغطي به وجهك ؟ "

وضعت قناع الغاز الذي كان قد وفره لي الناشطين المؤيدين للديمقراطية . فلقد كان هناك كل ما يدعو لتوقع أن المظاهرة  ستقابل بوابل من الغاز المسيل للدموع في نهاية المطاف.

تعتبر سترة قلب الثورة البحرينية. سترة هي واحدة من خمس جزر مأهولة بالسكان في 33 أرخبيل موجود في الجزيرة التي تشكل دولة البحرين الخليجية الصغيرة .قيل لي أن المظاهرات ضد النظام الملكي لآل خليفة تحدث بشكل يومي تقريبا في سترة  وتستخدم كمية وفيرة من الغاز المسيل للدموع بشكل روتيني لقمعها.

في الواقع، في اليوم السابق، كنت برفقة طبيبتين بحرينتين من "أطباء من أجل حقوق الإنسان" عندما بدأوا عملية توثيق التأثير  الطويل الامد من التعرض المستمر للغاز المسيل للدموع على شعب البحرين. ذهبنا إلى ثلاث منازل تم اختيارها عشوائيا في احد أحياء سترة، وضحنا لهم المهمة فدعونا الى الداخل حتى يتمكن الأطباء من إجراء المسح مع العائلة المقيمة.

وذكرت الأسرتين في البيتن الأولين تعرضها للغاز المسيل للدموع داخل المنزل 4- 5 ليال كل اسبوع خلال الاشهر الخمسة عشر الماضية، و ذكرت الأسرة الثالثة تعرضها اليومي خلال الأشهر الستة الماضية. معظم المرات كانت نتيجة تسرب الغاز المسيل للدموع من الشوارع  إلى داخل المنازل، ولكن، ليس نادرا، قيل لنا، اطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع مباشرة الى داخل البيوت.

"لأن الشباب ( كلمة الشباب تستخدم هنا للإشارة إلى الشبان الذين هم في الخطوط الأمامية للاحتجاجات) يحتمون داخل المنازل في القرية"، . قنبلة يدوية من الغاز المسيل للدموع ألقيت داخل المنزل الثالث الذي زرناه  قبل ليلتين.

قالت لنا الأم :" لا نعرف ما نفعل عندما تطلق داخل المنزل ". تلغى كلمة وأضاف وإن كان لابد منها (أضافت) "اذا قمنا بفتح النافذة  لخروج الدخان، يدخل الغاز  الذي في الخارج" . كانوا محاصرين  بالغاز المسيل للدموع وليس لديهم خيار سوى تحمل ذلك. حدث هذا مرة لصبي عمره ست سنوات وكان في المنزل لوحده. كان مرعوبا ولا يعرف ماذا يفعل.وفي منزل آخر، أخبرتنا الام كيف أن ابنتها الصغيرة تستيقظ في منتصف الليل، خائفة. انها عادة ما تخدش وجهها حتى عندما لا يكون هناك غاز.

الأعراض التي سمعناها من التعرض بانتظام ولفترات طويلة شملت : الطفح الجلدي، آلام في العين، والبطن و الصدر والمعدة، السعال الجاف، والإسهال، والانسداد الأنفي، والصداع، والتهاب العين– وهي أعراض استمرت أحياناً كثيرة بعد فترة طويلة من تبدد الغاز المسيل للدموع . قيل لي أنه كان هناك 4 حالات إجهاض في واحد من الاحياء التي تتعرض للغاز بدرجة عالية-- أطباء من اجل حقوق الإنسان بقومون بالتحقيق في هذا الادعاء أيضا. لا أحد يذهب إلى السلمانية، المستشفى الحكومي، لتلقي العلاج. فالخوف من التعرض للاعتقال في المستشفى هو المسيطر، وحقيقي. صبي في المنزل الثالث أخبرنا أن عمه كان قد ذهب إلى المستشفى لأنه أصيب بحروق ولكن ألقي القبض عليه، بناء على الافتراض بأن حروقه لها علاقة برمي قنابل المولوتوف.
 

