» تقارير
شرعية الملك الدستورية تحت مجهر 14 فبراير: هل يتنحّى الملك؟ (4 - 4)
2012-07-22 - 6:38 ص
مرآة البحرين (خاص): النتيجة الأوضح التي أظهرها حراك 14 فبراير، هي أن ثمة ملك اسمه حمد بن عيسى فرّط في نص القسم الدستوري "أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأن أذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأن أصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه" لقد أظهر مجهر 14 فبراير2011 تفريط الملك بهذا القسم، كما أظهر 14 فبراير2002 إلغاء الملك للدستور العقدي، وجاء تقرير بسيوني محاولة لمداواة الشرعية التي أعطبها الملك بتفريطه بوظيفته الدستورية.
منحته المعارضة فرصة كي يداوي شرعيته، لكنه لم يفعل طوال الأشهر الثمانية الأخيرة التي أعقبت صدور تقرير بسيوني، ما الخيارات التي أمامه الآن؟ هذا ما نحاول أن نجيب عليه بتقصي سيرة أداء الملك المناقضة لنص القسم الدستوي.
الملك مسؤول، مسؤولية كاملة عن سيادة الوطن. ماذا فعل ملك البحرين إزاء تلك السيادة؟
خلال عام ونصف، سعى الملك حثيثا للتفريط في سيادة الدولة واستقلالها بدعوى الاتحاد الخليجي تارة والاتحاد الثنائي بين البحرين والسعودية بصورة ظاهرة وأخرى سرية، وأخضع نفسه للقرارات السيادية الفوقية من جيرانه الكبار والأغنياء، فقط لكي لا يتنازل لشعبه مشاركته القرار وإدارة البلد. الملك أظهر خلال هذه الفترة استعداده لأن يكون أمير محافظة مكروهاً ومنزوع القرار، على أن يكون ملكاً محبوباً يشترك مع شعبه في سلطاته.
أقدم الملك على أخطر خطوة أضرت بسيادة البلد، إدخال جيوش خليجية، لا لمواجهة عدو خارجي قام بغزو البلد، بل لمواجهة حركة احتجاجية شعبية داخلية. حدث ذلك بمرسوم ملكي منه شخصياً. تم إظهار الاحتجاجات على أنها مؤامرة خارجية وأن ثمة غزو خارجي قادم. الملك أعلن ذلك في لقائه مع قيادة قوات درع الجزيرة بتاريخ 20 مارس2011، قال أنه تم إحباط مؤامرة خارجية، محيلاً إلى إيران، وقال "جرى الإعداد لهذه المؤامرة منذ عشرين إلى ثلاثين عاما، وبدأ تنفيذها عندما بدت الظروف مؤاتية" قبل أن يمضي ليقول: "أعلن هنا فشل هذه المؤامرة الميتة" .
هذا ما أكده الملك بلا أدنى شك، تبريراً للإقحام غير المسبوق للجيوش الخارجية في بلده، في الوقت الذي أثبت تقرير بسيوني المعتمد من قبله، أنه «لا توجد أدلة قاطعة» تثبت أن إيران لعبت دورا في تأجيج الشارع البحريني.
ورغم ذلك، استمر الملك في تهميش ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق، وأكّد في جلسة تسليم التقرير ذاتها، أن الممارسات التي تصدر عن الإعلام الإيراني، هي (دليل واضح) على المخطط والمؤامرة، ما يبرر استدعاء قوات الخليج لحماية بلده: «إن ذلك يدل دلالة واضحة على تدخل سافر لا يحتمل في شؤون البحرين الداخلية، وإن هذا التدخل أدى إلى معاناة كبيرة للشعب والوطن».
كان دخول قوات درع الجزيرة الاستباحة الأكبر لسيادة الوطن، والهروب من حل المأزق الداخلي بإسقاطه على جهات خارجية، ومع دخل قوات العسكر الخليجية لم يعد هناك شأن داخلي، تحول إلى شأن إقليمي، وتسبب في تدخل أطراف عربية وغربية، وصار الملف البحريني مفتوحاً على مصراعية أمام العالم، ثم بعد كل ما تسبب فيه الملك من ضياع لخصوصية الدولة وسيادتها الدولة، عاد ليقول في لقائه الأخير بقوة دفاع البحرين (13 يونيو/ حزيران 2012) بأن: «أهل البحرين قادرون على معالجة كل ما يعترض سبيلهم (....) في إطار حوار إيجابي وطني خالص بناء وبحلول بحرينية وليست أجنبية»، ويضيف: «إننا نأمل أن يضع الجميع نصب أعينهم مصلحة البحرين وتحييد الشأن الداخلي عن أي صراعات دولية ليس لنا شأن فيها".
عزلة الملك..
منذ بدء أحداث 14 فبراير وحتى الآن، فضل الملك الغياب عن المشهد الذي يعيشه البحرينيون كل يوم، والبقاء في العزلة والخلوة التي اعتاد عليها في قصوره، لم يخرج الملك إلى الناس يوماً، لا أقل أن يجلس إلى قوى المعارضة ليسمع منهم بلا وسيط يحرّف ما يقال وما لا يقال. اختار الملك أن يمعن في عزلته أكثر، وأن يكتفي بالحاشية الضيقة والقليلة التي تحيط به وتوصل له ما تريد بالطريقة التي تريد.
منح شؤون الدولة بالكامل لجناح الخوالد يديرونها كما يشاؤون. غاب عن الحدث وعن الناس حتى صارت خطاباته التي يخرج بها بين الفينة والفينة محل تنذر الشعب الذي يجدها غائبة عن الواقع ومنصرفة عنه تماماً وكأنها كلمة لشعب آخر وواقع آخر. بل أن البعض صار يصف خروج الملك على شاشة التلفزيون ملقياً كلمته بأنها شؤم، لأن مع كل خروج له على الشاشة ثمة سقوط لشهيد في اليوم نفسه.
لم يعد الملك هو الرمز الأول في البلد، لا في الشارع المعارض ولا الموالي. في الشارع الموالي الرجل الأول هو خليفة بن سلمان ومن بعده يأتي المشير. وهو ما برز في الأسابيع الاولى من فترة السلامة الوطنية من انتشار صور خليفة بن سلمان دونه، لولا التدارك الشكلي الذي تم فيما بعد.
الملك أيضاً قضى على مستقبل وريث عرشه المقبل. لقد أنهى مستقبل ولي العهد بيده، بسوء إدارته للحكم وبضعف أدائه وبتخليه عن ممارسة دوره الفعلي في البلد. لقد انكفأ وسط مجموعة من المحيطين المتملقين والمستشارين الذين لا يسمع إلا منهم. يسمع منهم ما يؤكد له أنه يمضي في الحل الأمثل، وأن الحل الأمني وحده هو خياره للبقاء في عرشه، وأن عليه أن يبقى مطمئناً لأن هناك بواسل يذودون عن ملكه لا عن مملكته.
خيارات الملك
تجربة 14 فبراير أظهرت تفريطاً كبيراً من الملك في مسؤوليته تجاه الوطن والشعب، وتجاه الحدث والأزمة. لقد قال الملك في مقال الحلم (الذي أشرنا له في البداية) أنه لن يسمح بأي عودة إلى الوراء، لكن في أول اختبار حقيقي في عهده جعل الدولة تتقهقر جرياً إلى الوراء عشرات السنين.
في الدستور: "الملك هو الحامي الأمين للدين والوطن، ورمز الوحدة الوطنية"، لكن الملك لم يحمِ ولم يكن رمزاً للوحدة، بل سبّب انشقاقاً وشارك في تأزيم وتعميق المحنة. وهو لا يزال في غيابه الذي اختاره لنفسه، كي لا يزعجه في عزلته شيء. بقت خيارات محدودة الآن:
الخيار الأول: هو أن يصحو الملك من غفلته، يتدارك ما تبقى (إن كان ثمة)، ويبدأ فوراً بإجراء إصلاحات حقيقية تُرجع السلطات للشعب ويكون الشعب قادرا بنفسه عبر القوانين والصلاحيات، مراقبة هذه السلطات ومحاسبتها، متى ما تجاوزت أو انتهكت أو فسدت. وبهذا تحفظ للملك مكانته الاعتبارية والمحايدة.
الخيار الثاني: أن يختار الملك طوعا التنحي ويقوم بإيكال الأمر لشخص من عائلته، قادراً على تحمل مسئوليات هذا الشعب.
الخيار الثالث: أن يختار الشعب ملك آخر يجمع عليه، يتحمل مسئولية هذا الشعب وهذا الوطن ويذود عنه وفق ما جاء في نصوص الدستور.
الخيار الرابع: الخروج بنظام سياسي يحفظ حقوق وحرمات هذا الشعب وهو حل وسط بين إسقاط النظام وإصلاح النظام.
الخيار الخامس: أن يصبح الأمر ميؤوسا، وهذا سيفتح الخيارات والتداعيات الى المجهول بما لا يمكن لأحد التنبؤ به.
منحته المعارضة فرصة كي يداوي شرعيته، لكنه لم يفعل طوال الأشهر الثمانية الأخيرة التي أعقبت صدور تقرير بسيوني، ما الخيارات التي أمامه الآن؟ هذا ما نحاول أن نجيب عليه بتقصي سيرة أداء الملك المناقضة لنص القسم الدستوي.
الملك مسؤول، مسؤولية كاملة عن سيادة الوطن. ماذا فعل ملك البحرين إزاء تلك السيادة؟
خلال عام ونصف، سعى الملك حثيثا للتفريط في سيادة الدولة واستقلالها بدعوى الاتحاد الخليجي تارة والاتحاد الثنائي بين البحرين والسعودية بصورة ظاهرة وأخرى سرية، وأخضع نفسه للقرارات السيادية الفوقية من جيرانه الكبار والأغنياء، فقط لكي لا يتنازل لشعبه مشاركته القرار وإدارة البلد. الملك أظهر خلال هذه الفترة استعداده لأن يكون أمير محافظة مكروهاً ومنزوع القرار، على أن يكون ملكاً محبوباً يشترك مع شعبه في سلطاته.
أقدم الملك على أخطر خطوة أضرت بسيادة البلد، إدخال جيوش خليجية، لا لمواجهة عدو خارجي قام بغزو البلد، بل لمواجهة حركة احتجاجية شعبية داخلية. حدث ذلك بمرسوم ملكي منه شخصياً. تم إظهار الاحتجاجات على أنها مؤامرة خارجية وأن ثمة غزو خارجي قادم. الملك أعلن ذلك في لقائه مع قيادة قوات درع الجزيرة بتاريخ 20 مارس2011، قال أنه تم إحباط مؤامرة خارجية، محيلاً إلى إيران، وقال "جرى الإعداد لهذه المؤامرة منذ عشرين إلى ثلاثين عاما، وبدأ تنفيذها عندما بدت الظروف مؤاتية" قبل أن يمضي ليقول: "أعلن هنا فشل هذه المؤامرة الميتة" .
هذا ما أكده الملك بلا أدنى شك، تبريراً للإقحام غير المسبوق للجيوش الخارجية في بلده، في الوقت الذي أثبت تقرير بسيوني المعتمد من قبله، أنه «لا توجد أدلة قاطعة» تثبت أن إيران لعبت دورا في تأجيج الشارع البحريني.
ورغم ذلك، استمر الملك في تهميش ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق، وأكّد في جلسة تسليم التقرير ذاتها، أن الممارسات التي تصدر عن الإعلام الإيراني، هي (دليل واضح) على المخطط والمؤامرة، ما يبرر استدعاء قوات الخليج لحماية بلده: «إن ذلك يدل دلالة واضحة على تدخل سافر لا يحتمل في شؤون البحرين الداخلية، وإن هذا التدخل أدى إلى معاناة كبيرة للشعب والوطن».
كان دخول قوات درع الجزيرة الاستباحة الأكبر لسيادة الوطن، والهروب من حل المأزق الداخلي بإسقاطه على جهات خارجية، ومع دخل قوات العسكر الخليجية لم يعد هناك شأن داخلي، تحول إلى شأن إقليمي، وتسبب في تدخل أطراف عربية وغربية، وصار الملف البحريني مفتوحاً على مصراعية أمام العالم، ثم بعد كل ما تسبب فيه الملك من ضياع لخصوصية الدولة وسيادتها الدولة، عاد ليقول في لقائه الأخير بقوة دفاع البحرين (13 يونيو/ حزيران 2012) بأن: «أهل البحرين قادرون على معالجة كل ما يعترض سبيلهم (....) في إطار حوار إيجابي وطني خالص بناء وبحلول بحرينية وليست أجنبية»، ويضيف: «إننا نأمل أن يضع الجميع نصب أعينهم مصلحة البحرين وتحييد الشأن الداخلي عن أي صراعات دولية ليس لنا شأن فيها".
عزلة الملك..
