فخرية خالة الشهيد الإعلامي أحمد إسماعيل: في فخ قانون الطوارئ الجديد

2012-07-07 - 6:39 ص


مرآة البحرين (خاص): تحب اللمّة والناس، بيتها المكون من ثلاثة طوابق مفتوح للجميع في كل وقت، لا يخلو من الأصدقاء والأقارب، تصفه إحدى القريبات "بالنسبة لعائلتنا بيت فخرية هو بمثابة البيت العود الذي نزوره كل وقت ونلتقي فيه". فخرية أحمد سيدة أربعينية، لديها عملها الخاص، تعيش حياة ممتلئة بالناس، وبعاطفتها التي تهبها الجميع. العائلة فقدت الشهيد الإعلامي أحمد اسماعيل قبل أشهر، جريمته أنه كان يوثق بكاميرته مواجهات بين الشباب ورجال الأمن، تم استهدافه بطلقة مباشرة في منطقة حساسة من جسده أودت بحياته. تأثرت فخرية  كثيراً بالقتل المفجع لابن اختها.
 
الغريب الأديب

زوجها (أختر جاويد) الباكستاني الجنسية. يعيش في البحرين منذ 25 عاماً. لم يحصل على الجنسية البحرينية التي يشتري النظام بها مواطنين جدد (عرب وآسيويين)، يستخدمهم كأرقام وقت الحاجة، ليضمنوا له البقاء. من بين كل هولاء الذين حصلوا على الجنسية البحرينية دون أية مشقة أو جهد، فإن أختر (السني) المتزوج من فخرية (الشيعية) لم تُمنح له الجنسية، لم تغفر له الـ25 عاماً التي قضاها في البحرين، ولا مساهماته الاقتصادية في البلد.

يدير عدداً من المشروعات التجارية الخاصة به ولا علاقة له بالسياسة. أراد أن يعيش غريباً أديباً فقط. يتمتع بوضع مادي ميسور. في الفترة الأخيرة تعرض أختر لمحاصرة في عمله التجاري، فسره البعض أنه بسبب تعاطفه مع أهل زوجته بعد فقد الشهيد أحمد، ومساعدته لهم.

لديه وفخرية أربعة أطفال: التوأم محمد وفدك في السابعة من عمرهما، نور 3 سنوات، محمود عامان. أما فداء البالغة من العمر 18 عاماً فهي ابنة فخرية من زوجها الأول. عرف أختر بهدوئه الشديد، وحبّه للآخرين، وكراهيته التدخل في شؤون الغير وتجنبه الاصطدام بأي أحد. "لم أسمع صوته يوماً مرتفعاً" تقول إحدى القريبات. لديه علاقة جميلة مع زوجته وأطفاله. يعامل فداء مثل أب حنون، لهذا تشعر فداء به أكثر قرباً من والدها الحقيقي.

نفاس مختلف

مساء يوم الثلثاء 4 يوليو 2012، قبل الحادية عشر والنصف، تجلس فخرية في بيتها وسط لمة عائلية مرحة برفقة زوجها أختر، وأختها زهراء (25 عاما) مع رضيعتها الصغيرة التي لم تتجاوز الـ40 يوماً، ومعهم أيضاً أخوها عمار (26 عاما)، حيث بيت فخرية المفتوح يلم الجميع بحب. فداء ابنة فخرية في غرفتها تستعد للنوم، فيما أخوتها الصغار يتقافزن في أجواء البيت المنبسط بالألفة.
زهراء متزوجة من إماراتي وتعيش هناك. وضعت مولودتها البكر منذ أسابيع، جاءت البحرين منذ اسبوعين لتكمل فترة نفاسها وسط أهلها، نزلت مع أختها فخرية، على أن تعود أدراجها للامارات بعد احتفال ليلة النصف من شعبان (الناصفة) مباشرة، جهزت لمولودتها الأولى توزيعات خاصة بهذه المناسبة. لم تكن زهراء تعلم أنها قطعت كل تلك المسافة لتتنفس المعتقل، ولتقضي رضيعتها بعيداً عنها لمدة يومين، وليفرج عنها ليلة الناصفة التي كانت تجهز لها وتعد، لكن بمزاج لا يشبه المزاج.

المداهمة..

فجأة، تُقتحم منطقة جدعلي بأعداد مرعبة من أجياب الأمن والسيارات والمدرعات والقوات الخاصة، تتجه إلى منزل فخرية مباشرة، تحاصر المنطقة المحيطة بالمنزل بالكامل ولا تستثني بيوت الجيران. في لحظة واحدة، يتحول المكان إلى ما يشبه كمين مباغت لعدو خطير. اقتحموا بيت فخرية وجميع البيوت المحيطة دون إذن بالتفتيش. تم فرض حصار كامل على المنطقة، لم يسمح لأحد بالاقتراب. لا أحد يعرف ماذا هناك.
مثل البرق الشديد الذي يخطف البصر دون أن يعطي لأحد الفرصة لاستيعاب ما يجري حوله، وجدت العائلة نفسها وسط عشرات الملثمين المسلحين، بدا وكأن بعضهم قد نزل عليهم من السقف، وبعضهم دخل من الجدار. المباغتة أبقتهم متسمرين مكانهم مذهولين. العائلة وجدت نفسها محاطة برجال ملثمين لا يتكلمون. مهمتهم  ليست الكلام بل العبث في المكان وتحويل كل شيء إلى ركام. لا تُسمع أصواتهم كي لا تنكشف أو تُميز، في لحظات كانت طوابق البيت الثلاثة مقتحمة بالكامل والأبواب تم تحطيمها وتهشيمها.

لماذا المداهمة؟ إخبارية كاذبة وكيدية، أوصلت أن في بيت فخرية، تحديداً في الطابق الثالث غير المسكون والذي له باب مستقل، يختفي ثوار مطلوبون، وأن الشاب حسين الباش، ابن أخت فخرية الـ(يتيم الأم) والدائم التردد على خالته، هو من أحضرهم.

بعد المداهمة المباغتة والغادرة، لم يتم العثور على أحد من المُخبر عنهم. كان الطابق الثالث خالياً من أي أحد. تمت مصادرة كل شيء هناك. لم تعلن الداخلية شيئاً، ليس إجمالاً ولا تفصيلاً. اكتفت بأن أطبقت حصارها كاملاً على البيت لمدة يومين كاملين، المدرعة عند مدخل البيت. لا أحد يقترب من المكان المحاصر. لا يحق لأحد أن يسأل أو يعرف شيئاً. اعتقلت كل من كان في البيت عدا الأطفال: فخرية وزوجها واختها وأخيها عمار بعد ضربه وتعذيبه في المنزل، تركت الأطفال في ذعرهم وصياحهم دون أحد، حتى الرضيعة التي لم يتجاوز عمرها 40 يوماً، انتزعت من حضن والدتها النفساء، وتركت لوحدها مع مجموعة أطفال، بعد أن اعتقلت والدتها مع باقي من في البيت.

 طوارئ غير معلنة..


 
فجراً، يتم اقتحام جميع الأماكن التي يعتقد أن حسين قد يكون متواجداً فيها، منزل جده بقرية المصلى، ومنزلهم بمنطقة السرايا ومنزلهم بمنطقة مدينة حمد الذي تفاجأ من فيه أنهم اقتحموه من السطح. لم يكن في البيت سوى والد حسين وأخته زينب (في العشرينات) وإخوته الأطفال الصغار. اقتحمت الغرفة التي تنام فيها زينب مع أخوتها الصغار. فتحوا أعينهم على مجموعة من الملثمين الذين انتشروا في كل مكان. لم يسمح لأحد بالكلام أو التنفس. البيت انقلب رأساً على عقب. تم جرجرة والد حسين وضربه وركله قبل أن يأخذوه معهم، ويتركوا الأطفال يرتعدون ويغطون وجوههم، أفرج عنه بعد ساعات.
 
لم يعد غريباً، محاصرة منطقة بكاملها بالمدرعات وعشرات الأجياب. الجميع يعلم أن حالة الطوارئ عادت بشكل غير معلن. في الطوارئ الأولى كانت قوات الداخلية تحاصر بيت الشخص المستهدف، الآن في الثانية صارت تحاصر منطقة بكاملها وتفرض حصاراً كاملاً عليها. تكرر الوضع في  السنابس والدير والدراز وبني جمرة وسند وغيرها من المناطق. المداهمات لم تعد كما كانت في السلامة الأولى، هذه المرة تأتي مصحوبة بتكسير جدران وسقوف وأرضيات والبحث عن شيء مخبوء، والخروج بلا شيء، ثم بعدها إعلان استخراج أشياء.

 تسفير أختر

تم تهديد فخرية بتسفير زوجها إلى باكستان في حال لم تعترف بأن ابن اختها قد أحضر مطلوبين إلى داخل بيتها. ماذا يعني تسفير زوج فخرية الذي لا يحمل جواز بحريني؟ يعني تسفير أطفالها الذين لا يحملون جوازاً بحرينياً أيضاً. كان هذا التهديد بمثابة الضربة القاتلة لفخرية. أجبروها على الاعتراف بأنها أخفت مطلوبين وان ابن اختها هو من أتى بهم في محاولة لتوريطه معهم. وعندما سألت عن زوجها لتطمئن قلبها المفطور خوفاً على مصيره وأطفالها، قالوا لها: اذهبي وراءه باكستان.

منذ اعتقلت فخرية قبل 3 أيام، وأطفالها الصغار موزعون بين بيوت أخواتها مشردين، بلا أم ولا أب، ولا لمة تبقيهم معاً.

اتصلت فخرية بأخت حسين، طلبت منها أن تخبره أن يسلم نفسه، كان واضحاً وجود أحد يراقب ما تقوله فخرية أو يوجهها، أخبرتهم أنه "غير مطلوب ولن يقبض عليه فقط يريدون أخذ أقواله". لا يزال حسين مختفيا خوفاً من التهمة الكيدية التي يراد توجيهها له.

حيازة متفجرات

شهود أخبروا أنه قد تم إحضار فخرية وزوجها في اليوم التالي إلى البيت الذي كان لا يزال محاصراً بالمدرعات والأجياب، وتم تصويرهما داخله وهما يحملان متفجرات. شهود آخرون قالوا لمرآة البحرين أنهم شاهدو أجهزة تكسير الأرضيات (الـ ورور) قد تم إدخالها إلى داخل البيت. فداء ابنة فخرية البالغة من العمر 18 عاماً افتتحت صفحة لها على تويتر لنقل المستجدات بخصوص والدتها وزوجها أختر، قالت إن القضية الموجهة لهما هي حيازة متفجرات.
يبدو أن الداخلية تنوي توسيع دائرة الاتهام ضد فخرية وزوجها، وتحويلها من قضية تستر على مطلوبين، وهو ما لم تتمكن من إثباته، إلى تهمة حيازة متفجرات، التهمة الأكثر رواجاً في مسرحيات وزارة الداخلية مؤخراً، تمهيداً لعصفور أكبر من الفخ تنوي إطلاقه كما صرح بذلك مسؤول أمني كبير.
لكن يبقى من السذاجة بمكان، أن يتم تصوير بيت مسكون بأهله وبأطفال صغار دون سن السابعة، أنه وكر لمتفجرات، وأن بيتاً مأهولاً بالزوار دائماً وبالخاطرين من الأهل والأصدقاء، هو مكان لتخزين متفجرات.

كاميرا الباب الخارجي

بعد الهجوم الكيدي على بيت فخرية، قامت قوات الداخلية بخلع جرس البيت، والكاميرا الموصولة به كي لا تفضح طريقة اقتحام المنزل. وخلال محاصرة البيت لمدة يومين، قاموا بتغيير قفل الباب. الآن، لا أحد يمتلك قفل الباب غير الداخلية التي تمنع أي أحد من الدخول. أمس الجمعة 6 يوليو، اعتصمت مجموعة من قريبات فخرية عند باب بيتها المقفل من بينهن والدة الشهيد أحمد اسماعيل. حملن لافتات صغيرة تطالب بالإفراج عن فخرية وزوجها. تم قمع المعتصمات بوحشية.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus