التّقرير السّياسي لتجمّع الوحدة.. غطاء على الجرائم السّتة

2012-07-31 - 6:10 ص


مرآة البحرين (خاص): هل كان التّقرير السّياسي لجمعيّة تجمّع الفاتح – أو ما يُسمّى بتجمّع الوحدة الوطنيّة – مفاجئاً؟ يبدو من ردود الأفعال التّي تلت نشره؛ أنّه كان كذلك. ردود الأفعال شبه الإيجابيّة حيال التّقرير، كانت هي أيضاً مفاجئة. لم تقتصر هذه الرّدود الاستحسانيّة على متابعين من العموم، فقد أبدى بعض قيادات المعارضة لوناً من الاستقبال الاحتفالي أيضاً (1). وإذا كان من الممكن تفهّم القراءات المتحفّظة والنّاقدة للتّقرير إيّاه – ومن أطراف الموالين والمعارضين معاً (2)- فإن التّناول الحاضن له كان أشبه ما يكون بالغزل من طرفٍ واحد، بل يمكن اعتباره لوناً من المبالغة والتكلّف غير الموزون في استدراج ودٍّ غير ذي شأن.

الصّورة الناصعة الآن، هي أن تجمّع الوحدة الوطنيّة لم يتخلّ عن صورته السّيئة. ولا يغيّر الأمر أنّ التقرير السياسي اعترف، بنحوٍ أو بآخر، بأحقيّة الثّورة في البحرين، وأنها تأتي في سياق الرّبيع العربي، وتأكيده على أنها تحمل مطالب ديمقراطيّة مشروعة. هذا الاعتراف – بحسب ما يفيد بعض العارفين - "ارتكبه" كاتب التّقرير بناءً على خلفيته المزدوجة، حيث التلاعب بعقول الآخرين. من الواضح أنّ ذلك لم يفد كثيراً. فالموالاة المرتبطة بالديوان الملكي شنّت هجوماً شرساً على التقرير، كما أنّ الشارع المعارض أبدى سخرية واسعة تجاه التقرير. لقد سقط التقرير في تحقيق أغراضه "الشخصية"، ولم يعد مفيداً التسويق له، أو النّظر إليه باعتباره "وثيقة" حزبيّة. وهذه سابقة في اجتماعات الأحزاب والجمعيّات السياسية، حيث يخفق تقرير سياسي أنجزته الإدارة العليا في التحوّل إلى وثيقة داخليّة، فضلاً عن كونه كان غريباً عن المحيط الفعلي للعاملين في التجمع والمؤيّدين له، وكان ورقة كُتبت بعجل، وفي ليلةٍ واحدة، وأُنزل على الحضور إنزالاً، ولم يكونوا قد اطلعوا عليه بوقتٍ كافٍ، لإبداء الرأي والنقاش. بهذا المعنى، كان التقرير فضيحة، تختزل فضائح التجمّع برمّته.

إذن، وفي الصّلة بالتقرير، عكس مؤتمر التجمّع المخاضات التي آل إليها، فقد وُلِد ولادة مشبوهة، واستولت على نشأته الأولى، وسيرورته المتتالية، ملابساتٌ تؤكّد أنّه أداة استعماليّة خالصة بيد القطبيّات المسيطرة على البلاد. ولذلك، كان الاجتماع العام الأخير محفوفاً بهذه الخلاصة، ولم يكن التقرير السياسي سوى وسيلة للتخفيف منها، وتحويل الأنظار إلى أماكن أخرى.

بالطّبع، قد لا يكون كاتب التقرير معنياً بواقع التّجمع، ولا هموماً بمستقبله – المغلق أصلاً – ولكن ثمّة رغبة تتسرّب بين السّطور لإعادة تشكيل عقدة الاعتراف التي تحوّلت مع الوقت إلى عقدة الشّرعيّة. 

ليس خافياً أنّها ذات السّيرة المؤلمة للنّظام الخليفي. فالأخير – في تاريخه كلّه – ظلّ ملاحقاً بكلا العقدتين، ومن المستحسن للشّيخ عبداللّطيف المحمود – قبل غيره - أن يستوعب هذه المسألة، باعتبار أنّ إنشاء الفاتح ليس سوى استمرار لما كان يفعله الخليفيّون عبر تاريخهم، حيث كانوا يعملون على إعادة تركيب القطاع القبائلي المحيط بهم في أوقات الأزمات والصراعات الشديدة، وحين كانوا يستنفدون الأغراض الاستعماليّة من أيّ إنشاء قبائلي جديد، فإنهم يعمدون إلى ضربه وتفتيته، وبوسائل مختلفة، وغالباً ما يتم اللّجوء إلى وسيلة الضرب من الدّاخل، وإحداث البلبلة بين الأتباع، لأجل زعزعة الثقة وترحيلها أو توزيعها إلى جهات وتجمعات وزعامات أخرى. من هنا كان استهتار النّظام بمطالب التجمّع المرفوعة في البداية، واللّجوء إلى تمزيقه عبر صحوة الفاتح وجماعات الإخوان والسّلفيين وغيرهم – تصريحات عادل المعاودة الأخيرة لصحيفة "البلاد" مثلا- وفي هذا السياق أيضاً تأتي الممارسات الأمنية ضدّ شخصيات سنية مثل محمد البوفلاسة ومحمد الزياني والتّضييق على آخرين وتكميم أفواههم.

في الخلاصة، كُتبت وفاة التجمّع في آخر اعتصاماته في مسجد الفاتح، وأعلن عنها في اجتماعه العام الأخير. وكان التقرير السياسي محاولة – ضمن محاولات أخرى – للتخفيف من جنائزية النهاية، وهي أصلاً كانت محلّ استيعاب كامل من جمهوره المشتّت مسبقاً، ولم يكن الأخير في وارد التفجّع وإرسال البواكي. لقد برع صانعو التجمّع في تقطيعه تدريجياً، وبخطواتٍ متقنة تنمّ عن واحدة من عبقريّات المشير غير المعلنة.

والحقّ، أنّ نهاية الفاتح تستحق الرّثاء. من مئات الآلاف التي استجابت للإرادة الإلهيّة – بحسب المحمود – إلى 267 فرداً تمّ جمعهم تجميعاً لإتمام النّصاب، وعلى وقْع خلافٍ سخيف على "دينار" الاشتراكات. من صوتٍ معتدل – اسمه الشّيخ عبد اللّطيف المحمود - الذي تمايز عن فتن الجاهليّة الأولى، إلى "ماردٍ سنيّ" يفيض بالإشعاع الطائفي، وترعاه بالفتاوى جوقة مبتذلة من الكتبة والإعلاميين. شيخ يلمّ شتات الكذّابين وأصحاب السّوابق. شيخٌ تخلّى – في أواخر عمره – عن عباءة التّقوى، وارتدى بزّة العسكري الذي يأخذ مرجعيته الكلاميّة من "مولانا المشير". أشاع الكراهيّات. أجهض التسامح الممكن. سمّمَ العيش المشترك. أعطى بعض الجمهور ذرائع مفتوحة لارتكاب الفواحش السياسيّة والوطنيّة، ما ظهر منها وما بطن. إنها نهاية سوداء. 

لهذه الأسباب، يُفترض بالمعارضة أن تتخلّص من عقدتها المستديمة حيال الاتهام بالطائفيّة، وتكفّ عن اعتبار تجمّع الوحدة الوطنيّة – وكلّ التجمعّات المتناسلة من الفاتح – طرفاً سياسيّاً ثالثاً في المعادلة الوطنيّة، أو في التفاوضات الممكنة. فهو لا ينفصل عن لعبة الحكم، وسيظل محكوماً بيد الارتهان، مهما أظهر من تذاكٍ ومن تقارير سياسيّة طائشة. وللأسباب نفسها، أتى الوقت لكي تتخلّص المعارضة من إرثها الثقيل المتمثّل في شخص الشّيخ المحمود، فهو الممثّل الرّمزي للتجمّع الذي تحمّل – حتّى الآن – أقذر مهمّة في تعليب جرائم النّظام، وباعتراف تقريره المشين نفسه. للإخوان جرائرهم، وللسّلف سجّلاتهم السّوداء، ولعدد من وجهاء الشّيعة خطاياهم البشعة، ولكن لتجمّع المحمود النّصيب الأكبر من الفداحة، وفي كلّ ذلك.  

الجرائم السّتة

ارتكب تجمّع الوحدة الوطنيّة – ممثلاً في شخص الشّيخ عبداللطيف المحمود - "جرائم" وطنيّة بشعة، وهي بكلّ المقاييس تعدّ جرائم غير مسبوقة في التاريخ السياسي. وغير مستبعد الرأي الذي يذهب إلى أنّ التقرير السياسي – برغم فحش مضمونه – كان محاولة ميؤوسة للتغطية على هذه الجرائم. ومنها:

•  جريمة تمزيق الوطن طائفياً، وما تبع ذلك من استقطاب حاد لم تشهده البحرين في تاريخها الحديث، وهي لا تزال تعاني من ارتدادتها على كلّ المستويات، بما فيها المستوى الاجتماعي والإنساني والثقافي.

•  جريمة تأخير الإصلاحات السياسية الممكنة، والتي كان يمكن أن تحقق الاستقرار السريع للبحرين وتجنّبها الكثير من الخسائر المادية والمعنوية وسلسلة الضّحايا والمعاناة الطويلة والمرّة. وتبرز هذه الجريمة مع ملاحظة "المطالب" التمويهيّة التي رفعها التجمّع، والتي تبيّن فقدانه للمشروع السياسي ومشاركته في تمييع المطلب الديمقراطي الحقيقي، وإيهام جمهوره بوجود مخاطر كارثيّة في حال تطبيق الديمقراطيّة مرّة واحدة، مردّداً التبريرات الحكوميّة التي تبقي على الاستبداد مع إدخال التحسينات الشّكليّة عليه.

•  يتحمل القائمون على التجمع تعطيل الحوار الجاد، وكانوا وسيلة ناجعة لإهدار المزيد من الوقت في "الكرنفالات" الحكوميّة، وبالتالي تعطيل فرص الوصول إلى توافقات وطنيّة للإصلاح الشامل والجذري والفوري. وليس خافياً الدّور "الصّبياني" الذي أوكل إليهم فيما سمّي بحوار التوافق الوطني، حيث تولّوا إفراغ طروحات المعارضة من مضمونها، وإغراق الحوار بمطالبات وهميّة بغرض التستّر على جوهر الخلل الديمقراطي في البلاد، وتأجيل الحلّ، وتخليص النظام من الضعوطات الخارجيّة.  

•  يتحمّل التجمّع – وبشخص المحمود أيضاً – والمشاركة مع السلطة؛ جريمة تدويل القضية البحرينية، وذلك بإدخال قوّات درع الجزيرة، ومباركة القمع والانتهاكات المفتوحة التي تجاوزت الحدود. ومن ذلك، الإدلاء بشهادات زور عن الوضع الداخلي من خلال إرسال الوفود، وإرسال الرسائل إلى الجهات الخارجيّة.

•  وهم الذين أجرموا بحق الشعب حين أصرّوا على بقاء الحكومة ورئيسها، وجعلوه رمزا للسنة، في حين أن رحيله كان يمكن أن يكون جزءاً من الحل المرحلي، والبدء بتشكيل حكومة انتقالية يشترك فيها الجميع.

•  ولم يكتف التجمّع بجريمة تعقيد الوضع المحلي، بل كان سبباً مباشراً في إثارة الوضع الإقليمي. فهم مسئولون عن جريمة الشحن الطائفي في كل دول الخليج والدول العربية الأخرى التي أرسلوا إليها الوفود، وكانوا جميعاً أداة متحرّكة في الخارج لإعلان الحرب على المعارضة الديمقراطيّة في الداخل، وتسويق تهم الخيانة والطائفيّة والارتباط بإيران.


الهوامش

1.  حوار مع عبد الجليل خليل، صحيفة "الوسط"، العدد 3593 بتاريخ 09-07-2012م.

2.  مثلاً: نجاة المضحكي، مقال "أمانة الأمة.. تتطلب سحب تقرير جمعية تجمع الوحدة الوطنية"، صحيفة الوطن، العدد 2408. قارن: مقالات الكاتب في صحيفة "الوسط" حول التقرير.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus