رسالة إلى الباحث عبدالله الجنيد: "إنت تبحث إيه؟"

عبدالله الجنيد
عبدالله الجنيد

2018-11-16 - 12:26 م

مرآة البحرين (خاص): قبل كل شيء اسمح لنا أن نسألك هذا السؤال: يتمّ تعريفك حين إطلالاتك على الفضائيّات بأنك باحث سياسي بحريني؛ كما فعل مثلاً المذيع في القناة الإسرائيلية العاشرة تسفيكا يحزقيلي أثناء مقابلة معك. إذ قال في تعريفك "الباحث والكاتب السياسي والمحلل الكبير المقرب جداً من نظام الحكم". وهكذا درجت وسائل الميديا الخليجية فعل الأمر نفسه. فمنذ فمتى أصبحت باحثاً بالضّبط؟ وما هي السياسة التي تبحث فيها وأين تنشر أبحاثك وخلاصاتك البحثية؟ في ثقافتنا العربيّة الباحث هو المُحَقِّق المنقِّب في قضايا الفكر والمعرفة الذي يقضي وقته بين الكتب والتجارب. فهلاّ دللتنا على تحقيقاتك وتنقيباتك. لانعرف بحثاً واحداً لك؛ ولا ورقة فكرية منشورة في دورية محكّمة، ولا أيّ إصدار معرفي أو كتاب أو أيّ إسهام ثقافي.

فإذا كنتَ تملك ما يبرهن على هذا التعريف "الهلفوت" الذي يحضر ملازماً لاسمك حذْو النعل بالنعل؛ بل كنتَ تثبّته أيضاً في "بايو" حسابك على موقع التدوينات الصغيرة "تويتر"، قبل أن تقوم بتغييره مؤخراً، إذا كنت تملك مثل هذا نرجو أن تبرز رابطه كدلالة على أنّ هذا التعريف المطنطن الذي ترهز به أمخاخنا عشيّة وبكورا، هو فعلاً اسمٌ على مسمّى وليس من خبْط لزْق هرطقاتك.

لكَ أن تعتبر هذا الأمر رهانا معك وفرصة لإثبات نفسك حتى لا تستحقّ الضمّ الفعليّ إلى نادي منتحلي الصفات الوهمية. أنت تعرف أنّ هذه قضية تؤرق بلدنا منذ أسابيع مع الكشْف عن العديد من حملة الشهادات العلميّة المزوّرة. إنّ انتحال الصفات الوهميّة مثل انتحال الصفات العلميّة؛ ادّعاء بما ليس فيك ولا أنت أهله.

رغم أنك ذرّفت على الستين إلا أن سيرتك الذاتيّة تكشف أنّ عمرك "السياسي" صغير للغاية. فأنت لم تبرز اهتماماً بالمجال العام إلا مع حركة 14 فبراير/ شباط 2011 المطلبيّة. قبلها كنتَ لا تفرّق ما إذا كانت السياسة اسم طبخة أم نجم قطبيّ. ورغم أنك كنتَ مناوئاً لها؛ إلاّ أنّ 14 فبراير كان لها أثر السحر عليك بأنْ وضعتك على السّكّة. صرتَ تتهجّى الحروف الآن؛ وتعرفُ كيف تعير مخيّلتك لمحور خليجيّ يدفع كثيراً. وهذا سببٌ كافٍ لتصبح ضيفاً على الفضائيّات والمؤتمرات وكاتباً منتظماً في "سكاي نيوز عربية" وصحيفة "مكة المكرمة".

سبع سنوات فقط، سبع سنوات! انظر ماذا فعلت فيك 14 فبراير التي بدأت مشوارك كمغرّد خصم لها! لقد نقلتك من حيث عشتَ حياتك غُفْلاً في الأحياء؛ إلى حيث صرتَ الآن تتحدّث باسم حكومة البحرين وشعبها. "البحرين لن تستأذن أحداً بإقامة علاقة مع إسرائيل". أنت تتطوّر بسرعة!

بدأت عضواً في تجمّع يكرّر رئيسه سبعين مرة كلمة "سنّة" في كل جملة من عشر كلمات! كنتَ مشتركاً في تأسيس تنظيم طائفي "تجمع الوحدة الوطنية" ورئيساً لإحدى لجانه الفرعيّة في الوقت الذي كنت تتوهّم ببلاهة فاقعة كما لو أنك تشارك شارل ديغول في تأسيس "تجمع الشعب الفرنسي". في مقال لك كتبته بمعيّة واحد من أكبر القائمين على الهندسة الطائفية في البلاد والمتورط في تقرير "البندر" وهو العراقي البعثي نزار العاني، قلت "بعد أن ألمت بالبحرين بوادر الأحداث المؤسفة في العام 2011 تولّد مكوّن بحريني جديد معبرا عن إرادة وطنية قد طال أمد تغييبها قسرا". لكن حين تعثرت خطاك داخل هذا الكيان المصطنع الذي لفظه أول ما لفظه المكوّن إيّاه الذي قدم نفسه ممثلاً له عبر صفعه على قفاه في الانتخابات وتلقينه درساً؛ أعلنتَ الاستقالة منه.

تقترح في أحد مقالاتك حلاً فلتة على الفلسطينيين: أن يتركوا النضال ويتفرّغوا لبناء الأحزاب والمجتمع المدني. بالله عليك ماذا تعرف أنت عن الأحزاب والمجتمع المدني! وأيّ مجتمع مدنيّ هذا الذي يمكن إقامته في ظلّ غياب الدولة وأرض محتلة! تاريخك السياسي ـــ كما أسلفنا ـــ ليس سوى واحدة من الدعابات التي نمت على هوامش أزمة 2011. فأنت لم تتحمّل أن يكون لتنظيمك رأي آخر في الحوار الوطنيّ فسارعتَ إلى الاستقالة منه. فكيف تسمح لنفسك بإلقاء دروس حزبيّة على الفلسطينيين!

منذ أشهر تطلّ علينا كداعية تطبيعيّ لا يخشى في إسرائيل لومة لائم. في لقائك مع القناة الإسرائيلية العاشرة كنت تتأرجح فرحاناً جذلاً حتّى ليظنّ المرأ أن المقعد سيبتلعك. وحين عبّر لك المذيع يحزقيلي عن دهشته أجبته في حماسة من سيطير من الخرعة "يا سيدي نحن نتواصل مع العالم ويسرّنا ذلك". الصحيح يا عبدالله أنك أنت من تتواصل مع إسرائيل ويسرّك ذلك. وما "نحن" الجماعة التي تستخدمها وحديثك بلسان أهل البحرين إلاّ واحدة من "هلافيتك" العاطلة الّتي تخدع بها البلهاء منذ أن دشّنت نفسك باحثاً سياسيّاً من لاشيء. في لغتنا العربية يا عبدالله ثمّة مثل يقال عن "الباحث عن ظلّه". ويُطلق على من يُهدر وقته سُدًى في البحث عن أمرٍ مستحيل، أو في غير موضعه. إذا صحّ أنك كنتَ باحثاً في أيّ يوم فما كنتَ غير "الباحث عن ظله". ابحث عن ظلك يا عبدالله.