الأطباء يعالجون جرحى البحرين في الخفاء

2012-07-20 - 9:13 ص


فيليب والتر ويلمان، مين بوست
ترجمة: مرآة البحرين

إنه مساء الجمعة والدكتور محمد على أهبة الاستعداد.

"إنه دائما أكثر أيام الأسبوع ازدحاما بالنسبة لنا"،  يقول وهو يحمل هاتفه النقال لإظهار صورة تلقاها قبل ثوان. الصورة هي لشاب قد رسخت في ساقه طلقة من الشوزن. وهي نداء للمساعدة.

ويشرح : "الحكومة تستخدم الكثير من الشوزن على المتظاهرين في الآونة الأخيرة،" ويضيف: "والجرحى يأتون إلينا للعلاج".

الدكتور محمد، الذي طلب منا عدم الكشف عن اسمه الكامل، هو جزء من شبكة سرية من الأطباء في البحرين الذين يقدمون الرعاية غير القانونية للمتظاهرين المناهضين للحكومة الذين يصابون في الاشتباكات الليلية مع قوات الأمن. معظم المصابين يرفضون الذهاب إلى أي من المستشفيات العامة أو الخاصة، مهما كانت جراحهم خطيرة، خوفا من أن يتم القبض عليهم هناك.

"لا يزال لدينا حالات شديدة جدا"، يقول الطبيب : "لقد شاهدت عمليات بتر للأطراف في الشهر الماضي، ولا يذهبون الى المستشفى".

ويقول مسعفون إن الحكومة تراقب إذن الدخول للمستشفى لملاحقة المتظاهرين. وقد تمركز الجنود في مجمع السلمانية الطبي التابع للدولة، وقد بعث، ووفقا لناشطين، برسالة إلى العيادات الخاصة تقول لهم إنهم يجب أن يقدموا التقاريرعن أي شخص أصيب نتيجة نشاط غير قانوني، مثل احتجاج غير مصرح به.

وقد امتدت الاضطرابات في البحرين إلى ما يقرب من عام ونصف  وارتفع عدد الضحايا معها. والعيادات المؤقتة في غرف المعيشة موجودة في جميع أنحاء البلاد لعلاج المرضى كل يوم. حتى أن الأطباء يعطون دروساً لأفراد من المجتمع لتقديم الإسعافات الأولية في محاولة لمواكبة عدد الضحايا المتزايد.

"الناس يصابون في كل وقت"، قال أحد المتظاهرين الشباب الذين أصيب برصاص الشوزن في الوجه ويتعرض لمخاطر فقدان البصر في عينه اليسرى وأراد عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية. وأقر: "لم أكن أريد الذهاب (إلى المستشفى) لأنني كنت خائفا،" مضيفا : "لا أحد في مأمن في هذا البلد".

ولكن العاملين الطبيين السريين يقولون إن غرف الطوارئ المنزلية لا يمكنها فعل الكثير. ووفقا لهم، قتل ما لا يقل عن 4 بحرينيين لأنهم رفضوا الحصول على العلاج المناسب في السلمانية، وهي المرفق الوحيد الذي يقدم خدمات صحية كاملة في البلاد، ويقولون إذا استمر الوضع الحالي، فإن عدد القتلى سيرتفع بالتأكيد
"هذه قضية خطيرة حقا في البحرين، وهي لا تحصل على الاهتمام الذي تستحقه من وسائل الإعلام"،  يقول ريتشارد سولم، نائب المدير التنفيذي لأطباء من أجل حقوق الإنسان. وكانت المجموعة قد انتقدت بشدة ما تصفه بـ "عسكرة نظام الصحة العامة في البحرين".

وفقا لجماعات حقوق الإنسان، فإن الجنود يستجوبون كل من يدخل إلى السلمانية كجزء من جهودهم الرامية إلى تحديد المتظاهرين الجرحى. وبمجرد اكتشافهم، كما تدعي الجماعات، فإن المحتجين يؤخذون في بعض الأحيان إلى أماكن سرية ويعذبون. في نظر المعارضة، السلمانية قاعدة عسكرية أكثرمن كونه مستشفى.

المسلمون الشيعة يشكلون غالبية أنصار المعارضة في البحرين. ففي شباط/فبراير 2011، وقد تحركوا بالاعتقاد القائل بأنه يتم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية من قبل الأقلية السنية الحاكمة، نزل المتظاهرون إلى الشوارع للمطالبة بمزيد من الحقوق والإصلاح السياسي. وأصبح دوار اللؤلؤة في المنامة نقطة محورية للمظاهرات، ولكن بعد أن طوقت السلطات الموقع، تحولت المسيرات إلى السلمانية، حيث طالب المشاركون بسقوط النظام، ومنعوا بعض المرضى السنة من الحصول على العلاج [يردد الكاتب ادعاء السلطات الذي تم نفيه في محاكمات الأطباء]. مما ترتب على ذلك حملة قمع على أيدي قوات الأمن، وكذلك الطائفية المتنامية.

وقد أكد التقرير الصادرعن اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي عينتها حكومة البحرين في وقت لاحق من أن الضباط أقدموا على اعتقالات غير قانونية. وتنص أيضا على تعرض المعتقلين في جميع أنحاء البلاد للتعذيب وغيره من أشكال الاعتداء الجسدي والنفسي أثناء احتجازهم.

إلا أن، عبد العزيز آل خليفة، المتحدث باسم هيئة شؤون الإعلام البحرينية وأحد أعضاء العائلة المالكة في البحرين، ينفي بشدة أن يكون التعذيب ما زال مستمرا، ويصر على أن الجنود المتمركزين حاليا في السلمانية يلتزمون بالقانون.

وأكد "لن يتم رفض علاج أي شخص يذهب الى المستشفى"، وأضاف: "ولكن إذا كانت هناك إصابة يشعر المرء بأنها تحتاج إلى استدعاء الشرطة، فعليهم القيام بذلك. وهذا هو المعيار في جميع أنحاء العالم. والتي لا يمكن أن يكون ضدنا".

عبد العزيز آل خليفة يقول إن الحكومة ملتزمة بتجاوز"الأحداث المؤسفة" للعام الماضي، ولكنه أوحى الى أن السلوك العنيف  المتزايد من قبل المتظاهرين يقيد البلاد. ووفقا له، فأن عدد الشبان الشيعة الذين يهاجمون الشرطة بزجاجات المولوتوف في تصاعد مستمر وقوات الشرطة قد ردوا باستخدام أكثر للشوزن، والغاز المسيل للدموع، وغيرها من الأسلحة.

"نحن مضطرون للحفاظ على القانون والنظام"، كما يقول آل خليفة، الذي يشدد أيضا على أن "مثيري الشغب" يجب ان يواجهوا عواقب أفعالهم.

مع عدم وجود أي تهدئة للوضع في الأفق، بدأ العديد من المحللين بوصف الاضطرابات في البحرين وكأنه صراع مجمد. جين كينينمونت، وهي زميلة وباحثة كبيرة في مؤسسة تشاتام هاوس للبحوث في لندن، تقول إن المصطلح هو تصريح مكبوح. وأضافت: "الوضع أسوأ من الجمود - إنه تدهور بطيء".

 فالتدهور يرى في أروقة المستشفى، وكذلك في الشوارع.

يقول الدكتور نبيل حميد، الذي يعمل في السلمانية : "هذا الشعور من عدم الثقة موجود بين الأطباء أنفسهم وبين الأطباء والمرضى - إنه انقسام بين الطوائف والعائلات"، وأضاف "إذا عالجت المشكلة السياسية غدا، وعالجت المشكلة الاقتصادية غدا فسيكون لديك مشكلة اجتماعية طائفية. والتي من شأنها أن تستمر لـ 50 سنة أخرى. المشكلة الآن هي في عدم الثقة بين الجيران".

الدكتور حميد هو من بين 28 العاملين الطبيين ألقي القبض عليهم في السلمانية خلال حملة العام الماضي بعد أن عالجوا المتظاهرين الجرحى. ويواجهون اتهامات بارتكاب جنحة للانضمام الى تجمعات غير قانونية والاحتجاج ضد الحكومة. الأحكام التي ستصدر بحقهم، والمتوقعة في تشرين الأول/سبتمبر، تأتي بعد محاكمة تسعة من زملائهم الشهر الماضي لمدة تصل إلى خمس سنوات في السجن لمساعدة الانتفاضة المناهضة للحكومة. جميع المتهمين يدعون بأنهم تعرضوا للتعذيب من قبل السلطات، ويصرون على أن القضايا المثارة ضدهم مدفوعة سياسيا.

ويقول نشطاء إن محاكمة العاملين في المجال الصحي هو مثال آخر على كيفية خرق البحرين للحياد الطبي، ويصرون على أن الرعاية الطبية يجب أن تكون متحررة من النفوذ السياسي. ويقولون أيضا إنه إذا كانت الحكومة ملتزمة بالإصلاح والمصالحة، فإنه ينبغي عليها استبعاد الحالات وإلغاء الأحكام الصادرة.

الدكتور محمد يوافق على ذلك. ويقول أيضا إنه إذا تم بذل المزيد من الجهد للقضاء على المخاوف المحيطة بالرعايا الصحية العامة في البحرين، فإنه ليس فقط سيسمح لعدد متزايد من المواطنين للحصول على الرعاية الماسة التي يحتاجون إليها، ولكن من شأنه أيضا أن يساعد على شفاء الأمة نفسها.

ويقول :"على الحكومة أن تفصل بين المجال الطبي والسياسة"، ويضيف : "المستشفيات هي أماكن للأشخاص المصابين للحصول على الرعاية الطبية. إنه حقهم في العيش".

16 يوليو/تموز 2012
رابط النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus