’لو كنت تحبين الملك، لما حصل لك أي سوء’

2012-07-24 - 12:14 م


شاهد البحرين
ترجمة : مرآة البحرين

  "كل شخص هنا لديه قصة"، قيل لي تكرارا "وهناك قصص كثيرة جدا".

وهنا واحدة.

جاءت السيدة (ل) للقائي في المساء. (ل) امرأة ذات مشاعر جياشة، وذات وجه مستدير، وعيون دافئة وشعر بني ناعم يغطيه وشاح بني.

"أين يمكننا الجلوس؟" سألتني، وهي تبحث في أنحاء المنزل عن زاوية خاصة. لم تشأ أن تخبرني قصتها أمام أطفالها الصغار.

كانت السيدة (ل) تعمل في وزارة الصحة، في مجال الموارد البشرية. في 18 نيسان/أبريل 2011، بعد شهر واحد من بدء ما يعرف باسم "الحملة". المئات من "القوات الخاصة" المسلحة حاصرت مبنى وزارة الصحة. كان من الصعب معرفة من من  تتشكل هذه القوة المسلحة، أخبرتني السيدة لام، يبدو انها مزيجا من الجيش والشرطة، بعضهم بلباس عسكري، والبعض بملابس مدنية، وكلهم تقريبا يرتدون أقنعة. لم تر السيدة (ل) مجموعة بمختلف الأسلحة كهذه خارج أفلام الآكشن الأميركية. راحت الأفراد المسلحون يتنقلون من طابق إلى طابق. كانوا يعرفون بدقة من هم الموظفون الذين كانوا يبحثون عنهم، وأين تقع مكاتبهم.

وقالت: " لا بد ان يكونوا قد حصلوا على مساعدة الموظفين السنة  للحصول على هذا الكم من المعلومات"، ثم ترددت. "أشعر بعدم الارتياح عندما أتحدث عن سنة/شيعة". "ولكن هذا ما حدث".

حدد عدد من القوات المسلحة هوية السيدة (ل) في مكتبها، وذلك بمساعدة مديرها، الذي شاهد كل ما تلا ذلك. وقد تم توثيق كل ما قالت من تعليق عن الوضع لزملائها في الأشهر الماضية على ورقة قرأها المهاجمون.


وكانت العقوبة الأولى التي واجهتها السيدة (ل) وزملاؤها هو الإذلال. حيث ألقيت سجادات الصلاة في القمامة. وقيلت بحقهم الشتائم وبوفرة :"أنتم مجموعة من الشيعة الأغبياء".

وقيلت ايحاءات في دعمها لحزب الله. "من هو حسن نصر الله؟" سألوها. "هل تحبينه؟"

طلبوا من السيدة (ل) ان تسلم الآي فون الخاص بها - كانوا يعرفون أن لديها واحداً. ولحسن حظ  كان للسيدة (ل) إحساس بأن الهجوم قد يحدث، لذا تركته في المنزل.
تولى أحد الرجال أخذها إلى مكتب مديرها، ليقود الاستجواب. "أنا مثل والدك، وأنت ابنتي"، بدأ بلطف. "قولي لي ماذا  تعرفين، وسأحاول مساعدتك". بدأ يسأل عن انتماءاتها الحزبية، وعما إذا كانت تدعم المعارضة.

"أنا أم، وموظفة، و لست سياسية"، أصرت السيدة (ل) وبحزم. "الشيء الوحيد الذي يهمني هو أطفالي".

سألها عن عائلتها - أين يعمل زوجها، ووالدها وإخوانها ؟ قالت لمحققها إنهم كانوا جميعا من أصحاب الأعمال الصغيرة.

قال :"أنا لا أحبكم "، وقد بدأ بالتحول إلى شرير. "أنا لا أحبكم على الإطلاق".

اعتقدت السيدة (ل) أنها فهمت النص الضمني من تعليق الرجل:  لديك المال – فإذن لما أنت ضد الحكومة؟

حاولت السيدة (ل) عدم التركيز على أصوات زملائها وهم يتعرضون للضرب ويصرخون في الجانب الآخر من الغرفة،   واستجوابها ما زال متواصلا.

"هل ذهبت إلى دوار اللؤلؤة؟"

"لا"، كذبت السيدة (ل).

سألها عن خلفيتها الثقافية.

قال المحقق باحتقار: "كلما كنت متعلمة أكثر، حصلنا على المزيد من المتاعب معك". بقيت السيدة (ل) صامتة. "أنا لا أحبكم أبدا، و لأنك غير متعاونة،  فسوف أرسل أحداً ليضربك".

تم جلب اثنتين من الشرطة النسائية ذاتي بشرة داكنة، اعتقدت السيدة (ل) أنهن بحرينيات ولكن ربما من أصل أفريقي.  انهمرت ضربات قبضاتهن على وجه وكتفي وظهر السيدة (ل). تلقت ركلات حادة، والصفع على الوجه لمزيد من الإذلال. سحبوها إلى مكتبها، وبدأ عدد من الاشخاص بفتح أدراج مكتبها، وفتح رسائل البريد الإلكتروني على جهاز الكمبيوتر الخاص بها.

طلب أحدهم: "نريد أن نرى كم هو راتبك". السيدة (ل) أظهرت لهم وثيقة على جهاز الكمبيوتر الخاص بها. "إنك تستلمين ثلاثة أضعاف أجورنا، وتكرهين حكومتك؟" وبدأوا بضرب السيدة (ل) مرة أخرى، يسحبونها، مرات عديدة، أمام زملائها وهم يوجهون اللكمات على الرقبة والفم والكتفين. كانت تسمع صرخات قادمة من كل ركن من أركان المكتب، ولكن السيدة (ل) كانت في حالة صدمة عميقة جدا تمنعها من الصراخ.

أمسكها اثنان من مهاجميها من تحت ذراعيها، وبدأوا بسحبها على الدرج نزولاً إلى الطابق الثاني.

"أوقفوا ضرب هذه الفتاة اللطيفة، أنا أحبها"، قال أحد الرجال الملثمين بنظرة شهوانية. واضعا ذراعه حولها ليقودها بنفسه إلى الطابق السفلي، وهو يداعب صدرها.

في الطابق الثاني، رأت السيدة (ل) إحدى زميلاتها الموظفات وهي تدفع إلى الجدار وقد مزقت امرأة ضخمة مقنعة عباءتها  وملابسها حتى بان جسدها. "تعالوا وانظروا إلى لحم الشيعة الأبيض!" نادت المرأة المقنعة.

شاهدت السيدة (ل) برعب أحد زملائها الموظفين الآخرين وهو يسحب أمام عينيها إلى أسفل الدرج إلى الطابق الاول -   وهو يتدحرج إلى الأسفل – ثم تم دفعه إلى الطابق الأرضي. وعندما نزلت السيدة (ل) إلى الطابق الارضي، وجدت وجه زميلها وقد تورم وأدمي بشكل صار من الصعب التعرف عليه.

وقد تم جمع إحدى عشرة موظفة في أحد جوانب المدخل ونحو 35 رجلا في الجهة الأخرى - كلهم شيعة، معظمهم يعملون في قسم الموارد البشرية. ظنت السيدة (ل) أن الشيعة في إدارة الموارد البشرية تحديدا هم من تم استهدافهم لأن لديهم معلومات عن جميع أقسام الوزارة.

جلست النسوة على الأرض عند المدخل - "لا تستحقون أن تجلسوا على كراسي الحكومة!" – بينما أجبر الرجال في الطرف الآخر من البهو على الجلوس بمواجهة الحائط، وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم. وأحضرت الكلاب لشم الجميع. رأت السيدة (ل) الدم وهو يتسرب من الثوب البيضاء لبعض زملائها الرجال.

تم لف غترة أحد الرجال (غطاء الرأس الأبيض في اللباس التقليدي الخليجي) حول عنقه واستخدمت كرباط لإجبار الرجل على الزحف على أربع مثل الكلب. "قف وارقص!" أمروه. وفعل ذلك.

أمر المهاجمون الرجال بتعليق صور الملك حمد بن عيسى آل خليفة على الحائط وتقبيلها. وأجبرت النساء على حمل صور للملك ورئيس الوزراء، وولي العهد فوق رؤوسهن ويصحن عاش الملك.

أمروهم :"غنوا النشيد الوطني!"، وهم واقفون يحملون الصور فوق رؤوسهم. وأي شخص يتلعثم بالكلمات أو ينساها كان يتعرض للصفع أو اللكم على وجهه.

كان عندي لقاء، ولذا لم تتمكن السيدة (ل) من إنهاء قصتها، على الرغم من أنني أعرف أنها قضت ليلتها في مركز الشرطة، وأنها أقيلت من وظيفتها مع نصف العاملين في قسم الموارد البشرية في وزارة الصحة.

وأنا أحزم دفتر ملاحظاتي، روت السيدة (ل) تفصيلا آخر من تفاصيل محنتها. في بهو الوزارة كانت إحدى الشرطيات تقترب منها تكرارا وتقول للسيدة (ل) : "لماذا لا تحبين الملك؟"، "لو كنت تحبينه، لما حدث لك أي سوء".

3 يوليو/تموز 2012
رابط النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus