مجلس الدمى... أصابع المخرج تظهر من تحت مقاعد النواب
2018-10-08 - 1:04 م
مرآة البحرين (خاص): في العالم كله، تكون عروض مسرح الدّمى في الشوارع والميادين والحدائق، إلا نحن، ففي بلادنا قرر الحكّام أن يمارسوا هذا الفن في قاعات المجالس المنتخبة.
كان مسرح الدّمى في وقت ما وسيلة للتعبير عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية، حتى أعجبت الحُكام فكرة اختباء المخرج تحت طاولة أو لوح خشبي ليحرّك الدّمى بخيوط ممدودة.
يختبئ المخرج خلف لوح خشبي ويُدخل يديه في الدمى ويحركها بأصابعه، ويتكلم على لسانها بأصوات مختلفة حيث يضع في فمه جهازًا يُغير الصوت.
خلال محاضرة له العام 2009 قال السياسي الكويتي صالح الملا، إنه يتعين على الناخبين «عدم إيصال عينات الفساد إلى المجلس، مشبها إياها بالدمى التي يتم تحريكها من خارج وداخل المجلس».
إن ما حدث في البحرين صباح يوم (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2018) أحد أشكال ذلك. رفضت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس النواب صباحاً مشروع قانون الضريبة المضافة، فتحرّك المخرج ليبدّل الأيدي الرافضة إلى موافقة في حركة مكشوفة منه.
تقول المغردة نور «اللجنة ترفض القانون. رئيس البرلمان يجتمع مع اللجنة في مكتبه وليس في قاعة الاجتماع. بعد قليل أعضاء اللجنة من رافضين إلى موافقين. هكذا تتخذ القرارات تحت قبة البرلمان».
أما المغرد فوزي بهزاد فتساءل «هل تحول مجلس النواب إلى مجلس إستشاري آخر أو أن تأسيسه كان مجلساً إستشارياً من الأساس؟؟».
ربما كان ذلك من الأساس، ليكون مجرد مجلس يخدم سيّده. قديما، قيل إنك تستطيع أن تجد في كل خادم شبها من سيّده، وهنا ترى في هذا المجلس ما يشبه سيّده. أراد السيّد سلب مكتسبات المواطنين فقام الخادم بما عليه فعله بالإنابة: رَفَعَ الدعم عن أبرز مقومات الحياة مثل الكهرباء والبترول واللحوم، فَرَضَ الضريبة الانتقائية، ضريبة القيمة المضافة وفرض رسوما على كثير من الخدمات.
إن هذا ما يجري عندما يتم تغييب الصوت الحقيقي للناس، فبعد إقصاء المعارضة من الساحة وقمعها وسجن قادتها الذين رفضوا التحول لدُمى والمشاركة في البرلمان دون إجراء إصلاحات واسعة، أخرج النظام دُماه وقدّمها لمواليه على أنها هي البديل، ومرر عبرها ما يريد في مسرحيات هزيلة.
مشهد سري
كان أكثر ما يبعث على الضحك في كل ذلك، هو حجب المشهد الأخير. حتى من ذهبوا لمراقبة ممثليهم من بلكونة المجلس، تم إخراجهم مذهولين وتم تحويل الجلسة إلى جلسة سرية. تقول الصحافية نزيهة سعيد «جماعة بصوتك تقدر وينكم؟ جماعة نلبي الواجب أين أنتم؟، ليش سرية؟، لماذا؟، ما الخطورة؟».
أما القيادي المعارض إبراهيم شريف فعبّر عن دهشته «لماذا جلسة سرية؟؟، تسحب تلفونات النواب ثم تتحول لجلسة سرية!». هذا نقاش حول قوانين التقاعد وضريبة القيمة المضافة، أي قضايا المواطنين المعيشية، وليس في مواضيع الأمن الوطني.
جوابُ تساؤلات شريف جاء عبر حساب بحرين دكتور «ما حدث اليوم في البرلمان هو برهان آخر على أن نظام الحكم يتحكم في مصير البلاد والمواطنين، فهذا البرلمان أداة تستخدم لسرقة آخر ما يملكه المواطن من حقوق».
إذن، كان ذلك هو المشهد الأخير: انقلب الموقف من الرفض للتأييد، استوى الجميع على مقاعدهم، ظهر فجأة موظفون ببدلات رسمية ليسحبوا هواتف النواب (الدمى)، تلى رئيس المجلس ورقة مختومة بختم عشرِ دمىً مجهولة تطلب أن تكون الجلسة سريّة، تم إخراج المتفرجين، أغلقت أبواب الصالة، انقطع البث عبر الراديو والتلفزيون، بدأت أصابع المخرج في التحرك من تحت مقاعد الدمّى، تم تمرير قصاصة من تحت الباب مكتوب فيها: مبروك... للملك للنظام، لقد نجح العرض.