التعليق السياسي: كلام في المعارضة

2012-08-11 - 7:42 ص


مرآة البحرين (خاص): لم ييأس النّظام من تحطيم صفوف المعارضة، وهو يرغب ويعمل على تحقيق ذلك بشتى الطّرق، ودون توقّف. تمزيق المعارضة ليس هدفاً بذاته، ولكنه وسيلة لأهداف كثيرة، أهمها التخلّص من اجتماع التلاوين الفكريّة والمذهبيّة ضدّ حكمه الاستبدادي، وضمان الانفراد بخصم ضعيف في أوقات التفاوض. هذه حقيقة لا تغيب عن أعين المعارضة، فالأخيرة ترى كلّ يوم مكيدة أو محاولة من النّظام لشقّ صفوفها، وإثارة النزاعات الدّاخليّة بينها.

غير مستبعد أن يُحرِّك النّظام وسائلة القديمة/ الجديدة في ذلك خلال الأيام المقبلة. هو يمرّ بضائقة يوميّة بسبب احتجاجات الشّارع التي لا تهدأ. الأهالي يحتجّون في شهر رمضان ظهراً وعصراً ومساء وفجراً، والثّورة لا تنطفيء، ولا تتراجع، ولا توجد نيّة لأنْ ترقد السّاحات والميادين، الموعودة بحزمة من الفعّاليات في ذكرى الاستقلال. ومهما أظهر النّظام قوّته الغاشمة، وغروره في "اتخاذ الاجراءات القانونيّة"، فإنه يظلّ مصدوماً من صمود الثّوار واستعداد النّاس لتقديم التضحيات، وهو – أي النّظام – ليس مستعداً للتعايش الأمني طويلاً مع واقع الصّمود الشّعبي من جهة، وليس لديه الضّوء الأخضر الكافي لإشعال حربه ضد النّاس إلى ما لا نهاية. النّظام في ورطة لا حدود لها، وأزمته الدّاخليّة باتت تُشكّل عبء ثقيلاً على وجوده وعلى أصدقائه والدّاعمين له.

عندما يضيق الحال بنظام ديكتاتوري مثل النّظام البحريني، فإنه يلجأ عادةً إلى أمرين، إثارة الفتنة بين جموع المعارضين، وإشغال النّاس بمشاكل مفتعلة تطحن بعضهم ببعض، والأمر الثاني تحريك دعايات مضلّلة حول الحوار والتوافق الوطني وبقية الدبكة التي يعرفها النّاس، ويعرفون مواسمها.

لاشكّ أن ثمّة استحقاقات في الطرّيق القريب، لذلك تحتاج المعارضة إلى أن تقوِّي صفوفها أكثر، وأن تتحلّى بنسب أكبر من التعاضد والتضامن والقدرة على تحمّل اختلافاتها الداخليّة، وتفريغ الفتن المُسرَّبة إليها. وبالمناسبة، فإنّ موقف المعارضة التضامني مع جمعية "أمل"، بعد أن حلّها النّظام، كان جيداً، ولكنه غير كافٍ، وكان يُفترض أن يأخذ مدى أكبر لكي تبرز اعتراضاً أكثر جدّية. والأهم من ذلك، كان مطلوباً من المعارضة أن تقدِّم رسالة واضحة بأنّها غير مشغولة بالمحافظة على كياناتها "القانونية"، وأن عملها المطلبي ليس رهين تمسّكها بآليات قانون الجمعيات سيء الصّيت. لازال الوقت متاحاً لعرض هذه الرسالة وتأكيدها، لكي لا يملك النّظام ورقة معنويّة يستخدمها في ممارسة الضّغط النفسي وابتزاز المواقف الرماديّة من المعارضة.

في السّياق نفسه، مفترضٌ من المعارضة ألا تنظر إلى أجواء النقد الموجّهة إليها وكأنها جزء من حفلة النّظام ضدّها. هي بحاجة مستمرّة إلى مثل هذه الأجواء، ومن المتوقّع أن اللقاءات الرمضانيّة لأمين عام جمعية الوفاق ساهمت في ارتفاع منسوب التساؤلات النقديّة للمعارضة، خصوصاً مع إعادة طرْح مسرحية الحوار، ومع اللقاءات المفاجئة التي حصلت مع وزيري الدّاخلية والعدل، وهما ضليعان مباشرة بالجرائم التي تُرتكب يومياً بحقّ الأهالي. هذه المعطيات تدفع النّاس بقوّة إلى طرح أسئلتها "الحادة" ولكن الطّبيعيّة، والتي لابد أن تؤخذ من جانب المعارضة بمزيدٍ من التفكير، وليس الاستقبال الإيجابي فقط.

حاولت المعارضة توضيح رأيها من اللقاءات التي تمّت، ومن الواضح أنّها كانت معنية بأن تكون بياناتها حول اللقاءات واضحة للنّاس وتشفي الغليل. لكنها غير متفاجئة بأنّ ذلك لم يقطع الانتقادات، وتلك ميزة لا ينبغي التفريط بها. فالمعروف أنّ المعارضة في البحرين كانت دائماً عرضة لذلك، لأنّ جمهورها اكتسب درساً ثميناً من ثورة اللؤلؤة، مفاده أنّ مقاومة النّظام تحتاج إلى تظافر جهود الجميع والتّلاقي مع موجات الشّارع واحتجاجاته، وأنّ أية معارضة - ومهما كان إخلاصها وعزْمها - لا ينبغي أن تنفرد بالسّاحة، أو تأخذ الأحداث إلى حيث تشاء، وبعيداً عن المساءلة والمكاشفة. ولذلك يبادر الجمهور دائماً لطرح الأسئلة، وقد تبرز أصوات "معنّفة" بين السّائلين، وبعضها يصل حدود "التشكيك" اللّصيق بالتخوين، ولكنها حالات لا تلغي ضرورة النقد "الجدي"، مادامت المعارضة تقدِّم نفسها باعتبارها معارضة "جدّية". 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus