شرعية الملك الدستورية تحت مجهر 14 فبراير ( 2 - 4): ملك يعلم بكل شيء.. ووزراء يكذبون في كل شيء..

2012-07-18 - 5:54 م



مرآة البحرين (خاص): النتيجة الأوضح التي أظهرها حراك 14 فبراير، هي أن ثمة ملك اسمه حمد بن عيسى فرّط في نص القسم الدستوري "أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأن أذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأن أصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه" لقد أظهر مجهر 14 فبراير2011 تفريط الملك بهذا القسم، كما أظهر 14 فبراير2002 إلغاء الملك للدستور العقدي، وجاء تقرير بسيوني محاولة لمداواة الشرعية التي أعطبها الملك بتفريطه بوظيفته الدستورية.

منحته المعارضة فرصة كي يداوي شرعيته، لكنه لم يفعل طوال الأشهر الثمانية الأخيرة التي أعقبت صدور تقرير بسيوني، ما الخيارات التي أمامه الآن؟ هذا ما نحاول أن نجيب عليه بتقصي سيرة أداء الملك المناقضة لنص القسم الدستوي.


*هل علم الملك؟


 تقرير بسيوني أكّد للملك مسؤولية الجهات الحكومية والأمنية عن الانتهاكات والتجاوزات الصارخة التي حدثت خلال شهري فبراير ومارس 2011:

- أكد أن الجهات الأمنية استخدمت القوة المفرطة وغير الضرورية: "لجأت الجهات الأمنية في حكومة البحرين إلى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية مصحوبةً بسلوك استهدف بث الرعب في نفوس المواطنين، فضلاً عن الاتلاف غير الضروري للممتلكات" الفقرة 1693.

- أكّد التقرير أن القوات الأمنية خالفت مبدئي الضرورة والتناسب في التعامل مع المتظاهرين: "ثبت لدى اللجنة أن القوات الأمنية التابعة لحكومة البحرين – وخاصة قوات الأمن العام – خالفت في تعاملها مع المتظاهرين مبدئي الضرورة والتناسب عند استخدام السلاح، وهما المبدئان المنظمان لاستخدام القوة من جانب موظفي إنفاذ القانون". الفقرة 1699

- أكّد على الممارسة المتعمّدة: "دلل على وجود أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية، تجاه فئات بعينها من الموقوفين. إن حجم وطبيعة سوء المعاملة النفسي والبدني، يدل على ممارسة متعمدة...." 1694

-أكّد أنها تشكل انتهاكاً لقانون العقوبات البحريني: "وبصفة عامة فإن تلك الأفعال تندرج ضمن التعريف المُقرر للتعذيب المنصوص عليه في معاهدة مناهضة التعذيب، والتي وقعت عليها البحرين، كما أنها تشكل انتهاكاً لقانون العقوبات البحريني". الفقرة 1697

- كما أثبت التقرير غياب المحاسبة وانتشار ثقافة عدم المسائلة: "ترى اللجنة أن عدم مُحاسبة المسئولين داخل المنظومة الأمنية أدى إلى انتشار ثقافة عدم المسائلة والثقة في عدم التعرض للعقاب داخل تلك المنظومة". الفقرة 1698

-أيضاً، أثبتت اللجنة أن مرسوم السلامة الوطنية تم استخدامه لارتكاب انتهاكات جسيمة: "إن الأسلوب الذي اتبعته أجهزة الأمن والأجهزة القضائية في تفسير مرسوم السلامة الوطنية فتح الباب أمام ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تضمنت الحرمان التعسفي من الحياة، والتعذيب، والتوقيف التعسفي". الفقرة 1702

كانت تلك بعض الملاحظات المختزلة والمختصرة التي أكدها التقرير، كما أكد الكثير غيرها، ووثق تفاصيلها.


* متابعة الملك


هل كان الملك حقاً لا يعلم؟ لكنه في 9 مايو 2011، قال أثناء لقائه بجمع من رجال الدين، وبعد اتخاذ قرار إنهاء حالة السلامة الوطنية: "الأخوة اللي أسهموا على الحالة الاستثنائية، قاموا بدورهم على أكمل وجه، بكل ما يملكون من مقدرة وحكمة وصلاحيات، وأنا كنت أتابع عدم تجاوز الصلاحيات، وبالفعل كل شيء كان دقيقا، وراعوا القانون الذي كلفتهم به المرحلة" (1).

كيف يتسق قول الملك: "كنت أتابع عدم تجاوز الصلاحيات"، مع كل التجاوزات التي أثبتها تقرير بسيوني والمنظمات العالمية؟

كيف يتسق قوله: "الإخوة الذين أسهموا على الحالة الاستثنائية، قاموا بدورهم على أكمل وجه، وبالفعل كان كل شيء دقيقاً"، مع ما أسماه تقرير بسيوني بالأسلوب الذي اتبعته أجهزة الأمن والأجهزة القضائية في تفسير مرسوم السلامة الوطنية، والذي "فتح الباب أمام ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تضمنت الحرمان التعسفي من الحياة، والتعذيب، والتوقيف التعسفي"؟

هل كان تفسير (الأخوة الذين أسهموا على الحالة الاستثنائية) تفسيراً شخصياً؟ أم أنه تفسير (دقيق) وفق ما عبر الملك؟

وبالتالي من هو المسؤول عن هذا العمل الذي يرى الملك أنه قد (تم على أكمل وجه وبشكل دقيق)؟

ومن هو المسؤول عن ثقافة عدم المحاسبة التي أدانها تقرير بسيوني، فيما هو يبارك "مقدرة وحكمة وصلاحيات" عمل هذه الأجهزة ويقول إنهم "راعوا القانون الذي كلفتهم به المرحلة"؟


*وزراء يكذبون

لسنا هنا بصدد عرض تفاصيل الانتهاكات، التي وثقها تقرير بسيوني والتقارير المشابهة: عقابات جماعية، وقتل غير مبرر، وعنف غير ملزم وقمع واعتقال وتعذيب وتوقيف وقطع الأرزاق وإذلال وتنكيل وتشهير وتخوين.