الادلة على الاستخدام الكثيف للغاز المسيل للدموع موجودة في جميع أنحاء سترة. الشوارع الرملية ملئية ببقايا البلاستيك الأسود  لقنابل الغاز المسيل للدموع والتي لا تحمل اي علامة وهي غير معروفة الاصل، لا سيما عندما يقيم الشباب   الحواجز الفظة من أكوام القطع المكسورة من الاسمنت والخشب وأطر الأسرة والأثاث المحطم لابقاء الشرطة خارج القرية. ويمكن العثور على الرصاص المطاطي الصلب الوردي / البرتقالي اللون بتركيز عالٍ أيضا، كما يمكن العثور على كرات مطاطية سوداء بحجم خرطوشة  قيل لي أنها أفرغت عندما أطلقت القنابل الصوتية.

العائلة التي استضافتني في سترة لديها اثنين من الكناري الجميلة في قفص في حديقة منزلهم. تعودوا ان يكونوا ستة،  أخبرتني الأم وهي امرأة لطيفة بشعر بني فاتح وعيون بنية ناعمة ، ولكن قنبلة يدوية من الغاز المسيل للدموع القيت على جدار الحديقة بجوار قفص الطيور، وأربعة من الطيور وجدوا مستلقين متصلبين أسفل القفص.

سوف أحصل على إحصاءات عن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم جراء التعرض للغاز المسيل للدموع، ولكن النشطاء يسارعون لتذكيري أن الاصابات والوفيات الناجمة عن الغاز المسيل للدموع ليس مجرد نتيجة تنفس الأدخنة السامة. قبل يوم من وصولي، تهشمت جمجمة أحد المحتجين باسطوانة غاز، وهي واحدة من أمثلة عديدة من استخدام شرطة مكافحة الشغب  للقنابل نفسها كذخيرة واطلاقها مباشرة على المتظاهرين، وفي كثير من الأحيان من مسافة قريبة. ومن بين الشعارات المناهضة للحكومة التي ترسم على الجدران في سترة  "يسقط، حمد ! " (الملك)، و "لن نتوقف عن الدفاع عن حقوقنا!"  ويمكن للمرء أن يجد رسما ( رسم باستخدام الستينسيل) لوجه صبي عمره 14 عاما، علي جواد الشيخ. قتل علي في أيلول \ سبتمبر 2001، يوم العيد، بقنبلة غازية في الجزء الخلفي من رأسه. ويمكن ايجاد صور علي والتي طبعت بالاستخدام الستينسيل  في جميع أنحاء سترة، وأحيانا تراها وقد لطخت باشارة X  الكثيفة والرمادية اللون ، وقيل لي، أن الشرطة تحاول شطب الشعارات عن الجدران في كل ليلة  ولكن الشباب يعيدون رسمها من جديد.

سترة تكمل احتجاجاها على الحكومة البحرينية

تحركت المسيرة نحو الطريق الرئيسي. ومعظمهم من النساء اللواتي تتوارى عن الانظار، فهن لا يردن أن يكن هناك وذلك لهجوم مفترض آتٍ قريباً من الشرطة. ومن المستغرب أن الهجوم المتوقع لم يحدث أبدا. كانت الليلة الثالثة الأخيرة من الاحتفال، وكان هناك العشرات من الأطفال الصغار في الشوارع يلعبون، يتناولون الحلوى من المقصورات التي كانت مكسوة باضواء الاحتفال الملونة وعزف الموسيقى. لقد قرر منظمو الاحتجاج انهاء المظاهرة في وقت مبكر، قبل ان يقوموا بمسيرة الى الطريق الرئيسي، من اجل عدم المخاطرة  بتعرض الاطفال للاذى في هجوم الشرطة.

اختنق مدخل سترة بشرطة مكافحة الشغب الذين يرتدون الخوذات السوداء ويوقفون السيارات من أجل منعهم من الوصول إلى المظاهرة التي لم يدركوا انها قد انتهت بالفعل.

"كم هو عدد الاحتجاجات التي لم تهاجمها الشرطة؟ " سألت واحدا من الناشطين المؤيدين للديمقراطية.

"في هذا الحي؟.. أبدا تقريبا "، أجاب وهو يهز رأسه غير مصدق أن المساء قد بدأ وانتهى بسلام.

وفي نهاية المطاف  ذكروني، هذه سترة المعروفة باسم قلب الثورة البحرينية.






ملاحظة: المؤلف هو أحد المتطوعين  من اجل حقوق الإنسان، وطلب عدم الكشف عن هويته  لأغراض أمنية.

25 حزيران \ يونيو 2012





التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus