مذكرات 2018: اكتشاف نفطيّ يشبه "كذبة ابريل".. 80 مليار برميل صخريّ لا يُعرف ما الممكن استخراجه منه و"زفة عروس" أعقبتها الضرائب

ولي العهد البحريني يسلم رئيس الوزراء عينّة من النفط الصخريّ المكتشف
ولي العهد البحريني يسلم رئيس الوزراء عينّة من النفط الصخريّ المكتشف

2019-01-01 - 1:48 ص

مرآة البحرين (خاص): كان إعلان البحرين عن اكتشاف حقل ضخم للنفط الصّخري قبالة الساحل الغربي للبلاد واحداً من أبرز الأحداث خلال العام 2018. الكشف الذي وصفته الوكالة الرسمية بأنه الأكبر منذ العام 1932؛ إذ قدرت كمياته بأضعاف حقل البحرين، كان مناسبة كبيرة للاحتفال والاستبشار الرسمي؛ لكنه أيضاً سرعان ما تحوّل إلى أسئلة بلا إجابة.

وجاء في بيان رسمي أذاعته وكالة أنباء البحرين إن ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة وجّه اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي "لتحديد جدوى الكميات القابلة للاستخراج من هذا الحقل الجديد ووضع الخطط لتطويره بالمدة الزمنية مع مراعاة الطبيعة الجيولوجية للموقع وتكلفة الاستخراج". وهو ما أظهر بأنه ليس بحوزة اللجنة معلومات نهائية عما إذا كانت الكميات المكتشفة كميات تجارية (قابلة للاستثمار) أم لا.

وتأكّد ذلك مع المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير النفط محمد بن خليفة آل خليفة؛ إذ أكد بأنه لا يملك معلومات إضافية بشأن الاكتشاف النفطي. وقال الوزير في تصريحات لتلفزيون البحرين "إن الهيئة الوطنية للنفط والغاز بصدد عمل مسوحات جيولوجية لتحديد الكميات التي من الممكن استخراجها، تليها دراسات لكيفية استخراجه بأفضل التكنولوجيا التي في ضوئها ستُحدد كلفة الاستخراج، على أن تُحدد أخيرا مواقع الاستخراج".

وأشار إلى أن المدة الزمنية المتوقعة لاستخراج النفط الصخري الخفيف، بالإضافة إلى استخراج الغاز العميق من حقل النفط الجديد تبلغ 5 سنوات، على أن يبدأ العمل من العام الجاري.

ولم يخلُ الإعلان عن الكشف من الكثير من المعلومات المتضاربة. ففيما ذكر نائب رئيس شركة "ديماك" في مؤتمر صحافي بالمنامة عن أن "كميات النفط الخفيف والغاز المصاحب قد تتجاوز 80 مليار برميل مبنية على البيانات الفنية بعد إجراء جميع الدراسات والتحاليل للمعلومات المتوفرة". جاءت أرقام وزير النفط خلال المؤتمر نفسه مغايرة. فقد أشار إلى أن "كميات الغاز تقدر بين 10 الى 20 تريليون قدم مكعب".

وسواء صحّت تقديرات الأول أم الثاني إلا أن ذلك كان إيذاناً بانطلاق المزيد من التشكيكات. فالأرقام المذكورة تعني أن موجودات البحرين تتفوّق على تقديرات "إدارة معلومات الطاقة الأمريكية" (EIA)  بشأن احتياطيات النفط والغاز الصخريين القابلين للاستخراج في جميع دول العالم. إذ تتفوّق البحرين بهذا الرّقم على موجودات كل من استراليا والولايات المتحدة والصّين والأرجنتين والمكسيك. وهذه هي أغنى الدول في العالم على صعيد النفط الصخريّ غير التقليدي.

وامتدت التشكيكات إلى أوراق ومواقع الصحافة الاقتصادية العالمية ومراكز الأبحاث. فقد رأت وكالة "بلومبيرغ" الدولية المتخصصّة في التقارير الماليّة بأن "الاستثمار والوقت اللاّزميْن لاستخراج النفط الصخري واستحالة التنبؤ بمستوى الأسعار عندما يتم استخراجه سيخفف من أي تفاؤل فوري للإعلان".

فيما رسم تقرير لمركز "ستراتفور" للدراسات الإستراتيجية والأمنية الأمريكي، صورة تفصيليّة أكثر قتامة لمستقبل الاكتشاف؛ إذ قال "على الرغم من أن اكتشاف الحقل قد يكون مهمًا، إلا أنه لن يتمكن من حل التحديات المالية والاقتصادية في البحرين بين عشية وضحاها؛ أو حتى في غضون السنوات القليلة المقبلة". وذكر بأنه ليس من الواضح كم من الهيدروكربونات (النفط صخرية) ستكون قابلة للاستخراج بالفعل. إذ أن الأرقام المعلنة هي موارد "في مكانها" موجودة في تشكيلات صخرية تعرف باسم "النفط الضيق" و"الغاز الضيق". مما يعني أنها ذات نفاذية منخفضة (على غرار التكوينات الصخرية الأمريكية)، التي تعيق تدفق الهيدروكربونات". وخلص المركز إلى "أن استخراج النفط والغاز من الحقل الجديد سيتطلب تقنيات باهظة الثمن، ولن تتمكن البحرين من سحب معظمه".

في هذا الإطار فقد أبلغ وزير النفط  أعضاء مجلسيّ الشورى والنوّاب بأن الوزارة ستعمل من أجل أن لا تتجاوز كلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط والغاز الصخريّيْن 40 دولاراً. لكن هذا يمثّل الكلفة في أحسن الأحوال. ذلك أن الحقل الصخريّ المكتشف يقع معظمه في المياه المغمورة ما يمكن أن يزيد ذلك كلفة الاستخراج إلى الضعف. إن 40 دولاراً هي كلفة إنتاج برميل النفط الصخريّ الواحد فعلاً في عدد من الآبار على اليابسة بالولايات المتحدة الأمريكيّة، أكبر منتج للنفط الصخريّ. لكن هناك آبارا أخرى تصل فيها كلفة استخراج برميل النفط الصخريّ الواحد إلى 100 دولار.

على صعيد المواقف فقد امتنعت المملكة العربية السعودية في البداية الإدلاء بأي تعليق رسمي حول الاكتشاف النفطي رغم مسارعة الدول الخليجية الأخرى جميعها إلى تهنئة البحرين. واقتصرت ردود الفعل السعوديّة للوهلة على مغرّدين شعبيين في "تويتر" زفّوا الأماني الخيّرة إلى البحرين في ظلّ صمت رسميّ.  ما فتح مجالاً لبروز بعض الاستفهامات حول الموقف السعودي الحقيقي من الإعلان خاصّة أن الحقل المكتشف والذي أطلق عليه "خليج البحرين" يقع بالتوازي مع المياه الإقليمية السعودية. فقد أظهرت الخرائط التي قامت اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصاديّ بنشرها أن الحقل يمتدّ طبوغرافيّاً على طول الحدود الشرقية للسعوديّة وبشكْل يكاد ينتصف  فيه الجزء البحريّ من الخليج العربيّ الواقع بينهما إلى نصفيْن.

ولم تعلن السعودية عن موقف رسمي إلا بعد أسبوع من الكشف عبر تصريح صدر على لسان السفير السعودي هنأ فيه البحرين.

وخلال مؤتمر الإعلان عن الاكتشاف صرّح وزير النفط بأنه "تم توقيع مذكرة تفاهم بالتعاون مع شركة هاليبرتون الأمريكية للتحضير لعمليات حفر آبار إنتاجية في الحقل الجديد". كما أفاد وزير النفط أيضاً في تصريحات لاحقة بأن البحرين تحاول جذب مستثمرين أمريكيين في قطاع النفط الصخري بالشروط المناسبة.وقال "خاطبنا العديد من الشركات في الولايات المتحدة، الذين لديهم الخبرة والتخصص. ونحن نعرف أن الموارد غير التقليدية هي ظاهرة في الولايات المتحدة. ما نحاول فعله هو جذبهم، بالشروط المناسبة بمجرد أن ننتهي من تعريف الجيولوجيا والتي نظن أنها ستكون جيدة".