منذ بدء أحداث 14 فبراير وحتى الآن، فضل الملك الغياب عن المشهد الذي يعيشه البحرينيون كل يوم، والبقاء في العزلة والخلوة التي اعتاد عليها في قصوره، لم يخرج الملك إلى الناس يوماً، لا أقل أن يجلس إلى قوى المعارضة ليسمع منهم بلا وسيط يحرّف ما يقال وما لا يقال. اختار الملك أن يمعن في عزلته أكثر، وأن يكتفي بالحاشية الضيقة والقليلة التي تحيط به وتوصل له ما تريد بالطريقة التي تريد.
منح شؤون الدولة بالكامل لجناح الخوالد يديرونها كما يشاؤون. غاب عن الحدث وعن الناس حتى صارت خطاباته التي يخرج بها بين الفينة والفينة محل تنذر الشعب الذي يجدها غائبة عن الواقع ومنصرفة عنه تماماً وكأنها كلمة لشعب آخر وواقع آخر. بل أن البعض صار يصف خروج الملك على شاشة التلفزيون ملقياً كلمته بأنها شؤم، لأن مع كل خروج له على الشاشة ثمة سقوط لشهيد في اليوم نفسه.
لم يعد الملك هو الرمز الأول في البلد، لا في الشارع المعارض ولا الموالي. في الشارع الموالي الرجل الأول هو خليفة بن سلمان ومن بعده يأتي المشير. وهو ما برز في الأسابيع الاولى من فترة السلامة الوطنية من انتشار صور خليفة بن سلمان دونه، لولا التدارك الشكلي الذي تم فيما بعد.
الملك أيضاً قضى على مستقبل وريث عرشه المقبل. لقد أنهى مستقبل ولي العهد بيده، بسوء إدارته للحكم وبضعف أدائه وبتخليه عن ممارسة دوره الفعلي في البلد. لقد انكفأ وسط مجموعة من المحيطين المتملقين والمستشارين الذين لا يسمع إلا منهم. يسمع منهم ما يؤكد له أنه يمضي في الحل الأمثل، وأن الحل الأمني وحده هو خياره للبقاء في عرشه، وأن عليه أن يبقى مطمئناً لأن هناك بواسل يذودون عن ملكه لا عن مملكته.
خيارات الملك
تجربة 14 فبراير أظهرت تفريطاً كبيراً من الملك في مسؤوليته تجاه الوطن والشعب، وتجاه الحدث والأزمة. لقد قال الملك في مقال الحلم (الذي أشرنا له في البداية) أنه لن يسمح بأي عودة إلى الوراء، لكن في أول اختبار حقيقي في عهده جعل الدولة تتقهقر جرياً إلى الوراء عشرات السنين.
في الدستور: "الملك هو الحامي الأمين للدين والوطن، ورمز الوحدة الوطنية"، لكن الملك لم يحمِ ولم يكن رمزاً للوحدة، بل سبّب انشقاقاً وشارك في تأزيم وتعميق المحنة. وهو لا يزال في غيابه الذي اختاره لنفسه، كي لا يزعجه في عزلته شيء. بقت خيارات محدودة الآن:
الخيار الأول: هو أن يصحو الملك من غفلته، يتدارك ما تبقى (إن كان ثمة)، ويبدأ فوراً بإجراء إصلاحات حقيقية تُرجع السلطات للشعب ويكون الشعب قادرا بنفسه عبر القوانين والصلاحيات، مراقبة هذه السلطات ومحاسبتها، متى ما تجاوزت أو انتهكت أو فسدت. وبهذا تحفظ للملك مكانته الاعتبارية والمحايدة.
الخيار الثاني: أن يختار الملك طوعا التنحي ويقوم بإيكال الأمر لشخص من عائلته، قادراً على تحمل مسئوليات هذا الشعب.
الخيار الثالث: أن يختار الشعب ملك آخر يجمع عليه، يتحمل مسئولية هذا الشعب وهذا الوطن ويذود عنه وفق ما جاء في نصوص الدستور.
الخيار الرابع: الخروج بنظام سياسي يحفظ حقوق وحرمات هذا الشعب وهو حل وسط بين إسقاط النظام وإصلاح النظام.
الخيار الخامس: أن يصبح الأمر ميؤوسا، وهذا سيفتح الخيارات والتداعيات الى المجهول بما لا يمكن لأحد التنبؤ به.