عن وظيفة النيابة العامة في «غسيل» الشهادات المزورة

الفساد والتزوير لا يمكن أن تفضحه نيابة عامة تعمل تحت تصرف السلطة التنفيذية لغسيله!
الفساد والتزوير لا يمكن أن تفضحه نيابة عامة تعمل تحت تصرف السلطة التنفيذية لغسيله!

2018-09-01 - 9:01 ص

مرآة البحرين (خاص): تذكّرت النيابة العامة أن مهمّتها لا تتعلق بالكشف عن الحقيقة عندما يتعلق الأمر بالجهات الحكومية، لذلك سارعت إلى إصدار بيان حاولت فيه إقناع الرأي العام بأن وزارة التربية والتعليم تقوم بواجبها فيما يتعلق بالشهادات المزورة لتكنس «بيان متسرّع» كانت نفت فيه تلقي أي بلاغ عن شهادات وهمية من الوزارة.  

تعود القصة لـ 20 أغسطس/ آب 2018 حين كشفت النيابة العامة أنها لم تتلق أي بلاغات بشأن ما تم نشره من أخبار ومعلومات في إحدى الجرائد المحلية تحت عنوان «التربية تحيل مزوري شهادات إلى النيابة العامة».

وقال أحمد القرشي القائم بأعمال المحامي العام رئيس المكتب الفني للنائب العام إن «النيابة لم تتلق أي بلاغات بشأن هذه الواقعة خلال الفترة الحالية وحتى تاريخه، وذلك أن النيابة العامة لم يسبق لها أن احيل إليها أي بلاغات في هذا الخصوص سوى مُنذ خمس سنوات».

منذ 5 سنوات! كان الأمر يتعلق بجامعة دلمون، حيث قدمت وزارة التربية والتعليم للنيابة بلاغا بوجود شبهه جنائية بالتلاعب في شهادات الطلبة والتزوير في محررات رسمية لبعض طلبة الجامعة، وتم اتهام مسؤولين اثنين بتزوير درجات بعض الطلبة وذلك بتغيير الدرجات المرصودة لأستاذ المقرر بعد إدخالها إلى الحاسب الآلي.

فما علاقة ذلك بالشهادات الوهمية التي يتحرك المجتمع، اليوم، بكل فعالية لكشفها وفضح اللاهثين وراءها ومحاسبتهم، حتى تقول وزارة التربية والتعليم لصحيفة محلية إنها أحالت مزوري شهادات للنيابة؟ ولماذا تقوم الوزارة بخلط الحابل بالنابل والتدليس، بدلا من أن تقوم فعلا بالتحقيق في قضايا الشهادات الوهمية وإحالة المتورطين من حملتها ووسطاء الحصول عليها على النيابة العامة؟ ولماذا لم تبادر النيابة العامة أصلا في التحقيق مع شخصيات معروفة عملت لصالح مؤسسات وهمية خدعت بحرينيين مثل جامعة لاهاي؟

إذا كان للوزارة مصلحة في حماية مزوّرين، فلماذا تفعل النيابة ذلك وتعود «لتلحس» تصريحات القرشي لتقول بعد 9 أيام إن «وزارة التربية والتعليم قد أبلغت النيابة العامة في غضون الأعوام السابقة و حتى فبراير 2018 عن محاولة عدد من الطلبة اعتماد إجراءات الحصول على مؤهلات علمية دون استيفائها القواعد و الشروط المقررة»؟... لاحظوا: طلبة حاولوا اعتماد شهاداتهم.

يبدو ذلك جزءا من مهمة صاحب دكتوراه «حماية الجواسيس» أحمد الحمادي، في غسيل الفساد، هو بذلك التصريح يريد أن يواري سوءة الضابط السابق ماجد النعيمي، ويمحي الآثار التي تركها تصريح القرشي، معتقدا أن بإمكانه إقناع أحدٍ بأن النعيمي وفريقه يقومون بعملهم جيدا فيما يتعلق بالتحقق من الشهادات الوهمية، وذلك عندما يحاول الخلط بين شخصيات عامة تحمل شهادات من جامعات ليس لها وجود على أرض الواقع، أو جامعات تملك موقعا على الإنترنت فقط، وبين طلاب يحملون شهادات علمية طلبوا معادلتها بشكل رسمي، ولم يتم معادلتها لاعتبارات فنية وأكاديمية تتفاوت من دولة لأخرى، أو لاعتبارات خاصة بنظام الحكم في البحرين.

يوما بعد يوم، تترسخ القناعات أن لا أحد سيبادر لضرب الحجر الأول؛ لأنه لا يعلم متى يسقط حجره فوق رأسه، من مصلحتهم جميعا أن تبقى أحجار الفساد ثابتة، فهي تنتظم في دائرة مصالح واحدة. لقد جاء إنشاء النيابة العامة ضمن عملية صورية أعقبت ما عُرف بالمشروع الإصلاحي لتكون فرعا من فروع وزارة الداخلية، ولا يمكن أن يتوقع أحد أن تعمل الداخلية عكس الاتجاه الرسمي في التعاطي مع فضيحة الشهادات المزورة أو غيرها.

تبييض السرقات

ليس بعيدا عن ذلك، يحيلنا أمر الشهادات المزورة إلى التذكير بتعامل النيابة العامة مع تقارير ديوان  الرقابة المالية المليئة بالفساد، ففي تصريح نادر قال المحامي العام السابق عبدالرحمن السيد (26 أبريل/ نيسان 2015) إن النيابة تسلمت تقرير ديوان الرقابة محالا من مجلس النواب بناء على قراره في الجلسة المنعقدة (14 أبريل 2015). وقال إنها «تعكف على دراسة التقرير لتحديد الوقائع التي تشكل جرائم وتستلزم إجراء التحقيق فيها وفقاً للقانون».

ظهر من ذلك التصريح أن النيابة العامة لم تتسلم التقرير إلا بعد قرار من مجلس النواب، وأنها لم تبادر لطلب نسخة من التقرير من ديوان الرقابة المالية والإدارية، وكأن الأمر لا يعنيها، وهو ما يحدث فعلا. كما ظهر أيضا من قول السيد، أن النيابة عكفت على دراسة التقرير لتحديد أي التجاوزات الواردة فيه تشكّل مخالفة جنائية تستوجب إجراء تحقيق فيها، إلا أن النيابة لا زالت معتكفة على دراسة التقرير حتى يومنا هذا!

14 نسخة من تقرير ديوان الرقابة المالية، ورغم خجلها في تعقّب الفساد والسرقة التي يتورط فيها  أقطاب في العائلة الحاكمة، إلا أنها لحدٍ ما تكشف قدرا ملموسا من الفساد والهدر المالي الذي يقف وراءه كبار الموظفين في الوزارات والشركات الحكومية. لقد وقف الجهاز القضائي منذ إصدار أول تقرير في العام 2003 موقف المتفرج ولم تحرك النيابة العامة ساكنا.

النيابة في البحرين لا تتحرك إلا لتقييد حركة الناس التي تطالب بالتوزيع العادل للثروة أو السلطة. ومن يظن أنها خصم للفساد فإنه يعيش لوحده، فحتى أولئك الذين كانوا يرددون أن النظام القضائي مستقل باتوا يتهامسون في مجالسهم أن الفساد والتزوير لا يمكن أن تفضحه نيابة عامة تعمل تحت تصرف السلطة التنفيذية!