كما لسنا بصدد عرض تفاصيل الازدراء المذهبي والتعرض للمقدسات، وهدم المساجد الخاصة بطائفة معينة، والتي أكّد بسيوني في الفقرة 1707 أنه ينظر اليها باعتبارها "عقابًا جماعيًا لأنها طُبقت على أبنية شيعية في الأساس".

لسنا أيضاً بصدد عرض تفاصيل الإزدراء الإعلامي الرسمي في الداخل والخارج وتشويه سمعة المحتجين بوصفهم بالخونة والصفويين والمتآمرين والانقلابيين. كل هذا نفذ على أيدي جهات حكومية رسمية أدانها التقرير صراحة، اشتركت فيه وزارات الدولة كل بطريقتها.

مئات الأبرياء حوكموا عسكرياً ومدنياً، مارست خلالها النيابة العامة دور الخصم للشعب بدل أن تكون خصماً ضد الفساد. لم تنتصر لأي قضية ضد أي انتهاك تم بحق الشعب، ولم تصدر المحاكم أي حكم لصالح أحد من المتضررين من الشعب.

في المقابل، المحاكم العسكرية ألصقت تهماً وأحكاماً خرافية، وصفها بسيوني بـ(المجحفة) على المحكومين المدنيين، بينهم الكادر الطبي الذي واجه تهم القتل والاحتلال والتسلح ومحاولة قلب نظام الحكم (تم تبرئته منها مؤخراً). فيما تولى وزراء رسميون، الترويج لأكذوبة ثبات التهم كاملة، عبر مؤتمرات صحافية ووسائل إعلام محلية وعالمية، وذلك قبل بدء جلسات محاكمة الكادر الطبي.

هل كان هؤلاء الوزراء (الكذابون والمنتقمون وقاطعو الارزاق) أيضاً يقومون بعملهم بكل "مقدرة وحكمة وصلاحيات"؟

هل كان الملك يتابع عدم تجاوزهم صلاحيتهم في توجيه الاتهامات المطلقة وإصدار الأحكام والإعلان عنها، كما في قضية التشهير بأكثر من 40 من أفراد الطاقم الطبي؟


* مباركة الملك

ما الذي فعله الملك بعد كل ما تمّ كشفه، وبشكل فاضح، من تورط لوزراء وجهات حكومية أمنية وغيرها؟ الجواب: لا شيء. ما الذي فعله تجاه كل ما انتهك الوطن والدين والدستور والشعب؟ الجواب: لا شيء.

لا تزال كل من وزيرة الصحة ووزير العدل، الذين (كذبا) بشأن الكادر الطبي، واتهماه وشوّها سمعته وخوّناه في الإعلام المحلي والعالمي، على رأس وظائفهم العامة.

ولا يزال وزير شؤون الإعلام الذي أنتج أسوأ ماكنات التدجين والتحريض والتخوين ضد مكون يمثل غالبية الشعب، على رأس وظيفته العامة.

ولا يزال وزير الداخلية الذي أثبت التقرير انتهاكات صارخة وكبيرة وكثيرة قام بها منتسبو وزارته، أيضاً على رأس وزارته.

ولا يزال وزير التربية الذي سمح لقوات الأمن بانتهاك الحرم التعليمي واقتحام المدارس، وسمح باعتقال أعداد كبيرة من المعلمين والطلبة من قاعات الامتحان، وحوّل المدارس الحكومية إلى بيئات مخابراتية ومجتمع وشايات، وشارك في فصل العشرات تعسفياً   وأوقف المئات، لا يزال أيضاً على رأس وزارته يمارس المزيد من التوقيف للمعلمين ويقطع رواتبهم؟

كما لا يزال الوزراء الآخرون الذين شاركو في الفصل التعسفي والعقاب الجماعي ضد نصف الشعب، على رأس وزارتهم منعمين مباركين من قبل الملك.

لم يتخذ الملك أي إجراء ضد وزارء شاركوا بأنفسهم في تحويل فترة السلامة الوطنية إلى فترة عقاب مكارثية، وزراء حولوا التجاوزات إلى ثقافة اللامسائلة، بل ثقافة: كلما كنت مكارثياً أكثر، نالك الرضا أكثر. اكتفى الملك أمام كل هذه التجاوزات الوزرائية الفاضحة، بإصدار مرسوماً بإعادة المفصولين. وكعادته الممجوجة والمستهلكة حد الغثيان: أصدر مرسوم بتشكيل لجنة. هذا كل شيء.


متى غضب الملك للمرة الأولى منذ 14 فبراير؟ نكمل غداً..



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus