بالوثائق: ملف "قناة الجزيرة" في محاكمة زعيم المعارضة البحرينيّة: 400 من أصل 629 صفحة في ملف المحاكمة كلها تدور حول القناة

مشاركات الشيخ علي سلمان في قناة الجزيرة أصبحت أدلة المحكمة لإدانته
مشاركات الشيخ علي سلمان في قناة الجزيرة أصبحت أدلة المحكمة لإدانته

2018-11-05 - 10:42 م

مرآة البحرين (خاص): في 28 يناير/ كانون الثاني 2010 دعت وزارة الإعلام البحرينية قناة "الجزيرة" القطريّة للمجيء إلى البلاد من أجل تقديم سلسلة من الورش للصّحافيين في وسائل الإعلام البحرينيّة لتدريبهم على "الصّحافة الاحترافيّة". استضافت الوزارة في مبناها بمدينة عيسى هذه الورش على مدى عشرة أيام. وتولّى مدير  تحرير موقع "الجزيرة نت" العراقيّ لقاء مكّي وعاملون في "الجزيرة الإنجليزية" تقديم هذه الورش والتي حضرها محررون من كافّة وسائل الإعلام البحرينية وبينهم العاملون ومقدمو البرامج في راديو وتلفزيون البحرين الذين حضروا الورشة بكثافة.

لكن بعد سبعة أعوام من ذلك أصبحت المشاركة في برامج هذه القناة  تحديداً هي التهمة الرئيسة التي توجه إلى قياديّ المعارضة الأوّل الشيخ علي سلمان واثنين من رفاقه في جمعية "الوفاق".

إطلالات سلمان على "الجزيرة" بما في ذلك تلك الإطلالات التي يعود بعضها إلى تسعينات القرن الماضي، كلها جرى استدعاؤها فأصبحت محاضر الاستدلال "الخطيرة" لمحاكمته وإدانته. انتهت محكمة أول درجة في 21 يونيو/ حزيران 2018 إلى براءته من التهم المنسوبة له؛ لكنّ النيابة العامة ارتأت الطعن على الحكم. ليُصار إلى الحكم عليه في محكمة الاستئناف أمس بالسجن المؤبد.

 

ــ صورة الشهادات التي وزعت على المشاركين في سلسلة ورش أقامتها "قناة الجزيرة" بمقرّ وزارة الإعلام البحرينية


 

في بيان لها تلته خلال انعقاد أولى جلسات استئناف الحكم اليوم الأربعاء (5 سبتمبر/ أيلول 2018)  عللت النيابة العامة طعنها قائلة "بسبب إغفال المحكمة جانباً من الأدلة والالتفات عن بعضها دون مبرر قانوني".

فما هي هذه الأدلة حقاً التي تتحدث عنها النيابة العامة"؟ "مرآة البحرين" حصلت على الملف الكامل للقضية الذي قامت بإعداده النيابة العامة وتقديمه إلى المحكمة. وفيما يلي التفاصيل.

نحو 400 من أصل 629 صفحة في ملف المحاكمة الضخم المسجل تحت قضية رقم (2017159646) تدور كلها حول "قناة الجزيرة". تفريغ وثائقيّات وبرامج ومقابلات وأحاديث وتغطيات صحافيّة ووقفات مطولة في أثناء التحقيق مع المتهم وشهادات شهود الإثبات، جميعها تتحدّث عن "قناة الجزيرة" لا عن شيء آخر، وعن لقاءات مزعومة مع رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الفضائية الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني.

"س: ما قولك فيما قرره الشاهد بأنّ التقرير الخاص بأملاك الدولة الذي تم إعداده بقيادة جمعية الوفاق وتم عرضه في البرلمان على الحكومة في 2006 (...) تم تسليم نسخة من إلى قناة الجزيرة عن طريق مطر إبراهيم علي بتكليف منك أنت وهو يحتوي على أسرار كان من المفترض عدم إرسالها إلى الخارج؟

ج: أنا أمتنع عن الإجابة.

س: ما قولك فيما قرره الشاهد (ب) بتحقيقات النيابة العامة أن قناة الجزيرة قدمت فيلماً وثائقياً اسمه "صرخة في الظلام"، وهو يتحدّث عن الأزمة والفقر التي حصلت في مملكة البحرين وفيه تشويه صورة مملكة البحرين دولياً؛ حيث تم عمل هذا الفيلم بإشرافك أنت ومتابعة شخصيّة منك كرئيس جمعية الوفاق؟

ج: أنا أمتنع عن الإجابة.

س: ما قولك فيما قرره الشاهد بأن هذا الفيلم الوثائقي يبين كيف أنّ الحكومة انتقمت من المحتجين (...) والهدف من نشر هذا الفيلم الوثائقي بالتنسيق مع قيادة قطر وأنت للنيل من البحرين وإضعاف مكانتها؟

ج: أنا أمتنع عن الإجابة.

س: ما قولك فيما قرره الشاهد (ب) بتحقيقات النيابة العامة أن هناك ثمة مشاركات قمت بالاشتراك فيها بقناة الجزيرة تتكلم عن سياسة البحرين وأمورها حيث كنت نشطا في قناة الجزيرة في عام 2011؟

ج: أنا أمتنع عن الإجابة".

هذه عيّنة طبق الأصْل قمنا بتفريغها من التحقيقات الطّويلة التي استغرقت ساعات طوال على عدّة جلسات مع زعيم المعارضة البحرينيّة وإجاباته على الأسئلة والتي امتنع إزاءها جميعاً عن التعليق أو الإجابة لتهافتها وضآلة معدّّها (الصور في الأسفل). التّهمة هي: "قناة الجزيرة".

الأدلّة المحرّزة هي تصريحات صحافية ومقابلات طويلة مفرّغة معه ومع قياديي جمعيّة "الوفاق" تمتد على مئات من الصّفحات. وهي كالتّالي:  "تفريغ محتوى اتصال هاتفي مع هادي الموسوي لقناة الجزيرة بتاريخ 22 ابريل 2012، تفريغ مداخلة مع علي الأسود في برنامج "داخل القصة"، تفريغ محتوى برنامج "في العمق" مع الشيخ علي سلمان بتاريخ 12 ديسمبر، تفريغ محتوى مقابلة مع الشيخ علي سلمان بتاريخ 1 مارس 2011، تفريغ محتوى حلقة الاتجاه المعاكس 17 يوليو 2011 تحت عنوان "انسحاب الوفاق من الحوار"، تفريغ مداخلة خليل المرزوق مع القناة 2 ابريل 2012، تفريغ نص سيناريو فيلم "صراخ في الظلام" الذي عرض في 10 مارس 2011، تفريغ برنامج "حوار المنامة" 10 مارس 2011، تفريغ محتوى برنامج "في العمق" بعنوان "مستقبل البحرين وآفاق الخروج من الأزمة" 10 أكتوبر 2011، تفريغ حلقة "الانتخابات والمعارضة" 7 نوفمبر 2010، تفريغ محتوى اتصال هاتفي مع الشيخ علي سلمان 3 أبريل 2011. وهكذا، صفحات طويلة لا تنقضي شاغلها الأوّل هو "قناة الجزيرة" وتكييف المقابلات والأحاديث والتعليقات على الأحداث على أنها "عمالة لقطر".

ويتفنّن شهود الإثبات (أحدهما معرّف وهو ضابط شرطة برتبة نقيب واثنان آخران جرى حجب اسميهما عملاً بنظام حماية الشهودّ) في سرد معطيات حول القناة غاية في البلاهة.

مثلاً، يشهد الشاهد الشاهد الثاني المعرف بالشاهد (أ) بأن "المتهم الأول (الشيخ علي سلمان) تربطه علاقة بدولة قطر منذ عام 1995 نشأت خلال فترة وجوده في لندن، حيث التقى بحمد بن ثامر آل ثاني ورئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة الفضائية وبدأت هذه العلاقة بالتنسيق فيما بينهما آنذاك للضغط على مملكة البحرين في النزاع القائم بينها وبين قطر في ذلك الوقت حول جزر حوار". لكن يومها لم تكن "قناة الجزيرة" قد أنشئت بعد؛ فقد انطلقت القناة في 1 نوفمبر 1996 أي بعد حواليّ سنة كاملة من اللقاء المزعوم مع رئيسها. نفس هذا الزّعم يتكرّر مع الشاهد الثالث المعرف بالشاهد (ب) والذي يقول "نشأت علاقة المتهم بدولة قطر في مبدأها في منتصف تسعينات القرن الماضي عندما وصل ذلك المتهم إلى لندن وهناك تواصل مع (...) حمد بن ثامر رئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة وانعقدت بينهم لقاءات واجتماعات عديدة خلصت إلى تقديم قطر الدعم المادي والمعنوي إليه (...) واستُخدمت قناة الجزيرة في نقل ونشر أمور تصطدم مع المصالح البحرينيّة".

وهكذا الأمر أيضاً مع الضابط عبدالله فهد العربي (29 سنة) الذي شهد بأن "المتهم تولى تسهيل ظهور الأشخاص الذين يحددهم المتهم الأول من الموالين له في قناة الجزيرة للإساءة إلى نظام الحكم في البحرين ومحاولة تأجيج الشارع البحريني والعمل على تغطية أحداث 2011 إعلاميا بتعمد إظهار تعرض المعارضة للاضطهاد والقمع".

لم تكن هذه القضيّة سوى نوع من المكايدة مع قطر بعد تفجّر الأزمة الخليجيّة. وجرى استلال أوراقها عسْفاً من الأضابير والأدراج. ليس هناك غير مكالمة هاتفيّة منتزعة و"قناة الجزيرة". أما حكم القانون والعدالة فهما في مكان آخر تماماً.