شبيك لُبيك.. التعليم الفنلندي بين إيديك

ناصر بن حمد يحيى صفاً من المصفقين له من الضباط والجنود في الحرس الوطني
ناصر بن حمد يحيى صفاً من المصفقين له من الضباط والجنود في الحرس الوطني

2018-12-12 - 7:36 م

مرآة البحرين (خاص): ماذا لو سارت وزارة التربية اليوم في محاولة استنساخ التجربة الفنلندية التي أبدى نجل الملك ناصر بن حمد إعجابه بها ووجه وزير التربية والتعليم للاستفادة منها؟

ماذا لو صرفت الوزارة مئات الآلاف من الدنانير كما فعلت قبل سنوات في محاولة استنساخ تجربة سنغافورة التي كانت محط إعجاب ولي العهد، التجربة التي لم تحقق أي نتيجة في الواقع الميداني؟

لا شكّ أن تميّز تجربة التعليم في فنلندا لفتت أنظار العالم، المخرج الأميركي الشهير للجدل مايكل مور، يقدّم لنا ذلك في فيلم تسجيلي عنوانه «أين نغزو المرة القادمة؟». لكن هل يمكن للنموذج التعليمي في بلد ما أن يُستنسخ في بلد آخر؟ إنه السؤال الذي ينبغي  لوزارة التربية الإنصات له جيداً.

لنستمع إلى المحلل العالمي شارل ليدبيتر في لندن، يشرح لنا سبب عدم إمكانية إعتماد هذا النظام في جميع دول العالم. يقول: «فنلندا دولة مذهلة، لكن هناك أشياء لا تعدّ رائعة وبعض الجوانب في المجتمع الفنلندي لا تتيح استنباط شيء ما. على نطاق صغير هذا ممكن، انه نظام متكامل من وجهة نظر ثقافية، لكن يجب عدم القول بأنه النظام الوحيد الفعال في طريقة التعليم والتدريس، إنه ليس الوحيد وأحيانا ليس الأفضل لتحسين طرق التعليم". الدول التي تسيطر على التعليم التقليدي في العالم وتهمين عليه، مثل السويد والولايات المتحدة وانجلترا وألمانيا، لم تقم بتقليد النموذج الفنلندي، فالنموذج لم يصل إلى هذا المستوى إلا بعد خطوات كبيرة.

أصعب ما يواجه استنساخ تجربة التعليم هو الثقافة. كل شيء يمكن استنساخه إلا الثقافة، والتعليم هو التجربة الأكثر تمازجاً وتداخلاً مع الثقافة، بل إن أحدهما يصنع الآخر ويكمّله ويغذيه، وهذا ما يؤكده ليدبيتر لوكالة يورو نيوز «هناك أجزاء من هذا النموذج يمكن أن تعزل وتباع في مكان آخر: كالتدريس وتدريب المدرسين وطريقة تنظيم المدارس. لكن بالمقابل، هناك أشياء لا يمكن تصديرها، فالتعليم ثقافة حقيقية في فنلندا، إنها مرتبطة بتاريخ البلد، هناك ثقافة الاحترام وتعزيز المعرفة، إنها أشياء ليس من السهل الحصول عليها في مكان آخر. إنها أشياء لا يمكن الحصول عليها بسهولة، ليس بالإمكان تعبئتها كسلعة وإرسالها، إن التعليم أعقد من ذلك بكثير».

لهذا فشلت محاولة استنساخ التجربة السنغافورية في البحرين من قبل، ومن العبث تكرار المحاولة بذات الطريقة الاستنساخية على طريقة تعبئة التجربة وإرسالها كسلعة، هذا مع عدم التقليل من أهمية الاستفادة من التجارب التعليمية الناجحة والمتميزة في دول العالم المتحضّر، لكن هناك مسافة بين الاستفادة ومحاولة الاستنساخ.

هذا على الجانب الثقافي، أما من ناحية النظام ذاته، فيخبرنا موقع وزارة التعليم والثقافة في فنلندا أن التعليم إلزامي لتسع سنوات، ويبدأ من سن السابعة وحتى سن السادسة عشر، والحضور إلزامي، كما لا يوجد تمييز بين المدارس فهناك مدارس موحدة، ولكن يمكن أن يدرس الطالب من الصف الأول إلى الصف السادس باللغة الإنجليزية.

المدارس الخاصة في فنلندا قليلة جداً، فالتعليم فى فنلندا حكومى بشكل كامل مجاني حتى مرحلة الثانوية العامة وتموله الدولة، وتضع الدولة مبدأ أساسي وهو حق المساواة في التعليم لكل أفرادها بنفس الجودة دون النظر لأي اعتبارات أخرى سوى المواطنة.

لا يزيد أى فصل فى فنلندا عن 20 طالبا، وتبلغ مدة الدراسة من 4 إلى 11 حصة، أو فترة دراسة أسبوعا، ويأخذون دروسا فى الفن والموسيقى والطبخ والنجارة والحدادة والمنسوجات.

يختار الطالب عدد السنوات التي تناسبه لإتمام التعليم  تتراوح بين عامين و4 أعوام، و يتم منح المدارس الحرية الكاملة في اختيار نوعية الكتب المستخدمة طالما تلتزم بالإطار العام الذي حددته الوزارة.

أهم ما ميز التجربة الفنلندية في التعليم الثانوي هو اشتراط حصول المدرس أن يكون حاصلاً على درجة الماجستير، كما يشترط أن يحصل المعلمون على دورات تدريبية لممارسة مهنة التدريس بالإضافة إلى استقلال كامل للمدرسين داخل الفصول.

التعليم في فنلندا على هيئة دورات فى عدد من المواد، ويجب على كل طالب حتى يجتاز المرحلة الثانوية اجتياز عدد من الدورات بنجاح، تشجيع الابتكار عن طريق استراتيجية تساهم فيها كافة قطاعات الدولة لتطوير الإمكانيات التنافسية، وتقوم الشركات بتمويل حوالي 25% من استثمارات الدولة في الأبحاث والتنمية التي يجريها الطلاب.

بعد هذه الملاحظات السريعة حول التعليم في فنلندا، هل يمكن المقارنة بين واقع التعليم في البحرين وواقع التعليم في فنلندا؟ خاصة مع تقاعد آلاف المعلمين المؤهلين والكفوئين إثر إغراءات برنامج التقاعد الأخير، ومع وجود المئات من أبناء البلد حاملي الشهادات الجامعية في التربية بين عاطلين ومفصولين، ومع ضخّ عشوائي إلى معلمين وافدين يفتقرون أدنى مستويات الكفاءة، وفي ظل التمييز الدارج في التوظيف والترقيات والبعثات. كيف يمكن لبلد أن ينهض تعليمها فيما أكثر من ٪30 من طلبتها المتفوقين محرومين من الحصول على بعثات دراسية، تلك البعثات التي توزّع بناء على محسوبيات طائفية وخاصة؟

هل ستُسد هذه الفروقات عبر قرارات مستعجلة يتخذها النعيمي ظاهرها الرحمة، وباطنها: شبيّك لبيك.. التعليم الفنلندي بين إيديك.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus